بحث يظهر أنّ تعرّض الجلد للأشعّة فوق البنفسجيّة يغيّر من تركيبة البكتيريا الّتي تعيش في أجسامنا وقد يكون مفيدًا في مكافحة أمراض الالتهاب المعويّة.
يفترض الباحثون، منذ سنوات عديدة، وجود علاقة بين الأشعة فوق البنفسجيَّة وتركيبة البكتيريا وهذه العلاقة مرتبطةٌ بإنتاج فيتامين D في الجسم. وقد أظهرت دراسةٌ جديدةٌ، أنّ التّعرّض للأشعّة فوق البنفسجيّة يغيّر بالفعل تركيبة البكتيريا في أمعاء الإنسان، وعلى ما يبدو بأَنَّه يحسّنُها، ولهذا يمكن أن يكون له تأثيرٌ إيجابيٌّ على الأمراض المزمنة مثل الكرون والتهاب القولون.
ما يُميّز العديد من الأمراض المزمنة الّتي تُهاجم جسم الإنسان هو استجابةٌ التهابيَّةٌ غير معروفة المصدر، والّتي تضرّ بالأنسجة. من بين الأمراض الأكثر شيوعًا هناك: أمراض الالتهاب المعويّة مثل الكرون، التهاب القولون، التّصلّب المتعدّد، التهاب المفاصل، الصدفيّة (Psoriasis) وغيرها من الأمراض. العديد من هذه الأمراض تتأثّر بالتّعرّض للشّمس، بمستويات فيتامين D في الجسم وبالتّغيّرات في تركيبة البكتيريا في الأمعاء، ما يُعرف بالميكروبيوم. بناءً على ذلك، افترض الباحثون وجود علاقةٍ بين العوامل الثّلاثة: الفيتامين والبكتيريا والشّمس. فعلًا، تبيّن من خلال الأبحاث الّتي أُجرٍيت على القوارض أنّ التّعرّض للأشعّة فوق البنفسجيّة، وهي جزءٌ من أشعّة الشّمس، يؤدّي إِلى ارتفاعٍ في مستوى فيتامين D في الدَّم وكذلك إِلى تغيُّراتٍ في تركيبة بكتيريا الأَمعاء. مع ذلك، حتَّى الآن لم يتمّ فحص ما إِذا كانت أشعّة الشّمس تؤثِّرفعلًا على تركيبة بكتيريا الأََمعاء في جسم الإِنسان.
لفحص ما إذا كانت هذه العلاقة موجودة لدى الإنسان أيضًا، قام فريقٌ من الباحثين الكنديّين بتجنيد 21 مشارِكةً سليمةً في دراسةٍ صغيرةٍ، تمّ من خلالها فحص مستويات فيتامين D في دمّهنّ وتركيبة بكتيريا أمعائهنّ، قبل التّعرّض المراقََب للأشعّة فوق البنفسجيّة وبعده. أُجرِيت الدّراسة خلال أشهر الشّتاء في كندا – وهي دولةٌ شماليّةٌ، تكون فيها أشعّة الشّمس خفيفةً في أشهر الشّتاء، لذلك لا يوجد فيها تعرّضٌ كبيرٌ للأشعّة فوق البنفسجيّة خلال الفصول الباردة.
تركيبة بكتيريا متنوّعة
من بين المشارِكات الإحدى والعشرين، تناولت تسعٌ منهنّ مكمّلات فيتامين D لمدّة ثلاثة أشهرٍ قبل البحث، ولذلك كان مستوى الفيتامين في دمِّهنَّ مرتفعًا نسبيًّا منذ البداية. وقد وجد الباحثون، أنّ تركيبة بكتيريا الأمعاء لديهنّ كانت أكثر تنوّعًا مما وُجد لدى باقي المشاركات اللواتي لم يتناولن الفيتامين، مما يشير، غالبًا، إلى وجود ميكروبيوم سليم أكثر.
