حيّرت المعطيات الغريبة المتعلّقة بالمجال المغناطيسيّ لكوكب أورانوس (Uranus) الباحثين لسنوات عديدة، لكن تشير الأبحاث الجديدة إلى أنّها ربّما لا تكون معطيات تمثيليّة.
صنّف كوكب أورانوس لعقود من الزمن ككوكب غير عاديّ في النّظام الشّمسيّ، بسبب ظواهر غريبة اكتُشفت في مجاله المغناطيسيّ عام 1986، وهي المرّة الوحيدة التي اقتربت منه مركبة فضائيّة. يثير بحث جديد الآن احتمال أنّ المجال المغناطيسيّ ليس غريبًا جدًّا، وأنّ المركبة الفضائيّة سجّلته ببساطة في يوم غير معهود.
هل أُجريَ الاختبار في يوم غير تمثيليّ؟ كوكب أورانوس وحلقاته في صورة التقطها تلسكوب جيمس الفضائيّ ويب| المصدر: ناسا، وكالة الفضاء الأوروبّيّة، وكالة الفضاء الكنديّة، STScI
مشاهدة واحدة غريبة
تعتمد غالبيّة معرفتنا عن الكوكبيْن الخارجيّيْن للنّظام الشمسيّ، أورانوس ونبتون، على البيانات التي جمعتها المركبة الفضائيّة الوحيدة التي مرّت بهما، فوياجر2 (Voyager 2) التي أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا في يناير 1986. ومرّت المركبة الفضائيّة على مسافة حوالي 80 ألف كيلومتر من أورانوس، واستمرّت من هناك باتّجاه نبتون، حتّى وصلت في صيف عام 1989.
كشفت الصّور والقياسات التي أُجريت بالقرب من أورانوس عن اكتشاف مفاجِئ حول الكوكب السّابع من الشّمس. عرف أورانوس قبل ذلك، بامتلاكه أحزمة إشعاع مغناطيسية تحميه من الرّياح الشمسيّة - إشعاع الجسيمات المشحونة التي تبعثها الشمس، على غرار أحزمة فان آلن الأرضيّة.
لكن أثناء مرور فوياجر، أصبح من الواضح أنّ هذا الحزام - الغلاف المغناطيسيّ - كان مختلفًا تمامًا عمّا توقّع الباحثون اكتشافه: فهو لا يحتوي تقريبًا على أيّ بلازما، أو جسيمات مشحونة من الرياح الشمسيّة، باستثناء حزام داخليّ من الإلكترونات. وكان المجال أيضًا أصغر من المتوقّع من حيث بعده عن سطح أورانوس، ومائلًا إلى الطرف نسبة لمحور دوران الكوكب، ولم يكن متماثلًا.
وأدّت هذه النتائج إلى تصنيف أورانوس ككوكب ذي مجال مغناطيسيّ غريب، ووضع العديد من العلماء مجموعة من النظريّات في محاولة لتفسير هذه الصفات غير المفهومة. تعني النتائج أيضًا أنّ الأقمار الخمسة الأكبر لأورانوس ماتت جيولوجيًّا، على الرغم من أنّ الباحثين قدّروا أنّها صغيرة نسبيًّا وتحتوي على الجليد. وإذا كانت نشطة، فمن المتوقّع أنّ الموادّ المنبعثة منها، وفي المقام الأول بخار الماء، ستغذّي حزام الجسيمات الذي توقّع الباحثون العثور عليه حول الكوكب.
المجال المغناطيسيّ لأورانوس. يشير السهم الأصفر إلى الشمس، ويشير السهم الأزرق إلى محور دوران الكوكب، والسهم الأزرق الفاتح - إلى المحور المغناطيسيّ | الصورة: NASA/Scientific Visualization Studio/Tom Bridgman, Public Domain
فقط بسبب الهواء
أقام مجموعة من العلماء دراسة جديدة، بقيادة باحثين من مركز الدفع النفّاث التابع لناسا (JPL) - الهيئة التي قامت ببناء وتشغيل المركبة الفضائيّة فوياجر - بإعادة تحليل البيانات التي جمعتها المركبة الفضائيّة من أورانوس قبل 38 عامًا، وكان استنتاجهم هو أنّ فوياجر 2 زارت الكوكب في يوم غير عاديّ.
يوضّح الباحثون أنّ سبب هذا الاضطراب كان على الأرجح عاصفة رياح شمسيّة قويّة، وصلت إلى أورانوس قبل وقت قصير جدًّا من مرور فوياجر. تنتج مثل هذه العواصف الشمسيّة عن نشاط قويّ على سطح الشمس، ممّا يتسبّب في انبعاث تيّارات قويّة من الجسيمات. يمكن لمثل هذه العواصف أن تعرض الأقمار الصناعيّة حول الأرض للخطر، خاصّة إذا كانت مرتفعة وخارج حماية أحزمة فان آلين، وفي الحالات القصوى قد تؤدّي حتّى إلى إتلاف البُنى التحتيّة الكهربائيّة أو الاتّصالات مع الأرض.
ربّما هذا ما حدث على أورانوس قبل وقت قصير من تسجيل المركبة الفضائيّة له. أدّى الاندفاع القويّ للإشعاع الشمسيّ إلى تقليص الغلاف المغناطيسيّ للكوكب، ممّا أدّى إلى التخلّص من الجسيمات المشحونة التي توقّع الباحثين العثور عليها فيه، كما أدّى إلى انحرافه أيضًا عن محور دوران الكوكب. وقال قائد الدراسة جيمي جاسينسكي (Jasinski) من مختبر الدفع النفّاث: "لو كانت فوياجر 2 قد وصلت قبل بضعة أيّام، لكانت قد وثّقت غلافًا مغناطيسيًّا مختلفًا تمامًا على أورانوس". "استولت المركبة الفضائيّة على أورانوس في ظلّ ظروف تحصل في حوالي أربعة في المائة فقط من الوقت"
قذفت الرياح الشمسيّة بلازما أورانوس وغيّرت شكل غلافه المغناطيسيّ. الحالة الطبيعيّة للكوكب (على اليسار)، مقارنةً بالحالة أثناء العاصفة الشمسيّة أثناء مرور فوياجر | الصورة: NASA/JPL-Caltech
أحلام البحث عن الماء
قد تحمل النتائج الجديدة أيضًا بشرى جيّدة لأولئك الذين يبحثون عن أماكن في نظامنا الشّمسيّ قد تكون مناسبة لاستدامة الحياة. وإذا كانت فرضيّة الباحثين صحيحة، فإنّ أقمار أورانوس الكبيرة - ميراندا، أرييل، أومبرييل، تيتانيا وأوبيرون - ربّما لا تزال نشطة جيولوجيًّا. في مثل هذه الحالة، قد تكون حركة الصخور بداخلها مصدرًا للحرارة، وإذا كان الأمر كذلك - فقد يكون هناك ماء سائل في مكان ما تحت الطبقة الخارجيّة من الجليد.
يقدّر الباحثون أنّ هناك العديد من العوالم المائيّة في النّظام الشّمسيّ، بما في ذلك إنسيلادوس (Enceladus)، وهو أحد أقمار زحل، أو أوروبا- أحد أكبر أقمار كوكب المشتري. ويعدّ التحقّق من هذه الفرضيّة إحدى المهام الرئيسيّة لمركبة الفضاء الأمريكيّة أوروبا كليبر (Europa Clipper)، التي انطلقت الصيف الماضي إلى كوكب المشتري.
قالت ليندا سبيلكر (Spilker) من مختبر الدفع النفّاث، والّتي كانت ضمن الفريق الأصليّ الذي حلّل نتائج المركبة الفضائيّة في عام 1986، لكنّها لم تشارك في الدراسة الحاليّة: "لقد أدّى التحليق بالقرب من أورانوس إلى العديد من المفاجآت، وكنّا نبحث منذ سنوات عن تفسيرات للسلوك غير المعتاد لغلافِه المغناطيسيّ". "يشرح التحليل الجديد بعض التناقضات الواضحة، ومن المتوقّع أن يغيّر مرّةً أخرى الطريقة التي نفهم بها أورانوس."