مضت 293 سنة على وفاة السير إسحاق نيوتن مكتشف قوانين الجاذبية والميكانيكا الكلاسيكية، ومخترع حساب التفاضل والتكامل، وربما الشخص الأكثر تأثيرًا على التفكير العلمي.

كان السير إسحاق نيوتن أحد أعظم علماء الفيزياء والرياضيات في التاريخ. لقد صاغ القانون العالمي للجاذبية وقوانين الميكانيكا الكلاسيكية، وكان أحد مخترعي حساب التفاضل والتكامل، وقد حل العديد من المشاكل في مجالات البصريات، علم الفلك،الصوت وغيرها. لقد كان له تأثير عميق على التفكير العلمي وكان من آباء الثورة العلمية، وما زالت كتاباته ذات  تأثير على حياتنا، حتى اليوم .

ولد نيوتن في 25 ديسمبر 1642، في قرية صغيرة تقع  شرق إنجلترا، بعد بضعة أشهر من وفاة والده. وعلى الرغم من أنه ولد قبل الأوان، فقد  نجا. تزوجت والدته مرةً أخرى عندما كان في الثالثة من عمره واستقر إسحاق الصغير ليكبر في منزل جدته. تخرج من المدرسة مع مرتبة الشرف ، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها والدته لتوجيهه إلى العمل في الزراعة، ذهب لدراسة الفلسفة والعلوم في جامعة كامبريدج.

بعد تخرجه وإنهاء تعليمه بدرجة البكالوريوس، أُغلقت الجامعة بسبب وباء تفشّى آنذاك، وبقي نيوتن في منزله لمدة عامين. خلال هذا الوقت، بدأ في تطوير الفرع الرِّياضي الذي سُمِّيَ  لاحقًا الحساب غير المحدود (أو حساب التفاضل والتكامل: حساب التفاضل والتكامل المتكامل)، وهو الحقل الذي يصف معدل تغير الأشياء. على سبيل المثال، وتيرة تغييري للمكان هي السرعة التي أسير بها . بالإضافة إلى ذلك، قام نيوتن بالتجارب الأولى في مجال البصريات.

في عام 1666 عاد نيوتن إلى الجامعة واستمر في تطوير أبحاثه. بحلول ذلك العام، نشر مقالته الأولى عن مبادئ الحساب في التفاضل والتكامل. استخدم هذا المجال لحل العديد من المشاكل في الرياضيات وحسابات الفيزياء. كما أنه أثبت قوانين  في الرياضيات والهندسة لم يستطع أحد إثباتها من قبل، وحلّ مشاكل اعتبرت غير قابلة للحل. في سن 27 تم تعيينه أستاذًا للرياضيات في الجامعة التي التحق بها. 

على مر السنين، دخل نيوتن في جدال مع عالم الرياضيات الألماني غوتفريد فيلهلم لايبنيز (Leibniz) حول مسألة أيهما قام  بتطوير حساب التفاضل والتكامل. أثار الجدل الأوساط العلمية، لكن المؤرخين، حتى يومنا،يعتقدون أن كليهما توصل إلى نفس الأفكار، أو قام بتطوير أدوات مماثلة.
 

الضوء والحركة

في أوائل سنوات السبعينيات من القرن السابع عشر، ركز نيوتن بشكل أساسي على البصريات. لقد أظهر، من بين أشياء أخرى،  أن الضوء الأبيض يتكون من ألوان مختلفة، وقد قام بتطوير منظار يحل مسألة انكسار الضوء الأبيض. كما قام نيوتن بتطوير مجال البصريات الهندسية وتصور نظرية أن الضوء يتكون من جزيئات. تم تسوية الخلاف حول إذا ما  كان الضوء عبارة عن موجة أو جسيم بعد حوالي 250 سنة، وذلك باستخدام ميكانيكا الكم.

أحد أبرز الأحداث في عمله هو دراسة حركة الأجسام. في العام 1687 نشر ضمن  مقاله "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" قوانين الحركة العالمية الثلاثة. القانون الأول ينص على أن الجسم الذي لا يمارس القوة (أو القوى العاملة عليه يُُعَوِّضُ بعضها البعض)  يظل في حالة حركة (إذا لم يتحرك يبقى ثابتًا، وإذا تحرك بسرعة ثابتة، فإنه يستمر بها). وينص القانون الثاني على أن سرعة الجسم لن تتغير إلا إذا تم تطبيق قوة عليه، وهو يتحرَّك في الاتجاه الذي يتم فيه تطبيق القوة عليه. ووفقًا للقانون الثالث، عندما يمارس جسم معين قوة ما على جسم آخر، فإن الجسم الآخر يمارس نفس القوة عليه، ولكن في الاتجاه المعاكس.

