كشفت دراسة أنّ الرجال الّذين يتمتّعون بقدرة عالية على التحمّل القلبيّ- الرئويّ في صباهم يكونون أقلّ عرضة للإصابة بالسرطان في مراحل لاحقة من حياتهم
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
ممارسة الرياضة مفيدة للصحّة، فهي تساعد على محاربة الأمراض الأيضيّة مثل مرض السكّريّ من النوع الثاني، تحسّن وظائف المخّ، وتقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة وخطر الوفاة بشكل عام. كما ويمكن أن تقلّل التمارين الرياضيّة من خطر الإصابة بأنواع معيّنة من السرطان. وقد نشرت المجلّة البريطانيّة للرياضة والطبّ (British Journal of Sports and Medicine) مؤخّرًا المزيد من الأدلّة على ذلك. كذلك، كشفت دراسة واسعة النطاق أنّ الشباب الّذين يتمتّعون بقدرة عالية على التحمّل القلبيّ الرئويّ كانوا أقلّ عرضة للإصابة بأنواع عديدة من السرطان في مرحلة البلوغ.
يشمل مرض السرطان العديد من الأمراض، حيث يشترك بينها تكوين طفرات تؤدّي إلى انقسام خلايا الجسم دون تحكّم، ما يؤدّي إلى الإضرار بعمل أجهزة الجسم، وفي حالة عدم العلاج، يؤدّي إلى الوفاة. أسباب السرطان وراثيّة وكذلك بيئيّة. تنطوي العلاجات الموجودة اليوم، بما في ذلك العمليّات الجراحيّة والعلاجات الكيميائيّة على مخاطر وآثار جانبيّة. لذلك، يبحث الباحثون والأطبّاء عن طرق وقائيّة وليست فقط علاجيّة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان.
يبدو أنّ ممارسة الرياضة هي إحدى تلك الطرق. تابعت دراسة جديدة مجموعة كبيرة من الرجال على مدى فترة طويلة من الزمن، بحثًا عن صلة بين قدرة تحمّلهم القلبيّة الرئويّة وخطر الإصابة بالسرطان.
يعتبر التحمّل القلبيّ- الرئويّ مقياسًا للّياقة البدنيّة، الصحّة العامّة وجودة أنظمة الجسم المسؤولة عن امتصاص الأوكسجين من الهواء، نقله، وتزويد خلايا جسمنا به أثناء النشاط البدنيّ. عندما يتمتّع الشخص بلياقة هوائيّة جيّدة، فإنّه يكون قادرًا على أداء نشاط شاقّ لفترة طويلة دون أن يعاني من ضائقة تنفّسيّة. وهذه ليست مهمّة بسيطة: يجب أن تمتصّ الرئتان كلّ الأوكسجين المطلوب وتتخلّصا من كلّ ثنائيّ أوكسيد الكربون الزائد، ويجب أن يعمل القلب بكفاءة أكبر لتوصيل الدم الغنيّ بالأوكسجين إلى الأنسجة والأعضاء في الوقت المناسب. يجب على خلايا الجسم أن تمتصّ الأوكسجين الّذي يصلها ثمّ تحوّله إلى طاقة بكفاءة، وتتخلّص من الفضلات الّتي تتشكّل قبل أن تتراكم وتسبّب تلف الأنسجة. باختصار، إنّها مَهمَّة معقّدة وتتطلّب التدريب.
التحمّل القلبيّ الرئويّ هو مقياس لجودة أجهزة الجسم المسؤولة عن امتصاص ونقل وإمداد الأوكسجين من الهواء إلى خلايا الجسم أثناء المجهود البدنيّ. قياسات مختلفة للقلب والرئتين | Shutterstock, ArtemisDiana
قياس القدرة على التحمّل من خلال التنفّس
في دراسة جديدة، قام الباحثون بمعالجة بيانات لمجنّدين شباب حصلوا عليها من قاعدة بيانات رسميّة للجيش السويديّ. شارك في الدراسة أكثر من مليون من الذكور الأصحّاء، والّذين تتراوح أعمارهم ما بين 16-25 عامًا، وتمّ تجنيدهم بين السنوات 1968-2005. خضع هؤلاء المجنّدون لاختبارات اللّياقة البدنيّة ومجموعة متنوّعة من الفحوصات الطبيّة، بما في ذلك فحوصات التحمّل القلبيّ الرئويّ، قياسات قوّة العضلات، وتيرة نبض القلب، وضغط الدمّ. تمّ قياس التحمّل القلبيّ الرئويّ من خلال ركوب درّاجة التمرين. ركب المشاركون في البحث درّاجة التمرين بمستوى مقاومة منخفض، وبعد خمس دقائق، تمّ زيادة مستوى المقاومة بنحو 20 بالمائة فوق مستوى الجهد الأوّليّ لشخص متوسّط الوزن. ينتهي هذا الفحص عند شعورهم بالتعب، وتوقّف استخدام الدوّاسات. يقوم المسؤولون بتسجيل الحدّ الأقصى للحمل الّذي وصل إليه كلّ شخص، وذلك وفقًا للوقت الّذي قضاه في استخدام الدوّاسات عند أعلى مستوى من المقاومة الّتي كان قادرًا على الوصول إليها.
