طوّر العلماء أجسامًا مضادّة ذات قدرة ارتباط أقوى بخلايا جهاز المناعة، وبالتّالي تحفّز استجابة أقوى ضدّ السّرطان.

الأجسام المضادّة ،أو المستضدّات، هي جزيئات تابعة لجهاز المناعة، يتمثّل دورها في تمييز الجسيمات الغريبة (الغازِية) الّتي تغزو الجسم وفي نهاية الأمر محاربتها والقضاء عليها. تتكوّن الأجسام المضادّة الطّبيعيّة الّتي تنتَج في الجسم من ذراعين تميّزان نفس جزيء الهدف، ولذلك كلّ جسم مضادّ يحذّر جهاز المناعة من عامل عدائيّ واحد ووحيد. طوّر الباحثون الآن أجسام مضادّة ثلاثيّة الأهداف تميّز ثلاثة جزيئات مختلفة. في تجارب أُجريت على حيوانات مختبريّة، أثارت هذه المضادّات استجابة مناعيّة أقوى ضدّ الخلايا السّرطانيّة.

الأجسام المضادّة  بروتينات شكلها يشبه حرف ال Y - قاعدة يخرج منها ذراعان. في كلّ ذراع  منطقة تميّز بشكل خاصّ مستضدًّا  واحدًا – وهو الجزيء الّذي  يظهر على الجسيم الغريب (الغازي)، مثل بروتين غلاف الفيروس. نتيجة لذلك، يتمّ تفعيل خلايا جهاز المناعة، مثل النّظام المتمّم وخلايا T، للقضاء على الجسيم الغريب.

يتمّ إنتاج الأجسام المضادّة بشكل طبيعيّ في الجسم عن طريق خلايا جهاز المناعة من نوع B، ولكن يمكن، أيضًا، إنتاجها مصطنعة - مثلًا عن طريق تنمية خلايا B الّتي تنتِج الجسم المضادّ المطلوب في مستنبتات، أو عن طريق إدخال جين لخلايا B الّذي يحتوي على المعلومات اللّازمة لإنتاج الجسم المضادّ المطلوب. هكذا يتمّ إنتاج، مثلًا، أدوية العلاج المناعيّ القائمة على الأجسام المضادّة مثل الهرسبتين، كيترودا وألماتوزوماب.

 

أجسام مضادّة ثلاثيّة الأهداف

قبل بضع سنوات، تمّ تطويرعلاج مضادّ للسّرطان يدعى بلينتوموماب، وهو عبارة عن جسم مضادّ ثنائيّ الأهداف يميّز من جهة بروتينًا يظهر على جدار الخلية السّرطانيّة، ومن جهة أخرى يميّز بروتينًا يظهر على خلايا T. بهذا الشّكل  يقرّب الجسم المضادّ خليّة T من الخليّة السّرطانيّة وينجّع عمليّة التّمييز والقضاء على الخلايا الخبيثة. المشكلة هي أنّه بالإضافة إلى تفعيل خلايا T، ينشّط الجسم المضادّ، أيضًا، آليّة  أخرى قد تؤدّي إلى موت الخلايا.

لمنع القضاء   غير المرغوب به  لخلايا T، طوّر باحثون من شركة سانوفي (Sanofi) في الولايات المتّحدة جسمًا مضادًّا ثلاثيّ الأهداف، إحدى أذرعته ترتبط ببروتين يظهر على الخلايا السّرطانيّة، والذّراعان الآخران ترتبطان ببروتينين مختلفين يظهران على خلايا T. نُشرت دراستهم في مجلّة Nature cancer.

נקשר בזרוע אחת לחלבון של תא T, ובשתיים אחרות לחלבונים על התא הסרטני. הנוגדן התלת-כיווני | איור: מריה גורוחובסקי
في الصّورة: إحدى الأذرع ترتبط ببروتين يظهر على الخلايا السّرطانيّة. الذّراعان الآخران ترتبطان ببروتينات تظهر على خلايا T. جسم مضادّ ثلاثيّ الأهداف | مصدر الرّسم التّوضيحيّ: ماريّا غوروحوفسكي

أنتج الباحثون مستنبتات خلايا T وخلايا ميالوما - نوع سرطان دم - وفحصوا فعاليّة الجسم المضادّ الجديد فيها مقارنةً بالعلاج المناعيّ دارتوموماب. وجد الباحثون أنّه في حين لا يقتل دارتوموماب أكثر من %20 من الخلايا السّرطانيّة،  فإنّ فعاليّة الجسم المضادّ ثلاثيّ الأهداف قد تقضي  على %80-60 منها.  بالإضافة إلى ذلك، كمّيّة  الأجسام المضادّة المطلوبة  أقلّ بكثير من الدّارتوموماب، على الأقلّ ب- 100 ضعف. إذا لم يكن هذا كافيًا، فقد أدّى الجسم المضادّ ثلاثيّ الأهداف إلى تكاثر خلايا الذّاكرة المناعيّة في المستنبت- وكذلك في القرود. أظهرت التّجارب الّتي أُجريت على القرود أنّ الدّواء، كما يبدو، آمن للاستعمال، إذ لم تعاني القرود  من أحد أخطار العلاج المناعيّ - متلازمة إفراز السيتوكين، الّتي يمكن أن تؤدّي إلى اختلال أجهزة الجسم والموت.

في النّهاية، قارن الباحثون فعاليّة الجسم المضادّ ثلاثيّ الأهداف بقتل الخلايا السّرطانيّة في الفئران مع الجسم المضادّ ثنائيّ الأهداف الّذي يميّز  بروتينًا واحدًا فقط على خلايا T.  وُجد أنّ الخلايا السّرطانيّة في الحيوانات الّتي عولجت بالأجسام المضادّة ثنائيّة الأهداف قد تكاثرت، كما هو الحال في أولئك الّذين لم يتلقّوا أيّ علاج ، في حين أنّ الجسم المضادّ ثلاثيّ الأهداف أدّى إلى القضاء على معظم الخلايا الخبيثة.

في أعقاب النّتائج المشجّعة، يقترح الباحثون السّعي قدمًا  لإجراء تجارب على الإنسان. إذا نجحت هذه التّجارب،  فإنّها سوف تشجّع تطوير أجسام مضادّة متعدّدة الأهداف لعلاج أنواع سرطان أخرى. قبل بضع سنوات، تمّ تطوير جسم مضادّ يميّز ثلاثة مستضدّات مختلفة كعلاج مضادّ لفيروس ال-HIV المسبّب لنقص المناعة البشريّة. القدرة الكامنة في الأجسام المضادّة متعدّدة الأهداف  كبيرة، ونأمل أن نجد لها  استخدامات إضافيّة.

 
 
الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتحرير العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات