توصّلت دراسةٌ جديدةٌ إلى أنّ السلاحفَ البحريّة على الرّغم من كونها تسبحُ لمسافات هائلةٍ في المحيطات، فإنّها لا تسبحُ بكفاءةٍ عالية

تحتاجُ العديد من الحيواناتِ السّباحةَ في أرجاءِ البحار بحثًا عن الغذاء، وللتّكاثر، أو بحثًا عن ملاذٍ آمنٍ من الحيواناتِ المفترسة. تقطع السّلاحف البحريّة، بشكلٍ خاصّ، مسافاتٍ شاسعة قد تصل إلى آلاف الكيلومترات في العام. زيادةً على ذلك، ترجعُ إناث السلاحف البحريّة عادةً لوضعِ بيضها في نفس المكان الذي فقست منه. لذلك، عليها التوجّه إلى وجهةٍ محدّدةٍ بعيْنها. 

تَعتمدُ بعضُ الحيواناتِ، كالطيور المهاجرة أو الخفافيش، على حاسّة الشمّ أو على ذاكرة المسارات الموجودة عندها، للتنقّلِ من مكانٍ إلى آخر، لكنّ السلاحف البحريّة لا تتمتّع بهذه الخاصّية. قام العلماء على مدار سنواتٍ عديدةٍ بدراسةِ قُدرتها على تحديد الموقع في المياه المفتوحة، وما زالت طريقة قيامِها بذلك مجهولة. إحدى الفرضيّات المتعارف عليها هي أنّ السلاحف البحريّة تستخدم مجال الأرض المغناطيسيّ لتحديد موقعها. لكن، حتى لو كانت هذه الفرضيّة صحيحةً، لم يتبيّن حتّى الآن مدى دقّتها. 

צב ים קרני Eretmochelys imbricata | מקור: Vlad61, Shutterstock
أضاعت السلاحف البحريّة طريقها فزادت عبثًا مسافة مسار سباحتها. لجأة صقريّة المنقار. المصدر: Eretmochelys imbricata Vlad61, Shutterstock

 

1130 كيلومتر غير ضروريّ

فحصَ باحثون من إنجلترا في دراسةٍ جديدة مدى دقّة تحديد الموقع لدى السلاحف البحريّة ومهارتها في ذلك. فقد قاموا بتعقّب مسار هجرة 22 سلحفاة بحريّة من نوع اللّجأة صقريّة المنقار (Eretmochelys imbricata) بواسطة إشارات تعقّب أُرفقت معها، ويتمّ متابعتها عن طريق الأقمار الصناعيّة. بالإضافة إلى ذلك، تابعَ الباحثون التّيّارات البحريّة لمعرفة ما إذا كان هناك توافقٌ بين حركة الإثنين. 

وثّق الباحثون الرّحلة الّتي قامت بها السلاحف، من مواقع تعشيشها في جزيرة دييغو غارسيا الواقعة في المحيط الهنديّ، إلى مناطق غذائها بالقرب من عدّة جزر في أرخبيل تشاغوس، وقاموا بالمقارنةِ بين الطريق التي مرّت منها السلاحف وأقصر مسار ممكن. تبيّنَ للباحثين أنّ السلاحف عادةً لم تجد أقصر طريق للوصول إلى وجهتها، بل أضافت العديد من الكيلومترات سباحةً وبحثًا عن هدفها. افترض الباحثون أنّ الوجهة محدّدةً مسبقًا وليست عشوائيّة، حيث أنّ السلاحف تميل إلى الحفاظ على الولاء لِمناطق تغذيتها والعودة إليها مرارًا وتكرارًا، ذلك وحتّى بعد هجرةٍ طويلة. قامت السلاحف في بعضِ الأحيان بإضاعةِ الكثيرِ من الوقتِ دونَ أيّ حاجةٍ إلى ذلك. سبحت إحداها 1306 كيلومترات لتَصِل إلى جزيرةٍ تبعدُ عن نقطة البداية 176 كيلومترًا فقط.

تشير النتائجُ إلى أنّ طول مسار السلاحف البحريّة لم يتأثّر إطلاقًا بالتيّارات البحريّة. بالإضافة إلى ذلك، على عكس الطيور التي يتأثّر توقيتُ هجرتها بالأحوالِ الجويّة، فإنّ السلاحف البحريّة لا تأخذ بعين الاعتبار الظّروفَ المناخيّة، وتخرج إلى مسارها فورًا بعد انتهاء فترة التّكاثر لديها.

كما تتبّع الباحثون السّلاحف الخضراء (Chelonia mydas) أثناء هجرتها إلى مواقعَ بعيدةً جدًّا في المحيط الهنديّ. تبيّن لهم أنّ السلاحف البحريّة الخضراء وجدت مساراتٍ مباشرة ودقيقة، نسبيًا في مسارات الهجرة الطويلة التي تبلغ 200 كيلومتر أو أكثر، فيما كانت طبيعة مساراتها في الهجرات القصيرة مشابهةً لمسارات سلاحف اللجأة صقريّة المنقار. هناك فرضيّاتٌ عدّة تفسّر هذا الاختلافَ وكونَ عمليّةِ تحديدِ الموقع لدى السلاحف البحريّة لمسافات طويلةٍ أكثرَ دقّة. إحدى هذه الفرضيّات المحتملة أنّه منَ السهلِ على السلاحف تصحيحُ أخطاءِ تحديد الموقع، مقارنةً مع المناطق الساحليّة الغنيّة بالمشتّتات والعقبات.

ما زالت طريقة تنقّل السلاحف البحريّة غير واضحة تمامًا. من الممكن أنّها تعتمد كثيرًا على الحظّ والمثابرة. وفي كثيرٍ من الحالات، تعتمد على مجال الكرة الأرضيّة المغناطيسيّ لتحقيقِ الموقع في البداية، الذي يوفّر للسّلاحف البحريّة اتّجاهًا عامًا جدًا فقط، لكنّه لا يوفّر فرصةً للتنقّل بشكل دقيق. فقط عندما تقترب من وجهتها النهائيّة، يزداد مستوى تفاصيل تحديد الموقع لديها. لخّص الباحثون في ورقتهم البحثيّة أن "النتائجَ التي توصّلنا إليها تشير إلى أنّ قدرات تحديد الموقع عند السلاحف البحريّة بعيدة عن الكمال، لكنّها ما زالت جيّدة في في حدود حواسِها".

تتعرّض الكثير من السلاحف البحريّة لخطر الانقراض بسبب الصّيد، التلوّث والاحتباس الحراريّ. لهذا، فإنّ الدراسات العلميّة قد تساعد بشكلٍ كبيرٍ في الحفاظِ على السلاحف البحريّة، عن طريق كشف وسائلها في تحديد الموقع والهجرة. على سبيل المثال، عن طريق إبعاد ممرّات القوارب عن مسارات هجرة السلاحف البحريّة، أو الإعلانِ عن محميّاتٍ طبيعيّةٍ في شواطئ ذات صلة. 

 

0 تعليقات