تبيّن بأن الموجات الدّماغيّة تتزامن خلال النّوم مع حركة السّائل الدماغيّ الشّوكيّ، مما يساعد على تنقية الجهاز العصبيّ المركزيّ من الفضلات والسّموم.
للموجات البطيئة خلال النّوم دورٌ هامٌّ في صيانة الدّماغ، وكذلك أيضًا السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ (CSF) الّذي ينقّي، من بين أمور أخرى، الفضلات الأيضيّة الّتي يمكن أن تكون سامّة. تكشف دراسة جديدة العلاقة بينهما: تتزامن الأمواج البطيئة مع الأمواج الموجودة في السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ خلال النّوم، ويبدو أنّ هذا التّزامن يشكّل آليّة أخرى حيث يحافظ من خلالها النّوم على الأداء السّليم لأدمغتنا.
يقوم السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ، الّذي يحيط الدّماغ والحبل الشّوكيّ، بوظائف كثيرة، أهمّها امتصاص الصّدمات وحماية الدّماغ من الضّربات. كما أنّه يساهم في التّخلّص من الفضلات، وقد أظهرت أبحاث أُجريت على الحيوانات أنّ هذا السّائل ينقّي الدّماغ من البروتينات الضّارة خلال النّوم، بما في ذلك تلك المتعلّقة بمرض الألزهايمر مثل أميلويد بيتا. أظهر بحثٌ آخر، أُجري على فئران مخدّرة، أنّ عمليّة "الغسل" والتنقية هذه تكون أكثر قوّةً ونجاعةً خلال النّوم الذي يتميّز بموجاتٍ ذات تردّد مُنخفض- والّتي تميِّز مراحل النّوم العميق الخالي من الأحلام.
تشير هذه الأبحاث إلى أهميّة السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ أثناء النّوم، ولكن حتّى الآن لم نتمكن من معرفة الكثير عن حركة هذا السّائل خلال النّوم عند الإنسان. مؤخرًا، أظهر بحث من جامعة بوسطن بأنّ السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ يغسل الدّماغ البشريّ بموجات دوريّة خلال النّوم العميق.
موجات داخل الدّماغ
قام باحثون بمسح أدمغة 13 شابًّا سليمًا أثناء يقظتهم وخلال نومهم العميق، بواسطة التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI)، لقياس تدفّق الدّم المؤكسد إلى الدّماغ. بالمقابل، عبر استخدام الأقطاب الكهربائيّة قام الباحثون أيضًا بقياس الموجات الدّماغيّة الّتي تشير إلى النّشاط الكهربائيّ لمجموعات من الخلايا العصبيّة في الدّماغ. بما أنّ الـ - fMRI يقوم أيضًا بمسح بطينات/ حجرات الدّماغ، الّتي يجري فيها السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ، وليس فقط نسيج الدّماغ نفسه، يمكن مشاهدة أنماط تدفق السّائل- وليس فقط الدّم.
اتضح أن للسائل الدماغي الشوكي خلال النوم العميق تحرّكات كبيرة، تبلغ ذروتها كلّ 20 ثانية تقريبًا. وقالت الباحثة الرّئيسيّة للمقال، لورا لويس (Lewis) من جامعة بوسطن، لموقع مجلة Science: "لم أشاهد من قبل تحرّكات كبيرة كهذه للسّائل الدّماغيّ الشّوكيّ. لقد كانت مثيرة للإعجاب".
أمّا عندما كان الأشخاص يقظين، كانت هناك تحرّكات خفيفة للسّائل الدّماغيّ الشّوكيّ، وعلى ما يبدو فإنّها مرتبطة بأنماط التّنفّس. تؤكّد لويس "كانت أمواج النّوم أكبر وأسرع. إذا ما شبّهنا التحرّكات خلال اليقظة بموجات هادئة في البحر، فإنّ أمواج السّائل خلال النّوم تكون أشبه بكارثة تسونامي ".
يشار إلى انّ الباحثين تمكّنوا من تحديد أوقات النّشاطات الدّماغيّة المتعلّقة بموجات السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ: في البداية، هناك أمواج بطيئة الّتي تميّز النّشاط الكهربائيّ للدّماع خلال النّوم العميق، وبعد كلّ موجة كهذه هناك انخفاض في مستوى الأكسجين في الدّم ، ممّا يشير إلى جريان الدّم من الدّماغ إلى الخارج، تليها موجة من السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ، الّذي يحلّ مكان الدّم الخارج، ليغسل الدّماغ.
الأمواج الّتي تساعد الدّماغ على إبعاد الفضلات؟ السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ | تصوير: Shutterstock
غسل الدّماغ لمحاربة الألزهايمر
توضّح الباحثة مايك نيدرغارد (Nedergaard) من جامعة روتشستر في نيويورك، الّتي لم تشارك في البحث، أنّ "هذا البحث يربط بشكلٍ وثيقٍ بين مواضيع بدت غير متّصلة - كالنّوم، الموجات الدّماغيّة ، تدفّق السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ وتدفّق الدّم".
في عام 2012، كانت نيدرغارد أول من يصف الجهاز الغليمفاوي- الّذي يقوم بتصريف الفضلات من الجهاز العصبيّ المركزيّ إلى مجرى الدّم. وفقًا لأقوالها، إنّ اكتشاف تدفّق السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ لدى الأشخاص الّذين ينامون نومًا عميقًا، وليس لدى الفئران فقط، يعتبر "خطوة مهمّة" نحو الأمام. ومع ذلك، لا يزال الإبهام يحيط بالعلاقة التي تربط بين الأمواج المختلفة - النّشاط الكهربائيّ، تدفّق الدّم وتدفّق السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ . هذا وقد خطّطت الباحثة الرّئيسيّة للمقال لورا لويس وزملاؤها الباحثون للبدء بدراسة تفحص وجود علاقة سببيّة بينهما.
تقول لويس إنّ فهم مثل هذه العلاقة عند مرضى الألزهايمر قد يكشف عن جوانب جديدة للمرض. لقد سبق أن أبلغنا أنّه عند تشويش نوم الأشخاص السّليمين، وبالتّالي عند خفض نشاط الأمواج البطيئة، يرتفع مستوى بروتين الأميلويد بيتا في السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ- وهو عامل خطر بارز لمرض الألزهايمر. أظهر بحث مشابه أنّ الأشخاص الّذين يعانون من علامات مبكّرة لمرض الألزهايمر يعانون من تشويشات في النّوم. أخيرًا، من المعروف أنّه مع التّقدّم في العمر، تنخفض الكميّة النّسبيّة للأمواج البطيئة في الدّماغ، وأنّ الانخفاض هذا يكون حادًا بشكل خاصّ لدى مرضى الألزهايمر.
تشير جميعُ هذه المعلوماتِ متحدةً إلى أنّ نشاط السّائل الدّماغيّ الشّوكيّ ينخفض بشكلٍ ملحوظٍ لدى مرضى الألزهايمر- وهذا يمكن أن يؤدّي إلى تراكم المزيد من البروتينات السّامة والمساهمة، على الأقلّ جزئيًّا، في ظهور المرض.
الترجمة للعربيّة: ريتا جبران
التدقيق اللغوي: رغدة بسيوني
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح