تدور علامات استفهامٍ عديدة حولّ التّطعيم الّذي طوّرته شركة Astrazeneca، جرّاء تغيير غير مخطّط له في بروتوكول البحث ونجاعته المنخفضة مقارنة بنجاعة تطعيمات الشّركات المنافسات

في الأسبوعين الماضيين، أبلغنا عن إعلاني الشّركتين Moderna و Pfizer، الّتي أشارت بياناتهما الأوّليّة إلى نجاعة عالية تبلغ حوالي 95% في التّطعيمات الّتي طوّرتها. أعلنت شركة Pfizer أنّها تطالب بالحصول على مصادقة طارئة على التّطعيم من قبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتّحدة (FDA). تقوم FDA حاليًا بمراجعة جميع البيانات الّتي قُدّمت إليها وتمّ تعيين جلسة نقاش مع الخبراء حول تطعيم شركة Pfizer في العاشر من كانون الأوّل.

قد تنشر الشّركة مزيدًا من التّحليلات لنتائجها أو ادّعاءات حول قدراتها في الإنتاج والتّوزيع، كوسيلة لتحفيز الحكومات على توقيع عقود معها حتّى عقد قبل جلسة النّقاش، على أمل الحصول على المصادقة قريبًا. ومع ذلك، من غير المعروف كيف سينتهي النّقاش وفيما إذا كانت الشّركة سوف تُطالَب بإجراءات تكميليّة وتصليحات. يبدو أنّ المصادقة بعيدة عن أن تكون مضمونة.

علامات استفهام

نشرت شركة Astrazeneca يوم الاثنين نتائجها للمرحلة الحاليّة للتّطعيم الذّي تطوّره، وأثارت تقاريرها بعض التّساؤلات. فقد بلغت نجاعتها النّهائيّة  %70. لو نُشر هذا المعطى قبل شهر فقط، لكان يعتبر خبرًا سارًّا، ولكن مقارنةً مع الشّركتين السّابقتين، يبدو أنّه العكس، على الرّغم من أنّ نسبة النّجاعة المحقّقة أعلى بكثير من الحدّ الأدنى الّذي حدّده الـ FDA قبل بضعة أشهر.

بالإضافة إلى ذلك، كان من المفاجئ أن تعرض Astrazeneca مجموعتين من البيانات. تلقّى المشاركون في المجموعة الأولى جرعتين من التّطعيم كما كان مقرّرًّا، وبلغت نجاعته فيها %62. في المجموعة الثانية، والّتي كانت أصغر وشملت 2,741 مشاركًا فقط، تلقّى المشاركون نصف جرعة من التّطعيم في المرحلة الأولى وجرعة كاملة منه في المرحلة الثّانية. كانت نجاعة التّطعيم فيه هذه المجموعة أعلى بكثير وبلغت حوالي %90. عند مراجعة بروتوكول البحث، اكتُشف أنّ هذه المجموعة لم يكن مخطّطًّا أن تُشمل في البحث منذ البداية، واعترفت الشّركة فيما بعد بالخطأ.

من جهة، يمكن اعتبار هذا الخطأ "خللًا مفيدًا" - نتيجة ناجحة تحقّقت بفضل الخطأ. من جهة أخرى، يجوز ألّا تعكس النّتائج النّجاعة الحقيقيّة، نظرًا لعدد المشاركين القليل في المجموعة المفحوصة. من بين المشاركين في هذه المجموعة الّتي أصيبت بالكورونا، تلقّى 3 أشخاص التّطعيم الحقيقيّ، وتلقّى 27 شخصًا التّطعيم الوهميّ. لا يمكن تحديد نجاعة التّطعيم استنادًا على هذه الأرقام، وقد أعلنت AstraZeneca أنّها ستبدأ قريبًا بإجراء تجربة أخرى لفحص نجاعة التّطعيم، بناءً على هذه النّتيجة. لا شك في أنّ هذا تأخير كبير في جدول العمل، لكن لا خيار لهم إذا أصرّوا الاشتراك بسباق تطوير التّطعيم.

هناك أيضًا نقاط إيجابيّة. فالتّطعيم سهل الإنتاج، التّخزين والتّوزيع، خاصّة أنّه لا يحتاج إلى حفظه في الفريزر. ثانيًا، على عكس التّطعيمين الآخرين الّذين يعتمدان على تقنيّة جديدة لم تُفحص سابقًا على البشر، AstraZeneca طوّرت تطعيمًا تمّت المصادقة على  تطعيمات مشابهة له للاستعمال في البشر، وبالتّالي فإنّ مستوى الارتياب بشأنه هو أقلّ. بالإضافة إلى ذلك، لم يُصب أيّ من المتطعّمين الّذين أُصيبوا بالكورونا بمرض خطير، على عكس المجموعة الضّابطة الّتي تلقّت تطعيمًا وهميًّا.

أخيرًا - وهذا يمكن أن يفسّر أيضًا الفروق بالنّجاعات بينها وبين باقي الشّركات- قامت AstraZeneca بمراقبة المشاركين في البحث عن قرب وأجرت لهم فحص كورونا لهم أسبوعيًّا، لذلك من المحتمل جدًّا أنّها اكتشفت العديد من المرضى وأمّا الشّركات الأخرى فقد فوّتتهم خلال بحثها. إذا كان هذا صحيحًا، فيجب أن تكون نسب نجاعاتهم أقلّ من المبلّغ عنها. في كلتا الحالتين، إذا تمّت المصادقة على تطعيمات أخرى قبل أن تقدّم AstraZeneca تطعيمها للمصادقة، فمن المحتمل أن يقوم ال FDA  بتشديد القوانين ورفض التّطعيم. ومع ذلك، ستقتني الكثير من الدّول التّطعيم بكلّ سرور - فهناك عالم كامل يجب تطعيمه.
 

تفاؤل حذر

بعد تقرير معهد غماليا للأبحاث في الأسبوع الماضي حول نجاعة التّطعيم الرّوسيّ بنسبة %92، وقد بلغ عدد متلقي اللقاح الّذين أصيبوا بالكورونا 20 شخصًا، أُصدر هذا الأسبوع تقريرًا محدّثًا، مع 39 متطعمًّا الّذي أُصيب بالمرض، مع الحفاظ على مستوى نجاعة مشابه. على الرّغم من أنّ هذا المعطى يدعم استنتاجات الباحثين بشكل أفضل، إلّا أّن عدد المشاركين أقلّ بكثير من المعتاد. سننتظر إلى أن تكتمل البيانات.

أعرب الدّكتور سلاوي (Slaoui)، العالم الرّئيسيّ في مشروع "Warp speed" لتحفيز تطوير التّطعيمات والأدوية في الولايات المتّحدة، عن تفاؤله هذا الأسبوع. إذا تمّت المصادقة على التّطعيمات في المستقبل القريب وبدأت حملة تطعيم واسعة النّطاق في الأشهر المقبلة، سيتمكّن سكّان الولايات المتّحدة من العودة إلى روتين حياتهم في الصّيف. نأمل أن يتحقّق سيناريو مشابه في البلاد أيضًا.

 
تحديث حتّى 20 نوفمبر 2020

تصدّر الأسبوع الماضي إعلان شركة Pfizer عن نجاحها الباهر في تخطّي المرحلة الثّالثة من التّجارب السّريريّة الّتي أُجريت على اللّقاح الّذي تعمل الشركة على تطويره.  وفي بداية هذا الأسبوع تلقّينا خبرًا دراماتيكيًّا بذات القدر من شركة Moderna، الّتي أعلنت أيضًا عن نتائج أوّلية ناجحة في المرحلة الثّالثة من التّجارب السّريريّة، تُظهر فيها مستوى نجاعة عالٍ للّقاح بنسبة تقدّر بـ %95.

رغم أنّ هذه ليست إلّا نتائج أوّليّة، وقد تطرأ بعض التغييرات عليها،  إلّا أنّ النتائج المشابهة للشّركتين تشير إلى أنّ طريقة التّطعيم الجديدة الّتي تستخدمانها  فعّالة، وهي عبارة عن حقن جزيئات mRNA الّتي تحمل تسلسلًا للحمض النووي مشفّرًا لبناء وإنتاج أحد بروتينات الفيروس في الجسم. ولكن من الجدير أن نذكّر بأنّ المعلومات المتوفّرة لدينا حاليًّا ليست كاملةً تمامًا: فنحن لا نعلم حتّى الآن ما هي الأعراض المرافقة للّقاح وما نطاقها، وليس من الواضح حتّى الآن ما إذا كانت المناعة التي يكسبها هذا اللّقاح ضدّ الفيروس طويلة الأمد، بالإضافة إلى أنّنا نجهل ما إذا كان التّطعيم فعّالًا لدى الفئات المستضعفة المعرّضة للخطر أكثر من غيرها مثل كبار السّنّ ومرضى السّكّريّ، وطبعًا لا تتوفّر لدينا معلومات كافيّةٌ عن الأعراض المرافقة طويلة الأمد، بما أنّ اللقاح لا يزال حديث العهد. رغم ذلك كلّه، يبعث التّطعيم فينا الأمل أنّنا سنتغلّب على مرض الكورونا.

على وشك المصادقة

فجّرت شركة Pfizer خلال الأسبوع قنبلة إعلاميّة أخرى، معلنةً أنّها قد أنهت جمع جميع المعطيات اللّازمة لتقديم طلبها  للـ FDA، بحيث توافق الأخيرة بشكل طارئ على اللقاح المقترح. بلغت نسبة نجاعة التّطعيم، بعد التحليل المحدّث للبيانات، حوالي الـ %95، بشكلٍ مماثل للمعطيات التي نشرتها شركة Moderna. قد تطرأ تغييرات طفيفة على هذه النّسب ولكنّها واقعة ضمن نطاق الخطأ المعياري المقبول. من المشجّع معرفة أنّ النّتائج لم تتغيّر بشكل حادّ حتّى بعد إدراج بياناتِ 76 مريضًا جديدًا إلى المعطيات. وبحسب أقوالهم، فلم تلاحَظ أيّ أعراض مرافقة خطيرة، وأمّا الأعراض الخفيفة فتشمل الدُّوار والصّداع. ومن المعلومات المشجّعة أخرى التي وردت، فإنّ نجاعة التّطعيم لم تنخفض كثيرًا لدى الأشخاص فوق سنّ الـ 65.

لم تنتهِ التّجربة بعد، وسوف يستغرق ذلك وقتًا أطول في محاولة اكتشاف الأعراض المرافقة النّادرة وتحديد مدّة الذّاكرة المناعيّة طويلة الأمد، هذا إن استطاعت أجسام متلقي اللقاح تطويرها. ومع ذلك، ونظرًا لأنّنا في خضم وباء عالميّ، الّذي تُحطَّم فيه يوميًّا أرقامٌ قياسيّة جديدة من حيث عددالمرضى الجدد والوفيّات، فلن يأل المسؤولون جهدًا في سبيل الحصول على تصريح طارئ لبدء توزيع مئات الملايين من جرعات التّطعيم.

ستضطرّ شركة Pfizer إلى مواجهة تحدٍّ لوجستي كبير أمام المصادقة على لقاحها. فالجزيئات المستعملة فيه حسّاسة جدًّا للحرارة ويلزم حفظها في ظروف تبريد تبلغ 70 درجة مئويّة تحت الصّفر خلال مراحل التّوزيع والشحن بأكملها، وهذا ليس تحدّيًًا بسيطًا. وكانت قد أعلنت الشّركة عن برنامج تجريبيّ (Pilot) لتوزيع اللقاح وشحنه في عدّة ولايات في الولايات المتّحدة، وتسعى من خلال ذلك إلى إيجاد حلول لوجستيّة لهذه العقبة. تتمتّع Moderna في هذا الصّدد بميزة كبيرة مقارنةً ب Pfizer، فجزيئات لقاحها المقترح مستقرّة ومتوازنةٌ حتّى 20 درجة مئويّة تحت الصّفر.

حاليًّا، تعمل إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة FDA على تهدئة الحماس الجارف نحو اللقاحات بعض الشيء. ففي مقابلة مع Business Insider، صرّح رئيس مركز التّقييم البيولوجيّ والأبحاث في الإدارة، بيتر ماركس (Marks)، أنّ "ليس هناك أيّ داعٍ للعجلة في الموضوع". وأضاف أنّه من المهمّ في المرحلة الأولى "استعادة ثقة النّاس في التّطعيمات" وأن تكون جميع الإجراءات مكشوفة. وعلى ما يبدو فأنّ عمليّة فحص التّطعيم والموافقة عليه سوف تستغرق بضعة أسابيع أخرى.

חיסון "ספוטניק" הרוסי | צילום: Yalcin Sonat, Shutterstock
كثير من الشّكوك تدور في أوساط العلماء في دول الغرب. التّطعيم الرّوسيّ SPUTNIK | تصوير: Yalcin Sonat, Shutterstock

 

التطعيمات المترقّبة في الطابور

 

ترنو الأنظار الآن نحو - Johnson & Johnson و Astrazeneca، القابعتين في مراحل متقدّمة من تجارب المرحلة الثّالثة. إذ طوّرت كلّ منهما لًقاحًا يعتمد على نوع من الفيروسات الّذي لا يضرّ بالإنسان. ووفقًا للمخطّط، يدخل هذا الفيروس خلايا الإنسان مولِجًا إليها قطعة من الـ DNA الّتي تحمل تسلسلًا جينيًّا يحمل شيفرةً لإنتاج أحد البروتينات الفيروسيّة - يُعتمد نفس البروتين الفيروسي في غالبيّة اللّقاحات المبتكرة. من المفروض أن يميّز الجهاز المناعيّ هذا البروتين، فينتج أجسامًا مضادّة ضدّه ويطوّر ذاكرة مناعيّة. من المتوقّع أن تنشر شركة Astrazeneca تقريرًا للنّتائج الحاليّة قريبًا جدًّا، في حين أعلنت شركة Johnson & Johnson عن البدء بتجربة أخرى في المرحلة الثّالثة، فيها سيُعطى التّطعيم بجرعة واحدة بدلًا من اثنتين. ومن المتوقّع أن تنشر النّتائج الأوّليّة في الأشهر المقبلة.

انضمّت الشّركة الهنديّة (Bharat) إلى هذا السّباق أيضًا، ومن المتوقّع أن تبدأ المرحلة الثّالثة من التّجارب السّريريّة. يعتمد التّطعيم الّتي تعمل على تطويره على فيروس كورونا معطّل "مُمات". من المخطّط فحص هذا اللّقاح على 26 ألف متطوّع في الهند. نتمنّى لهم النّجاح أيضًا.

تستمرّ الحكومة الرّوسيّة بإصدار تصريحات حول النّجاعة العالية للتّطعيم الّذي طوّرته، والّذي تمّ تلقّيه هناك قبل إجراء تجارب المرحلة الثّالثة من التّجارب السّريريّة. أثيرت الشّكوك بشأن هذه التّصريحات من قِبل المجتمع العلميّ، وأحد الأسباب لذلك هي أنّه شملت النّتائج المنشورة 20 مريضًا فقط، وهو أقلّ بكثير من عدد المفحوصين المطلوب للحصول على موافقة سلطات الصّحّة الغربيّة.

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
الإشراف العلميّ والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات