هل يمكنُ كَسرُ لوحٍ من الباطون بواسطة كيس حَقْنٍ وَريدِيّ يحتوي على 1000 سم3 من الماء؟ لقد اتَّضَحَ أن ذلك مُمكِنٌ، بواسطة الاستخدام الذكي لطائِرَةٍ مُسَيَّرَةٍ عن بُعد ولقوانِين الفيزياء. شاهدوا العرضَ المُدهِش

تقولُ الأسطورةُ إنَّ الحَدَثَ الَّذي دَفَعَ الحاخام عكيفا   إلى البدء في تعلُّمِ التَّوراة، عندما بلغ الأربعين من عُمرِهِ، هو التَّأَمُّل في حجَرٍ كان موجودًا على حافَّةِ بئرٍ، تآكَلَ ببُطءٍ بتأثير الماء مع مرور السِّنين.  تدفقُ كميَّةٍ كبيرةٍ من الماء قد يؤدِّي بالفعل إلى تآكل الحجارة، لكن، هل يستطيع كيسٌ صغيرٌ يحتوي على الماء أن يكسِرَ لوحًا صلبًا من الباطون؟ شاهدوا مقطع الفيديو وانظروا كيف تُمَكِّنُنا  الفيزياء من القيام بمثل هذه العجائب:

 

شرح

 العرض في مقطع الفيديو يتطرَّق إلى  الضَّغط. معظم النَّاس يستخدمون كلمة الضَّغط  بمفهومها العامِّيّ، بالمفهوم النَّفسِيّ ("أشعر بالضَّغط  بسبب الامتحان"). في الفيزياء، الضَّغط هو القُوَّة لوحدة مساحة. نحنُ نقيسُ  المساحة، عادةً، بواسطة وحدات متر مربّع  أو وحدات سنتيمتر مربَّع، ونقيس القُوَّة   بوحدات تسمى نيوتن. لكن لأسباب تاريخيَّة، من المُتَّبَع  استخدام وحدات أخرى لقياس الضَّغط. 

إحدى الوحدات المذكورَة  في مقطع الفيديو هي كيلوغرام قوة، وهي القوَّة التي تنجذِب بها  كتلة كيلوغرام واحد إلى الأرض (حوالي 10 نيوتن). أي إذا كان هناك شخص  كتلته تساوي 120 كيلوغرامًا والمساحة الإجمالية لكفَّتَي قَدَمَيْه هي  60 سنتيمترًا مُربَّعًا، فإنَّ مُعَدَّل ضغط كَفَّتَي قدميه على الأرض  هو 2 كيلوغرام قٌوَّة لكل سنتيمتر مربع (120/60 = 2). توجَدُ  وحدات قياس إضافيَّة  عديدة لقياس الضَّغط،  أكثرها استخدامًا هي وحدة قياس الضَّغط الجوِّيّ  أو الأتموسفير - ضغط الهواء عند مستوى سطح البحر. وحدة قياس الضَّغط الجَوِّيّ  تساوي 1 كيلوغرام قوَّة لكل سنتيمتر مربع، تقريبًا.

عند ملء  أنبوب عموديّ بالماء يكون داخل الأنبوب بالفعل "عمود" من الماء،  وَوَزنُهُ يضغط على أسفل الأنبوب. كُلَّما زادَ ارتفاع الأنبوب تشَكَّلَ عمود ماء أكبر وازداد الضَّغط   على أسفل الأنبوب. يمكن بسهولة حسابُ ضغط عمود الماء: في أنبوب ارتفاعه 10 أمتار (1000 سنتيمتر)، مثلًا، يوجد على كل سنتيمتر مربع (سم2) في أسفل الأنبوب   عمود ماء حجمُهُ 1000 سنتيمتر مكعب (ارتفاع × طول × عرض = 1000×1×1).  كتلة 1000 سم3 من الماء عبارة عن كيلوغرام واحد،  لذلك، فإنَّ الضَّغط في أسفل الأنبوب هو 1 كيلوغرام قوة لكل سنتيمتر مربع، أي 1 أتموسفير.  يستخدم الغَوَّاصُون والغَوَّاصات هذه القاعدة لحساب حدود الغوص- ف كُل 10 أمتار في العمق، يزداد الضَّغط  بمقدار أتموسفير واحد تقريبًا.

 

انتشار القوّة وتَمَركُزها 

للضَّغط ميزة أخرى مُثيرة للاهتمام، توجدُ في السَّوائِل وفي الغازات،  هي أن الضَّغط فيها ينتشر في جميع الاتّجاهات بشكلٍ متساوٍ. هذا الأمر يُتيحُ بناءَ   "آلة هيدروليكيَّة"  تُستخدم لمضاعفة القُوَّة، بشكلٍ مُشابه لعمل  الرَّافعة الَّتي تُضاعِفُ القُوَّة.  في هذه التّجربة قُمنا في الواقع ببناء  مثل هذه الآلة الهيدروليكيَّة،عن طريق الوصل بين الأنبوب والقناني البلاستيكيَّة. 

عندما نقوم بوَصْل أنبوب يحتوي على  ماء، له ضغط 1 كيلوغرام لكل سم2 ، بمنظومة  القناني الَّتي  تبلغ المساحة الإجماليَّة  لجوانبها (جوانب القناني) 1000 سم2 ، سوف تعمل  على كل سم2 من السَّطح الخارجِي للقناني قُوَّة مقدارها 1 كيلوغرام قُوَّة، وإجمالي هذه القُوَّة على الجوانب هو  قُوَّة دَفع مقدارها 1000 كيلوغرام قُوَّة! لقد استطعنا مُضاعفة القُوّة  1000 مَرَّة! وهي قوّةٌ تكفي لكسر لوح باطون.

في المرحلة الأخيرة من هذا النِّظام تتركّز هذه القوَّة الهائلة مرَّة أخرى في مساحة ضيّقَة- سنتيمتر مُربَّع-  وهي مساحة طرف القضيب الحديديّ الَّذي يُلامِسُ لوحَ الباطون، بحيث يعملُ عليه ضغطٌ قويٌّ مقداره 1000 كيلوغرام قُوَّة  لكل سنتيمتر مربع، يتمكَّنُ من كَسْرِه. الماكينات الهيدروليكيَّة شائعةُ الاستخدام كرافعات هيدروليكيَّة للإطارات (الجاكات)  وآلات مثل الجَرَّارات (التراكتور) ومكابس الرَّفع. جميعها تعمل بنفس المبدأ: أنبوب رفيع أو مِكبَس رفيع موصولان بأنبوب أو بمِكبَس  أوسع، لمضاعفة القُوَّة وِفقًا لنسبة المساحة بينهما.

في هذا النظام لا يوجد شيء غير طبيعي، كما لم يتمَّ نفْيُ أيّ قانون من قوانين الحِفظ  في الفيزياء- لا يُوجَدُ في علم الفيزياء "قانون حفظ القُوَّة". ، قانون الحفظ الوحيد يتعلَّقُ بالطَّاقة-   ما حَدَثَ  في هذه الحاله: سقوط 1 كيلوغرام من الماء من ارتفاع 10   أمتار على الأرض، على جانب واحد من المعادلة، ونظام القناني والحديد الثَّقيل على علو 1 سنتيمتر، فقط، على الجانب الآخر من المعادلة.  لكون الباطون مادّةً  غير مرنة على الإطلاق،  يكفي أن يرتفع النِّظام  بعض الميليمترات لكي ينكسرَ اللَّوح.  لو استخدمنا مادَّةً أضعف وأكثر مرونةً، مثل البلاستيك، لما تمكّنَّا من كسر اللَّوح. 

تجدر الإشارة إلى أنَّ رفعَ  كيس الحقن الوريدي إلى ارتفاع مُعَيَّن  كان ضرورِيًّا لتكوين ضغط أوَّلِيّ مرتفع في أسفل الأنبوب.  بدون ذلك، لن ينتجَ في أسفل الأنبوب ضغطٌ يُمَكِّنُ من كَسرِ لوح الباطون. 

التَّجربة الَّتي تمَّ عرضُها في مقطع  الفيديو تشبه إلى حَدٍّ كبيرٍ التَّجربةَ  المنسوبةَ إلى العالِم "بيلز باسكال" من القرن السَّابِع عشر. (بحث باسكال، من بين أمور كثيرة،  في قوانين الضَّغط في السَّوائِل. التَّجربة لا تظهر في كتاباته، لكنَّها تظهرُ في الكتب الَّتي كتبها الآخرون  عنه). وفقًا لِما يُروَى، نجح باسكال في تفجير برميل بواسطة وَصلِه بأنبوب ماء رفيع ومرتفع، سَكَبَ فيه كميَّةً قليلةً  من الماء مَلأَت الأنبوب. عمود الماء العالي شكَّلَ ضغطًا قوِيًّا في البرميل، أَدَّى إلى تفجيره.  

 

 


تجربة  تفجير البرميل لباسكال

 

 

الترجمة للعربيّة: هشام مزعل
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح

 

0 تعليقات