دواء جديد يعمل ضدّ ببتيد بيتا النّشوانيّ (Amyloid beta)، وقد أُثبتت فعاليّته لدى المرضى في المراحل المبكّرة من المرض
دواء جديد يعمل ضدّ ببتيد بيتا النّشوانيّ (Amyloid beta)، وقد أُثبتت فعاليّته لدى المرضى في المراحل المبكّرة من المرض
وافقت "إدارة الغذاء والدّواء" الأمريكيّة (FDA) على دواء جديد لعلاج المراحل المبكّرة من مرض ألزهايمر (Alzheimer's disease) يُسمّى: "دونانيماب" (donanemab-azbt)، والمعروف باسمه التّجاريّ "كيسونلا" (Kisunla)، من إنتاج شركة "إيلي ليلي" (Eli Lilly). يتميّز مرض ألزهايمر بالتّدهور المستمر في مهارات التّفكير، معالجة المعلومات، تضرّر الذّاكرة، والقدرة على الإدراك المكانيّ. يتكوّن ببتيد بيتا النّشوانيّ وبروتينات "تاو" (Tau protein) بشكلٍ طبيعيّ في الدّماغ. مع ذلك، يتراكم هذان البروتينان ويترسّبان في دماغ مرضى ألزهايمر، ممّا يشكّل بيئة سامّة تؤدّي إلى موت الخلايا العصبيّة، ومن ثمّ تظهر أعراض المرض.
يعمل دواء "كيسونلا" كجسمٍ مضادٍّ، يتعرّف على ببتيد بيتا النّشوانيّ ويرتبط بترسّباته في الدّماغ، ممّا يحفّز الخلايا الدِّبقية الصّغيرة (Microglia) التّابعة للجهاز المناعيّ للعمل ضدّ هذه التّرسّبات. يهدف الدّواء إلى تفكيك التّرسّبات ومنع تكتّل أخرى جديدة؛ وبالتّالي منع تفاقم المرض وربّما حتّى تحسين حالة المرضى.
يتميّز المرض بالتّدهور المستمر في مهارات التّفكير، معالجة المعلومات، تضرّر الذّاكرة والقدرة على الإدراك المكانيّ. دماغ ينقصه قطعة بازل | Orawan Pattarawimonchai, Shutterstock
البروتين والذّاكرة
دواء "كسيونلا" مخصّصٌ للمرضى الّذين تظهر لديهم أعراضٌ مبكّرة للتّدهور المعرفيّ ويعانون أيضًا من ترسّبات في ببتيد بيتا النّشوانيّ في أدمغتهم. في تجربة سريريّة شملت نحو 1700 مريض من مختلف أنحاء العالم، أُعطي الدّواء عبر الوريد مرّة واحدة شهريًّا لمدة 72 أسبوعًا لنحو نصف المشاركين، في حين تلقّى النّصف الآخر من المرضى العلاج الوهمي (Placebo). فحص الباحثون تأثير الدّواء على مستوى التّرسّبات في بروتين بيتا-أميلويدّ بواسطة التّصوير المقطعيّ بالإصدار البوزيترونيّ (PET)، ووجدوا أنّ الدواء ساهم في تقليل هذه التّرسّبات مقارنة بمجموعة المشاركين الّذين تلقّوا الدّواء الوهميّ. اعتمد هذا الفحص على حقن المشاركين في البحث بمادّة مشعّة يتعرّف عليها جهاز PET، ممّا يسهل الكشف عن ترسّبات الببتيد. كذلك، فحص الباحثون كمّيّة بروتين "تاو" في أدمغة المشاركين، والّذي على غرار ببتيد بيتا النّشوانيّ، يرتبط تراكمه بتلف الخلايا العصبيّة وانخفاض القدرات الإدراكيّة لدى مرضى ألزهايمر.
إضافةً إلى ذلك، خضع المشاركون لسلسلةٍ من اختبارات الذّاكرة والتّفكير في عدّة نقاط زمنيّة، بما في ذلك: بعد نصف سنة من بدء تناول الدّواء، وبعد سنة،وكذلك بعد التّوقّف عن تناول الدّواء. أظهرت النّتائج أنّ الدّواء أفاد الأشخاص الّذين كانت لديهم مستويات منخفضة إلى متوسّطة من بروتين "تاو" في أدمغتهم عند بدء التّجربة. في هذه الحالات، ساهم الدّواء في تقليل معدل تطوّر المرض، حيث لم يطرأ أيّ تدهور لدى حوالي 47% من الأشخاص بعد عام من تناول الدّواء، مقارنة بـ 29% من الأشخاص الّذين استقرّت حالتهم من المجموعة الّتي تناولت الدّواء الوهميّ.
