وجدت دراسة أنّ الجزيئات البلاستيكيّة الصّغيرة الموجودة في الأوعية الدّمويّة لمرضى تصلّب الشّرايين ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالنّوبات القلبيّة، السّكتات الدّماغيّة أو الوفاة.
يُحيطنا البلاستيك، بشتّى أشكاله المتعدّدة، من كلّ جانب منذ ما يقارب قرنًا من الزّمان، وهو اليوم أحد أكثر الموادّ الخامّ شيوعًا في العالم. نستخدمه لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك: القوارير، مغلّفات الموادّ الغذائيّة والأكياس، بالإضافة إلى أنابيب الصّرف الصّحّيّ، الأسطح، الكراسي أو ملحقات المركبات. يشمل اسم البلاستيك أنواعًا عديدة من الموادّ الاصطناعيّة. نظرًا لأنّها رخيصة الثّمن، خفيفة وسريعة الإنتاج، وسهلة التّشكيل في أيّ شكل نريده تقريبًا، فمن الممكن صنع أدوات خفيفة ومتينة منها. ولا عجب أنّ صناعة البلاستيك أصبحت من أكبر الصّناعات في العالم.
منذ سنوات عديدة، أصبح من المؤكّد أنّ للبلاستيك تأثيرًا سلبيًّا على بيئة الكرة الأرضيّة- فمتانته العالية تؤدّي إلى تحلّله ببطء شديدٍ دون أن يتعفّنكما يحدث مع الموادّ الطّبيعيّة. ولذلك، فإنّ جزيئات البلاستيك تتراكم كنفايات في المحيطات وعلى سطح الأرض وتسبّب أضرارًا جسيمة للعديد من النُّظم البيئيّة. عندما يتحلّل البلاستيك، يبلى أو يتلف، تتشكّل جزيئات بلاستيكيّة صغيرة، تسمّى: اللّدائن الدّقيقة أو اللّدائن النّانويّة (الميكروبلاستيك)، نظرًا لصغر حجمها الّذي لا يتجاوز غالبًا بضعة ميكرومترات، أو حتّى النّانومترات- جزء من مليار من المتر.
في السّنوات الأخيرة، نُشرت العديد من الدّراسات الّتي توضّح أنّ الموادّ البلاستيكيّة الدّقيقة لا تتواجد فقط في التّربة، المحيطات والهواء، ولكن أيضًا في أجسامنا- في الأنسجة البشريّة، مثل: الرّئتين، المشيمة وحتّى في الدم والبول بل وفي حليب الأمّ. تخترق هذه الجُسيمات أجسادنا بواسطة الابتلاع، التّنفّس وأحيانًا عبر الجلد. أظهرت دراسة جديدة، أُجريت في جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي (Campania Luigi Vanvitelli) في إيطاليا، أنّ جزيئات البلاستيك الدّقيقة موجودة أيضًا في التّكلّسات في الشّريان السّباتيّ في الرّقبة. كما أنّ هناك علاقة وثيقة بين وجودها هناك وزيادة خطر الإصابة بالنّوبات القلبيّة، السّكتات الدّماغيّة والوفاة المبكّرة.
واحدة من الموادّ الخامّ الأكثر شيوعًا في العالم. منتجات التّنظيف المصنوعة من البلاستيك أو المعبّأة في البلاستيك | Chutima Chaochaiya, Shutterstock
في قلب الميكروبلاستيك
قام الباحثون بفحص 257 مريضًا يعانون من تكلّس الشّرايين والّذين خضعوا لعمليّة جراحيّة لإزالة التّرسّبات المتصلّبة في الشّرايين السّباتيّة في الرّقبة. تكلُّس الشّرايين، المعروف أيضًا باسم: تصلّب الشّرايين، هو حالة يحدث فيها تضيّق أو انسداد في الشّريان بسبب تراكم الرّواسب على جدار الشّريان، ممّا يعيق تدفّق الدّم. في العيّنات المأخوذة من تكلّسات المرضى، فحص الباحثون 11 نوعًا من اللّدائن الدّقيقة واللّدائن النّانويّة، ووجدوا في 58% منها جزيئات دقيقة من البولي إيثيلين البلاستيكيّ. ومن بينها، عُثر أيضًا على جزيئات دقيقة من مادّة PVC البلاستيكيّة الشائعة بنسبة 12%.
لاحقًا، فحص الباحثون ما إذا كان وجود البلاستيك الدّقيق في التّكلّسات مرتبطًا بردّ الفعل الالتهابيّ لدى المرضى، وهو ردّ فعل الجهاز المناعيّ المصمّم لحماية الجسم من العوامل الغريبة. ولتحقيق هذه الغاية، بحثوا عن السّيتوكينات في العيّنات، وهي جُزيئات البروتين الّتي تشارك في التّواصل بين الجهاز المناعيّ وأنسجة الجسم، من بين أمور أخرى أثناء العمليّات الالتهابيّة. في الواقع، في العيّنات الّتي تمّ العثور على البولي إيثيلين فيها، كان هناك المزيد من الجزيئات والبروتينات المرتبطة بالاستجابة الالتهابيّة.
بعد العمليّة، واصل الباحثون مراقبة حالة المرضى لمدّة ثلاث سنوات تقريبًا. خلال هذه الفترة، أصيب 7.5% من المرضى الذين لم يُعثّر على جزيئات بلاستيكيّة دقيقة في تكلّساتهم، بأزمات قلبيّة، سكتات دماغيّة أو تُوفّوا. في المقابل، من بين أولئك الّذين عُثر عليهم مع جزيئات بلاستيكيّة دقيقة، كانت نسبة أولئك الّذين تعرّضوا لنوبات قلبيّة أو سكتات دماغيّة أو تُوفّواخلال هذه الفترة أعلى بكثير ووصلت نسبتهم إلى 20%. تُظهر النّتائج أنّه، على الأقلّ لدى المرضى الّذين خضعوا لجراحة الشّريان السّباتيّ، فإنّ وجود جزيئات بلاستيكيّة دقيقة في الرّواسب يرتبط في زيادة كبيرة في احتماليّة المعاناة من أعراض تهدّد الحياة. ومع ذلك، لم تكشف الدّراسة عن الآليّة التي تسبّب زيادة هذه المخاطر.
في حوالي 60% من المرضى، تمّ العثور على جزيئات بلاستيكيّة دقيقة في الصّفيحة. صفيحة تصلّب في الشّريان| Kateryna Kon, Shutterstock
من الأفضل الحدّ من استخدام البلاستيك
نظرًا لأنّ البلاستيك غير قابل للتّحلّل تقريبًا، فإنّ جزءًا كبيرًا من الكمّيّات الهائلة من البلاستيك الّتي ننتجها يتحلّل وينتهي في النّهاية في الطّبيعة، ومن هناك إلى جسم الإنسان. وكما بدأت الأبحاث الحاليّة والأبحاث المشابهة في الكشف عنها في السّنوات الأخيرة، فإنّ هذا البلاستيك قد يضرّ بصحّتنا أيضًا. لذلك، في المرّة القادمة الّتي تستخدمون فيها الأدوات البلاستيكيّة أو الأكياس البلاستيكيّة أحاديّة الاستعمال، فكّروا جيّدًا فيما إذا كان بإمكانكم التّخلّي عن استخدامها وتفضيل الأدوات متعدّدة الاستخدام. وإذا كنتم تستخدمون أدوات أو عبوّات بلاستيكيّة ، قوموا برميها في صناديق إعادة التّدوير. هذا مهمّ لصحّتنا جميعًا.