وجد الباحثون أنّ قلّة النّوم تؤدّي إلى زيادة في نشاط مناطق الدّماغ الّتي تزيد من الحساسيّة الشّعوريّة وتُخَفِّض عتبة الألم.

العديد ممن يُعانون من أمراض  الآلام المزمنة يعانون، أيضًا، من صعوبات في النّوم. هذا يبدو منطقيًّا- عندما نشعر بألم، يصعب  علينا الاسترخاء والاستغراق  في النّوم.  حتّى لو تمكنّا من النّوم، يُمكن نستيقظ بسبب  هجمة  آلام أخرى. في الواقع، تبيِّن الأبحاث وجود  علاقة ذات دلالة إحصائيّة واضحة بين الألم وسوء نوعيَّة النَّوم. .

العلاقة بين الألم واضطرابات النّوم قائمة،أيضًا، في الاتّجاه المعاكس: الأبحاث الّتي أُجريت في السّنوات الأخيرة بيَّنت أنّ قلّة النّوم في اللّيل، أو النّوم المتقطّع، يؤدِّيَان  إلى زيادة الإحساس بالألم في اليوم التّالي. هذا الاكتشاف هو من بين شتّى التّأثيرات السّلبيّة الّتي تنسب إلى قلّة النّوم. من هنا يمكن أن نفهم أنّ الأشخاص الّذين يعانون من الألم المزمن موجودون في حلقة التّغذية المرتدّة الإيجابيّة، أو تأثير "كرة الثلج" - الألم يخفض جودة النّوم، واضطرابات النّوم بدورها تساهم في زيادة مستوى الألم وهكذا دواليك.

حاولت دراسة نشرت في يناير 2019 الكشف عن الآليّة الّتي تؤدّي إلى الحساسيّة المفرطة للألم بسبب قلّة النّوم. لهذا الغرض، استُدعي المشتركون في البحث إلى مختبر النّوم مرّتين؛ في المرّة الأولى أُتيح لهم النّوم وفي المرّة الثّانية اضطروا للبقاء يقظين طوال اللّيل. في الصّباح التّالي، تمّ فحص مدى حساسيّتهم للألم عند لمس مسطّح ساخن وقياس عتبة الألم لديهم. في هذا الفحص، يلمس المشتركون المسطّح عدّة مرّات، وفي كلّ مرّة  تكون درجة حرارة المسطّح مختلفة، ويبلّغون في حال اختبروا الحرارة كشعورٍ بالألم أم كإحساس بالسخونة فقط. كما هو الحال في الأبحاث السّابقة، انخفضت عتبة ألم المشتركين بمعدّل %15 ​​بعد ليلة بدون نوم؛ أي أنّ درجات حرارة أقلّ كافية لجعل إحساسهم ألمًا.

بالإضافة إلى ذلك، قام الباحثون بمسح أدمغة الأشخاص بواسطة التّصوير الوظيفيّ بالرّنين المغناطيسيّ (fMRI)- وهي طريقة تتيح لهم أن يتتبّعوا نشاط الدّماغ في مناطق مختلفة منه في أدمغة المشتركين، فتجربة الألم لا تتمّ في العضو المصاب، وإنّما في الدّماغ، حيث تشترك العديد من المناطق فيه في تفسير الإشارات القادمة من الأعصاب الحسّيّة وتحديد مستوى الألم ومستوى الاهتمام به.

من خلال مسح الأدمغة، وجد أنّه لدى الأشخاص الّذين لم ينالوا قسطًا من النّوم كانت هناك زيادة في نشاط مراكز الألم في المنطقة الحسّيّة في قشرة الدّماغ، وهذا توافق مع حساسيّتهم للألم. في الوقت نفسه، تم قياس مستويات النشاط في مناطق أعمق في الدماغ - الثلاموس، الإنسولا (Insula) ونواة أكومبنس (Accumbens). هذه المناطق مسؤولة، من بين أمور أخرى، عن تنظيم الآلام, الانتباه واتّخاذ القرارات. يعتقد الباحثون أنّ الانخفاض في مستوى نشاط هذه المناطق بسبب قلّة النّوم يدلّ على اضطراب وتشويش في عملِ الآليّات الطّبيعيّة لتخفيف الألم في الجهاز العصبيّ؛ أي أنّ مراكز المخ التي يمكن أن تعطّل أو تنظّم الإحساس بالألم لا تعمل بشكل صحيح، ولذلك يزداد الإحساس بالألم وتنخفض عتبة الألم.

 تحسين العلاج

يعتقد الباحثون أنّ هذه الآليّة ليست حصرية للظروف المتطرّفة لعدم النّوم فحسب، وإنّما تلائم أيضًا للتّغييرات الطفيفة في جودة النّوم الّتي قد تحدث بين ليلة وأخرى. استخدم الباحثون استبيانات عبر الإنترنت لتقييم جودة النّوم ومستويات ألم المفحوصين لمدّة يومين وليلتين متتاليتين. وجد الباحثون علاقة بين جودة نوم المفحوصين في اللّيل وعتبة الألم في اليوم التّالي: بالمعدّل​​، بلّغ المستجيبون عن ألم أكثر بعد ليلة لم يناموا فيها جيّدًا. المقياس الهامّ في هذا الصّدد هو جودة النّوم، وليس مجموع مدّة النّوم.

بكلمات أخرى، يمكننا القول أنّ النّوم بجودة جيّدة يمكن أن يساهم في تخفيف الألم. يقول الباحثون أنّ علاج اضطرابات النّوم وضمان جودة نوم جيّدة للمعالَجين الّذين يعانون من الألم، يجب أن يكون جزءًا من العلاج المعتاد عليه للآلام. من الممكن أن يساهم التّحسين في النّوم اللّيلي في المستشفيات، الّذي قد يتقطّع تكرارًا على مدار ساعات اليوم، في تعافي المرضى، تقصير مدّة البقاء في المستشفى  أو تقليل تعلّقهم  بمسكّنات الآلام.

 

 

 

الترجمة للعربيّة: د.ريتا جبران
التدقيق العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات