ما عدد الثقوب في الكأس؟ وما عددها في قشة الشراب؟ الجواب يختلف حسب المجال الرياضي الذي ننطلق منه: الهندسة والطوبولوجيا

التمعّن في قشّة الشرب، وفي كأس الماء أو العصير، من شأنها أن تثير أسئلةً محيّرة. فالقشّة التي نمتصّ بها الشراب قد تثير جدلًا حول السؤال: ما هو الثقب؟ تأتي الرياضيّات لمساعدتنا في حلّ المسألة. لنتخيّل قشّةً في كوب ماء، ولنسأل: ما عددُ الثقوب في الكوب؟ وما عدُدها في القشّة؟

כוס וקשית | Charlie Waradee, Shutterstock
ما عدد الثقوب الموجودة في الكوب؟ وما عددها في القشّة؟ الأمر ليس بسيطًا. كوب وقشّة | Cagkan Sayin, Shutterstock

يبدو أنّ الإجابة يجب أن تكون بسيطة لأول وهلةٍ، ومع ذلك فإنّ الآراء منقسمة حولها؛ إذ يدّعي البعض أنّ في القشّة ثقبًا واحدًا، ويدّعي البعض الآخر أنّ فيها ثقبَين، واحدًا في كلّ طرف، وهناك من يعتقد أنّه لا ثقوب فيها على الإطلاق.

وفقًا للنهج الأخير، فإنّ القشّة ببساطة عبارة عن صفيحة مسطّحة مستطيلة قمنا بلفّها حتّى التَقَت أطرافها وشكّلت أسطوانة. ليس ثمّ ثقب في الصفيحة المستطيلة الأولى، وبالتالي لم تتشكّل من العدم بعد أن دحرجنا الصفيحة وأصبحت أسطوانة. لكنّ الادّعاء ليس دقيقًا؛ لأنّ ربط الحوافّ المنفصلة عمليّة هامّة تغيّر شكل الجسم الهندسيّ بصورةٍ ملموسة.

גליל נוצר מתוך גלגול של יריעה מלבנית | Lemonsoup14, Shutterstock
أسطوانة تشكّلت من لفّ صفيحة مستطيلة | Lemonsoup14, Shutterstock

يؤكّد النهجان المتبقّيان ما يلي: أولئك الّذين يدافعون عن تفسير الثقبَين يدّعون أنّ القشّة بها ثقب واحد في كلّ جانب. ويدّعي الآخرون أنّ لقشّة الشرب ثقبًا واحدًا، يبدأ من طرف القشّة وينتهي في طرفها الآخر.

عندما كان هناك ثقب في القرش

ما هو الثقب بالضبط؟ الثقبُ "فتحة فارغة". وماذا عن الكوب؟ هل فتحة الكوب عبارة عن ثقب؟ هل هو الثقب ذاته الموجود في القشّة وفي أيّة أسطوانة أخرى؟ يبدو أنّ التعريف اللغويّ لا يتطابق مع التعريف الرياضيّ.

ينتمي المرجع الرياضيّ للثقوب إلى فرع الطوبولوجيا، وهو مجالٌ معرفيٌّ بدأ في التطوّر في القرن الثامن عشر الميلاديّ بسبب المسائل الّتي تجنّبت الهندسةُ التعاملَ معها. وجهة النظر في المجالين المعرفيين مختلفة أيضًا. على سبيل المثال، تتعامل الهندسةُ مع أجسام مثل الكرة والمكعّب باعتبارها أجسامًا مختلفة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنّ لها عددًا مختلفًا من الوجوه، لكنّ الطوبولوجيا تعاملها ككائنات متكافئة.

תלוי אם שואלים את הגיאומטריה או את הטופולוגיה | Grafithink, Shutterstock
كرة ومكعّب. ما الفرق بينهما؟ يعتمد ذلك على سؤالنا للهندسة أو للطوبولوجيا | Grafithink, Shutterstock

 

يكون الجسمان متكافئين (أي لهما تشاكل طوبولوجيّ) مع بعضهما، إذا كان من الممكن تشويه أحدهما، أي تمديد أو تقليص أجزاء منه، بحيث يأخذ شكل الآخر دون فصلٍ أو توصيل الأجزاء الّتي لم تكن متّصلة أصلًا. على سبيل المثال، نستطيع نفخ المكعّب بحيث يصبح كرة، والعكس صحيح، لكن يستحيل تحويل الكرة إلى طوق دون تمزيق الكرة في المركز أو مدّها إلى أسطوانة وربط طرفيها بحيث يتكوّن الطوق.

כדור וחישוק אינם שקולים זה לזה בראייה טופולוגית | SkillUp, Shutterstock
لا يتكافأ كلّ من الكرة والطوق مع بعضهما في منظور طوبولوجيّ | SkillUp, Shutterstock

 

الشكلان اللذان يتكافأ كلّ منهما مع الآخر سيكون لهما نفس عدد الثقوب. ليس ثمّ ثقوب في الكرة. بمساعدة الضغط النقطيّ، يمكننا إنشاء تجويف في كرة من البلاستيسين (المعجون)، دون تمزيقها. الكرة مع التجويف تشبه الكوب؛ لأنّ التجويف يمكن أن يحوي سائلًا. إذا قمنا بتوسيع التجويف دون تمزيق المعجون وبدون ربط النقاط الّتي لم تكن متّصلة بالكرة الأصليّة، فسيظلّ كوبًا. يمكننا أيضًا تسطيح الكوب في قرص ليس فيه ثقب. من هنا ينبع أنّ الفتحة في الجزء العلويّ من الكوب ليست ثقبًا من وجهة نظر طوبولوجيّة.

מבחינת טופולוגית, כדור שקול לכוס ולמטבע | SkillUp, Shutterstock
من الناحية الطوبولوجيّة، كرة مكافئة لكوب وعملة معدنيّة | SkillUp, Shutterstock

 

بصورة مماثلة، بالإمكان ضغط أسطوانة، مثل الأنبوب، من الطرف إلى الطرف الآخر، حتّى تأخذ شكل الحلقة. في الحلقة ثقب واحد تحيط به الحلقة، لذلك تحوي قشّةُ الشرب أيضًا ثقبًا واحدًا فقط. تستطيعون اللعب في النموذج الّذي يساعد في حلّ سؤال صعب بنفس القدر: ما عددُ الثقوب الموجودة في البنطال؟

وفقًا للتعريف الطوبولوجيّ، فإنّ الثقب عبارة عن هيكل يمنع الشكل من الانكماش إلى نقطة. يمكننا تقليص الكرة حتّى تصبح نقطة، على عكس الحلقة- بقدر ما تتقلّص، سيظلّ بها ثقب، لذلك لا يمكن أن تتقلّص إلى نقطة.

אפשר למעוך גליל עד שיקבל צורה של טבעת | ruwais creative, Kate Kalmykova, Shutterstock
بالإمكان ضغط أسطوانة حتّى تأخذ شكل الحلقة | ruwais creative, Kate Kalmykova, Shutterstock
 

اقترح عالم الرياضيّات الألمانيّ برنارد ريمان (Riemann) في القرن التاسع عشر الميلاديّ طريقةً بديهيّة لحساب الثقوب في الشكل. عددُ الثقوب يساوي عدد القطع الّتي يمكن إنتاجها فيه دون تقسيمه إلى قسمَين. كلّ قطعة من الكرة تفصلها إلى جزأين. لذلك، فإنّ عدد القطع الّتي يمكن إنتاجها قبل فصل الكرة إلى جزأين هو 0، كعدد الثقوب الموجودة فيها. نستطيع قصّ قشّة الشرب، وهي عبارة عن أسطوانة، بالطول، بحيث تنفتح على شكل مستطيل دون أن تنقسم إلى نصفين. فقط تقطيع آخر سيقسمها إلى قسمَين. وبالتالي، وفقًا لطريقة ريمان، فإنّ في القشّة ثقبًا واحدًا.

