وجد باحثون حوالي 830 موقعًا على طول الحمض النوويّ DNA والّتي ينخفض نشاطها الجينيّ لدى التوائم. بعضها يمكنه إرشادنا حول العمليّة المطلوبة لتكوين جنينَين من بويضة واحدة، أو تحديد حالات الحمل غير المكتمل

بغضّ النظر عن هويتك وكم عمرك، من المدهش دائمًا رؤية توائم متطابقة. بعد كل شيء، نحن معتادون على التفكير في أنَّ كلّ واحد منّا هو ندفة ثلجيّة فريدة من نوعها، يختلف حتّى عن والديه وإخوته. كيف يمكن أن يكون هناك أصلًا أشخاصٌ متطابقون؟ 

تثير مسألة السبب وراء ولادة توائم متطابقة اهتمام العديد من الباحثين العاملين في مجال نموّ الجنين. تحدث ولادة التوأم عندما تحمل الأم أكثر من طفل (جَنين) واحدٍ في رحمها أثناء الحمل. هذه ظاهرة نادرة نسبيًّا، حيث يبدأ الحمل الطبيعيّ بالتقاء بويضة واحدة من الأم وحيوان منويّ من الأب، ولكن يحدث أحيانًا أن يتمّ تخصيب بويضتين مختلفتين من الأم في نفس الوقت. في هذه الحالة يتشكّل توأمان غير متشابهين (توأم أخويّة)، بحيث يكون التشابه الوراثيّ بينهما مثل التشابه بين أيّ شقيقين عاديّين، وقد يكونان ولدين أو بنتين أو ذكرًا وأنثى. بالمقابل تتشكّل التوائم المتطابقة في عمليّة مختلفة: تنقسم بويضة واحدة مخصبة في مرحلة مبكّرة جدًّا من الحمل إلى أجنّة منفصلة تحتوي على نفس المعلومات الجينيّة تمامًا، ولذلك يكونان أيضًا من نفس الجنس.

اختار باحثون من الجامعة الحرّة في  أمستردام (Vrije Universiteit Amsterdam)، إلى جانب باحثين من جامعات أخرى، دراسة خصائص المادّة الوراثيّة للتوائم المتطابقة. يُنسَب بحثهم إلى مجال يُسمَّى علم التخلّق (Epigenetics)، والّذي يختصّ بالإضافات الكيميائيّة الّتي تغيّر نشاط جيناتنا دون تغيير الحمض النوويّ DNA نفسه. للقيام بذلك، بحث الباحثون عن مواقع بالمادّة الوراثيّة للتوائم الّتي ترتبط فيها جزيئات تابعة لمجموعة كيميائيّة تُسمَّى الميثيل (methyl)، والّتي تتكوّن من ذرّة كربون مرتبطة بثلاث ذرّات هيدروجين. عندما يرتبط الميثيل بجينات معيّنة، يقلّ تعبيرها الجينيّ، ممّا يعني أنّه سيتمّ إنتاج البروتين وفقًا للتعليمات المكتوبة عليه بشكلٍ أقلّ. 


تتشكّل التوائم المتطابقة عندما تنقسم بويضة مخصبة واحدة في مرحلة مبكّرة جدًّا من الحمل إلى أجنّة منفصلة. في بعض الحالات، عندما تنقسم البويضة في مرحلة مبكّرة بشكلٍ خاصّ، سيكون للتوائم المتطابقة أيضًا مشيمتان منفصلتان. مقارنة بين التوائم المتطابقة والتوائم الأخويّة| Shutterstock, amcora
 

بنية تخلّقيّة (لاجينيّة) خاصّة 

وجد الباحثون أنَّ التوائم المتطابقة لها بنية تخلّقيّة (لاجينيّة) فريدة لا تظهر في التوائم الأخويّة أو غير التوائم، بحيث تؤثّر على العديد من المواقع في مجمع الجينات الخاصّ بها (الجينوم). على سبيل المثال، لديها مجموعات "ميثيل" مرتبطة بالحمض النوويّ DNA بالقرب من جينات لها تأثير على قدرة الخلايا على الارتباط ببعضها البعض، وبالتالي يقلّ نشاطها. إسكات هذه الجينات يمكنه أن يفسّر لنا سبب انفصال مجمع الخلايا في بداية التطوّر الجنينيّ وانقسامه إلى جنينَين منفصلين.

بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون مواقع أخرى يصعب تفسير سبب كونها موسومة بالميثيل ممّا يقلّل من تعبيرها الجينيّ. في هذه المواقع، على سبيل المثال، هناك جينات لها علاقة بالشيخوخة، لكنّ الدراسات الّتي أُجريت على التوائم لم تظهر أنَّ متوسط ​​العمر المتوقّع لهما يختلف عن متوسط ​​العمر المتوقّع لأيّ شخص آخر. إجمالاً، حدّد الباحثون حوالي 830 منطقة فريدة في الحمض النوويّ للتوائم، بحيث تمّ العثور فيها على مجموعات الميثيل، وسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لمعرفة ما إذا كانت تساهم بأيّ شكل من الأشكال في تكوين التوائم، أم أنّها ناتجة عن عمليّة انقسام البويضة المخصبة إلى جنينَين.

השחקנים התאומים מת'יו ובנג'מין רוייר | Shutterstock, Featureflash Photo Agency
التوائم المتطابقة لها بنية تخلّقيّة فريدة. الممثّلان التوأم ماثيو وبنجامين روير |  Shutterstock, Featureflash Photo Agency
 

معطى آخر مهمّ توصّل إليه الباحثون يشير إلى أنَّ التغيّرات التخلّقيّة تبقى في الحمض النوويّ للتوائم لسنوات عديدة، وكذلك في مرحلة بلوغهم. بناءً على ذلك، سيكون من الممكن نسبيًّا التحديد بدقّة ما إذا كان لدى الشخص في بداية تطوّره الجنينيّ أخٌ توأمٌ لم ينجُ لسببٍ ما في المراحل الأولى من الحمل وربّما تمّ ابتلاعه في الجنين الّذي نجا. في هذا السياق سوف نذكر أنّه في دراسة أخرى وجد أنَّ أكثر من عُشر حالات الحمل البشريّ تبدأ بأكثر من جنين واحد، ولكن حوالي اثنين في المائة فقط منها تنضج إلى ولادة متعدّدة النسل.

تقدّم الدّراسة الجديدة مساهمة إضافيّة في فهم العمليّة البيولوجيّة النادرة نسبيًّا لولادة توائم متطابقة. بعد ذلك سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان التوقيع التخلّقيّ (لاجينيّ) الخاصّ للتوائم المتطابقة يؤثّر في النهاية على مسار حياتهم.

0 تعليقات