إيان دونالد، الذي حوّل تخطيط الصدى الطبيّ "الأولتراساوند" - من الرؤية إلى الحقيقة

"تُعتبر الفكرة أسهل جزء في أي تجربة، لكنّ تنفيذها أكثر صعوبةً، وأصعب شيء على الإطلاق هو الحصول على التمويل. تدور قصّتنا حول تجربة تطوّرت بينما كنّا نبحث عن طريقنا لأكثر من 18 عامًا، ومعظم المشاهدات المهمّة فيها كانت عَرَضيّة وغير مخطّطة". هذا ما كتبه الطبيب البريطانيّ إيان دونالد (Ian Donald) سنة 1974م، في مقال عن تطوّر ما أسماه في حينها "السونار الطبّيّ" (اختصارًا للملاحة الصوتيّة والمدى- sound navigation and ranging، والتي تساعد في تحديد المدى باستخدام الموجات الصوتيّة). أعطى دونالد للمقال عنوان "اعتذار" (Apology)، تكريمًا لخطاب الدفاع الشهير للفيلسوف اليوناني سقراط، وأضاف في هذا السياق أنّه يأمل بأن تكون نهايته مختلفة، حيث أدّى خطاب سقراط الدفاعيّ في النّهاية إلى إدانته بالهرطقة والحكم عليه بالإعدام.

הרעיון קל, היישום קשה הרבה יותר. דונלד עם דגם מתקדם לזמנו של סורק אולטרסאונד | צילום מתוך מאגר התצלומים של האיגוד הבריטי לאולטרסאונד רפואי
الفكرة سهلة، تطبيقها أصعب بكثير. دونالد مع نموذج أولتراساوند (تخطيط الصّدى الطبّيّ) السابق لعصره| صورة من قاعدة بيانات الجمعيّة البريطانيّة للأولتراساوند 

براءَة الاختراع

ولد إيان دونالد في 17 كانون الأول سنة 1910م في كورنوال- إنجلترا، وترعرع في مدينة صغيرة جنوب اسكتلندا، حيث عمل والده كطبيب أسرة كجدّه، وكانت والدته عازفة بيانو. تأثّرت نشأة دونالد، وكذلك شقيقاته وشقيقه الأصغر، بشكل كبير بالمجاليْن - العلم والفنّ. عندما بلغ من العمر 14 عامًا، انتقلت العائلة الى جنوب إفريقية بحثًا عن مناخ أكثر راحة لوالده، الذي كان يعاني من تراجع صحّيّ. تخرّج دونالد من المدرسة الثانوية في كيب تاون (Capetown)، وحصل على درجة البكالوريوس في الجامعة المحلّيّة، وتخرّج بمرتبة الشرف في الموسيقى، الدراسات الكلاسيكيّة والفرنسيّة، على الرغم من الكارثة التي حلّت بالعائلة، حيث توفّي والداه بسبب المرض بفارق بضعة أشهر عندما كان عمره 16 عامًا فقط، ونشأ الأطفال مع مربّية اعتنت بهم بمساعدة أموال الميراث من والديْه.

في سنة 1930م، عادت العائلة إلى بريطانيا وعاشت في لندن، والتحق دونالد بكليّة الطّبّ على خطى والده وجدّه. أبدى دونالد كطالب طبّ بالفعل موهبةً تقنيّةً وميلًا للابتكارِ، واخترع جهازًا لشطف المثانة. بعد تخرّجه من مستشفى "سانت توماس"، بدأ التّخصّص بأمراض النساء والتوليد، لكنّ الحرب العالميّة الثانية، التي اندلعت في سنة 1939م، عطّلت خططَه، فالْتحق بالقوّات الجوّيّة البريطانيّة وعمل كطبيب، ثمّ فاز بميداليّة البطولة بعد أن أنقذ أفراد الطاقم من قاذفة تحطَّمت واشتعلت فيها النّيران.

بعد نهاية الحرب، أكمل دونالد تخصّصه في مستشفى "سانت توماس"، حيث أكمل هناك عمله كطبيب، ثمّ عمل كمدرّس في كليّة الطّبّ لاحقًا. بعد بضع سنوات، انتقل إلى مستشفى آخر في لندن - "مار سميث"، وكجزء من عمله، سخّر مرة أخرى براعته وقام بتطوير جهاز تنفّس فريد من نوعه لحديثي الولادة والأطفال الخدّج، بالإضافة الى جهاز يقيس معدّل تنفسّهم. 

في سنة 1954م غادر دونالد لندن وعاد إلى أسكتلندا، حيث تمّ تعيينه أستاذًا لطبّ النساء في جامعة جلاسكو (Glasgow). بالإضافة إلى عمله كطبيب، اشترك دونالد أيضًا في الأبحاث، مع التركيز على استخدام الأولتراساوند، كوسيلة لتشخيص أمراض النساء.

 

من بلّورات إلى غوّاصات

اكتشف الشقيقان الفرنسيّان، جاك وبيير كيوري (Jack and Pierre Curie)، في سنة 1880م ظاهرة مثيرة للاهتمام: عند تشكيل ضغط ميكانيكيّ على البلورات فإنّها تنتج تيّارًا كهربائيًّا، أو يتغيّر شكلها استجابةً للتيّار الكهربائيّ. أصبح من الواضح فيما بعد أنّ البلّورات الكهرو-ضغطيّة، يمكنها أن تُنشىء موجاتٍ صوتيّة عالية التردّد في الماء. ترك بيير كيوري هذا المجال بعد بضع سنوات، ليكرّس نفسه لدراسة النشاط الإشعاعيّ مع زوجته ماري كيوري (Marie Curie). كان لاكتشاف الأخويْن، مع النتائج التي توصّل إليها عالم الرياضيات النمساوي كريستيان دوبلر (Christian Doppler) قبل أربعين عامًا تقريبًا، التي أظهرت أنّ تردّد الموجات يعلو عندما يقترب مصدر الموجات والكاشف من بعضهما، وينخفض عندما يبتعدان، دورًا في تمهيد الطريق لقياس الأجسام في الماء عن طريق ارتداد الموجات الصوتيّة. 

عقب غرق السفينة "تايتانيك" سنة 1912م، طوّر المخترع الأمريكيّ ريجينالد فيسيندين (Reginald Fessenden) جهازًا مصمّمًا للكشف عن الجليدات في المياه، بواسطة تخطيط موجات صوتيّة مشابه. بعد ذلك بفترة قصيرة، اندلعت الحرب العالميّة الأولى، وأُجبرت الدول الحليفة لألمانيا على تطوير تدابير مضادّة، لاستخدام الأخيرة للغوّاصات الحربيّة. لهذا الغرض، قام البريطانيّون والفرنسيّون بتجنيد العديد من العلماء البارزين، بما في ذلك إرنسيت روتيرفورد (Ernest Rutherford)، تلميذ روبيرت بويل (Robert Boyle) السابق، وبول لانجفين (Paul Langevin)، الذي كان زوج ماري كيوري الثاني، بعد مقتل بيير في حادث سيارة.

طوّر هذا الفريق نظامًا يعتمد على البلورات الكهرو-ضغطيّة، بحيث تُصدر موجاتٍ صوتيّة عالية التردّد، بعيدًا عن نطاق سمع الإنسان، وكاشف يلتقط الموجات العائدة الى الجهاز بعد اصطدامها ببعض الأجسام. كذلك، يمكن حساب المسافة من الجسم الذي أعادها، وفقًا للسرعة التي يتمّ بها إرجاع الموجات إلى الكاشف. يُمكّن المسح المستمرّ لمنطقة معيّنة رسم سطحها، وكذلك تحديد الأجسام المتحركة، مثل الغوّاصات.

لم يكن الجهاز الملقّب بـ"السونار" جاهزًا في فترة الحرب العالمية الأولى، لكن استخدامه توسّع في السنوات التالية، وكان له تأثير في نتائج الحرب العالميّة الثانية. أدّت هذه الحرب إلى تسريع تطوير تقنيّة مماثلة مع موجات الراديو في الهواء للكشف عن الطائرات، والتي أُطلق عليها اسم "رادار" (RADAR) - يكشف الاتّجاه والمسافة.

צג הסונאר של נושאת המטוסים האמריקאית "אינטרפיד", המשמשת כיום מוזיאון בעיר ניו יורק | צילום: S-F, Shutterstock
التّعرّف على أجسام في الماء بواسطة الموجات الصّوتيّة. جهاز السونار للطائرات الأمريكيّة "انترفيد"، والذي يستخدم حاليًّا كمتحف في مدينة نيويورك| تصوير: S-F, Shutterstock

الغريزة

كما ذكرنا سابقًا، كان دونالد مخترعًا لديه حسّ عالٍ للتقنيات، وصار على درايةٍ بتكنولوجيا الرادار أثناء خدمته في القوّات الجوّية، وبدأ بالتفكير في تطبيقاتها في مجال الطّبّ. لم يكن دونالد أوّل من فعل ذلك. حاول العديد من الأطباء تسخير الموجات الصوتيّة لتشخيص الأمراض، وكان من أبرزهم الطبيب البريطانيّ جون وايلد (John Wild) الذي انتقل إلى الولايات المتّحدة. في سنة 1950م، التقى وايلد بدونالد في لندن وعرض عليه أفكاره. لسوء حظّه، حاول وايلد، مثل غيره من الروّاد في هذا المجال، التركيز على تشخيص الأورام السرطانيّة باستخدام الموجات الصّوتيّة، لكنّ التكنولوجيا الأساسيّة في سنوات الـ 50 من القرن الماضي لم تكن تلائم مستوى التحدّي بعد. لتحقيق هذه الأفكار، كان هناك حاجة إلى مجموعة من المواهب التقنيّة والطّبّيّة، وكذلك مع العمل في المجال الطبّيّ المناسب.

أجرى دونالد في بداية مسيرته المهنيّة في غلاسكو، عمليّة استئصال الرحم لامرأة كان زوجها مديرًا في شركة كبيرة لإنتاج المراجل الصناعيّة (boiler)، وبعد التعارف، قام الزوج بدعوته لزيارة المصنع. تعرَّف هناك دونالد على الجهاز الذي يستخدمه تقنيّ المصنع لتحديد العيوب والفراغات في المسبوكات المعدنيّة عن طريق قياس انعكاس موجات أولتراساوند. بعد أيامٍ قليلةٍ، عاد دونالد إلى المصنع حاملًا في صندوق سيّارته العديد من العيّنات الطّبّيّة، كالأورام الليفيّة أو الأورام العضليّة -أورام الرّحم الحميدة- وكيّسات (cysts) المبيض التي أزالها من المرضى.

بدأ دونالد بمسح العيّنات باستخدام الأولتراساوند، وقام بمقارنة الأورام بقطعة كبيرة من اللحم، كانت بمثابة المجموعة الضابطة. كتب دونالد: "سيبقى 21 تموز 1955م دائمًا أحد أهمّ الأيّام في حياتي". "كلّ ما أردت معرفته هو، ببساطة، ما إذا كان هناك اختلاف في خصائص الرنين للموجات الصوتيّة للكتل المختلفة. كانت النتائج تتجاوز أحلامي. كنتُ قادرًا على رؤية إمكانيّات لا حدود لها للسنوات قادمة".