لا تُعتبر هذه الطريقة معتادةً لتقييم اللّياقة الهوائية: عادة يتمّ قياس الحدّ الأقصى لاستهلاك الأوكسجين أثناء بذل الجهد. للقيام بذلك، من الضروريّ قياس الشهيق والزفير في المختبر أثناء قيام الشخص الخاضع للفحص بالجهد البدنيّ. تعتبر هذه الطريقة للقياس مكلفة ومعقّدة، لذلك اختار الجيش السويديّ تقييم مستوى اللياقة البدنيّة للمجنّدين بطريقة أكثر سهولة، حتّى لو كانت أقلّ دقّة. في الدراسات السابقة، وجدوا علاقة عالية بين مؤشّر الحمل الأقصى الّذي تمّ قياسه على درّاجة التمرين والقياس الأكثر دقّة والمقبول للحدّ الأقصى لاستهلاك الأوكسجين. تمنح هذه العلاقة صلاحيّة لاختبار درّاجة التمرين كأداة تسمح بتقييم التحمّل القلبيّ الرئويّ.
خضع المشاركون لاختبارات اللّياقة البدنيّة ومجموعة متنوّعة من الاختبارات الطبيّة، بما في ذلك اختبارات التحمّل القلبيّ-الرئويّ والّتي شملت ركوب درّاجة التمرين. شاب يركب درّاجة التمرين كجزء من الفحص الطبيّ | Shutterstock, Fusionstudio
مَن هم الّذين سيمرضون بعد 33 سنة
جمع الباحثون البيانات الطبيّة من قواعد البيانات الحكوميّة لكلّ المجنّدين في الدراسة، وبعد مرور33 سنة بالمعدّل، اعتمدوا هذه البيانات لفحص حالتهم الطبيّة. قاموا بجمع المعلومات عن تشخيص مرض السرطان ووجدوا أنّ أولئك الّذين كان لديهم قدرة عالية على التحمّل القلبيّ الرئويّ في صباهم- عند التجنيد، أظهروا لديهم فرصة أقلّ للإصابة بالسرطان. وجد الباحثون هذه العلاقة في 9 من أصل 18 نوعًا من أمراض السرطان الّتي فحصوها في الدراسة.
قد لا تكون هذه النتائج مفاجئة عند الحديث عن أنواع أمراض السرطان المرتبطة بالجهاز التنفّسي، لأنّه من المعروف أنّ الحفاظ على قدرة عالية على التحمّل القلبيّ الرئويّ مهمّ لعمل الأعضاء المسؤولة عن إمداد الأوكسجين، كالقلب والرئتين. لكن، كشفت الدراسة أنّ القدرة على التحمّل القلبيّ الرئويّ الجيّد يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأنواع السرطان الّتي لا ترتبط بالضرورة بالجهاز التنفّسي أو القلب، مثل سرطان المعدة، البنكرياس أو الكلى. انخفض خطر الإصابة بسرطان الجهاز الهضميّ- على سبيل المثال سرطان المريء، القولون أو الكبد- بنسبة 2-40 بالمائة.
من ناحية أخرى، فقد وجدوا أنّ انتشار أنواع معيّنة من مرض السرطان لا يرتبط بالتحمّل القلبيّ-الرئويّ، على سبيل المثال سرطان الدمّ (اللوكيميا) وسرطان الجهاز العصبيّ المركزيّ. اكتشف الباحثون أيضًا علاقة عكسيّة: أولئك الّذين كانوا أكثر لياقة بدنيًّا، كانوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الجلد وسرطان البروستاتا. ما هو السبب المتوقّع لذلك؟ الأمر ليس واضحًا تمامًا، ولكن في حالة سرطان الجلد، يفترض الباحثون أنّ الخطر المتزايد قد يكون ناتجًا عن تعرّض أعلى لأشعّة الشمس أثناء التمارين الهوائيّة، حيث يفضّل الكثيرون القيام بذلك في الخارج.
وتكمن أهميّة هذه الدراسة بشكل أساسيّ في الأرقام. تمّ فحص العديد من أنواع مرض السرطان، وكانت عيّنة البحث كبيرة واستمرّت المتابعة لفترة طويلة، وبالتالي كان من الممكن استخلاص استنتاجات أفضل ممّا كانت عليه في الدراسات السابقة والصغيرة أكثر. خضع جميع المشاركين في الدراسة لنفس الاختبارات وقت التجنيد وتم توثيقهم بطريقة مماثلة، ما يقلّل من فرصة الخطأ ويمنح الثقة والدقّة الأعلى للتحليل الإحصائيّ.
أولئك الّذين كان لديهم قدرة عالية على التحمّل القلبيّ-الرئويّ في وقت التجنيد لديهم فرصة أقلّ للإصابة بالسرطان. نساء يركضن | Shutterstock, WoodysPhotos
وماذا بالإضافة إلى اللّياقة البدنيّة؟
مع ذلك، ركّزت الدراسة على الشباب الأصحّاء، وقد لا تكون النتائج بالضرورة مماثلة في مجموعات سكّانيّة أخرى. على سبيل المثال، قد تؤدي ممارسة التمارين الرياضيّة الشاقّة للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، مثل أنواع معيّنة من الربو، إلى تفاقم أعراض المرض والتسبّب في مزيد من التدهور في الصحّة. مشكلة أخرى في هذه الدراسة هي نقص المعلومات حول نمط حياة الأشخاص. التدخين، استهلاك الكحول والعادات الغذائيّة وغيرها من العادات يمكن أن تؤثّر أيضًا في فرصة الإصابة بالسرطان، وهي متغيّر آخر يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار.
يمكن ويفضّل تخطيط دراسات إضافيّة من شأنها أن تساعد على إتمام الصورة، على سبيل المثال التحقّق من اللّياقة البدنيّة للأشخاص في نقاط زمنيّة إضافيّة. بهذه الطريقة يمكن معرفة ما إذا كان أولئك الّذين حافظوا على لياقتهم البدنيّة خلال حياتهم البالغة أقلّ عرضة للإصابة بالسرطان، أو أولئك الّذين حافظوا على لياقتهم البدنيّة فقط في شبابهم أيضًا. ماذا عن الأشخاص الّذين كانوا أقلّ لياقة بدنيًّا في شبابهم- لكن غيّروا نمط حياتهم عند البلوغ؟ هل ينخفض خطر إصابتهم بالسرطان؟ هل الأشخاص الّذين كانت لديهم لياقة بدنيّة عالية وكانوا مصابين بالسرطان لديهم فرصة أفضل للشفاء من أولئك الّذين كانت لديهم لياقة بدنيّة منخفضة وكانوا مصابين بالسرطان؟ هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، لا تزال تنتظر الإجابة عنها.
بالإضافة إلى ذلك، تتأثّر القدرة على التحمّل القلبيّ الرئويّ بشكل كبير بالجينات الّتي ولدنا معها. لا نزالغير قادرين على تغيير الوراثة لتحسين اللّياقة البدنيّة، ولكنّ التمارين الرياضيّة يمكن أن تساعد في ذلك. من خلال البحث يمكن أن نستنتج أنّ أولئك الّذين يمارسون الرياضة ويحسّنون القدرة على التحمّل القلبيّ الرئويّ، لا يكتسبون جسمًا رشيقًا وقلبًا سليمًا فحسب، بل ويكتسبون أيضًا الحماية من السرطان.
يركّز جزء كبير من الطبّ الحديث على التوجّه العلاجيّ، مثل تقديم الدواء أو إجراء عمليّة جراحية أو علاج آخر لمرض ما بعد تطوّره. لكن من الواضح أنّ التوجّه الوقائيّ هو الحلّ الأفضل بكثير. إذا كانت لدينا طريقة للقيام بذلك بشكل بسيط وفعّال نسبيًّا، فيجب علينا القفز- أو الركض، السباحة، أو الركوب- عندما تسنح لنا الفرصة.