أظهرت قياسات الأشعّة في مهمّة أرطميس 1 أنّ مركبة أوريون الفضائيّة وفّرت حماية جيّدة من الأشعّة بقدر من شأنه أن يتيح القيام بمهمّة حتّى إلى المرّيخ. قريبًا: مقالة حول الإسهام الإسرائيليّ في التّجربة
صدرت في سبتمبر الماضي أوّل مقالة علميّة تتناول قياسات مستويات الأشعّة في الطّريق إلى القمر، ذلك بعد مرور ما يقارب عامين على مهمّة أرطميس 1، الّتي اختُبرت فيها مركبة أوريون الفضائيّة من خلال رحلتها غير المأهولة بشريًّا حول القمر. شاركت الشّركة الإسرائيليّة - الأمريكيّة ستمراد (StemRad)، القائمة على تطوير سترة واقية تقي الفضائيّين من أشعّة الجسيمات الّتي تنبعث عند حدوث العواصف الشّمسيّة الشّديدة، في هذه التّجربة. أُجريت التّجربة بمشاركة وكالة الفضاء الإسرائيليّة، بقيادة باحثين من وكالة الفضاء الألمانيّة، DLR، ومن وكالة الفضاء الأمريكيّة، ناسا.
تمّ قياس مستويات الأشعّة في عدة مناطق داخل المركبة الفضائيّة. رسم تخطيطيّ لمركبة أوريون الفضائيّة في مهمّة أرطميس 1، وضعت في أسفلها الدّمى هيلجا وزوهر، تلبس إحداهما السّترة الواقية ولا تلبسها الأخرى | المصدر: NASA/Lockheed Martin/DLR
الحماية الفعّالة
قيست مستويات الأشعّة، خلال التّجربة، في أماكن مختلفة داخل المركبة الفضائيّة بواسطة مجسّات كثيرة، كما قيست مستويات الأشعّة على وداخل أجساد دميتين بحجم إنسان، هلجا وزوهر، إحداهما مكشوفة، بينما ترتدي الأخرى السّترة الإسرائيليّة الواقية. عَرضت المقالة الّتي نُشرت في مجلّة Nature لمحة عامّة عن مستويات الأشعّة التي قيست خلال المهمّة، لكنّها لم تتطرّق، حاليًّا، إلى أداء السّترة الإسرائيليّة. كانت مستويات الأشعّة منخفضة ومُشجّعة من حيث درجات الخطورة على الفضائيّين في مثل هذه المهمّة. كتبت الدّكتورة كريستين هلويچ (Hellweg)، رئيسة قسم التّأثيرات البيولوجيّة للأشعّة في معهد طبّ الفضاء والطّيران التّابع لـِ DLR، في مقابلة بالمكاتبة مع موقع معهد دافيدسون: "هذه أوّل مرّة تُجرى فيها قياسات متواصلة لِمستويات الأشعّة في المركبة الفضائيّة المعدّة لنقل أشخاص خارج حقل الكرة الأرضيّة المغناطيسيّ. تَضمّن تخطيط مركبة أوريون تجهيز التّدرّع من الأشعّة، ويمكن أن نعزي المستوى المنخفض للأشعّة، بالمقارنة مع المستويات الّتي قيست في مهمّة أبولو، لهذا التّدرّع".
تتكوّن الأشعّة، الّتي تمّ إعداد التّدرّع للحماية منها، من جسيمات مشحونة كهربائيًّا (أيونات)، خاصّةً تلك الجسيمات المنبعثة من الشّمس والّتي تتحرّك بسرعة فائقة تكاد تصل سرعة الضّوء. الكرة الأرضيّة محميّة نسبيًّا من هذه الأشعّة بفضل الحقل المغناطيسيّ الّذي يصطادها في طبقتين، المسمّاة أحزمة فان ألن، على اسم الباحث الّذي اكتشفها. يزداد تعرّض المركبة الفضائيّة للأشعّة عند مرورها من خلال هذه الأحزمة، خاصّة الحزام الدّاخليّ، الأكثر تكاثفًا. يؤدّي الجزء الأكثر وقاية في المركبة الفضائيّة، المسمّى "الملجأ"، دوره الهامّ في هذه المرحلة. تقول هلويچ: "عادَلَ مستوى الأشعّة الّذي قيس في الأماكن الأقلّ تدرّعًا في المركبة الفضائيّة، عند المرور من خلال الحزام الدّاخليّ، أربعة أضعاف مستواها الّذي قيس في المنطقة ذات التّدرّع الأكبر". وتتابع هلويچ: "يتيح القياس المتواصل لِمستويات الأشعّة على امتداد فترة المهمّة تخطيط مدّة المهمّة ومميّزاتها وفقًا لكمّيّة الأشعّة الّتي قد يتعرّض لها الفضائيّون في كلّ مرحلة من مراحل المهمّة: المرور من خلال الأحزمة، الطّيران (أو الإبحار) في أعماق الفضاء، الطّيران حول القمر والهبوط على سطحه، وتخطيط وسائل الوقاية المثاليّة لكلّ مرحلة".