في الحقيقة، على الأقلّ في البداية، كان دونالد الوحيد -تقريبًا- الذي رأى القدرة الكامنة في هذه التقنيّة. مكّن كاشف شركة المراجل في تشخيص الكيّسات الكبيرة بسهولة نسبيًّا، وهي عبارة عن كيس يحوي السوائل. مع ذلك، فإنّ تمييز الكيّسات الصّغيرة أو الأورام، كان شبه مستحيلًا بواسطة هذه التقنيّة. لكن دونالد آمن بها وبالعمل المهنيّ. تمكّن دونالد من إقناع شركة أخرى- كلفن هيوز (Kelvin Hughes)، بالتبرّع بجهاز أولتراساوند لإجراء التجارب. لم يكن لهذا التعاون إسهامًا في تقدّم التجارب كثيرًا، ولكنّه أدّى إلى اجتماع مع المهندس الشاب توم براون (Tom Brown)، الذي سمع عن التجارب الرائدة وقرّر الاتّصال بالطبيب وعرض عليه خبرته الهندسيّة. كتب دونالد لاحقًا: "كانت أكثر مكالمة هاتفيّة مصيريّة في حياتي".

טום בראון ב-1957 (כנראה) עם אב-טיפוס מוקדם של מכשיר אולטרסאונד דו-ממדי | צילום מתוך המאמר, שם פורסם באדיבות האיגוד הבריטי לאולטרסאונד רפואי, ברישיון CC BY-NC
لقاء مصيريّ. توم براون في سنة 1957م (على ما يبدو) مع نموذج أوّلي مبكّر لجهاز أولتراساوند ثنائيّ الأبعاد| صورة من المقال الذي نُشِرَ بالاستعانة في الجمعيّة البريطانيّة للأولتراساوند، بترخيص CC BY-NC 

العمل الجماعيّ

بعد فترة وجيزة، انضمّ طبيب آخر إلى الفريق، جون ماكفيكار (John McVicar)، الذي تخصّص في أمراض النساء تحت إشراف دونالد. كان يصل براون إلى المستشفى بعد يوم طويل في المصنع، وينضمّ إلى الطبيبيْن بعد يوم طويل في العيادات وغرف العمليّات، ثمّ يبدأ الثلاثة بتجارب مرهقة ومحبطة في كثير من الأحيان: أحيانًا لم تكن المعدّات التي استخدموها تعمل بشكل جيّد، وكان من الصعب الوثوق بمصداقيّة النتائج. كان يتمّ تسجيل الفحوصات على شرائط تصوير كانت تتلف بسهولة، ما أدّى أحيانًا إلى استنزاف ساعاتٍ طويلة من العمل. والأكثر إحباطًا أنّه حتّى عندما كانت تعمل المعدّات وشرائط التصوير، لم تكن النتائج واضحة بما يكفي أو مناسبة للتشخيص، وقوبلت بازدراء بشكل عامّ عند عرضها على أطبّاء آخرين. مع ذلك، يبدو أنّ الروح الجماعيّة سمحت للثلاثيّ بالاستمرار. اعترف دونالد قائلاً: "كانت عبقريّة براون هي التي جعلت التطوّرات التكنولوجيّة الهائلة ممكنة"، مُضيفًا أنّه "لولا مساعدة ماكفيكار الحازمة، ربّما كنت قد استسلمت من مواصلة المجهود". كتب ماكفيكار لاحقًا: "كانت لدى إيان دونالد الرؤية، كان توم براون يتمتّع بالخبرة، وكنت أنا العمود الفِقريّ. كنت صغيرًا وطموحًا بما يكفي لأدرك أنّه إذا قمت بهذه الوظيفة فقد تؤتي ثمارها".

تضمّن العمل الشاقّ، من بين أمورٍ أخرى، الجهود المبذولة لتحسين موثوقيّة الفحص والتكنولوجيا باستمرار. تمّ فحص ومسح كلّ كيسة (cyst) أو ورم أخذه الأطباء من المرضى في حمّام مائيّ -في ذلك الوقت لم تكن موافقة المرضى مطلوبة بعد- وقام الفريق بمقارنة نتائج المسح هذا مع عمليّات المسح التي أجريت على جسم المريض قبل العمليّة. وهكذا، خطوة بخطوة، قاموا تدريجيًّا بتحسين كلٍ من المعدّات، طريقة المسح والتشخيص.