خلال أسبوع البحث، تمّ تعريض جميع المشاركات لأشعّةٍ فوق بنفسجيّةٍ من نوع UVB ثلاث مرّاتٍ، بشكلٍ مراقَبٍ وبمستوى أشعّةٍ آمنٍ لا يؤدّي إلى تهيّجٍ في الجلد. وُجد أنّ التّعرّض لهذه الأشعّة يؤدّي إلى ارتفاع بنسبة %10 في مستوى فيتامين D لدى المشاركات الّلاتي لم يتناولن مكمّلات الفيتامين، ولكن لم يكن هناك ارتفاعٌ كبيرٌ لدى المشاركات الّلاتي تناولن المكمّلات. كما استطاع الباحثون أن يرصدوا تغييرًا في تركيبة مستعمرات البكتيريا في فحوصات براز المشاركات الّلآتي لم يتناولن الفيتامين، بعد ثلاثة أيّامٍ من التّعرّض للأشعّة، لم يُلاحَظ أيّ تغييرٍ في تركيبة بكتيريا الأمعاء لدى المشاركات الّلآتي تناولن الفيتامين مسبقًا.
يوضح الباحثون أنّ مستعمرات البكتيريا لدى المشاركات باتت أكثر تنوّعًا بعد التّعرّض للأشعّة وأكثر تشابهًا لتركيبة بكتيريا أمعاء المجموعة الّتي تناولت مكمّلات الفيتامين. بالإضافة إلى ذلك، تكاثرت بكتيريا من نوع Lachnospiraceae، وهي نوع غير ضارٍّ من البكتيريا وتعتبر إحدى المركبات الهامّة في الميكروبيوم السّليم.
هذا هو البحث الأوّل الّذي يُظهر أنّ التّعرّض للأشعّة فوق البنفسجيّة يؤدّي إلى تغييرٍ في تركيبة بكتيريا الأمعاء في الإنسان. ومع ذلك، لم يتمّ بعد إيجاد آليّة تؤدّي من خلالها التّغييراتُ في مستويات فيتامين D إلى تغييراتٍ في تركيبة بكتيريا الأمعاء. عدا عن ذلك، هذا البحث كان محدودًا للغاية ولا تزال هناك حاجةٌ إلى دراسةٍ تشمل عددًا أكبر من المشاركين، من كلا الجنسين. من المهمّ أيضًا فحص مجالٍ أوسع من ألوان الجلد، لأنّ إنتاج فيتامين D في الجسم يتأثّر بشدّةٍ بصبغات الجلد.
كما أنّه من غير الواضح مدى صمود التّغييرات الّتي لوحظت في تركيبة مستعمرات بكتيريا الأمعاء ، وإذا ما كانت ستعود إلى حالها الأوّل بعد أيّامٍ أو أسابيعَ. استطاعت أبحاثٌ سابقةٌ رصد التّغييرات الموسميّة في تركيبة بكتيريا الأمعاء لدينا - وعلى ما يبدو فإنّه لا تأثير لها على الأشخاص السّليمين، ولكنها قد تكون مهمّة للّذين يعانون من أمراض الالتهاب المعويّة. يصبو الباحثون لفهم أسباب ظهور هذه الأمراض عند أشخاصٍ معيّنين، والدّور الّذي يلعبه فيتامين D في ذلك.
أخيرًا، من المهمّ توضيح كون التّعرّض خلال البحث للأشعّة فوق البنفسجيّة كان قصيرًا ومراقبًا، وقد تمّ قياس قوّة الأشعّة مسبقًا تفاديا لإلحاق الأذى بالمشاركات. بالمقابل، التّعرّض غير المراقَب/ للشّمس أو للأشعّة فوق البنفسجيّة من مصادرَ أخرى، يلحِق بالتّأكيد أضرارًا شديدةً، ويزيد بشكلٍ ملحوظٍ من خطر الإصابة بسرطان الجلد.
التدقيق اللغوي: ريم بغدادي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح