في دراسة واسعة النّطاق تمّ إيجاد صلة بين استهلاك القنّب أثناء الحمل والمضاعفات المؤثّرة على صحّة الأمّ - مجال لم يُدرس كثيرًا حتّى الآن
يمكن أن تكون لاستهلاك القنّب - النّبات الّذي تُصنع منه مخدّرات الحشيش والماريحوانا - عواقب وخيمة على الصّحّة الجسديّة والنّفسية على حدٍّ سواء، من بينها مشاكل نفسيّة كالاكتئاب والذّهان، ودخول المستشفى لأسباب تتعلّق بالصّحّة النّفسيّة. وفقًا لبعض الدّراسات، تقريبًا نصف الّذين يدخلون المستشفى بسبب أعراض ذهانيّة بعد تعاطي القنّب، يصابون بالفصام. وعلى الرّغم من ذلك، فإنّ نسبة الأشخاص الّذين يبلّغون عن تعاطيهم القنّب آخذة في الازدياد؛ وقد يعود ذلك إلى المفاهيم الخاطئة الّتي ترى أنّ استعمال القنّب آمن أو غير ضارّ، بتأثير ربّما من عمليّات إجازة استخدامه في العالم. بعض النّساء الحوامل يعتقدن ذلك أيضًا.
العديد من الدّراسات الّتي بحثت في مدى سلامة استخدام القنّب أثناء الحمل، ركّزت على تأثيره على الجنين أو مخاطره على الأطفال حديثي الولادة، ولكن لا يوجد سوى القليل من المعلومات حول تأثيره على المرأة نفسها. الأمر الّذي يفسّر ربّما لماذا قد تضاعفت، وفقًا لبعض الدّراسات الاستقصائيّة، نسبة النّساء الحوامل اللّاتي لا يعتبرن استهلاك القنّب أمرًا خطيرًا ثلاث مرّات تقريبًا منذ بداية القرن الحاليّ. في دراسة أخرى، وُجد أنّ المشاركات اعتبرن استخدام القنّب أثناء الحمل أكثر أمانًا من استخدام الأدوية، بما في ذلك الأدوية الموصوفة، لأعراض معيّنة.
نسبة النّساء الحوامل اللّاتي لا يعتبرن استهلاك القنب خطيرًا ازدادت بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا منذ بداية القرن الحاليّ. نورات من القنب في آنية | Roxana Gonzalez, Shutterstock
حمل عالي الخطورة
في دراسة جديدة، فحص الباحثون العلاقة بين استهلاك القنّب أثناء الحمل وصحّة الأمّ. لأجل هذا استخدموا قاعدة بيانات Kaiser Permanente، وهي أكبر شركة تأمين صحّيّ في الولايات المتّحدة. للدّراسة، تمّ اختيار نساء كنّ في الأسبوع العشرين على الأقل لحملهنّ، هو حملٌ بجنين واحد. ومن أجل أن تكون النّتائج ذات مصداقيّة أكبر، طُلب من المشاركات تعبئة استمارة ذاتيّة تتعلّق باستهلاك القنّب، والقيام باختبار للبول.
من بين حوالي 250 ألف امرأة، 6.3 في المئة منهنّ تمّ التّعرّف إلى أنّهنّ تعاطين القنّب، معظمهنّ من خلال فحص البول الّذي يشير إلى التّعرّض إلى مخدّر حتّى الشّهر السّابق للفحص، وليس من خلال الإبلاغ الذّاتيّ. من بين من استخدمن القنّب ، كانت المجموعة النّسبيّة للنّساء الشّابّات أكبر من باقي جميع المشارِكات، وخصوصًا من تتراوح أعمارهنّ بين 18 - 24 عامًا، اللّاتي كانت نسبتهنّ ضمن مجموعة المستخدمات للقنّب أكبر بأربعة أضعاف من المستخدمات الأكبر سنًّا. وكانت نسبة النّساء اللّاتي عرّفن أنفسهن على أنّهنّ من السّمراوات، أعلى أيضًا بأربعة أضعاف ضمن مجموعة مستخدمات القنب، مقارنةً بمجموعة غير المستخدمات.
كانت النّساء اللّاتي استخدمن القنّب أكثر عرضةً للإصابة بالمضاعفات والأمراض أثناء الحمل، مقارنةً بالنّساء اللّاتي تجنّبنه، وكان خطر الإصابة بتسمّم الحمل أعلى بنسبة 8%، وارتفاع ضغط الدّم أعلى بنسبة 17%، وانفصال المشيمة أعلى بنسبة 19%. في المقابل، بدا أنهنّ كنّ أقل عرضةً للإصابة بسكّري الحمل. تتوافق هذه النّتيجة مع بعض الدّراسات السّابقة، ولكن وعلى العكس من ذلك فقد وُجد في دراسات أخرى أنّ استخدام القنّب أثناء الحمل يزيد من خطر الإصابة بسكّري الحمل.
وجد أنّ النّساء اللّاتي استخدمن القنّب أثناء الحمل كنّ أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدّم وتسمّم الحمل. طبيبة تقوم بقياس ضغط الدّم لمتعالجة حامل | Taras Grebinets, Shutterstock
العمر أم التّمرين؟
ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون الاستنتاج المتعلّق بسكّري الحمل خاطئًا، ومردّه الانحياز الإحصائيّ (الخطأ النّظاميّ). وهذا انحياز يسمّى "مفارقة سمبسون" - عند دراسة مجتمع مكوّن من مجموعات ذات خصائص مختلفة، فإنّ تحليل المجتمع بأكمله قد يعكس نتيجة معيّنة، ولكن عند تحليل كلّ مجموعة على حدة تظهر نتيجة مختلفة أو حتّى عكسيّة. وفي هذا السّياق، عندما فحص الباحثون العلاقة بين انخفاض خطر الإصابة بسكّري الحمل واستخدام القنّب، بين جميع مستهلكات القنّب معًا، بدا أنّ استخدام القنّب يحمي من سكّري الحمل. من ناحية أخرى، وفي تحليل فرعيّ وفقًا لتكرار الاستخدام، وُجد بشكل واضح إحصائيًّا أنّ خطر الإصابة المنخفض كان في مجموعتين فقط: النّساء اللّاتي أبلغن عن استخدام القنّب مرّة واحدة في الشّهر على الأكثر، والنّساء اللّاتي كان اختبار البول لديهنّ إيجابيًّا. كما قلنا، إنّ اختبار البول الإيجابيّ يشير إلى التّعرّض للمخدّر في الشّهر الأخير، لكن لا يمكن معه معرفة مدى تكرار استخدامه.
لسنوات عديدة، كان الحمل في سنّ متأخّرة نسبيًّا يُعتبر عامل خطر لكلٍّ من الأمّ والمولود على حدّ سواء، بما في ذلك في سياق سكّري الحمل. في الدّراسة الحاليّة، كانت النّساء اللّاتي امتنعن عن استهلاك القنّب أكبر سنًّا بكثير بالمتوسّط من النّساء اللّاتي استخدمنَه. لذلك، فمن الممكن أن يكون الاختلاف في خطر الإصابة بسكّري الحمل مرتبطًا بفارق العمر بين النّساء، وليس باستخدام القنّب، كما أنّ ما يقرب من ثلث النّساء اللّاتي امتنعن عن تعاطي القنّب، كنّ من أصل آسيويّ أو من جزر المحيط الهادئ. بشكل عامّ، وُجد في الماضي أنّ النّساء المهاجرات، بغضّ النّظر عن أصلهنّ، أكثر عرضةً للإصابة بسكّري الحمل مقارنةً بالنّساء المولودات في الولايات المتّحدة.
يعتبر الحمل بجيل متأخّر عامل خطر للإصابة بسكّري الحمل، لذلك فمن الممكن أن تكون الاختلافات الموجودة في الدّراسة نابعة من عمر المرأة وليس من استهلاك القنّب. اِمرأة بالغة، حامل | Ground Picture, Shutterstock
مجموعات مختلفة ونتائج مختلفة
في الدّراسة توجد بعض القيود. حوالي نصف النّساء اللّاتي تمّ تعريفهنّ على أنّهنّ مستهلكات للقنّب لغرض الدّراسة، تمّ تحديدهنّ في اختبار البول، لكنّهن لم يبلّغن عن استخدام القنب. بإمكان هذه النّتيجة أن تشير إلى نقص كبير في الإبلاغ، أو إلى تعرُّض متكرّر للتّدخين السّلبيّ. كانت لمجموعة مستخدمات القنّب صفات مختلفة عن النّساء اللّاتي لا يستخدمنَه - فقد كنّ أصغر سنًّا، والعدد الأكبر منهنّ كنّ من ذوي الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ المتدنّي، أو أنّهنّ ينتمين إلى مجموعات سكّانيّة محرومة، مثل الأصول الإسبانيّة والأقليّات الأخرى. كانت لديهنّ أيضًا تشخيصات نفسيّة أكثر من غيرهنّ. إضافة إلى ذلك، إنّ المعلومات الواردة في الدّراسة مصدرها إحدى شركات التّأمين، لذا، فهي لا تشمل النّساء اللّاتي لا يستطعن تحمّل تكاليف التّأمين الصّحّيّ.
نظرًا لأنّ اختبارات القنّب تمّ إجراؤها فقط في اللّقاء الأوّل مع طبيبات وأطبّاء الأسرة، وذلك في بداية إجراءات متابعة الحمل، فإنّه من غير الممكن معرفة كيف بدا استهلاك النّساء للقنّب بعد ذلك - أي ما إذا كنّ قد توقّفن عن تعاطي المخدّر، أو غيّرن من نمط استخدامه. من الممكن أن تكون هذه المعلومات ذات أثر على نتائج الدّراسة. لم تفحص الدّراسة أيضًا طريقة تعاطي المخدّر- تبخير، أو تدخين القنّب والّتبغ معًا، أو تدخين القنب وحده أو بلعه، حيث من الممكن أن يكون لطريقة التّعاطي تأثيرٌ أيضًا. كلّ ذلك دون ذكر متغيّرات أخرى قد تكون ذات أهمّيّة محتملة، والّتي لا يمكن عزلها في الدّراسات الرّصديّة (الدّراسات المتعلّقة بالمشاهدة)، مثل جودة القنّب أو تركيز مكوّناته الفعّالة أو أسباب استهلاكه في المقام الأوّل.
في المستقبل قد تحاول دراسات أخرى العمل على الاستنتاجات من جديد، من أجل تأكيد النّتائج أو فحص متغيّرات إضافيّة. ولكن في الوقت الرّاهن، تدعم هذه الدّراسة توصية بعض هيئات الصّحّة في العالم، وهي: يجب تجنّب التعرّض للقنّب أثناء الحمل. أخيرًا وبخلاصة القول، حتّى لو كانت للقنّب فائدة محتملة، يبدو أنّ أضراره الممكنة أكبر بكثير.