جاء هذا العمل الطلائعيّ في نهاية سنة 1956م، عندما فحص دونالد مريضة تعاني من انتفاخ شديد في البطن. حينها، اعتقد الأطباء -ودونالد من بينهم- أنّ سبب التورّم هو الاستسقاء (Ascites)، وهي حالة تتميّز بتجمّع السوائل في التجويف البطنيّ. كما أنّهم اشتبهوا في وجود نقائل (metastasis) نتيجة ورم في البطن. ولكن بعد الفحص بالأولتراساوند، وجد دونالد أن التورم ليس استسقاءً، بل مجرّد ورم (كيسة) ضخم. كتب دونالد: "في الفحص، كان من الممكن تمييز جدار الكيسة بوضوح، ولم تكن هناك أيّ علامة على وجود عدة فقاعات هواء في الأمعاء، التي نتوقّع رؤيتها في الاستسقاء". "قمتُ بأزالة الكيسة في عمليّة بسيطة نسبيًّا، وتعافت المريضة تمامًا. كان لهذا التشخيص دور في إنقاذ حياتها. ثمّ استمرَّينا ولم نلتفت إلى الوراء أبدًا". أظهر هذا النجاح ميزة الفحص بالأولتراساوند على التصوير بالأشعة السينية (X-rays)، والتي كانت أقلّ ملاءَمةً لتصوير الأنسجة الغنّيّة بالسوائل، وأنتجت تشخيصًا خاطئًا كاد يكلّف حياة المريض.

דונלד (בחזית) סורק את בטנה של אישה באולטרסאונד הדו-ממדי, מאחור עומד מקוויקר | צילום מתוך המאמר, שם פורסם באדיבות האיגוד הבריטי לאולטרסאונד רפואי, ברישיון CC BY-NC
 استمرينا ولم نلتفت إلى الوراء أبدًا. يقوم دونالد (في المقدمة) وماكفيكر (في الخلفية) بفحص بطن المرأة باستخدام الألتراساوند ثنائي الأبعاد| صورة من المقال، بحيث نُشرت بإذن من الجمعية البريطانية للأولتراساوند، مُرخّصة بموجب CC BY-NC 

الجيل القادم

بدأ دونالد وزملاؤه في استخدام أولتراساوند لفحص الأجنّة فقط حتّى سنة 1975م، عقب فحص بطن امرأة كانت تعاني من تورّم في الرحم، على ما يبدو بسبب نموّ سرطانيّ، لكن ظهر رأس الجنين فجأةً في الصورة. سرعان ما اكتشفوا أنّه من السهل جدًّا رؤية جمجمة الجنين في فحص أولتراساوند، وبدأوا باستخدامه بشكل روتينيّ تقريبًا لتشخيص وضعيّة الجنين، خاصّة عند النساء ذوات الوزن الزائد اللواتي يصعب تشخيص بنية أجسامهنّ عن طريق الجسّ. 

نشر دونالد وماكفيكر وبراون أوّل مقال علميّ لهم حول هذه الطريقة في المجلّة الطبّيّة المهمّة "لانسيت" (Lancet)، في سنة 1958م. تخلّل المقال شرح عامّ للفحص وبعض استخداماته في طبّ النّساء. بالإضافة الى ذلك، قاموا بمناقشة موجزة إمكانيّة التبديل من المسح أحاديّ البعد إلى المسح ثنائيّ الأبعاد. كان الفحص المستخدم حتّى ذلك الحين نوعٌ من الرسم البيانيّ الذي يجسّد الفوارق في انعكاسات الموجات الصّوتيّة على طول خطّ مستقيم واحد، فسعى براون إلى تحسين الجهاز بحيث "يعرِّف" إحداثيات كلّ نقطة على نظام المحاور، ويجمع صورة ثنائيّة الأبعاد بدلًا من رسم بيانيّ بسيط.

تمكّن دونالد من إقناع الشركة التي عمل فيها، أن ترصد ميزانيّة للتطوير بمبلغ رمزيّ يُقدّر بـِ 500 جنيه إسترلينيّ، أي حوالي 10.000 جنيه إسترلينيّ في يومنا هذا. على الرغم من المبلغ الزهيد، تمكّن من بناء الجهاز، بعد أن جمع الأجزاء من كلّ مصدر ممكن. وقال في وقت لاحق: "غالبًا اعتمدت على حسن نية زملائي أو بغضّ النظر عن الهدر الذي قمت به". فيما بعد، أتقن براون النظام وطوّر ماسحًا آليًّا، حيث يكون الكاشف داخل كرة يتحرّك فيها النظام الأوتوماتيكيّ عبر طول معدة المرأة وعرضها.

في السنوات التالية، انضمّ المزيد من الأطباء إلى فريق دونالد، جنبًا إلى جنب مع أطباء من دول أخرى جاءوا لتعلّم استخدام "السونار"، كما أصرّ دونالد على تسميته، على الرغم من أنّ الأسم أولتراساوند أصبح أكثر شيوعًا. إضافةً الى ذلك، انضمّ إلى براون أيضًا مهندسون آخرون، واستمرّ الفريق الموسّع في توسيع نطاق قدرات الجهاز والأطباء. في سنة 1964م، انتقلوا جميعًا إلى مستشفى جديد في غلاسكو، حيث كانت هناك بالفعل وحدة للأولتراساوند كجزء من منظومة التصوير.

على مرّ السنين، قام دونالد وفريقه بتوسيع نطاق استخدامات الجهاز، من خلال العديد من التجارب ومقارنات متكرّرة بين نتائج عمليّات المسح والنتائج، التي تمّ جمعها في العمليّات الجراحيّة وطرق التشخيص الأخرى. في سنة 1974م، أدرج دونالد بالفعل قائمة طويلة من التشخيصات التي يمكن إجراؤها باستخدام أولتراساوند: تشخيص مجموعة متنوّعة من الكيسات وأورام أمراض النساء، وحالات الإجهاض، والحمل خارج الرحم، إضافةً إلى الاختبارات والتّشخيصات أثناء الحمل، مثل فحص نبضات قلب الجنين في الحمل المبكّر، وتشخيص الحمل متعدّد الأجنة، وحالة المشيمة، وتحديد العيوب الخلقيّة ومراقبة حجم الجنين.

على الرغم من التقدّم الهائل، اعترف دونالد بنفسه في ختام المقال "لم ننته حتّى من نصف العمل بعد. إنّ عملنا في تطوير المسح ثلاثيّ الأبعاد لا يزال في مرحلة مبكّرة، بحيث لا يستحقّ الذكر. كما أنّنا نحاول توسيع عدد درجات اللون الرماديّ في المحاكاة. يُسهم العديد من العمّال حول العالم بشكل يوميّ تقريبًا، في إضافتهم الخاصّة إلى هذه المجموعة الواسعة من المعرفة الطبّيّة".

סריקת אולטרסאונד של הלב המראה בצבע את כיווני הזרימה של הדם בעזרת אפקט דופלר | צילום: faustasyan, Shutterstock
استعمالات عديدة، ليس فقط في أمراض النساء. مسح بأولتراساوند للقلب يظهر بلون اتّجاهات تدفّق الدم باستخدام تأثير دوبلر (Doppler effect)| تصوير: faustasyan, Shutterstock

طبيب وفنّان

على الرغم من أنّ دونالد كان بالفعل من أحد المُسهِمين في أحد أهم الإنجازات الطبّيّة في القرن العشرين، لكنّه رأى نفسه أوّلًا وقبل كلّ شيء طبيبًا، وكرّس معظم وقته وطاقته للمرضى وطلاب الطّبّ. في سنة 1955م نُشر كتابه "المشاكل العمليّة في التوليد"، الذي على الرغم من كونه كتابًا تدريسيًّا، كُتب بأسلوب سرديّ وكان من أكثر الكتب مبيعًا، وتمّ نشره منذ ذلك الحين في طبعات عديدة. كما حرص دونالد جدًّا على فحص سلامة استخدام التقنيّة في كلّ مرحلة وتطوّر، حتّى لا يتعرّض المرضى للخطر، بحيث تناولت العديد من مقالاته بشكل مباشر مسألة سلامة الفحوصات.

