לא מפורסם

الطاقة الحراريّة الجوفيّة هي الطاقة الناتجة عن حرارة تربة الأرض. على ما يبدو، فإنّ طريقة إنتاج طاقة كهذه تبدو غريبة، فإذا لمسنا الأرض لن نشعر بأنّها ساخنة بشكل خاصّ، حتّى عندما تكون الشمس ساطعة، وإذا قمنا بحفر حفرة في الأرض، فسنشعر بانخفاض درجة الحرارة بحيث يكون داخل الحفرة باردًا. بالإضافة إلى ذلك، تكون الأرض متجمّدة بالفعل في معظم أيّام السنة في البلدان البعيدة عن خطّ الاستواء، فكيف يمكن إنتاج هذه الطاقة؟

بالأساس، يمكن إنتاجها بطريقتين؛ الأولى، عند حفر مناطق معيّنة على الأرض، خاصّة في المناطق الّتي حدثت فيها ثورات بركانيّة حديثة (تُعتبر الألف سنة الأخيرة "حديثة" جيولوجيًّا) يمكن الوصول إلى طبقة صخور شديدة الحرارة، حتّى طبقة من الصهارة أو ما يُعرف بالـ"ماچما" (كلمة يونانيّة وتعني مزيج منصهر وسميك، وتشير إلى الصخور المنصهرة). تمّ التقاط سلسلة الصور التالية في جزيرة لانزاروت والّتي تقع على بعد حوالي 200 كيلومتر غرب ساحل إفريقيا، حيث ثار بركان مؤخّرًا في سنة 1730:


عرض توضيحيّ لإنشاء نبع ماء حارّ في جزيرة لانزاروت.

كما ترون، عندما نقوم بصبّ القليل من الماء داخل حفرة بالقرب من البركان في جزيرة لانزاروت، فإنّه  يغلي على الفور (في غضون ثانية واحدة) ويخرج بصورة تدفّق بخاريّ، على غرار الينابيع الساخنة الموجودة بشكل طبيعيّ في مناطق معيّنة من العالم. يمكن استخدام هذا التيّار البخاريّ (أو الحرارة في الأرض بشكل عامّ) لتشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء. وهذا هو المبدأ الكامن وراء استخدام الطاقة الحراريّة الجوفيّة.

أمّا الطريقة الثانية، والّتي لا تزال قيد التطوير الهندسيّ، لا تتطلّب مواقع بركانيّة أو مواقع قريبة من منطقة الصخور المنصهرة من أجل استخدام الطاقة الحراريّة الجوفيّة، ولكنّها ممكنة في أيّ مكان على الأرض تقريبًا. تعتمد الطريقة على "التدرّج الحراريّ الأرضيّ" (geothermal gradient) والقصد هو وتيرة ارتفاع درجة الحرارة كلّما تعمّقنا بالحَفر في الأرض. يتّضح أنّه من المستحيل تتبّع هذه التغييرات في الحَفر في الحديقة أو على شاطئ البحر، لكن يتبيّن أنّ درجة حرارة التربة ترتفع بالمعدّل بمقدار 25-30 درجة مئويّة كلّ كيلومتر. (هذه، بالطبع، قيمة متوسّطة، معتمدة على الحفريّات الّتي تمّ إجراؤها على مستوى سطح البحر؛ لذلك، إذا حفرنا في منطقة ذات قشرة صخريّة صلبة عالية، مثل الجبال، فسنحصل على قيم أقلّ بكثير). ما يعني أنّه إذا حفرنا حفرة على عمق حوالي 3 كيلومترات– وهو، ما يُعتبَر اليوم، الحدّ الأقصى لقدرة الحفر البشريّة تقريبًا-  سنحصل على مصدر حرارة لا ينضب تقريبًا بحيث يبلغ حوالي 90 درجة مئويّة. رغم أنّ هذه الحرارة  غير كافية لتحويل الماء إلى بخار، فمن الممكن استخدام السوائل ذات درجة الغليان المنخفضة (مثل الكحول، الّذي يغلي عند 78 درجة مئويّة فقط) والّتي عند صبّها في الحفرة تغلي ثمّ تتحوّل إلى انفجار غاز يشغّل التوربينات الكهربائيّة.

السؤال المطروح- ما هو مصدر هذه الطاقة الحراريّة الجوفيّة، ومن أين تأتي الحرارة في باطن الأرض، وهل هي مرتبطة بالطاقة النوويّة؟

السبب الرئيس لحرارة الأرض لا يتعلّق بالتفاعلات النوويّة الّتي تحدث في باطن الأرض في الوقت الحاضر. الجزء الرئيس من الحرارة هو ببساطة بقايا حرارة الأرض من وقت تكوينها، عندما كانت الأرض بأكملها ساخنة بآلاف درجات الحرارة. رغم مرور 4.6 مليار سنة بالفعل منذ تكوين الأرض، إلّا أنّ درجة الحرارة لا تزال مرتفعة، خاصّة في مركزها. الطبقة الصلبة من الصخور الّتي نعيش عليها ما هي إلّا  قشرة رقيقة جدًّا، نسبة إلى حجم الأرض. (يتراوح سمك الطبقة الصخريّة الصلبة على اليابسة بين 50 و 70 كم وفي المحيطات فقط 5-15 كم! وتحتها يوجد بالفعل طبقة من الصخور المنصهرة والساخنة).


البنية الداخليّة للأرض. الصورة من ويكيبيديا

تشكّلت الأرض ككتلة صخريّة ساخنة، وتعتبر عمليّة تبريدها بطيئة للغاية، فقد مرّ حوالي مليارا سنة حتّى تشكّلت القشرة الأرضيّة. ترجع وتيرة التبريد المنخفضة إلى سبَبين: 1. تخزن الكتلة الهائلة للأرض الساخنة كميّة هائلة من السعرات الحراريّة (كميّة الطاقة الحراريّة المتناسبة مع الكتلة)، والّتي تتطلّب وقتًا طويلًا حتّى تبرد. مثلما تبرد ملعقة من الشاي المغلي في بضع ثوانٍ، يبرد كوب من الشاي في غضون ساعة تقريبًا، وبالتالي فإنّ الأرض الضخمة الّتي بدأت على شكل كرة من الصخور المنصهرة تتطلّب عدّة مليارات من السنين حتّى تبرد. 2. الأرض موجودة داخل الفضاء الخارجيّ، والفضاء ليس موصلًا جيّدًا للحرارة (في الواقع هو العازل المثاليّ)، كما أنّه لا توجد للأرض أيّة وسيلة لإمداد حرارتها إلى مكان آخر حتّى تبرد. يتمّ التبريد فقط من خلال الإشعاع الحراريّ، ولكن من اللحظة الّتي تشكّلت فيها الطبقة الصخريّة الصلبة، فإنّها تقلّل أيضًا من انبعاث الحرارة من خلال الإشعاع، بحيث تبقى الحرارة "محبوسة" في مركز الأرض، وتكون وتيرة انخفاض درجة الحرارة أبطأ بكثير. ما يسمح لنا، بني البشر، باستخدام هذه الطاقة كمصدر هائل وغير ملوّث للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك بالفعل تفاعلات تحلّل نوويّ- (ليس اندماجًا كما هو الحال في الشمس والقنبلة الهيدروجينيّة، وليس تفاعلًا متسلسلًا من الانشطار كما هو الحال في القنبلة الذريّة أو المفاعل النوويّ، ولكن ببساطة تحلّل الموادّ النوويّة إلى موادّ أكثر استقرارًا)، والّتي توفّر قيمة 860 إكساجول (إكسا جول = 1018 جول) سنويًّا.  تُعتبرهذه القيمة عالية جدًّ، تقريبًا ضعف استهلاك الطاقة العالميّ في سنة 2003، بحيث يمكن تعريف الطاقة على أنّها "متجدّدة"؛ لأنّ الحرارة من هذه الطاقة يمكن أن تعوّض التبريد الّذي سيحدث للأرض عند استخدام الطاقة الحراريّة الجوفيّة.

كملاحظة جانبيّة، يمكن القول أنّ المصدر الأساسيّ لحرارة الأرض يرتبط أيضًا بالطاقة النوويّة- عندما تشكّلت من سديم غاز مضغوط، من المحتمل أن تكون التفاعلات النوويّة قد حدثت والّتي أنتجَت العناصر الّتي نعرفها عن الأرض وحرارتها الشديدة أيضًا.

0 تعليقات