لماذا يعتقد الكثير من النّاس أنّ المشروبات المعبّأة في زجاجات ألذّ طعمًا من غيرها؟ هل هم محقّون؟

لماذا يعتقد الكثير من النّاس أنّ المشروبات المعبّأة في زجاجات ألذّ طعمًا من غيرها؟ هل هم محقّون؟

يؤثّر تغليف المشروبات والأغذية والشّكل الّذي تُقدّم فيه على طعمها، أو على أقلّ تقدير، على إدراكنا للطّعم تماشيًا مع المثل: "اللّباس يصنع الإنسان". قد يُقسِم شخص بأنّ الكولا المعبّأة في زجاجة ألذّ طعمًا من الكولا المعبّأة في علبة معدنيّة أو بلاستيكيّة، على الرّغم من أنّ معادلة تركيبة الكولا متشابهة في الثّلاث حالات. ويدّعي آخرون أنّ القهوة الّتي تُقدّم في كأس زجاجيّة أشدّ حلاوة من تلك المقدّمة في فنجان. 

هل هم على حقّ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو التّفسير؟  

بالنّسبة للكولا، الإجابة بسيطة. ينفذ ثنائيّ أكسيد الكربون المذاب في الكولا من خلال البلاستيك أكثر من نفاذه من خلال علبة ألومنيوم، وكلاهما (البلاستيك والألومنيوم) مُنْفِذ للغاز أكثر من الزّجاج.

تُطلى القناني البلاستيكيّة بمادّة خاصّة تعيق هروب (تسرّب) ثنائيّ أكسيد الكربون، هذه المادّة غالبًا ما تكون البولي إيثيلين تيريفتالات. قد تتحلّل هذه المادّة إلى أسيتألدهيد الّذي ينفذ ببطء إلى المشروب فيؤثّر على طعمه، دون أن يؤثّر على صحّتنا نظرًا لكمّيّته القليلة جدًّا. وتؤثّر علب الألومنيوم على طعم المشروب المعبّأ داخلها، لأنّ الألومنيوم يتفاعل قليلًا مع المشروب. بالمقابل، الزّجاج لا يكاد يتفاعل مع الموادّ الأخرى، وبالتّالي لا يؤثّر على تركيبة السّائل المعبّأ.

 الحال أكثر تعقيدًا مع القهوة ومشروبات مشابهة. يتعلّق الاختلاف في الطّعم بعدّة عوامل، منها عوامل نفسيّة ودرجة التّوصيل الحراريّ للفنجان أو الكأس وموادّ قد تنتقل للمشروب، مثلًَا من الشّمع الّذي تُطلى به كؤوس الكرتون من الدّاخل.  

يكون طعم المشروب الحارّ، سواء كان حلوًا أو مرًّا أو أوماميًّا (لذيذًا، زلاليًّا)، أقوى من طعم المشروب البارد، لأنّ مستقبِلات هذه الأطعمة في الفم تقترن بمجسّات درجة الحرارة. لهذا السّبب، نشعر أنّ طعم الشّوكو السّاخن أكثر حلاوة من طعم الشّوكو البارد، وأنّ البوظة الحارّة أحلى من البوظة الباردة، والجعة (البيرة) الحارّة أشدّ مرارة من الجعة الباردة. يبرد المشروب الّذي يُقدّم في إناء موصل جيّد للحرارة خلال وقت قصير، ولذلك طعمه يكون مختلفًا من طعم المشروب نفسه الّذي يُقدّم في إناء مختلف.

وما هو التّأثير النّفسيّ؟ تبيّن من خلال دراسة نُشرت سنة 2014 أنّ طعم القهوة الّتي قُدّمت في كأس بيضاء يختلف عن طعم القهوة ذاتها الّتي قُدّمت في كأس زرقاء أو شفّافة عديمة اللّون. صبّ الباحثون قهوة لاتيه في عدّة كؤوس وقدّموها لمجموعة متذوّقين، وطلبوا منهم تدريج نكهتها، حلاوتها، مرارتها، قوّتها وميزات أخرى. تبيّن أنّ لون الكأس يؤثّر على إدراكنا حلاوة القهوة وقوّتها. شعر المتذوّقون الّذين شربوا القهوة من الكؤوس البيضاء أنّ طعمها أقوى من الّذين شربوها من كؤوس أخرى. بالمقابل، قال الّذين شربوا القهوة من الكأس الشّفّافة إنّ طعمها أحلى من القهوة الّتي شربها الآخرون من كؤوس بيضاء أو زرقاء. 

تدعم هذه النّتائج نتائج دراسة أخرى أُجريت سنة 2011، وهي دراسة بيّنت أنّ أشخاصًا اعتقدوا أنّ طعم موس الفراولة المقدّم في صحون بيضاء أقوى من طعم الموس المقدّم في صحون سوداء. يفترض الباحثون أنّ التّضادّ الحادّ بين الموس والصّحن الأبيض، أو بين القهوة البنّيّة والكأس البيضاء، يؤثّر على تصوّرنا بخصوص طعم الطّعام أو الشّراب. من المحتمل أن تبدو القهوة لنا أغمق لونًا إذا قُدّمت في كأس بيضاء، وهكذا تكون أقوى طعمًا في تصوّرنا.   

يتبيّن أنّ المقولة "نأكل بأعيننا" ليست بعيدة عن الواقع. وهاكم نصيحتنا لكم: إن أردتم أن تبدو القهوة الّتي تقدّمونها لضيوفكم أقوى، فقدّموها لهم بفنجان أبيض، وإن كان ضيوفكم يحبّون القهوة حلوة المذاق، فقدّموها بكأس شفّافة.

 
 
الترجمة للعربيّة: أ. خالد مصالحة
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات