كيف تستطيع أفعى الأصلة العاصِرة التّنفُّس وهي تَعصِر فريستها لتخنقها؟ دراسةٌ تكشف الجواب

كيف يَقدر الثّعبان على التنفّس وهو مُلتفٌّ حول جسم فريسته ليخنقها؟ تنقبض عضلات الأفعى بشدّة خلال عمليّة خنق الفريسة، ويستمرّ التفافُها حولها مدّة طويلة. يتكوّن ضغطٌ عالٍ على رئات الأفعى نتيجةً لذلك، إلى جانب الضّغط الذي يؤثّر في جسم الفريسة. تستمرّ الأفعى بالتنفّس على الرغم من ذلك. كشفت دراسة جديدة نُشرت في المجلة العلميّة (Journal of Experimental Biology) كيف يحصل ذلك.

נחש בריח חונק ציפור | Victor1153, Shutterstock
تُميت الكثير من الأفاعي غير السامّة فريستَها بواسطة خنقها. في الصورة: أصَلَة تخنق طائرًا| Victor1153, Shutterstock
 

التّنفُّس المُتنقّل

الأفاعي هي الزواحف الأكثر انتشارًا في العالم. توجد الأفاعي على أنواعها في جميع القارات ما عدا قارة أنتاركتيكا (القارّة المتجمّدة الجنوبيّة). تقتل الكثير من الأفاعي غير السامة فريستها بواسطة خنقها. تلتف الأفعى بجسمها حول جسم الفريسة وتخنُقها حتّى تموت. تستطيع بعض الأفاعي، مثل ثعبان البايثون، بهذه الطريقة افتراس حيوانات أقوى وأجسامها أكبر منها بكثير، مثل الأيائل. يصعُبُ على رئتَيْ الثعبان أن تتّسع بسبب الضغط الكبير الذي يتشكّل عليها خلال عمليّة الخنق. يجب أن تستمرّ الأفعى في التنفّس خلال عمليّة الخنق، التي قد تطول وتصل إلى 45 دقيقة، ذلك لئلّا يخنق الثعبان نفسه بدلًا من خنق الفريسة. اقتُرحت فرضيّات عديدة ومختلفة لتفسير الآليّة التي تستخدمها الثعابين في تخطّي هذا الأمر، إلّا أنّ هذه الفرضيّات لم تحظَ بنتائج تدعمها. 

تتبّعَ الباحثون، في دراسة جديدة، الأصَلة العاصرة (أفعى المضيقة، Boa constrictor) في حالة الاستراحة. تنفّس الثعبان في الجزء العلويّ من جسده وكان تنفّسه بطيئًا جدًّا. أدخل الباحثون بعد ذلك جُرذًا إلى القفص الذي كان فيه الثّعبان. بدأ الثعبان، كما كان متوقّعًا، يخنق الجُرذ بواسطة الجزء الأعلى من جسده. أخذت وتيرة تنفس الثعبان بالتزايد خلال خنقه الجرذ، وانقسمت المنطقة التي تتمدّد أثناء التنفّس ما بين الجزء العلوي والجزء السفلي من جسده. عادَ تنفس الثعبان وتباطأ وتركَّزَ في الجزء العلويّ من الجسد بعد أن بَلْع الجرذ بالكامل. 

نشاهد في الفيديو كيف أنّ الثعبان لا يُحرّكُ إلّا جزءًا من أضلاعه (باللغة الانجليزية): 

أكثر من 200 زوج من الأضلاع

نلاحظ، عند تحليل الفيديو الكامل تحليلًا متعمّقًا، أنّ المكان الذي تتّسع فيه الأضلاع من أجل عمليّة التنفّس يتغيّر وفقًا لِنشاط الثعبان. يتمّ تنفّس الثعبان بالأساس بواسطة عضلات تُحرّكُ أضلاعه، وتتيح ملء الرئتين بالهواء. أضلاع الثعبان هي المسؤولة عن مهمة مَلْء الرئتين بالهواء، لأنّه يفتقر للحجاب الحاجز الموجود عند الإنسان، والذي تمتلئ الرِّئتان بالهواء بفضل حركته. يوجد عند الثعبان أكثر من 200 زوج من الأضلاع تنتظم على طول جسمه. تُسمّى أضلاع الثعبان الأضلاع "العائمة": تتّصل الأضلاع بفقرات العمود الفقريّ، ويبقى طرفها الآخر حُرًّا غير متّصل بشيء، لعدم وجود عظمة قفص صدريّ. يستطيع الثعبان، بفضل هذا التركيب البنيويّ، تحريك جزءٍ من أضلاعه بمعزل عن الأضلاع الأخرى، وتشغيل مناطق معيّنة فقط من أجل التنفّس. يمكن أن يحدث هذا الفصل في حركة الأضلاع ليس لأنّ الأضلاع قادرة على التحرّك جسديًّا بشكل منفصل فحسب، إنّما لأنّ المناطق المسؤولة عن التنفّس في الجهاز العصبيّ المركزيّ للثعبان قادرة على تشغيل مجموعات مختلفة من الأضلاع بشكل منفصل.

 שלד של נחש בריח | jeep2499, Shutterstock
توجد عند الثعابين أكثر من 200 زوج من الأضلاع "العائمة" متصلة بفقرات العمود الفقري وحُرّةٌ في طرفها الآخر. يظهر في الصورة الهيكل العظمي لِثعبان الأصلة العاصرة | jeep2499, Shutterstock
 

تفاصيل من داخل الجسم: صور الرونتجن 

استعان الباحثون بتصوير الثعبان بالأشعة السينيّة (الرونتجن) في أوقات مختلفة، لوصف التغيّرات التي تحدث في أجزاء الجسم التي تنشّط أثناء التنفس. استخدم الثعبان الأضلاع المحيطة بالجزء العلويّ من الرئات في تنفّسه في حالة الاستراحة. ألصق الباحثون كُمًّا ضاغطًا بجسم الثعبان، حيث يضغط هذا الكمّ على منطقة معيّنة من جسد الثعبان، ويؤدّي ذلك إلى تقييد حركة أضلاع معيّنة، مثلما يحدث عندما يخنق الثعبان الفريسة. اكتشف الباحثون أنّه عند الضغط على هذا الجزء من الأضلاع تنشّط منطقة أخرى منها في عملية التنفّس. يقول الدكتور جون كابانو (Capano) من قسم البيئة والتطوّر في جامعة براون وأوّل كاتبي المقال، في مقابلة مع مجلة نيويورك تايمز: "يُطفئ الثعبان، بكلّ بساطة، جزءًا أو منطقة من أضلاعه، ويُشّغّل جزءًا أو منطقة أخرى". 

تُشكّل قدرة ثعبان الأصلة العاصرة على تغيير المنطقة التي تتمدّد، واختيار الأضلاع التي تتّسع خلال عمليّة خنق الفريسة أفضليّة كبيرة من الناحية التطوّريّة. تتيح هذه الميزة للثعبان صيد فريسة كبيرة دون أن يختنق بنفسه، لأنّ خنق الحيوان الكبير يتطلَّب من الثعبان تشغيل ضغط كبير. يبدو أنّ الثعابين، القادرة على التحكُّم بِمجموعات من العضلات بمعزل عن المجموعات الأخرى، والتنفّس بواسطة مناطق مختلفة من الجسم حسب الحاجة، لديها فرص بالبقاء على قيد الحياة بالمقارنة مع منافسيها. ويحتمل أنّ هذه الميزة جعلت الثعبان حيوانًا ناجحًا، يستطيع العيش في أماكن يوجد فيها صراع كبير على الطعام. 

تمّت الترجمة بتصرّف

0 تعليقات