علماءُ من المَرصَدِ الأوروبيّ: توجدُ أَدِلَّةٌ على وجودِ كَوكَبٍ شبيهٍ بالأرض في النِّظامِ الشَّمسِيِّ الأقربِ إلينا

النِّظامُ الشَّمسِيُّ الأقربُ  إلينا  هو ألفا سينتاوري (Alpha Centauri)، الَّذي  يشملُ  نَجمَيْن كبيرَيْن (A و B)، ونجمًا قزمًا أحمرَ  صغيرًا وباهتًا، هو أقربُ  إلينا  ويبعدُ عنَّا  أربع سنوات ضوئِيَّة ورُبع السَّنة، فقط.   لهذا السَّبَب أُطلِقَ على   القزَمِ  الأحمَرِ الاسم   "بروكسيما سنتوري" أو "القنطور الأقرب" ( Proxima تعني باللَّاتينيَّة "القريب"). علماءُ الفَلَك  من المَرصَد  الجنوبيّ الأوروبيّ (ESO) أشاروا، ضمن مقالة في  مجلة Nature، إلى أَنَّهُم  وجدُوا أَدِلَّةً  على وجودِ كَوْكَبٍ شبيهٍ بالأرض، يدورُ حَوْلَ هذا النَّجم  الباهت.  قد يكون هذا الكوكبُ أقربَ مكانٍ صالِحٍ للحياةِ إلينا، خارجَ نِظامِنا الشَّمسيّ. 
 

كَوْكَبٌ صالحٌ للحَياة 

وفقًا للنتائِج ، فإنَّ هذا الكَوكَبَ الصَّخرِيَّ أكبرُ قليلًا من الأرض. إنّه يبعدُ عن بروكسيما سنتوري سبعة ملايين كيلومتر، فقط،  وهو يُكمِلُ  دَوْرَتَهُ حولَ النَّجم خلال 11.2 يوم، فقط (للمقارنة: يبعد عطارد،  الكوكب الأقرب إلى شمسنا، 55 مليون كيلومتر عنها  ويُكمِلُ  دورته حولها كلّ 88 يومًا ). على الرَّغم  من هذا القرب، ولِكَوْنِ نجوم القزمِ الأحمرِ خافتةً نسبِيًّا، فإنَّ سطحَ الكَوْكَبِ ليس متوهِّجًا، ويبدو أنَّه يُتيحُ وجودَ الماء السَّائِل؛  الشَّرط لوجود الحياة، كما نعرفها.

بالرَّغم من الظُّروف البيئيَّة الَّتي تبدو واعدة، من الجدير بالذِّكر أنَّ ما نعرفه عن هذا الكوكب لا ينبع عن مشاهدته أو تصويره، وأنَّ جميع النتائج المتعلّقة به تنبع عن التَّحليل الرِّياضيّ.   غالبيَّة كواكِب  الأنظمة الشَّمسِيَّة الأخرى لا يُمكِنُ مُشاهدتُها وتصويرُها، نظرًا لِبُعدِها  الكبير عنَّا، ولِكَونِها أجسامًا صغيرةً نسبِيًّا، ولأنها قريبة من نُجومٍ ساطعةٍ جِدًّا. إنَّ مُحاولة رؤية كَوكَب في نظامٍ شَمسِيٍّ آخرَ تُشبِهُ مُحاوَلَةَ تصويرِ بعوضةٍ تحومُ حَوْلَ بقعةِ ضوءٍ ضخمةٍ، بواسطة كاميرا تبعدُ عنها آلاف الأميال.

إذًا، كيف يُمكنُ، مع ذلك، رصدُ هذه الكواكب؟ يعتمدُ علماءُ الفلك عادةً على قياس شِدَّة  ضوء النّجوم  نفسها بِدِقَّةٍ، أي الكواكِب الَّتي تدورُ حَوْلَها.  في حال رصد انخفاضٍ دوريّ صغير  في شِدَّة  ضوء النَّجم، يُمكنُ الاستنتاج أنَّ جِسمًا مُعَيَّنًا يَمُرُّ بينَنا وبينَ  ذلك النَّجم بشكلٍ مُنتَظَم.  وفقًا لمدّة الدّورة ولدرجة انخفاض الضّوء (الَّتي تكون في حالاتٍ كثيرةٍ أقلَّ من  واحد في المائة)، يُمكِنُ  حسابُ حجمِ الكوكب، بُعدِه عن الشمس وبيانات أخرى.

توجَدُ طريقةٌ مُتَّبَعةٌ أخرى لرصد الكواكب، تستندُ على قياس التّغيُّرات  في سرعة دوران النَّجم.  هذه الطَّريقةُ تعتمدُ  على انحراف مركز ثقل النَّجم عن مركز ثقل النِّظام الشَّمسِيّ  بأكمله، بفعل الجاذِبيَّةِ  بين النَّجم  والكوكب الَّذي  يدور حَوْلَهُ.  في نِظامِنا الشَّمسِيّ، مثلًا،   تَبَيَّنَ أنَّ الشَّمسَ،  بفعل قُوَّة الجاذِبيَّة،   تقتربُ مِنَّا  وتبتعد عنَّا  بشكلٍ دَورِيّ،  وبقدْرٍ  قليلٍ، لكنَّهُ كافٍ لإحداث ذَبذَباتٍ ضئيلةٍ يصعُبُ قياسُها.  لكنّ التّلسكوب الأوروبيّ،  الموجود في جمهورية تشيلي، يحتوي على تقنيَّةٍ  متطوّرةٍ يُمكنها أن تقيس بدقَّةٍ متناهيةٍ التّغيُّرات الضّوئيَّة للنّجوم وأن تُحَدِّدَ ما إذا كانَ بعدُها عنَّا يتغيَّرُ، ، وفي أيِّ اتّجاه. هذه القياسات تُتيحُ   للباحثين أن يقوموا بحساب حجم الكوكب الَّذي  يدور حول النّجم  وبعده عنه،  واستخلاص نتائجَ  مختلفةٍ تتعلَّقُ بتكوينه وبالظّروف السَّائِدة على وجهه. وفي الواقع، بهذا الشّكل يتمُّ رصد  وتحديد الكوكب في نظام بروكسيما سنتوري.

شمس شاحبة وقريبة، وشَمسَان  بعيدَتان أُخرَيان. سطح الكوكب بعيُون فنَّان | المصدر: ESO / L. Calçada أعلاه: نجم القنطور الأقرب (بروكسيما سنتوري )كما صَوَّرَهُ مرقاب هابل الفضائيّ.| المصدر: ناسا

 

أقاربُ كَوْنِيُّون 

البحث عن الكواكب في الأنظمة الشَّمسِيَّة الأخرى بدأ يكتسِبُ زخمًا، وفي السَّنوات الأخيرة تمَّ اكتشاف أكثر من 3000 كوكب. غالبيَّةُ الكواكب الَّتي اكتُشِفَت  كبيرةٌ جِدًّا  وتحومُ في مداراتٍ قريبةٍ جِدًّا من النّجوم، لذلك، فإنَّها شديدة الحرارة ولا تُتيح وجودَ الحياةِ عليها. حوالي عشرة كواكب من الَّتي تمَّ اكتشافها حتّى الآن، فقط، حجمُها قريبٌ من حجم الأرض ويُحتملُ أن تكون صالِحةً للحياة.  أسطُح هذه الكواكب تتكوَّن من الموادِّ الصَّخريَّةِ الصّلبة وهي موجودةٌ في النِّطاق الصَّالِح للحياة (habitable zone): إن بُعدَها عن نجمها يجعل  درجات الحرارة السّائِدة على أسطُحِها معتدلة نسبيًا،  تُتيحُ وجودَ الماء السائل عليها، الأمر الَّذي يجعلُها صالِحةً للحياة.   رصدُ هذه الكواكب صعبٌ جِدًّا، نظرًا لِمَحدودِيَّة طُرق البحث. على المدى البعيد، ومع التّطوّر الَّذي يُمكن أن يحدث في مجال تقنيَّات  البحث، يُمكِن أن يكونَ عددُ الكواكب الصَّالحة  للحياة في الأنظمةِ الشَّمسِيَّةِ الَّتي   سوف يتمُّ اكتشافها  أكبرَ بكثير مِمَّا  تمَّ رصدُه حتّى الآن. 

 غالبيَّةُ  هذه الكواكب تبعُدُ عنَّا عشرات، أو مئات السَّنوات الضَّوئيَّة ، لذلك، حتَّى إذا وُجِدَت الحياةُ عليها، فإنَّ التَّواصُلَ معها  سوف يكونُ  في نطاق المستحيل على المُستوى العمليّ. أما على الجانب المشرق، فإن الكوكب الَّذي  يدور حول بروكسيما سنتوري  يبعد عنَّا  4.25 سنة ضوئيَّة  فقط.  هذه المسافة تُعتبَرُ، من النَّاحيَة الفلكيَّة،  قريبة جِدًّا إلينا. وإذا  وُجِدَت على هذا الكوكب  بالفعل حياةٌ يُمكِنُ التَّواصُلُ  معها، فإنَّ  هذا التّواصُلَ سوف يكونُ بطيئًا.   إنَّ عمليَّةَ إرسالِ ِ سُؤالٍ إلى هناك  والحصول على إجابةٍ، سوفَ تستَغرِقُ  حوالي 8.5 سنة. 

حتّى إذا وُجِدَت  حياةٌ ذَكِيَّةٌ على كوكب بروكسيما سنتوري، ونجحنا في التَّواصُلِ معها،  فإنَّنا لا نستطيع عملَ أكثر من ذلك بواسطة التّقنيَّات  الحاليَّة. حتّى المركبة الفضائيَّة السَّريعة جِدًّا،   مثل مركبة "الأفق الجديد" (new horizons)،   الَّتي مرَّت بكَوْكَب بلوتو في العام 2015، والَّتي تُحَلِّقُ  بسرعة تفوق مليون  ميلٍ في اليوم،  تستغرقُ  أكثرَ من 70 ألف  سنة للوصول إلى  بروكسيما سنتوري ، وهي مُدَّةٌ تعادِلُ  سبعةَ َ أضعافِ تاريخِ  البشَرِيَّةِ المُدَوَّن بأكملِهِ.   حتَّى  في حال التَّوَصُّل إلى  قفزات تقنيَّةٍ  نوعِيَّةٍ،  مثل المركبات الصّغيرة التي بادرَ بفكرتها الفيزيائيّ الشَّهير ستيفن هوكينغ (Stephen Hawking)، والَّتي تسيرُ بسُرعةٍ تُعادِلُ  خُمسَ سرعةِ الضوءِ، فإنّ الحديث ما يزالُ يدورُ حولَ رحلةٍ تستمرُّ  20 عامًا على الأقَلِّ،  ومن الأرجَحِ أن تكونَ المُدَّةُ أطولَ بالنِّسبَةِ  للمركبات الفضائيَّةِ أو المحطَّات الفضائيَّة المَأهولَة،  كما أنَّ كَوْنَ هذه التّقنيَّات قابلةً للتَّطبيق بالفعل في الأجيال القادمة هو أمرٌ مشكوكٌ فيه إلى حَدٍّ كبير.  

إنَّ التَّشابُهَ النِّسبِيَّ بين كَوْكَب بروكسيما سنتوري والأرض، من ناحِيَة  الحجم، الصَّلابَة  ودرجة الحرارة ما زال غيرَ كافٍ لضمانِ مُلاءَمَتِه  لوجود الحياة، بشكلها المعروف لنا، على الأقلّ. . لقد توافقَت  على الأرض ظروفٌ عديدةٌ  أخرى تُمَكِّنُ من وجودِ  الحياة عليها، مثل  وجود غلافٍ جَوِّيٍّ  مناسبٍ وحقلٍ مغناطيسِيٍّ يشكلُ حزامًا  إشعاعِيًّا (حزام فان آلن) يحمينا من العواصف الاشعاعيَّة الفضائيَّة.  لمعرفة ما إذا كان هناك احتمال لوجود حياة، أو لتوفّر  ظروفٍ تناسبُ وجودَها،  يحاولُ علماءُ الفيزياء الفلكيَّة، بواسطة الوسائِل المُختلفة،  دراسة  التَّركيب الكيميائيّ للكوكب ولبيئَتِهِ.   إذا وُجِدَت علاماتٌ على وجودِ المياه والموادِّ العضوية، فقد يكونُ هذا مؤشِّرًا على وجود الحياة.   من النَّاحِيَةِ الإحصائيَّةِ،  يُمكِنُ أن تكونَ هذه الكائنات بدائِيَّةً  ومُشابِهةً  للبكتيريا أُحادِيَّة الخليَّة، كما يُمكِنُ أن نتخَيَّلَ وجودَ  كائناتٍ معقدَّةٍ تتحلَّى  بلمسةِ ذكاءٍ كَوْنِيَّة.

 

الترجمة للعربيّة: د. علاء سمارة
التدقيق اللغوي: أ. خالد صفدي
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات