نوردُ فيما يلي بعضَ الحقائقِ عن محطّةِ الفضاءِ الدّوليّةِ والحياةِ فيها والنّشاطِ العلميّ الجاري فيها، وذلك بمناسبةِ مرورِ عشرين عامًا على إقامتها

محطّةُ الفضاءِ الدُّوليّةُ هي أكبرُ هيكلٍ فضائيٍّ يدورُ حولَ الأرض حتّى يومِنا هذا. تمّ تركيبُ أجزاءِ المحطّةِ على مراحلَ منذُ سنة 1998م، من خلال مشروعٍ اشتركت فيه كلٌّ من الولاياتِ المُتّحدةِ الأمريكيّةِ وروسيا واليابان، ووكالةِ الفضاءِ الأوروبّيّةِ وكندا. تُستخدمُ المحطّةُ للأبحاثِ والدِّراساتِ في الكيمياءِ والبيولوجيا والفيزياءِ والطِّبّ، وتُتيحُ لِرُوّادِ الفضاءِ بحثَ تأثيرِِ انعدامِ الجاذبيّةِ، وتأثيرِ الأشعةِ والجُسيماتِ الموجودةِ فوقَ الغلافِ الجوّيِّ للكرة الأرضيّة. تدورُ المحطّةُ حولَ الكرةِ الأرضيّةِ في مسارٍ منخفضٍ يتراوحُ ارتفاعُه ما بين 330 وَ- 435 كيلومترًا عن سطحِ الأرضِ، ويتيحُ ذلك زياراتِ السُّفن الفضائيّةِ لها، المأهولةِ منها وغيرِ المأهولة، والمكّوكات الفضائيّة التي تُزوّدُها بالوقودِ والغذاء وقِطَعِ الغيار، وتتيح تبديل أفرادِ الطّاقم. 

أقيمت محطّةُ الفضاءِ الدّوليّة بالاعتماد على المعرفةِ والتّجربةِ، التي اكتُسِبت في السّنين التي شُغِّلت فيها المحطّاتُ الفضائيّة السّابقة، وعلى رأسها محطّة مير الرّوسيّة ومحطّة الفضاءِ الأمريكيّة Skylab. عمِلت محطّةُ مير الفضائيّةُ الرّوسيّةُ حتّى سنة 2001م، حيث تمّ تبديلُها نهائيًّا بنشاطاتٍ في إطارِ محطّةِ الفضاء الدّوليّة. بُنيت المحطّةُ من نماذجَ منفصلةٍ - بمثابة غُرفٍ يمكن ربطُها ببعض- صُنعَت في دولٍ مُختلفة، ثم تمَّ ربطُها ببعضٍ تدريجيًّا حتّى سنة 2011م. يمكن مكوثُ الأشخاصِ في المحطّةِ فترةً زمنيّةً طويلةً، وهي مأهولةٌ بطواقمَ من روّادِ الفضاءِ الرّوس والأمريكان، وغيرهم من الجنسيّات بشكلٍ دائم منذ سنة 2000م.

אין משמעות ל"למעלה" או "למטה" בחוסר כבידה. צוות 38 בתחנת החלל הבינלאומית | צילום: NASA
لا يوجد مفهومٌ للمصطلحات "إلى أعلى" أو "إلى الأسفل" في شروط انعدام الجاذبيّة. الطّاقم 38 في محطّةِ الفضاءِ الدُّوليّة | تصوير: NASA
 

الدراساتُ والأبحاثُ العلميّة 

محطّة الفضاء قريبةٌ من الكرةِ الأرضيّةِ ما يكفيها لتتأثّر بقوةِ جاذبيّةٍ لا تَقلُّ كثيرًا، عن قوةِ الجاذبيّة على سطح الأرض. يُؤدّي وجودُ المحطّةِ في مسارِ "السّقوط الحرّ" إلى أن تكونَ قوّةُ الجاذبيّةِ الفعليّةِ فيها قريبةً من الصّفر. يمكن تشبيهُ ذلك بالمصعد الذي يسقطُ سقوطًا حُرًّا، بحيث تصبحُ جميعُ الأجسامِ داخلَه عديمةَ الوزن. يمكن، في ظروف انعدامِ الوزن أو "السّقوط الحُر" إجراءُ تجارب، يصعبُ إجراؤها على سطح الكرةِ الأرضيّة. 

تُجرَى تجارب على تكوّن بلّوراتٍ من البروتينات، وتطوّر البكتيريا، وتجارب تفحصُ تأثيرَ ظروف انعدامِ الجاذبيّةِ على جسمِ الإنسان. لدراسةِ تأثيرِ انعدامِ الجاذبيّةِ على جسمِ الإنسان والتّعرّضِ طويلِ المدى للأشعةِ الكونيّة، أهميّةٌ كبيرةٌ في الاعتبارات التي تُؤخذُ في الحسبان، عند فحصِ إمكانيّةِ إرسالِ أشخاصٍ لدراسةِ المجموعةِ الشّمسيّة. يتيحُ المكوثُ المتواصلُ في محطّةِ الفضاء فحصَ المشاكلِ الصّحيّةِ، في بيئةٍ مراقَبةٍ وقريبةٍ من الأرض، التي قد تؤثّرُ على طاقمِ رحلةٍ مأهولةٍ إلى كوكبٍ سيّارٍ غيرَ الأرض، رحلةٍ إلى المريخِ مثلًا. 

تُستخدمُ المحطّةُ أيضًا للدّراساتِ والأبحاثِ الفلكيّة. مثالٌ على ذلك: قياسُ جُسيماتِ الأشعةِ الكونيّةِ التي لا يمكن قياسُها على سطحِ الكرةِ الأرضيّةِ، لأنّ غلافَ الكرةِ الأرضيّةِ الجوّيّ يمتصُّ غالبيتها. لا تتأثّرُ التّلسكوبات المُرَكّبةُ على المحطّة بامتصاصِ الأشعةِ، وبالتشوّهاتِ التي تنجم عن اصطدامِها بِالغلاف الجوّيّ، ويمكن أن تقيسَ كاشفاتُ الأشعةِ السّنيةِ (رونتجن) مصادرَ مختلفةٍ، كما يمكنها أنْ تُستخدمَ في الملاحةِ والتنقّل عبر الفضاء العميق. تُلقَى على عاتقِ رُوّادِ الفضاءِ في المحطّةِ مهامٌّ أخرى إلى جانبِ العملِ العلميّ والتّجارب، وتتمثّل هذه المهامّ بأعمالٍ غايتُها صيانةُ المحطّةِ، من تغيير مسارها، مرورًا بفحص المنظوماتِ المختلفةِ والاعتناءِ المتواصلِ بها، حتّى أعمالِ تنظيفها. قد يُكلَّف الفضائيّون في المحطّةِ، من حينٍ إلى آخر، بالخروجِ منها والقيامِ بأعمالٍ لصيانتِها من الخارج. 

يُتيحُ القُربُ النّسبيّ لمسارِ المحطّةِ من سطحِ الكرةِ الأرضيّة، القيامَ بعمليّاتِ النّقلِ المتواصلةِ للمُؤنِ وتبديلِ أفرادِ الطّاقم، والتي لن تكونَ مُتاحةً بهذه السهولةِ النسبيّةِ لو كان مسارُ المحطّةِ عاليًا. يتوجّبُ على المحطّةِ، من الجانبِ الآخر، تغييرُ مسارِها تغييرًا طفيفًا للتغلُّب على قُوّةِ السّحبِ، التي تنجمُ عن الجزءِ الأعلى قليلِ الكثافةِ من الغلاف الجوّيّ، ولتجنُّبِ إمكانيّةِ التّصادمِ مع أقمارٍ صناعيّةٍ أو بقايا مثل هذه الأقمار والصّواريخ، التي تتحرّكُ في مسارٍ منخفض.  

הקוסמונאוט הרוסי דמיטרי קונדרטייב והאסטרונאוט האיטלקי פאולו נספולי מצלמים את כדור הארץ מהתחנה | צילום: NASA
يقوم رائدا الفضاء، ديميتري كوندراتيف الرّوسي وباولو نسبولي الإيطاليّ بتصويرِ الكرةِ الأرضيّةِ من داخلِ المحطّةِ الفضائيّةِ الدّثوليّة. | تصوير: NASA

الحياةُ في الفضاء

محطّةُ الفضاءِ الدُّوليّةِ هي أكبرُ جسمٍ صناعيٍّ وُضِعَ في الفضاءِ حتّى اليوم. تزيدُ كتلتُها اليوم عن 400 طَن ويبلغُ طولُها حوالي 108 أمتار، وعرضُها حوالي 73 مترًا، وارتفاعُها حوالي 20 مترًا. تُشكّلُ الألواحُ الشّمسيّةُ الّتي تستخدمُها المحطّةُ لإنتاجِ الطّاقةِ جزءًا كبيرًا جدًّا منها. يبلغُ إجماليُّ حجمِ مكانِ سُكنى الطّاقمِ وعملِه، أي الغرفُ التي تحوي ضغطًا هوائيًّا، حوالي 930 مترًا مُكَعّبًا. للمقارنة، بلغَ حجمُ خليّةِ طاقمِ المكّوكِ الفضائيّ حوالي 74 مِترًا مُكَعَّبًا، ويرتصُّ طاقمُ مركبةِ سويوزِ الفضائيّةِ التي تنقلُ رُوّادَ الفضاءِ إلى المحطّةِ الدُّوليّةِ ومنها، في حجمِ لا يزيدُ عن ستّةِ أمتارٍ مُكعّبة. تُقاسُ منطقةُ سُكنى الفضائيّين داخل المحطّة بحجمِها وليس بمساحةِ سطحِها، لأنّ المصطلحاتِ "إلى الأعلى" وَ"إلى الأسفل" وَ"على الجانب"، تفقدُ معناها في ظروفِ انعدامِ الجاذبيّة، فتُستخدمُ الـ "مصطبةُ"، والـ "سقفُ" والـ "حيطان" جميعُها مناطقَ للعمل. يمكنُ أن نرى مثلًا فضائيّيْن داخلَ المحطّةِ، وهما مُنحنيَان نحو الأجهزة العلميّةِ مشغولَان بها، أحدُهما مقلوبٌ بالنّسبةِ للآخر، إلّا أنّ كلاهُما يشعرُ أنّ رجليه موضوعتان على المصطبة. 

يمكثُ في المحطةِ عادةً ستّةُ رُوّادِ فضاء، طاقمان، ثلاثة في كلِّ طاقم. يمكثُ كلُّ طاقمٍ حوالي نصف سنةٍ داخلِ المحطّة، ويُجري التّبديلُ عادةً كلَّ ثلاثةِ أشهر. تمّ تحديدُ السّاعةِ الزمنيّةِ داخلَ المحطّةِ اعتباطيًّا بأن تكونَ ساعةُ خطِّ الصّفرالطّولي (الذي سُمّيَ سابقًا ساعةُ جرينتش، أمّا اليوم فيُسمّى Coordinated Universal Time أو UTC باختصار)، علمًا أنّ الطاقمَ يُصادفُ 16 غروبًا وشروقًا للشّمس خلال 24 ساعة. يبدأ عملُ الفضائيّين غالبًا الساعةَ السّادسةَ صباحًا، ويستمرُّ حوالي عشرَ ساعاتٍ تشملُ استراحاتٍ، وتناولَ الوجباتِ الغذائيّة والنّشاطَ الجسماني. يُكلَّفُ الفضائيّون، لتقليصِ ترقُّقِ العظامِ، وفقدانِ الكتلةِ العضليّةِ التي تنجمُ عن ظروفِ انعدامِ الجاذبيّة، بالقيامِ بالتّمارينِ الجسمانيّةِ بمواجهةِ مُقاومة: مثلًا - استخدامُ دوّاسةِ دراجةِ اللّياقةِ البدنيّةِ، أو الرَّكْضُ على طاحونِ الدّوْس بينما هم مربوطون بنظامِ شريطٍ مطّاطيٍّ، الأمر الذي يُلزِمُهم تشغيلَ عضلاتهم . 