كانت لدى دونالد أيضًا مبادئ أخلاقيّة صارمة، وعارض بشدّة القانون الذي مُرِّرَ في بريطانيا العظمى في سنة 1967م، الذي وسّع الشروط التي بموجبها يُسمح للمرأة بأن تقرّر الإجهاض. كان يؤمن بالحياة، وشعر بالفزع من فكرة أنّ لدى أطباء أمراض النساء إسهام في تدمير الحياة، حتّى للجنين. كان هذا بالنسبة له النقيض التامّ لجوهر المهنة. ورغم أنّ الكثيرين عارضوا مواقفه، لم يشكّ أحد في نزاهته وصدق نواياه.

حصل دونالد على مرّ السنين على العديد من الجوائز والتقدير لمساهمته في المهنة، وفي سنة 1973م حصل على لقب النّبلاء وأصبح السير دونالد. بالإضافة إلى مهنته كطبيب، كان بحّارًا متحمّسًا ولم يفوّت أبدًا فرصة للإبحار على متن اليخت. في سنة 1937م، على مقربة من نهاية دراسته الطبّيّة، تزوّج أليكس ريتشاردز (Alex Richhards) من جنوب إفريقية، وأنجبا 4 بنات وَ-13 حفيدًا.

لسنواتٍ عديدةٍ، عانى دونالد من مشاكل حادّة في صمّام القلب، وخضع لثلاثة عمليّات جراحيّة معقّدة. وقد قال مازحًا إنّه قام بتشخيص حالته الصحّيّة بشكل صحيح، لكنّ الأطباء احتاجوا إلى تصوير القلب بأولتراساوند للتحقّق من ذلك.

في الواقع، خلال حياة دونالد، توسّعت استعمالات أولتراساوند الطّبّيّة إلى أكثر من فحوصات في مجال أمراض النساء والتوليد، حيث تُستخدم اليوم أيضًا لتشخيص العديد من الأمراض والحالات الطّبّيّة، بما في ذلك بعض الأورام السرطانيّة، مثلما توقّع وايلد وزملاؤه. منذ ذلك الوقت تمّ تحسين مراجعات الحمل بأولتراساوند بشكل كبير، مثلما توقّع هو نفسه. تُوفِّر الأجهزة اليوم صورًا ملوّنة ثلاثيّة الأبعاد، والتي بالإضافة إلى المتعة البصريّة للوالدين، تسمح أيضًا بالتشخيص التفصيليّ المذهل لحالة الجنين. يتمّ إجراء ملايين العمليات لفحص الأولتراساوند في جميع أنحاء العالم يوميًّا، وكان فخر دونالد الكبير هو أنّه طوّر أداة تعمل على تحسين التشخيص الطّبّيّ.

في 19 حزيران سنة 1987م، استسلم قلب دونالد للصعوبات التي لزمته لسنوات وتوفّي. كُتب في نعيه في المجلة الطبية البريطانية BMJ، "كان لدونالد خيال وإبداع كبيران، وكان لديه العزم على جعل أفكاره تؤتي ثمارها". من بين أمور أخرى، تم تسمية مدرسة الدوليّة للأولتراساوند الطبّيّ في دوبروفنيك - كرواتيا، والميداليّة الذهبيّة للجمعيّة العالميّة للأولتراساوند في أمراض النساء والتوليد على اسمه. لكن يبدو أنّ أفضل نشاطٍ للتذكير به، حتّى بالنسبة له، هو مئات الآلاف من أجهزة الأولتراساوند التي تعمل على تحسين الكثير من الحالات الطبية كل يوم.

 

0 تعليقات