بفضل بعض الظّواهر الفلكيّة، عند النّظر إلى القمر في أيّ وقت ومن أيّ مكان يكون شكله وحجمه متماثليْن
يصعب على البشر استيعاب المسافات الشّاسعة الّتي تُبعِد الأجرام السّماويّة عنه، لكنّه من المعروف بأنّ القمر هو الجسم الفلكيّ الأقرب إلينا. تبلغ المسافة بين الأرض والقمر حوالي 360 ألف كيلومترًا إلى 400 ألف كيلومترًا، وهي مسافة تساوي حوالي 60 ضعفًا نصف قطر كوكبنا.
عمليّات رصد القمر مستمرّة منذ آلاف السّنين، أحد الأسئلة الّتي أثارت اهتمام البشر بشكل خاصّ تتعلّق بسطح القمر، وفي ما إذا كان متشابهًا عند النّظر إليه من أماكن مختلفة على الأرض. والإجابة البسيطة هي نعم - هناك عدّة أسباب عندما تجتمع تؤدّي إلى تكوّن هذه الظّاهرة.
لكي نستطيع فهم الفرق بين نقاط المشاهدة المختلفة عند مراقبة القمر، يجب التّخيّل أنّ أمامنا مثلث: قاعدته قطر الأرض وزاوية رأسه موجودة في القمر. هذه الزّاوية ضيّقة جدًّا - حوالي درجتين فقط. هذا يُشبه تمامًا بعض الأغراض الموضوعة في غرفةٍ ما، أبعدها موجود على بُعد 3 أمتار من الشّخص الّذي ينظر إليها تارةً بالعين اليُمنى وتارةً بالعين اليُسرى. عندما يتمعّن المُشاهد بالأغراض القريبة، ستعكس زاوية أُخرى مع تفاصيل مختلفة في كلّ مرّة يغلق فيها عينًا ويفتح الآُخرى. بالمقابل، أَغراض موضوعة في نهاية الغرفة ستبدو له متشابهة في الحالتين.
لهذا السّبب قد يبدو بأنّ القمر يلاحقنا أثناء المشي أو السّفر. حتّى لو تحرّكنا لمسافة آلاف الكيلومترات من مكاننا، فإنّ الزّاوية النّاشئة بين القمر نسبةً إلينا لا تتغيّر بأكثر من درجة أو درجتين. بغضّ النّظر إذا كنّا نسير أو نسافر في الطّيارة، سيبدو لنا القمر ثابتًا في مكانه.
الحقيقة أنّه في حال النّظر إلى القمر نرى أنّه يتحرّك حقًّا في السّماء، لكن هذا يحصل بدون علاقة لحركتنا على سطح الأرض. الكرة الأرضيّة هي من تدور حول محورها، وهذه الحركة هي الّتي تجعل القمر يبدو وكأنّه يتحرّك في السّماء. لذلك فإنّ القمر، كلشّمس وباقي الكواكب، يبزغ يوميًّا من الشّرق ويغيب من الغرب. القمر أيضًا يدور حول الكرة الأرضيّة، لكنّه يكمل دورةً واحدةً كلّ 29 يومًا (نسبةً لموقع الشّمس في السّماء) ولهذا السّبب نشهد يوميًّا تأخير 40-50 دقيقة في الشّروق والغروب مقارنةً مع اللّيلة السّابقة لها.
الجانب شبه المظلم من القمر
لا يدور القمر حول الأرض فقط، إنّما يدور حول محوره أيضًا. هذه الحقيقة تجعلنا نتوقّع بأنّ لدينا القدرة على رؤية جوانب مختلفة من القمر في كلّ مرّة ننظر إليه، لكنّه في الحقيقة يدور حول نفسه بذات السّرعة الّتي يدور فيها حول الأرض بالضّبط. نتيجةً لذلك؛ القمر يُظهِر لنا ذات الجانب تمامًا، لذلك يبدو سطحه متشابهًا دائمًا في كلّ مرّة ننظر إليه.
يتغيّر مظهر القمر خلال الشّهر حسب الطّريقة الّتي تضيئه الشمس بها: عندما تنعكس أشعّتها من الجانب، نرى نصف قمر، وعندما تعكس أشعّتها من الأمام، وهي النّقطة في المدار الّتي تقف فيها الشّمس والقمر على جانبي الأرض، يظهر القمر كاملًا (بدرًا). عندما يكون القمر والشّمس على نفس الجانب من الأرض، فالشّمس تُنير القمر من الخلف، في هذه الحالة لا يكون القمر مرئيًّا (محاقًا) على الإطلاق.