لكلِّ فضائيٍّ في المحطّةِ غرفةٌ خاصّةٌ صغيرة. لا يتوجّبُ على الفضائيّين النّومُ وهم رُقودٌ، لأنّه لا معنى للاتّجاهات في ظروف انعدامِ الجاذبيّة، ويمكنهم أن يناموا وقوفًا، ويستخدمُ كلُّ فضائيٍّ كوخًا للنّومِ هو بمثابةِ خزانةٍ صغيرةٍ، فيها كيسُ نومٍ يُدخِلُ الفضائيُّ جسمَه فيه كي لا يُحلّقَ خلال النوم. يتكوّنُ الغذاءُ في المحطّةِ من حُصصٍ من الطّعامِ رُزمَت بظروفٍ فراغيّة، أو من طبخاتٍ يُضافُ عليها الماء السّاخن، وتنعدمُ، تقريبًا، المنتجاتُ الطّازجةُ أو المُبرّدة. وفي المحطّةِ مراحيضُ تعتمدُ على مضخّاتِ التّفريغ التي تمنعُ تبعثرَ فضلاتِ الطّعام، التي تتّجهُ في نهايةِ الأمرِ إلى الطّرف الآخر من الجهازِ الهضميّ، في أنحاء السّفينة لانعدامِ الجاذبيّة. 

تُكملُ المحطّةُ دورةً واحدةً حول الكرةِ الأرضيّةِ كلَّ ساعةٍ ونصفٍ تقريبًا. يمكنُ رؤيةُ المحطّةِ أحيانًا بالعينِ المُجرّدةِ وبدون استخدامِ التِّلسكوب، عندما تعبرُ السّماءَ من فوقِنا. لا يمكنُ تمييزُ المحطةِ في معظم الأوقات، لأنّها تتحرّك في مسارٍ منخفضٍ، وتتواجدُ في غالبيّة ساعاتِ الّليلِ في ظلِّ الكرةِ الأرضيّةِ ولا تُضيئها الشّمس. يمُرُّ مسارُ المحطّةِ أحيانًا، عندما تمرُّ هي من فوقنا في ساعات المساء أو في ساعات الصّباحِ المُبكِّرة، من خلالِ منطقةٍ ما زالت الشّمسُ تُضيئها، بينما يُخيّمُ الّليلُ على سطحِ الكرةِ الأرضيّة. هذا هو الوقت الأمثل للبحث عن الأقمارِ الصّناعيّة بالنّظرِ إلى السّماء. تتحرّكُ المحطّةُ الفضائيّة بسرعةٍ كبيرةٍ وهي تجوب السّماءَ، وقد يفوقُ سطوعُها، عندما تكون مُضاءةً عن طريق الشّمس كثيرًا، لمعانَ النّجوم في السّماءِ. يمكن الاطّلاع على أوقاتِ مرورِ المحطّةِ المُتوقّعةِ من فوقِنا، عن طريقِ المواقعِ الإلكترونيّةِ المناسبة، مثل Heavens above، التي تُحدَّث باستمرار بأماكن وجودِ الأقمار الصّناعية والأجسام السّماويّة. 

 

0 تعليقات