هل ستُمهّد تجربة أُجريت مؤخرًا في جامعة أمستردام الطريق لـ "ليزر ذرّيّ" - جهاز يُنتِج تيارًا ثابتًا من الذرات المتطابقة؟

أحدث اختراع الليزر في الستينيات من القرن الماضي ثورةً علميّةً وتكنولوجيّة. تُستخدم اليوم تقنيّة الليزر في كلّ مكان تقريبًا: من وسائل الاتصال وأنظمة الأسلحة إلى ماسحات الباركود في محل البقالة وفأرة الحاسوب

حاولت مجموعاتٌ من العلماء من جميع أنحاء العالم، على مدار ثلاثين سنةٍ خلت تطويرَ "ليزر ذريّ": جهاز يستغلّ الخصائص الكموميّة للمادّة، لإنتاج تدفّقٍ ثابت من الذرات المتطابقة، على غرار التدفّق المستمرّ للفوتونات -جسيمات الضوء- التي يُنتجها الليزر البصريّ. في عدد حزيران الأخير من مجلة Nature، عرضت مجموعةٌ من الباحثين من جامعة أمستردام، لأوّل مرّة، أساسًا لليزر ذريّ يعمل بشكل متواصل ومستمرّ.

يرجع أصل اسم الليزر إلى الأحرف الأولى من الكلمات (Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation) - تضخيم الضوء بالانبعاث المحفّز للإشعاع. الفكرة الأساسيّة الكامنة وراء كيفيّة عمل الليزر هي أنّهُ عندما يصطدم الفوتون بالمادّة، يمكن امتصاصه وإعادة بعثه. يمكن لكلّ مادة، بناءً على خصائصها، بعث الفوتون للعديد من الاتّجاهات والأطوال الموجيّة المختلفة - أي بألوان مختلفة.

كلّما زاد عدد الفوتونات من نوع معيّن في بيئة المادة، زادت احتماليّة انبعاث فوتون مطابق لها. تسمّى هذه الظاهرة الفيزيائيّة "الانبعاث المستحثّ"، وبمساعدتها يمكن أن تعيد المادّة بعث الفوتون بالطريقة المختارة. لهذه الطريقة التي يتمّ فيها تحويل الطاقة إلى كمية كبيرة من الضوء خصائص خاصّة: الضوء الخارج من الليزر له طول موجيّ موحّد للغاية مقارنةً بمصادر الضوء الأخرى، حيث أنّ أحزمة الضوء الناتج عنه ضيّق للغاية. إحدى أهم خصائص هذا الضوء تسمّى الاتّساق، أي أنَّ موجات الضوء تحتفظ بخصائصها بمرور الوقت. تتيح هذه الميّزة إمكانيّة تركيز الليزر بقوّةس كبيرة، أو بناء أجهزة قياس دقيقة باستخدامه.

לייזר של שעון אטומי אופטי | צילום: Andrew Brookes, National Physical Laboratory / Science Photo Library
للضوء الخارج من الليزر طول موجيّ موحَّد للغاية. ليزر ساعة ذريّة بصريّة | الصورة: Andrew Brookes, National Physical Laboratory / Science Photo Library

 

خصائص كموميّة

وفقًا للنظريّة الكموميّة، فإنَّ لمادّة كالضوء خصائص موجيّة أيضًا، لكنّها لا تتجلّى عادةً في الحياة اليوميّة. لمراقبة الطبيعة الكموميّة للمادّة، يتعيّن علينا، عادةً، استخدامُ أنظمة معزولة جيّدًا، في فراغ، وفي درجات حرارة منخفضة جدًّا. على الرغم من صعوبة إنتاج مادّة تتصرّف بشكل كموميّ، يتمّ تبريدُ المواد في العديد من المختبرات حول العالم إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض، في أنظمة معقدة لقياس خصائصها الكموميّة بعناية.

إحدى الظواهر الكموميّة المثيرة للاهتمام التي تحدث في هذه المختبرات هي تكاثف بوز-أينشتاين. لكلّ جسيم خاصّيّة كموميّة تسمّى التدويم. يُطلق على الجسيم الذي يكون دورانه عددًا صحيحًا "بوزون"، بينما يُطلق على الجسيم الذي لا يكون دورانه عددًا صحيحًا "فرميون". تعتبر الفوتونات، وهي جزيئات ضوء، بوزونات، وهناك ذرات أخرى تُعتبر بوزونات كذلك. عندما يتم تبريد البوزونات إلى درجة حرارة شديدة الانخفاض، فإنّها تتجمّع معًا وتتشارك في حالتها الكموميّة مع بعضها، وبالتالي تصبح متشابهة جدًّا. في الواقع، تصبح متّسقة مع بعضها، تمامًا مثل الضوء الذي يُنتج الليزر.

هذا هو تكاثف بوز-أينشتاين، الذي تمّ قياسه لأوّل مرّة في سنة 1995م في مختبرين في نفس الوقت: في معهد جيلا (JILA) في كولورادو بواسطة كارل ويمان (Wieman) وإيريك ألين كورنيل (Cornell)، وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بواسطة لفجانج كيترلي (Ketterle). لهذا، فاز الثلاثة بجائزة نوبل للفيزياء في سنة 2001م. باستخدام تكاثف بوز-أينشتاين، من الممكن إنشاء موجات متّسقة من المادّة، التي تسمح، مثل الضوء المتّسق، بإجراء قياسات دقيقة من خلال التكاثف.

منذ اللحظة التي تمّ فيها قياس موجات المادة في المختبر، بدأ السعي وراء "الليزر الذريّ"، وهي تقنية قادرة على إنتاج تدفّق ثابت لموجات المادّة المتّسقة لفترة طويلة، أو حتّى زمن لا نهائيّ. يُعتبر التدفّق المتواصل والمستمرّ مهمًّا، لأنّه كلما طال، زادت دقّة القياسات التي يسمح بها. يعكس استخدامُ مصطلح "الليزر" التشابه بين خصائص موجات المادة المنبعثة وخصائص الضوء المنبعث من الليزر، وليس طرق تكوينها، التي تختلف كثيرًا.

אטומים (כחול) מובלים למעובה בוז-איינשטיין במרכז, במציאות האטומים לא נראים לעין | מקור תמונה: University of Amsterdam/Scixel
عرض الباحثون تكاثف بوز-أينشتاين الذي يستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية. يتمّ توجيه الذرّات (الزرقاء) إلى مُكثِّف بوز-أينشتاين (في المركز). في الواقع لا يمكن رؤية الذرّات | مصدر الصورة: University of Amsterdam/Scixel

 

يُعدّ إنشاء مثل هذا "الليزر" مهمة معقدة للغاية من الناحية التكنولوجية، لأنها تتطلب إبقاء المادة المكثفة، أيّ تلك التي خضعت لتكثيف بوز-أينشتاين، متّسقةً لفترة طويلة. لكي ينبعث الليزر من المواد طوال الوقت، تحتاج إلى تزويدها بذرّات جديدة، وتبريدها في الوقت المناسب لدرجة حرارة مناسبة، والتأكّد من أنّها تتّحد مع المُكثِّف الموجود. التحدّي الآخر هو في كون حالات التجميع الكموميّة مثل تكاثف بوز-أينشتاين حساسة جدًا للاضطرابات البيئيّة، وبالتالي فإنّ أعطابًا صغيرة في التجربة كافية لتدميرها. حتى تحت ظروف مخبريّة ممتازة، لا يتجاوز عمر مكثف بوز-آينشتاين بضع ثوانٍ.

على الرغم من التعقيد، تمكّنت مجموعة من الباحثين من جامعة أمستردام من اتّخاذ خطوة مهمّة نحو تطوير ليزر ذريّ. فقد قام الباحثون ببناء نظام من عدّة مصائد بصريّة، تلتقط وتُبّرد ذرات السترونشيوم (Strontium). يقود النظام الذرّاتِ الباردة إلى مصيدة أخرى، حيث يحدث تكاثف بوز-أينشتاين. نظرًا لوجود احتمال ثابت بترك الذرّات للمُكثِّف، فإنّه كلّما زاد عددُ الذرّات الموجودة في الحالة الكموميّة الخاصّة، زاد عدد الذرّات المفقودة. تزداد كمّيّة الذرّات في المكثف ببطء، حتّى تصل إلى حجم معين، عندما تشترك ذرّاتٌ كافية في التكثيف، وحين يكون معدلُ الفقدان ومعدل النموّ متساويين تمامًا، وحيث يصل النظام إلى حالة مستقرّة. أظهر الباحثون أنّه بهذه الطريقة يمكن أنّ تستمرّ حالة التجميع الخاصّة لعدّة دقائق، على الرغم من أنَّ كلّ ذرّة تقضي بضع ثوانٍ فقط في المصيدة.

يعرض البحث لأوّل مرّة تكاثفَ بوز-أينشتاين الذي يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية، وهكذا يزيل عقبةً رئيسة في وجه تطوير الليزر الذريّ. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الخطوات لتحقيق هذه التكنولوجيا المرتبطة من بين الأمور الأخرى، بالقدرة على التحكّم في انبعاث موجات المواد من المُكثِّف. على أيّ حال، هذه خطوة كبيرة على الطريق نحو جيل جديد من تقنيات القياس الكموميّ. 

 

0 تعليقات