רק חיתוך נוסף יפריד את הצורה לשתיים | ruwais creative, Shutterstock
لن يؤدّي القطع على طول الأسطوانة إلى تقسيمها إلى قسمَين. قطعٌ آخر فقط سيقسم الشكل إلى اثنين | ruwais creative, Shutterstock
 

كلّ ذلك بسبب ثقب صغير

وجد علماءُ الرياضيّات أن تغيير عدد الثقوب في الشكل يغيّر خصائصه الأساسيّة. في سنة 1758م، صاغ عالم الرياضيّات السويسريّ ليونارد أويلر (Euler) قاعدةً، سُمِّيت فيما بعد بخاصيّة أويلر، وُصِفت بمساعدة الصيغة V-E + F = 2. في الصيغة، V عددُ رؤوس الشّكل، E عددُ الأضلاع وF عددُ الوجوه. يمتدّ خطٌّ بين كلّ نقطتين على متعدّد الوجوه، وهو الجسم ذو الوجوه. إذا كان الخطّ دائمًا داخل متعدّد الوجوه، فهو متعدّد وجوه محدّب. المكعّب هو متعدّد وجوه محدّب، وكذلك الحال بالنسبة لكلّ مجسّم أفلاطونيّ، وهو عبارة عن جسم مكوّن من وجوه متطابقة، كلّ منها عبارة عن مضلّعٍ متساوي الأضلاع. مع ذلك، فإنّ متعدّد الوجوه النجميّ ليس محدّبًا، لأنّه على الرغم من كونه مجسّمًا أفلاطونيًّا، إلّا أنّ بعض الخطوط الّتي تجتازه ليست في داخله، بل موجودة خارجه. وجد أويلر أنّه في أيّ متعدّد وجوهٍ محدّب، يكونُ مجموع الرؤوس، مطروحٌ منه مجموع الأضلاع، مُضافٌ إليه مجموع الوجوه يُساوي 2 دائمًا. على سبيل المثال، في المكعّب 8 رؤوس، 12 ضلعًا و 6 أوجه. لهذا: 2 =6+12-8.

משמאל לימין: הארבעון, הקובייה, התמניון, התריסרון, העשרימון והפאון המכוכב הם פאונים משוכללים. בשונה מכל האחרים, הפאון המכוכב אינו קמור | Lostefx, Shutterstock
من اليسار إلى اليمين: الهرم الثلاثيّ (رباعيّ الأوجه)، المكعّب، الهرم الرباعيّ (ثُماني الأوجه)، متعدّد السطوح ذو الاثنَي عشر وجهًا، المُجسَّم ذو العشرين وجهًا، ومتعدّد الوجوه النجميّ هي مُجسمَّات أفلاطونيّة. على عكس جميع الأشكال الأخرى، فإنّ متعدّد الوجوه النجميّ ليس محدّبًا | Lostefx, Shutterstock

 

تمّ تطوير الصيغة لاحقًا، وعُثِر على خصائص أويلر مختلفة للأشكال الّتي لا تُعدّ متعدّدة وجوه مُحدّبة.

من الممكن تغيير خاصيّة أويلر للشكل. على سبيل المثال، إضافة ثقوب إلى الشكل. سوف نأخذ مكعّبًا، حيث قد علمنا أنّ خاصيّة أويلر له تساوي 2، ونثقبه بواسطة إزالة وجهين متوازيين. هذا الشكل يشبه القشّة. له 8 رؤوس، 12 ضلعًا و 4 وجوه؛ لذا فإنّ خاصيّة أويلر له هي 0 = 4+12-8. لقد أدّت إضافةُ الثقب إلى تغيير خاصيّة أويلر من 2 إلى 0.

קובייה שהוספנו לה חור על ידי הורדת שתי פאות מקבילות | Gagnar, Shutterstock
مكعّب ثقَبْناه بواسطة إزالة وجهَين متوازيَين | Gagnar, Shutterstock
 

الآن بعد أن أدركنا مدى تعقيد الطوبولوجيا وأهميّة الثقوب، يمكننا أن نجلس ونُنعش أنفسنا بمشروب العصير، من الكوب الخالي من الثقوب الموجود بين أيدينا، بمساعدة قشّة فيها ثقبٌ واحد.

 

استجابة واحدة

  • 🦂

    Good not bad... OOOO LA. lA