أظهرت النّتائج أنّ الدّواء كان أكثر فعاليّة في إبطاء تطوّر المرض لدى المرضى الّذين كانوا في مراحله المبكّرة، والّذين بدأوا التّجربة بمستويات منخفضة إلى متوسّطة من ترسّبات البروتين، بالمقارنة مع المرضى في المراحل الأكثر تقدّمًا. أمّا المرضى الّذين وصلوا إلى مرحلة لم تعد فيها التّرسّبات البروتينيّة تُكتشف عبر فحص PET، فقد أرشدهم الباحثون إلى التوقّف عن تناول الدواء. تثير هذه النّتائج تساؤلات حول استمراريّة إخضاع المرضى لفحوصات PET بشكلٍ روتينيّ خلال فترة العلاج بالدواء، نظرًا لتكلفتها العالية والمخاطر المرتبطة بالتّعرّض المتكرّر للإشعاع، وذلك لعدم وجود وسيلة بديلة تمكّن الأطباء من تقييم حالة التّرسّبات بدون فحص PET.
تُعدّ تراكمات البروتينات وترسّباتها سامّة للخلايا العصبيّة. يتعرّف الجسم المضادّ (الأزرق) على بروتين بيتا-أميلويد (البرتقاليّ) ويرتبط به | Juan Gaertner, Shutterstock
الإيجابيّات - والتّكلفة
يؤثّر مرض ألزهايمر على ملايين الأشخاص حول العالم كلّ عام، وقد يساعد الدّواء الجديد في وقف التّدهور في الوظائف اليوميّة للمرضى والحفاظ على جودة حياتهم. مع ذلك، هناك العديد من السّلبيّات المرتبطة بالدّواء أيضًا: يبدو أنّ الدّواء غير فعّال للمرضى الّذين يعانون من مستويات عالية من بروتينات "تاو". بالإضافة إلى ذلك، فإنّ له العديد من الآثار الجانبيّة، بعضها طفيف، مثل: الصّداع، بينما قد يكون البعض الآخر مهدِّدًا للحياة، مثل: ردود الفعل التّحسُّسيّة الحادّة، تغيّرات في بنية الدّماغ، تورّم أو نزيف في الدّماغ. لذلك، يجب إعطاء الدّواء تحت إشراف طبِّيّ دقيقٍ، بحيث أنّه لا يناسب الأشخاص الّذين يتناولون أدوية معيّنة أو يعانون من قصور في وظائف التّخثّر.
هناك أدوية أخرى تستهدف بروتين بيتا-أميلويدّ، بما في ذلك: أدكانيماب (Aducanumab)، المعروف باسمه التّجاريّ: "أدهيلم" (Aduhelm)، وكذلك: ليكانمب (Lecanemab)، المعروف باسمه التّجاريّ: "ليكيمبي" (Leqembi). أظهرت النّتائج أنّ استخدام دواء "أدهيلم" أدّى إلى تقليل كمّيّة ترسّبات بروتين بيتا-أميلويد ّ. مع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول فعاليّته في تقليل الأعراض الّتي يعاني منها المرضى. يستهدف دواء "ليكيمبي" مجموعات البروتين القابلة للذّوبان من بروتين بيتا-أميلويد قبل أن تتشكّل التّرسّبات.
هناك أدوية قديمة لعلاج مرض ألزهايمر، مثل: دونيبيزيل (donepezil)- المعروف باسمه التّجاريّ: "آريسيبت" (Aricept) أو ميمانتين (memantine)- المعروف باسمه التّجاريّ: إبيكسا (Ebixa). تعمل هذه الأدوية على تغيير نشاط أنواع مختلفة من النّاقلات العصبيّة بهدف تخفيف أعراض المرض أو منع موت الخلايا العصبيّة. مع ذلك، لا تعالج هذه الأدوية سبب المرض الّذي يبدو أنّه تراكم ترسّبات بروتين بيتا-أميلويدوتشابكات بروتين تاو، وبالتّالي لا تساهم في تثبيط تطوّر المرض.
يوفّر الدّواء الجديد الأمل في وقف تدهور حالة المرضى، لكنّ تلكفته مرتفعة، بحيث تبلغ اليوم تكلفة علاج "كيسونيلا" لمدّة عام حوالي 32 ألف دولار. نأمل أن يصبح الدّواء مُتاحًا، وأن يحقّق الشّفاءأو على الأقلّ تحسنًا في جودة الحياة للعديد من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم.