تنتظر الغربان، وفق ما كشفته دراسة جديدة، موافقة جميع أعضاء المجموعة قبل أن تقرِّر الطَّيران للبحث عن الطَّعام
تقف مئات الطُّيور السَّوداء - الرَّماديّة تصيح على فروع الأشجار. تغادر هذه الطيور قمم الأشجار معًا، عند بزوغ الشمس وتغدو باحثةً عن الطعام. كيف تقرّر هذه الطيور متى تترك الشجرة وتبدأ البحث؟ تستخدم الطيور، وِفقًا لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Current Biology، شدّة الصَّيْحات لملاءَمة الوقت الذي تترك فيه الشجرة؛ حيثُ تطير الطيور معًا وتمتلئ السماء بخفق الأجنحة السوداء، عندما تصل صيحاتها إلى الشدّة الكافية.
ينتمي طائر الغراب الغربيّ أو غراب الزرع (Coloeus monedula) إلى عائلة الغربان، وهو يشبه غرابًا صغيرًا له عينان صافيتان. يُسمّى هذا الغراب الـ"كاك" بسبب الأصوات التي يصدرها والتي تُسمَع كأنهّا "كاك!". ينتشر الغراب في أماكن كثيرة في العالم وفي بلادنا، ويُفضّل الظروف المناخيّة المريحة، غير الحارّة وغير الباردة فوق المعتاد. الغراب ودودٌ للغاية، كما أنّه يرتبط بعلاقة زوجيّة واحدة، ويحافظ عليها مدى الحياة إلّا إذا فُقد أحد الزوجين.
متى تقرّر الغربان مغادرة الشجرة وبدأ البحث عن الطعام؟ غربانٌ تقف على أغصان الشجرة | Shutterstock, Besjunior
تمّ في الدراسة توثيق ستّة مواقع في بريطانيا، ترقد فيها الغربان طوال أشهر الشتاء مئاتِ الساعات على رؤوس الأشجار. تراوحَ تعداد مجموعات الغربان في هذه المواقع ما بين 160 وَ1470 غرابًا. قارنَ الباحثون شِدّة صيحات الغربان قبل مغادرتها الموقع، مع شدّتها خلال مغادرته وبعدها. ارتفعت شدّة صيحات الغربان قبل تركها الموقع بفترة قصيرة، وتركت أماكنها على الأشجار في اللحظة التي وصلت فيها شدّة الصيحات حدًّا معيّنًا، بعد أن أسمعت الغربان صيحاتٍ منفردة أوّلًا، تلاها انضمام طيورٍ أخرى شيئًا فشيئًا. طارت مئات الغربان بسرعة كبيرة - في فوارق زمنيّة لم تتعدَّ خمس ثوان بين المجموعة والأخرى - من اللحظة التي اتُّخِذَ فيها قرار المغادرة. لم تتّفق الطيور على قرار فقط في قليل من الحالات إذ لم تبلغ صيحاتها الشدّة الكافية، وأدّى ذلك إلى مغادرة أفراد من الطيور مواقعها دون انتظام.
نشاهد في الفيديو التالي أكثر من ألف من الببغاوات في أحد المواقع التي أجري فيها البحث تصدر الصيحات في طريقها لاتّخاذ القرار ثم تترك رؤوس الأشجار خلال ثوانٍ | Dibnah et al./Current Biology
التّصويت بالصّياح بدلًا من صناديق الاقتراع
أسمع الباحثون الطيورَ تسجيلًا لأصوات مُكثّفة لِغربان، وذلك للتأكّد فيما إذا كانت شدة الأصوات تؤثّر فعلًا في قرار مغادرة المواقع. سارعت الغربان واستبقت مغادرة الأشجار بمعدّل 6.5 دقائق، عند سماعها الأصوات المسجّلة. وظهر على ما يبدو كأنّ الطيور "تُدلي بأصواتها" عندما تكون مستعدّةً للمغادرة. تُرسل الببغاوات الإشارة بالإقلاع إلى سائر أفراد المجموعة عندما تصل الصيحات حدًّا معيّنًا. لم تؤثّر تسجيلات أصوات هبوب الريح التي أسمعها الباحثون للغربان، في سلوك الغربان. استنتج الباحثون أنّ قرار المجموعة لا يتأثّر بالضجيج العالي فحسب، إنمّا يتأثّر بأصوات الأفراد فيها بشكل خاصّ.
في الانتساب للمجموعة بعضُ الحسناتِ مُقارنةً بالحياة على انفراد؛ إذ توفّر المجموعة الحماية من الحيوانات المفترسة، ويشترك أعضاؤها في البحث عن الطعام ويساعدون بعضهم. تُبيّن هذه الدّراسة قدرة الطيور الاجتماعيّة على اتّخاذ القرارات الجماعيّة لصالح كلّ فرد فيها. أوصى الباحثون القيام بدراسة أخرى لفحص مدى تأثير الضجيج العالي في التحمُّل وبقاء مجموعة من الناس، في الأماكن الصاخبة مثلًا. يدّعي الكس ثورنتون (Thornton)، الباحث الكبير من جامعة اكستر البريطانية، أحد الموقّعين على المقالة التي نشرت فيها الدراسة، في لقاء أجرته معه BBC: " إذا لم تسمع الطيور بعضها، ولم تقدر على الاتّفاق بالمغادرة معًا، قد يكون لذلك تأثير كبير في المجموعة".