اكتشف باحثون أنّ جزيئًا يُفرَز في مجرى الدّم خلال القيام بالنشاط الجسمانيّ يُثبط الشهيّة ويؤدّي إلى فقدان الوزن. قد يؤدّي هذا الاكتشاف إلى تطوير عقار لفقدان الوزن في المستقبل

أصبح الوزن الزائد والسّمنة المُفرطة أمرًا شائعًا في العالم الغربيّ. يعاني الأشخاص ذوو السّمنة المفرطة، أكثر من غيرهم، من مشاكل صحّيّة خطيرة مثل أمراض القلب والجلطة الدماغيّة والسُكّري وأنواع معيّنة من السرطان. 

يُسهم النّشاط الجسمانيّ المنتظم كثيرًا في صحّة الجسم، فهو يعمل على تنظيم الشهيّة وفقدان الوزن وفي نواحٍ أخرى، خاصّةً لدى الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد. يصعُب على كثيرٍ من النّاس تغيير نمط حياتهم والمثابرة على ممارسة النّشاط الجسمانيّ لمدّة طويلة، ولا يقدرُ آخرون على ممارسة النّشاط الجسمانيّ الفعّال بسبب معيقات صحّيّة مختلفة، ويبحث الكثيرون عن الحلول السّهلة والسّريعة. 

أجرى علماء من كلّيّة الطّبّ في جامعة ستانفورد، بالاشتراك مع معاهد أخرى، دراسةً نشروها في مجلة Nature، فحصوا خلالها المواد التي تُفرَز في مجرى الدّم في عمليّة الأيض الطبيعيّة في الجسم بعد القيام بنشاط جسمانيّ شاقّ. ركضت، في هذه الدراسة، فئرانٌ على جهاز المشي خمسة أيام في الأسبوع، بسرعة وانحدار متزايدٍ، إلى أن استنفدت قواها. جمع الباحثون بعد ذلك سوائل دم الفئران، وفحصوا المواد التي أُفرزت فيها. وجد الباحثون أنّ موادّ كثيرة تراكمت في الدّم في أعقاب النّشاط الجسمانيّ الشاقّ، برزت من بينها، بشكلٍ خاصّ، مادّة لاكتويل - فنيل ألانين (Lac-Phe, Lactoylphenylalanine) التي تُسهم في الحفاظ على توازن الطّاقة في الجسم. يتكوّن جزيء لاكتويل - فنيل ألانين من اتّحاد اللاكتات الذي يُنتَج في العضلات عند القيام بمجهود جسمانيّ، وقد يؤدّي إلى الإحساس بالحرقة والألم في العضلات، مع الحمض الأمينيّ فينيل ألانين الذي يشكّل أحد لبنات بناء البروتينات في الجسم. 

מולקולת Lac-Phe | מקור: Egon Willighagen, Wikipedia
وجد الباحثون تراكم هذه المادّة في الدّم بعد القيام بنشاط جسمانيّ شاقّ. جزيء Lac-Phe | المصدر: Egon Willighagen, Wikipedia

 

الفئران والخيول والبشر

وجد الباحثون أنّ النشاط الجسماني الشاقّ أدّى إلى ارتفاع كمّيّة هذا الجزيء بعد التمرين عند خيول السباق أيضًا. ووجدوا ارتفاعًا مشابهًا عند 36 شخصًا، بعد قيامهم بتمارين المشي المضنية على جهاز المشي. طلب الباحثون من مجموعة أخرى من الأشخاص القيام بثلاثة أنواع مختلفة من النشاط الجسمانيّ، فتبيّن لهم أنّ الركض السّريع أدّى إلى الارتفاع الأكبر في كمّيّة Lac-Phe التي بلغت ذروتها بعد مرور ساعة من الوقت من نهاية التمارين، وتضاءلت كثيرًا فقط بعد مرور ثلاث ساعات. كان تأثير تمارين القدرة في التحمّل وتمارين المقاومة أقلّ من ذلك. 

تقدّم الباحثون بعد هذه النتائج خطوةً أخرى إلى الأمام، وفحصوا فيما إذا كان هذا الجزيء يُسهِم في تنظيم الشهيّة وتوازن الطاقة في الجسم وتخفيض الوزن. حَقنَ الباحثون، لهذا الغرض، جرعاتٍ غنيّة بالمادّة في فئران ذات سمنة مفرطة، ففقدت هذه الفئران من شهيّتها، وأكلت خلال 12 ساعة تلت الحَقْن، نصف كمّيّة الطّعام التي أكلتها الفئران التي لم تُحقن بالمادّة، على الرغم من عدم اختلاف مستوى الحركة والنشاط بين مجموعتَيْ الفئران. تقلّصت الطّبقاتُ الدّهنيّة لدى الفئران التي واصلت العلاج لأيام عِدّة، فأكلت كمّيّاتٍ قليلة من الطعام وانخَفض وزنها، وتحسّن توازن السكر في الدم. في تجربة أخرى، فقدت الفئران التي تفتقر للقدرة على إنتاج Lac-Phe عندما قامت بالنّشاط الجسمانيّ من وزنها أقلّ من الفئران العاديّة - وهذا دليل آخر على أهمّيّة Lac-Phe في عمليّة تقليل الوزن. 

يقول الباحثون إنّ من شأن هذه الدراسة أن تؤدّي إلى تطوير عقار يُثبط الشهيّة ويعمل على فقدان الوزن، إلّا أنّ هناك حاجة لدراسات أخرى لِفهم آليّة عمل هذا الجزيء وهل يؤثّر في الدّماغ، وكيف يُنظّم الإحساس بالجوع والشّبع، وهل يُثبط شهيّة الإنسان أيضًا ويؤدّي إلى تقليل وزنه. من المهمّ أيضًا فحص درجة الأمان والسّلامة في تناول مثل هذا العقار وآثاره الجانبيّة وفعاليّته على المدى البعيد، فقد أزيلت في الماضي من على رفوف المتاجر أدويةٌ لتخفيض الوزن بعد أن أدّت إلى أعراض جانبيّة صعبة. قد تكون إحدى العقبات في طريق إنتاج علاج لفقدان الوزن، يعتمد على هذا الجزيء، صعوبةُ صنع قرصٍ يتمّ تناوله بالبلْع. 

يبدو أنّ المادة تتحلّل في الجهاز الهضميّ، إذ لم يتغيّر استهلاك الغذاء أو وزن جسم الفئران التي أُعطيت المادّة عن طريق الفم. يتطلّب تناول العقار عن طريق الفم تطوير نسخة أكثر ثباتًا من جزيئاته. لدى صناعة الأدوية فرصةٌ سانحة، على الرّغم من التّحفظات، لِتطوير علاج جديد من شأنه أن يساعد في خفض وزن الجسم. يعتقد الباحثون أنَّ مثل هذه القدرات العلاجيّة قد تكون مفيدةً بشكل خاصّ للمرضى غير القادرين على القيام بالنّشاط الجسمانيّ الشاقّ، بسبب أمراض القلب وهشاشة العظام (أوستيئوفوروزيس) وغيرها من المعيقات الجسمانيّة. 

من المستحسن والمهمّ الاستمرار في ممارسة الرّياضة بانتظام، مع وجود دواء تقليل الوزن أو بدونه، وتذكُّر الآثار السلبيّة لانعدام النّشاط الجسمانيّ في الصّحّة، التي تتجاوز كثيرًا مجرّد حرق السّعرات الحراريّة وفقدان الوزن.

تمت الترجمة بتصرّف

0 تعليقات