بحث جديد يزيد من فهم أهميّة الخاصيّة الثالثة المرتبطة بالمرض التنكّسيّ، إلى جانب أميلويد بيتا وتشابكات تاو
مرض آلزهايمر هو مرض تنكّسيّ خطير في الدماغ، يصيب ذاكرة المصابين به والوظائف العقليّة والذهنيّة. تزداد احتماليّة الإصابة بمرض آلزهايمر مع التقدّم في العمر، حيث يصل إلى حدّ إصابة شخص واحد من بين كلّ ثلاثة أشخاص يبلغون 85 عامًا أو أكثر. على الرغم من البحث الكبير الّذي يجري حول هذا المرض، لا نزال لا نعرف بالضبط ما هي أسبابه أو كيفيّة علاجه.
حتّى وقت قريب، ركّزت الأبحاث في هذا المجال بشكل رئيس على عاملين: تراكم بروتين يُسمَّى أميلويد بيتا ( Amyloid beta) بين خلايا الأعصاب للمرضى، وتشابك بروتين آخر يُسمَّى تاو (Tau tangles) داخل خلايا الأعصاب لديهم. يُعتقد أنّ هذين العنصرَين المنتشرَين في أدمغة مرضى آلزهايمر يساهمان في تدهور حالة الخلايا العصبيّة وموتها وتراجع الوظائف الدماغيّة. تمّ توثيق وجودهما لأوّل مرّة في أدمغة المرضى من قبل ألويس آلزهايمر عندما وصف المرض قبل أكثر من مئة سنة، في سنة 1906.
يضرّ بذاكرة المصابين به والوظائف العقليّة. مرض آلزهايمر | LightField Studios, Shutterstock
العامل المنسيّ
لكن ألويس آلزهايمر وثّق أيضًا عنصرًا إضافيًّا قلّ الحديث عنه: في أدمغة الأشخاص المصابين بالآلزهايمر وجدت خلايا تحوي قطرات من الدهون. حتّى الآن، لم يكن من الواضح ما إذا كان لهذه القطرات دور في تطوّر المرض. في بحث جديد أجرته جامعة ستانفورد، اكتشف الباحثون معلومات جديدة عن قطرات الدهون الغامضة، وسلّطوا الضوء على العلاقة المهمّة الّتي تربطها بمرض الآلزهايمر.
بدأ البحث بفحص موسّع لجين ارتبط بالمرض منذ أكثر من عشرين عامًا. هذا الجين، المعروف باسم APOE، مسؤول عن إنتاج بروتين مهمّ لنقل الدهون في مجرى الدم. هناك ثلاث نسخ رئيسة من الجين مرقمة 2، 3، و4 (APOE2, APOE3, APOE4). النسخة الأكثر شيوعًا هي النسخة 3، والّتي لا يُعرف لها ارتباط بمرض الآلزهايمر. أمّا النسخة 4، فتزيد من احتماليّة الإصابة بالمرض في سنّ متقدّمة.
لفحص تأثير الجين في خلايا الدماغ، استخدم الباحثون تقنيّة متقدّمة تسمح بتتبّع جزيئات الـRNA في خلايا الدماغ لمرضى الآلزهايمر الموتى، ومقارنتها بتلك لدى الأشخاص الموتى لأسباب أخرى ولم يصابوا بالمرض.
اكتشف الباحثون أنّ أدمغة مرضى الآلزهايمر الحاملين للنسخة المشجّعة للإصابة بالمرض من الجين (APOE4) تحوي خلايا دماغيّة تُدعى ميكروغليا، وهي جزء من جهاز المناعة، وتحوي مستويات عالية جدًّا من جزيئات الـRNA الّتي تُستخدم لإنتاج بروتين يشارك في إنتاج جزيئات الدهون في الخلايا. قد يكون هذا دليلًا على أنّ خطر الإصابة المرتفع بمرض الآلزهايمر ينبع هنا من تراكم قطرات الدهون في خلايا الميكروغليا (microglia)، الّتي تسبّب في النهاية ضررًا أيضًا في خلايا الأعصاب الأخرى وتؤدّي إلى تطوّر المرض.
صور ميكروسكوبيّة من دماغ مريض آلزهايمر يحمل الجين APOE4. تمّ تمييز الخلايا باللون الأزرق. البقع البنيّة هي عبارة عن تجمّعات أميلويد بيتا. يتمّ تلوين الدهون المتراكمة في الخلايا باللون الأحمر الفاتح ومًشار إليها بالسهام | المصدر: Haney et al 2024
خلايا دهنيّة خطيرة
للتحقّق من أنّ APOE4 يؤدّي بالفعل إلى تراكم الدهون في الخلايا، أخذ الباحثون خلايا من أجسام أشخاص أحياء لديهم نسختا الجين 3 أو 4، وقاموا بتنميتها في المختبر؛ لتتحوّل إلى خلايا ميكروغليا. بعد ذلك، أضافوا تجمّعات من أميلويد بيتا وفحصوا تراكم الدهون في الخلايا. ووجدوا أنّ الخلايا الحاملة للنسخة 4 تراكمت فيها قطرات الدهون الزائدة، بينما لم تظهر هذه الظاهرة في الخلايا الحاملة للنسخة 3. أكّدت هذه النتيجة الفرضيّة الّتي تفيد بأنّ النسخة 4 تزيد الميل لتراكم قطرات الدهون.
وللتأكّد من أنّ خلايا الميكروغليا الدهنيّة تؤثّر فعلًا في تطوّر مرض الآلزهايمر، قام الباحثون بزراعة خلايا عصبيّة في طبق وعالجوا بعضها بموادّ تفرزها ميكروغليا صحيّة، وأخرى تفرزها ميكروغليا دهنيّة. ووجدوا أنّ الخلايا العصبيّة المعالجة بمحلول الميكروغليا الدهنيّة أنتجت بروتينات تشير إلى تشابك تاو وعمليّات ترتبط بمرض الآلزهايمر، في حين لم تظهر تشابكات التاو في الخلايا المعالجة بمحلول الميكروغليا الصحيّة.
يكشف البحث الجديد النقاب عن قطعة أخرى من لغز المعرفة المعقَّد حول مرض الآلزهايمر، ويربط بين العناصر الثلاثة الّتي تميّز تطوّر المرض في الدماغ: تشابكات التاو، تجمعّات أميلويد بيتا، وتراكم الدهون في الخلايا. وفقًا للباحثين، يميل الأشخاص الحاملون للنسخة 4 من الجين APOE إلى تطوير تراكم قطرات الدهون في خلايا الميكروغليا الحسّاسة، وتنتشر الدهون المتراكمة لتضرّ بخلايا الأعصاب، ما يؤدّي إلى تشابك بروتينات التاو وضمور الخلايا في نهاية المطاف وفقدانها القدرة على العمل. ما زالت هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لدعم نتائج هذا البحث وتعميق فهمنا للمرض، ولكن كلّما زادت معرفتنا، زادت الآمال بأن نتمكّن في يوم ما من تقديم علاج، وتحسين نوعيّة حياة العديد من المرضى وأفراد عائلاتهم.