الأشعّة الرّئيسة الّتي تعرّضت لها المركبة الفضائيّة، ناهيك عن أحزمة فان ألين، هي الأشعّة الكونيّة المجرّيّة - أي الجسيمات القادمة من خارج مجموعتنا الشّمسيّة - وهي أقلّ كثيرًا. لا تقلّ أهمّيّة وخطورة ارتفاع مستوى الأشعّة عند حدوث العواصف الشّمسيّة. يتعاظم انبعاث الجسيمات من الشّمس، الرّياح الشّمسيّة، في مثل هذه الأحداث. لا يمكن التّنبّؤ بحصول هذه العواصف سلفًا، بدرجة تتيح تخطيط المهامّ الفضائيّة، ذلك على الرّغم من الدّوريّة في النّشاط الشّمسيّ. لم يُسجَّل أيّ انفجار شمسيّ شاذّ طوال الخمسة والعشرين يومًا الّتي أُجريت فيها مهمّة أرطميس 1. تشير النّتائج، وفقًا لما تقوله هلويچ، إلى أنّه على الرّغم من ذلك، ستكون المركبة الفضائيّة آمنة في مثل هذه الأحداث أيضًا. أوضحت هلويچ أنّ "مركبة أوريون الفضائيّة آمنة لإنجاز الرّحلة إلى القمر وفق الخطوط العريضة لمشروع أرطميس، ولمدّة زمنيّة مماثلة لأرطميس 1، وذلك خلال فترات تكون فيها الشّمس 'هادئة'. وتابعت هلويچ: "يتوجّب على الفضائيّين المكوث في الجزء الأكثر تدرّعًا وحماية من المركبة الفضائيّة في حال حدوث عاصفة شمسيّة شديدة. يوفّر الملجأ، وفقًا لما تشير إليه بيانات المهمّة، المدعومة بالمحاكيات الّتي أجريناها، درجةً جيّدةً من الوقاية عند حدوث عاصفة شمسيّة شديدة أيضًا، وليس من المتوقّع أن يصاب الفضائيّون بمرض الأشعّة (الأعراض النّاجمة عن التّعرّض السّريع لحصّة كبيرة من الأشعّة - إيتاي نيفو).
المركبة الفضائيّة كما تبدو من الدّاخل. الدُّمى هلڇا من اليمين، وزوهر بالسّترة الواقية، في مركبة أوريون الفضائيّة | تصوير: NASA/Lockheed Martin/DLR
في الطّريق إلى المرّيخ
كانت نتائج مستوى الأشعّة الّتي قيست في مهمّة أرطميس 1 مشجّعة لدرجة أنّ مؤلّفي المقال استخدموها في حساب مستويات التّعرّض للأشعّة المتوقّعة خلال رحلة إلى المرّيخ في مركبة أوريون الفضائيّة، أو في مركبة أخرى ذات نفس الدّرجة من وسائل الوقاية. ذلك على الرّغم من أنّ مثل هذه الرّحلة ستكون أطول بكثير من الرّحلة إلى القمر، إذ من المتوقّع أن تستغرق الرّحلة إلى المرّيخ ومنه، لوحدها، حوالي سنة ونصف. توضّح هلويچ أنّه "سيكون مستوى الأشعّة، وفقًا لما تشير إليه تنبّؤات المهمّة المأهولة إلى المرّيخ، أقلّ بثلاثين بالمئة ممّا تمّ حسابه حتّى الآن، ذلك يعني أنّه لن يتجاوز الفضائيّون في مثل هذه المهمّة، الّتي تتضمّن مكوثًا لفترة قصيرة على الكوكب، المستوى الأقصى من التّعرّض المتراكم للأشعّة الّذي حدّدته وكالة ناسا الفضائيّة، ذلك في حال كانت درجة النّشاط الشّمسيّ مماثلًة لما كانت عليه في مهمّة أرطميس 1".
لم يتمّ، كما ذُكر أعلاه، فحص الإسهام الإسرائيليّ في المشروع خلال المقالة: تأثير السّترة الواقية "أستروراد"، ودرجة الحماية الّتي توفّرها من الأشعّة. أظهر التّحليل الأوّليّ للنّتائج، كما كنّا قد نشرنا، أنّ السّترة وفّرت حماية ناجعة حقيقيّة للدّمية زوهر، ومن المتوقّع أن يتمّ نشر المعطيات في الأشهر القادمة ضمن مقالة لاحقة. أفادت هلويچ: "تحمى سترة أستروراد الأعضاء الدّاخليّة الحسّاسة للأشعّة الصّادرة عند تعاظم النّشاط الشّمسيّ". وواصلت: "تتيح السّترة للفضائيّين مواصلة نشاطهم العاديّ داخل مركبة أوريون عندما تكون العواصف الشّمسيّة ضعيفة أو معتدلة. وتزوّد المنطقة المدرّعة المحميّة في المركبة طبقة واقية إضافيّة تعمل على تقليل ما يمتصّه الفضائيّون من الأشعّة بحيث لا يجتاز درجة الخطورة، وتُقلّص من خطر تأثيرات الأشعّة بعيدة المدى، مثل السّرطان، ذلك عندما تكون العواصف الشّمسيّة شديدة أو بالغة الشّدّة، إذ يتحتّم على الفضائيّين التّجمّع فيها (أي المنطقة المدرّعة المحميّة من المركبة).
قال الدّكتور أورن ميلشتاين، المدير العامّ لشركة ستمراد، لموقع ديفيدسون :"سوف يتمّ قريبًا نشر المعطيات الخاصّة بالسّترة الواقية الّتي حمت الدّمية زوهر في هذه الرّحلة، وسوف تُجسّد هذه المعطيات أهمّيّة السّترة، سواء في المستوى الصّحّيّ أو في المستوى العمليّ". وواصل ميلشتاين القول: "أظهرت لنا المقالة الّتي نشرت في Nature للتّوّ قدرات مركبة أوريون الفضائيّة على نقلنا إلى الأبعد فالأبعد - إلى القمر بل إلى المرّيخ. ستكون لمسألة الوقاية من الأشعّة أهمّيّة بالغة ومتزايدة مع تقدّم رحلاتنا المثيرة هذه".