إذن كيف يبدو الجانب المظلم من القمر؟ أصبح من الواضح في أيّامنا أنّ القمر لا يملك جانبًا مظلمًا، إلّا فقط جانبًا لا يمكن رؤيته إطلاقًا من الأرض. ينعكس على هذا الجانب كمّيّة الضّوء المنعكسة ذاتها الّتي تنعكس على الجانب الظّاهر لأعيننا. عندما نرى قمرًا كاملًا (بدرًا) فإنّ جانب القمر البعيد يكون مظلمًا، وعندما نشاهد قمرًا جديدًا (مظلمًا) فإنّ جانبه البعيد هو الجانب المُضاء.
من حين إلى آخر يمكن رؤية القمر على شكل هلال رقيق، ومع ذلك يمكن تمييز ملامح القمر بأكمله؛ حيث يمكن رؤيته بشكل أكثر وضوحًا من السّماء المحيطة به. يحصل هذا نتيجةَ انعكاس الضّوء من الأرض على القمر: بينما يسود اللّيل على جانب القمر المقابل للأرض، والشّمس تغرب خلف الأفق، تتواجد الأرض المضيئة في منتصف السّماء وتنير سطح قمرها.
الجانب القريب من القمر، حيث تظهر الأجران والمناظر الطبيعية المألوفة لنا جيّدًا، مضاء دائمًا بواسطة الأرض والّذي يعكس الضوء ثانيةً إليه، أو بواسطة الشّمس أو بواسطة كليهما. لا يمكن لضوء الأرض أن يصل إلى جانب القمر البعيد إطلاقًا، ولمدّة نصف الشّهر تكون في ظلام دامس.
مجرد وهم: بمقربة الأفق، يظهر القمر بشكل أكبر، لأنّه يمكّننا من مقارنته بأجسام مختلفة | تصوير: Shutterstock
وهم الحجم والوضوح
كباقي الأجرام في المنظومة الشّمسيّة يسير القمر في مدار إهليلجي؛ لذلك يقترب من الأرض ويعاود الابتعاد عنها. مرة واحدة من كلّ شهر يصل إلى ذروة اقترابه وهي موجودة على بعد 362 ألف كيلومتر، ومرّة واحدة من كلّ شهر يصل لذروة ابتعاده - على بعد 405 ألف كيلومتر منّا.
يكون القمر أحيانًا في نقطة قريبة من الأرض (نقطة الحضيض) وفي ذات الوقت عاموديًّا للشمس (بدرًا)، وعندها تنشأ ظاهرة "القمر العملاق"، أو بالإنجليزية Supermoon. يبدو القمر أكبر قليلًا من المعتاد، ممّا يصعب ملاحظته بالعين المجرّدة، لأنّه أكبر بحوالي سبعة بالمائة نسبيًّا من المعدّل (14 بالمائة نسبيًا من النّقطة الّتي يكون فيها القمر أصغر ما يكون).
يُحدّد الحجم الظّاهر للقمر بناءً على إدراكنا البصريّ، وذلك في الأساس بفضل الطّريقة الّتي يفسّر بها دماغنا ما نراه. يبدو لنا القمر الموجود بمقربة الأفق كبيرًا جدًّا، وذلك لأنّ الدّماغ قادر على مقارنته مع أجسام أخرى موجودة في الأفق، مثل: الجبال، الأشجار والسّحب المنخفضة. اعتاد دماغنا على التّعامل مع الأجسام الموجودة في خطّ الأفق على أنّها أجسام بعيدة جدًّا، بينما مع الموجود فوقنا على أنّه قريب جدًّا، على سبيل المثال: طائرة تبدو كنقطة صغيرة في الأفق لكنّها تكبر أكثر وأكثر حتّى تمر فوق رؤوسنا.
لا يغيّر القمر من حجمه أثناء اللّيل، لكنّه عندما يكون بمقربة خطّ الأفق يبدو كبيرًا وجميلًا للغاية. يمكن ملاحظة ذلك عند تصوير القمر لحظة بزوغه، أو قليلًا قبل غروبه، ثم نقارن حجمه بالصّور المُلتقَطة عندما يكون في السّماء عاليًا. قد تظهر الصّور في غاية الإثارة في حال قمنا بالتقاط صورة للقمر على خلفيّة منظر طبيعيّ أو أيّ مبنى آخر، لكن في جميع الحالات يبقى حجمه متشابهًا لا يتغيّر.