بحث جديد يحلّل جزئيّا الآليّة الّتي تغيّر أداء الخلايا الدّهنيّة وتمكّنها من حرق الدّهون وإنتاج الطّاقة منها

الخلايا الدّهنيّة ذات اللون البنّي الفاتح (بيج) هي خلايا كانت في الأصل خلايا دهنيّة بيضاء تخزّن الدّهون بهدف تخزين الطّاقة، ولكنها تحوّلت إلى خلايا تحرق الدّهون. تمّ الكشف في بحث جديد عن الآليّات الرئيسية التي تؤدّي إلى تحويل الخلايا الدّهنيّة البيضاء إلى بنية فاتحة لدى الفئران. وقد تساهم هذه النّتائج في تطوير أدوية جديدة للتّنحيف.

قبل بضع سنوات، تمّ الإعلان عن السّمنة كمرض في إسرائيل. والطّريقة الأساسيّة الموصى بها للتخلص من الوزن الزائد هي تغيير النّظام الغذائيّ ونمط الحياة - خاصّة عبر زيادة النّشاط البدنيّ. ولكن في الوقت نفسه، تتواصل الجهود لاكتشاف المزيد من الطّرق لفقدان الوزن.

يحتوي جسم الإنسان على ثلاثة أنسجة دهنيّة رئيسيّة، وهي موجودة أيضًا لدى الفئران. الأوّل هو النّسيج الدّهنيّ الأبيض الذي يعمل على تخزين الطّاقة، وهو النّسيج الذي يتراكم لدى الذين يعانون من السّمنة. أما النّوع الثاني فهو الخلايا الدهنيّة البنيّة، التي تُحرِق الطّاقة لإنتاج الحرارة، وتلعب بالتّالي دورًا مهمًّا في تنظيم حرارة الجسم لدى الثدييّات.

تحت ظروف معيّنة، تبدأ الخلايا الدّهنيّة البيضاء في التصرّف مثل الخلايا الدّهنيّة البنيّة، ويتحوّل النّسيج إلى نوع ثالث من الأنسجة الدهنيّة: النّسيج الدّهنيّ البني الفاتح (البيج)، الذي يعمل هو الآخر على حرق الدّهون. إنّ عمليّة تحويل خليّة دهنيّة بيضاء إلى بيج هي عمليّة مرغوب بها لدى الذين يريدون خفض وزنهم - أي حرق الدّهون الّتي تتراكم في خلايا الدّهن الأبيض. يسمّى البروتين الرّئيسيّ الذي يعمل في الخلايا لحرق الدّهون Ucp1، وهو يعمل في الميتوكوندريا - عضيّات صغيرة داخل الخليّة تعمل على إنتاج الطّاقة. وفي الواقع، يعود اللّون البنّيّ للخلايا الدّهنيّة التّي تحرق الطّاقة إلى الكميّة الكبيرة للميتوكوندريا فيها. ويشير وجود هذا البروتين في خليّة دهن أبيض إلى أنّها تحوّلت إلى خليّة دهن باللون البنّي الفاتح (بيج).

,צילום מיקרוסקופ אלקטרונים של תא שומן חום | Prof S. Cinti, SPL
حرق الطّاقة لإنتاج الحرارة. صورة من مجهر إلكترونيّ لخلية دهن بنّيّ تحيط بها شعيرات دمويّة | Prof S. Cinti, SPL

 

مئات الجينات

بعض الجينات المشاركة في عملية التحوّل هذه معروفة، إلّا أنّ الآليّة ليست معروفة بالكامل. لهذا السبب، قام مارتن كلينغنسبور (Klingenspor) وفريق أبحاثه من جامعة ميونيخ التقنيّة، بالتّعاون مع بارت ديبلانكي (Deplancke) من المعهد السّويسريّ للمعلوماتية الحيوية، بتحليل فعاليّة الجينات في الخلايا من أجل إيجاد الآليّة الكاملة التي تؤدّي إلى تغيير في طبيعة خلايا الدّهن الأبيض. وقد نُشر البحث في المجلّة العلميّة Cell Reports.

قام الباحثون بتنمية خلايا دهن أبيض في مستنبت. ومن خلال دواء معيّن، قاموا بتحفيز عمليّة تحويلها إلى خلايا دهنيّة ذات لون بيج لفحص كيفية تغيّر فعاليّة الجينات فيها. تمّ استخراج الخلايا من ستّة أنواع فئران تختلف عن بعضها في قدرتها على تكوين خلايا الدّهن البيج وفي نجاعة حرق الدّهون في الخلايا. بالإضافة إلى ذلك، قارن الباحثون بين عيّنات أنسجة دهنيّة من 4 أنواع فئران مهندَسة وراثيًّا لفحص التغييرات الّتي تطرأ على الأيض (التّمثيل الغذائيّ) لديها. كان هدف المقارنة فهم كيفية مُلاءَمة مستوى نشاط الجينات المختلفة لمستوى البروتين Ucp1 في الخلايا الدّهنيّة.

وجد الباحثون مئات الجينات التي يبدو أنّها تشترك في العمليّة، ومعظمها مرتبط بالميتوكوندريا، لكنّ هناك أيضا جينات تشارك في عمليّات أخرى في الخليّة. ومن أجل تحليل المسارات المتعلّقة بالعمليّة، درس الباحثون دور 25 بروتينًا ووجدوا أنّها تعمل في أربعة مسارات منفصلة لتحويل الخلايا إلى خلايا دهنية لونها بيج. كما تبيّن أنّ الاختلافات الجينيّة بين أنواع الفئران المختلفة أدت إلى اختلافات في نشاط هذه البروتينات، وأثّرت بالتّالي في قدرة الفئران على تكوين الأنسجة الدّهنيّة ذات اللون البيج.

بعد ذلك، درس الباحثون إمكانية التأثير على العمليّة عبر موادّ عضويّة يمكن استخدامها في المستقبل لتطوير أدوية. وبالفعل، أدّت اثنتان من الموادّ إلى زيادة في نشاط Ucp1 في الخلايا الدّهنيّة ذات اللون البيج، ما أدّى إلى إحراق الخلايا دهونا أكثر. بالتباين، عندما عُطّل عمل أحد الإنزيمات، تمّت إعاقة نشاط بروتين Ucp1 وإيقاف عمليّة تحوّل الخلية.

يشير الباحثون إلى أنّ تحويل خلايا الدّهن الأبيض إلى خلايا دهن بيج يمكن أن ينبع من عدّة عوامل. في هذه الدّراسة، تمّ تحفيز هذه العمليّة من خلال دواء. ولكن التّعرض المطوّل للبرد ينشّط أيضًا هذا التّغيير، وليس واضحًا بعد إذا كانت الآليّة نفسها التي كُشفت في هذه الدّراسة تعمل في تلك الحالة.

أسفر هذا البحث عن الكثير من المعلومات، ولم يتمّ فحص سوى جزء صغير من نشاط الجينات المكتشفة. يعني ذلك أنه  ما زال هناك مجال واسع للمزيد من الأبحاث حول عمليّة تحويل الدّهون البيضاء إلى بيج. ولا يجب أن ننسى أيضًا  أنّ هذا البحث أُجري على الفئران، ومن غير المعروف حاليًّا إذا كانت المسارات عينُها تعمل في جسم الإنسان أيضًا.

 

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات