تشير أبحاث جديدة حول تراكم الطّفرات في فيروس الكورونا في بريطانيا وجنوب أفريقيا إلى أنّه تنتشر سلالات الفيروس الجديدة أسرع بين السّكّان، بالذّات وسط الفئة الشّابّة. أمّا الخبر الجّيّد هو: أنّ اللّقاحات الّتي طُوّرت على ما يبدو فعّالة ضدّهم أيضًا.

كشفت دراسات جديدة أنّ سلالة فيروس الكورونا الجديدة الّتي ظهرت في بريطانيا مُعدية أكثر، لكنّها ليست أكثر فتكًا. على الرّغم من عدم توفّر معلومات مؤكّدة حتّى الآن، تُشير التّقديرات إلى أنّ اللّقاحات ستكون فعّالة ضدّها وضدّ السّلالة الأخرى الّتي ظهرت في جنوب أفريقيا.

أعلنت الحكومة البريطانيّة عن فرض إغلاق محكَم جرّاء زيادة عدد الإصابات بالمرض وظهور السّلالة الجديدة للفيروس في بريطانيا. تقرّر في إسرائيل فرض إغلاق أكثر صرامة بسبب تصاعد عدد المرضى. تحتوي السّلالة الجديدة للفيروس على عدّة طفرات في بروتين ال spike- بروتين "التّاج" الّذي يمكّن الفيروس من غزو الخلايا. نُشرت قبل أسبوعين تقديرات مسبقة أنّ الفيروس معدٍ أكثر، وقد أكّدت ثلاث دراسات نُشرت بشكل أوّليّ، قبل مراجعة النّظراء، نتائج هذه التّقييمات.

استخدم البحث الأوّل، الّذي نشره باحثون من جامعة برمنغهام على موقع medRxiv، القدرة على تحديد إحدى طفرات الفيروس في فحص الـ PCR. تمكّنت الفحوصات من تمييز ثلاثة مواقع في التّسلسل الجيني للفيروس، كلّ منها في جين مختلف. بسبب الطّفرة؛ لا يمكن للفحص أن يحدّد أحد هذه المواقع- الموجودة في جين بروتين ال spike. وبالتّالي، يمكن للفحص العاديّ تمييز المصابين بالسّلالة البريطانيّة للفيروس، بحيث يظهر الموقعان الآخران إيجابيّين، والموقع الموجود في التّسلسل الجينيّ لبروتين ال spike سلبيّ ، لهذا السّبب يدعى المرضى ب S-negative. من خلال هذه الطّريقة، وجد الباحثون أنّ الحمل الفيروسيّ (viral load/titer) مرتفع جدًّا لدى %35 من ال S-negative، و %10 لدى ال S-positive. الحمل الفيروسيّ المرتفع يعني أنّ المريض يمكن أن ينشر كمّية أكبر من الفيروسات، وبالتّالي إصابة عدد أكبر من الأشخاص الّذين تعرّضوا له بالعدوى.

في بحث آخر، نُشر من Imperial College، تابع الباحثون عدد المرضى ال S-negative لمعرفة صورة انتشار السّلالة الجديدة للفيروس بين السّكّان. وفقًا لتقديرات الباحثين، إنّ السّلالة الجديدة معدية بنسبة %80-40 أكثر من الفيروس العاديّ. بالإضافة إلى ذلك، عند مقارنة النّسبة بين عدد المصابين بالفيروس العاديّ والجديد في الفئات العمريّة المختلفة، وُجد أنّ النّسبة متساوية تقريبًا في الفئة العمريّة 60-20، أمّا لدى كبار السّن فالإصابة بالفيروس الجديد هي أقلّ بحوالي %20 من الفيروس العاديّ - ربّما لأنّهم يتوخّون الحذر أكثر، بالذّات في المناطق الموبوءة. أمّا لدى الأطفال حتّى جيل ال 9 سنوات، انتشار الفيروس الجديد أعلى من الفيروس العاديّ بنسبة %25، و %20 في الفئة العمريّة 19-10 سنة. ليس من الواضح بعد ما إذا كان الفيروس الجديد معديًا أكثر للأطفال، أم أنّ هذه المعطيات تعود إلى إعادة فتح أبواب المدارس.

أظهر البحث الثّالث، الّذي نشرته وزارة الصّحّة البريطانيّة في 28 من كانون الأوّل، ارتفاعًا تدريجيًّا في انتشار الفيروس الجديد، وفقًا لطريقة الفحص الموضّحة أعلاه، منذ شهر تشرين الأوّل في جميع الفئات العمريّة، بالأخصّ من سنّ 25 إلى 49 عامًا. نظرًا لأنّ هذه الطّفرة، الّتي تؤثّر على نتيجة فحص الـ PCR، موجودة في سلالات فيروس أخرى، فحص الباحثون التّسلسل الجينيّ الكامل للسّلالات. في شهر تشرين الأول، كانت فقط %3 من العيّنات ال S- negative تحتوي على جميع طفرات الفيروس البريطانيّ. أمّا في أوائل شهر تشرين الثّاني، بلغت النّسبة %64 وفي أوائل كانون الأوّل %98. حتّى نهاية شهر كانون الأوّل، كان حوالي نصف المصابين في إنجلترا S-negative، أي مصابون بالفيروس الجديد. من هنا، تشير التّقديرات إلى أنّ الفيروس الجديد معدٍ بنسبة %50 وأكثر.

عود قطنيّ لفحص الكورونا | تصوير: Cryptographer, Shutterstock
تُمكّن القدرة على تمييز الفيروس الجديد من خلال الـ PCR تحديد انتشاره بين السّكّان. عود قطنيّ لفحص الكورونا | تصوير: Cryptographer, Shutterstock

احتمال الوفاة والإصابة المجدّدة بالعدوى

بالإضافة إلى ذلك، فحص الباحثون ما إذا كانت سلالة الفيروس الجديدة فتّاكة أكثر. قاموا بمقارنة 1,769 مريضًا مصابًا بالفيروس العاديّ ب 1,769 مريضًا مصابًا بالسّلالة الجديدة، ووجدوا أنّه لا يوجد أيّ فرق بين المجموعتين من حيث عدد متلقّي العلاج في المستشفيات أو الوفيّات- ممّا يعني أنّ سلالة الفيروس الجديدة تسبب مرضًا مشابهًا من حيث مستوى الخطورة للفيروس العاديّ. هذا يعني أنّ الخطورة في السّلالة الجديدة لا تكمن في شدّة المرض، إنّما في ارتفاع عدد المرضى، ممّا يؤدّي إلى زيادة العبء على المستشفيات.

أخيرًا، فحص الباحثون ما إذا كانت هناك حالات أكثر من الإصابات المجدّدة بالفيروس الجديد، أي هل هو قادر على التّغلّب على المناعة الّتي تطوّرت لدى المصابين سابقًا بالفيروس العادي. لم يجد الباحثون فرقًا في احتمال الإصابة بالعدوى المجدّدة بين المجموعتين. لذلك، تشير التّقديرات إلى أنّ التّغييرات في بروتين ال spike غير كافية لتفادي الفيروس من الحماية الّتي يوفّرها جهاز المناعة لمن تعافوا من المرض أو تلقّوا لقاحًا.

في جنوب أفريقيا

لا تشمل السّلالة الجنوب أفريقيّة الّتي تُدعى 501.v2 الطّفرة الّتي تؤدّي إلى نتائج S-negative, لكنّها تشمل طفرة في الموقع 501 في بروتين ال spike في السّلالة البريطانيّة للفيروس، الّتي يبدو أنّها تؤدّي إلى زيادة في احتمال الإصابة. تشير تقارير أوّليّة إلى أنّ الفيروس قد انتشر بصيغته الجديدة بسرعة وبات هو الفيروس الرّئيسيّ في جنوب أفريقيا. ويبدو أنّه يسبّب أيضًا حملًا فيروسيًّا أكبر من الفيروس العاديّ، لكن ليس إلى وسط مَرضيّ أكثر خطورة.

تُظهر النّتائج أنّ هناك حقًّا سببًا للقلق بشأن الارتفاع السّريع في عدد الإصابات مع دخول الفيروس الجديد إلى البلاد. على الرّغم من أنّه ليس أكثر فتكًا من سابقيه، إلّا أنّ الزّيادة في عدد الإصابات تؤدّي حتمًا إلى زيادة في عدد المرضى في المستشفيات وفي الوفيّات، كما نلاحظ في الموجة الحاليّة للمرض في إسرائيل. مع ذلك، فإنّ نتائج الأبحاث في إنجلترا، بالإضافة إلى بيان شركة Moderna أنّه من المتوقّع أن يكون التّطعيم الّذي طوّرته فعّالًا ضدّ الفيروسات الجديدة أيضًا، كما وتعزّز التّقديرات بأنّ اللّقاحات ستكون فعّالة بنفس القدر ضدّ الفيروس البريطانيّ والجنوب أفريقيّ. لذلك فإنّ مخطّط التّطعيم السّريع للسّكّان يجب على الأقلّ أن يخفّف العبء عن المستشفيات، إن لم يحدّ من انتشار المرض.

0 تعليقات