صاغ نيوتن، أيضًا، قانون الجاذبية العالمي. وهناك دليل على أنه صاغ  هذا القانون بعد أن رأى تفاحة تسقط من شجرة، وبحسب الأسطورة الشعبية، فقد سقطت التفاحة على رأسه. ووفقًا لقانون الجاذبية، توجد قوة جاذبية بين أي جسمين لهما كتلة معينة، تزداد شدتها وفقًا لكتلة الجسمين، وتنخفض نسبةً لتربيع المسافة بينهما. الجمع بين قوانين الحركة والجاذبية أتاح لنيوتن أن يُفسِّرَمجموعة واسعة من الظواهر، ابتداءً من سقوط التفاح على الأرض، ثم حركة قذيفة المدفع، دوران القمر حول الأرض، المد والجزر وحقيقة أن الناس في أستراليا لا يسقطون في السماء.

الشيء العظيم في عمل نيوتن  أنه لا يفسر الظواهر فحسب، بل يُتيح،أيضًا، حساب مجموعة متنوعة من الأحداث والظواهر بدقة، والتنبؤ بها. قدم نيوتن تفسيرات للعديد من المشاهدات الفلكية  وقام بتصميم أدوات لحساب الظواهر الفلكية، مثل مدارات المذنبات وغيرها من العناصر السماوية الأخرى.

كان نيوتن مسيحيًا مؤمنًا،  وقد تطرق إلى الآيات التي تشرح كيف يعمل الكون كآلة. في الواقع، كانت كل حساباته وأعماله  وصفًا للخلق وجزءًا مهمًا من الفلسفة. في كتاباته تعامل كثيرًا مع القضايا الدينية واللاهوتية التي ليس لها تأثير على ما يسمى اليوم "العلم"، ولكنها بالنسبة له، لم تكن مجالات منفصلة. لقد جرب، أيضًا، الكيمياء، من وقت لآخر، ويبدو أن صحته قد تعرضت للخطر بسبب تعرّضه  للمواد السامة. 

إلى جانب عمله العلمي، شارك نيوتن في مجالات أخرى. كان عضوًا في البرلمان لفترتين قصيرتين، كما شَغَل منصب مدير العملة المعدنية وهو منصب  رئيسي للغاية في بريطانيا في عصره، الأمر الذي أكسبه ثروة كبيرة. وكان، أيضًا، رئيس الجمعية الملكية - الهيئة الموازية لأكاديميات العلوم اليوم. لم يتزوج نيوتن قَطُّ،وربما لم تكن لديه علاقات حقيقية مع النساء. في سنواته الأخيرة، كان يعيش في منزل عائلة ابنة أخته، حيث توفي أثناء نومه في 20 مارس 1727 عن عمر ناهز84 عامًا.

يعتبر نيوتن أحد أعظم العلماء في التاريخ حتى الآن. عززت مساهمته في الفيزياء والرياضيات الثورة العلمية وغيرت بشكل أساسي الطريقة التي نفهم بها العالم من حولنا. أصبحت شخصيته مرتبطة بالتميّز العلمي وظهرت في عدد لا يحصى من الأفلام والكتب والمسرحيات. تم التعبير عن مكانته ، من بين أشياء أخرى، من خلال النعي الذي كتبه على قبره الشاعر ألكسندر بوب:

NATURE and Nature’s Laws lay hid in Night

God said, "Let Newton be!" and all was light

הַטֶּבַע וְחֻקָּיו נָחוּ בְּחֶשְׁכַת שְׁחוֹר, וַיֹּאמֶר אֱלֹהִים: יְהִי נְיוּטוֹן – וַיְהִי אוֹר

 الطبيعة وقوانين الطبيعة كانت تكمن في الظّلام، وقال الله: "ليكن نيوتن!" فكان  نورٌ

 

 

 

الترجمة للعربيّة: رغدة سمارة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح

 

0 تعليقات