في أعقاب الهزة الأرضية القوية: ما الذي يؤدي إلى حدوث مثل هذه الهزات الأرضية؟ ما الذي يجعل مناطق عينيّةً أكثر عرضة من غيرها للهزات الأرضية الشديدة؟ هل يمكن تنبّؤ حدوث مثل هذه الهزات الأرضية مسبقًا؟
ضرب زلزال قوي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر منطقة مدينة غازي عنتاب شرقي تركيا، قبل ليلتين (بين الأحد والاثنين). تفيد الأنباء الأولية أنّ مئات الأشخاص لقوا حتفهم وأصيب الآلاف نتيجة للزلزال، وقد تزداد الأعداد في الأيام القريبة بعد أن تتضح أبعاد الكارثة. لقد شعر الناس في البلاد بهذا الزلزال، خاصةً في بعض المناطق في الشمال والمركز.
تحدث الهزات الأرضية نتيجة الاحتكاك الذي يحصل بين الصفائح التكتونية - الصفائح التي تتكون منها قشرة الكرة الأرضية التي نعيش عليها - أو اصطدامها ببعض. تطفو الصفائح على الصخور المنصهرة التي تُشكل مادة لزجة تسمى الصهارة، و تتحرك بالنسبة لبعضها البعض. هذه الحركة بطيئة جدًّا، بضع سنتيمترات في السنة، إلا أنّ الصفائح تحتك وتتصادم ببعضها البعض أحيانًا. يؤدي الاحتكاك بين الألواح إلى حدوث ضغوط على القشرة، وقد تنطلق هذه الضغوط، عند تراكمها، دفعةً واحدةً. يشبه الأمر، إلى حدٍّ ما، محاولة طيِّ لوحةٍ خشبية مرنة - تنثني اللوحة بعض الشيء، وعند وصول جهد طيّها نقطة حرجة يتحرر بَعدها هذا الجهد دفعةً واحدةً فتنكسر اللوحة. هذا ما يحدث، بصورة تجريديّة، في الهزة الأرضية. ينبعث الجهد على شكل زلزال يُرسل موجات صدمةٍ إلى جميع الاتجاهات. تهزُّ هذه الأمواج الأرض، ذلك ما يؤدي إلى الدمار على سطح الأرض.
بلد واقعٌ بين خطوط الصدع
تقع تركيا بين نقاط التقاء عدد من الصفائح الجيولوجية، الأمر الذي يجعل فيها مناطق كثيرة عرضة للهزات الأرضية. يقع غرب تركيا وبحر إيجه في نقطة التقاء ثلاث صفائح تكتونية، وهي لذلك، معرضة لحدوث هزات أرضية قوية. أما الجزء الشرقي من تركيا فيقع شمال شقِّ البحر الميت، والمسمّى أيضّا بالشقّ السوري - الإفريقي، الذي تقع بلادنا على امتداده، وفيه التقاء الصفيحة العربية من الشرق والصفيحة الإفريقية من الغرب. لكن، في حين تقع بلادنا في المنطقة التي تنزلق فيها الصفائح الواحدة على امتداد الأخرى، تقع نقطة تصادم هاتين الصفيحتين ما بعد شمال البلاد، في منطقة الحدود التركية السورية. منطقتنا هي الأخرى عرضة للهزات الأرضية، إذ تحدث فيها، بالمعدّل، هزة أرضية قوية كل مائة عام، إلا أنّ المنطقة التي حدث فيها الزلزال الليلة الماضية هي أكثر عرضة للهزات الأرضية القوية، وهي، أي الهزات الأرضية، تحدث بتردُّد أكبر.
لا يتعلق السؤال: "أيّ البنايات ستنهار" بعملية البناء فحسب، وإنما يتعلق أيضًا بنوعية التربة والموقع الدقيق الذي تقع عليه البناية. في الصورة: بنايات انهارت في هزة أرضية ضعيفة نسبيًّا كانت قد حدثت في شرقي تركيا سنة 2020 | تصوير: answer5, Shutterstock
حسب المعيار
لم يكن الخطر من جراء الهزات الأرضية كبيرًا كما هو اليوم فيما لو كنا نعيش في الخيام في قديم الزمان. ينبع الخطر من أنّ الإنسان في العصر الحديث يسكن ويعمل داخل بنايات هندسية، غالبًا ما تكون مرتفعة، كثيرة الطوابق، قد تتضرر وتنهار على من فيها عند حدوث هزة أرضية شديدة. تُبنى، بشكلٍ عام، البنايات الحديثة وفقًا لمعايير متشدّدة جدًّا، تدمج بين متانة العمارة وبين شيءٍ من المرونة، تتيح بقاءها قائمةً دون أن تنهار عند حدوث الهزات الأرضية الشديدة. لا يضمن البناء حسب المعايير المناعة في وجه الهزات الأرضيّة، وقد يؤدي زلزال شديد إلى إلحاق ضرر لا رجعيٍّ بالبناية، إلّا أنه - أي البناء وفقًا للمعايير- يُقلل من احتمالية انهيار المبنى.
تواجه المباني القديمة، التي لم تًبنى وفق المعايير الحديثة ولم تتم تقويتها ولا ملاءمتها لِمعايير الصمود في وجه الهزات الأرضية، الخطر الرئيسي من الهزات الأرضية. توجد، على الرغم من ذلك، عوامل كثيرة تؤثر على خطر تضرر مبنًى معين من الهزة الأرضية، وليست جودة البناء هي العامل الوحيد، بحيث أنه لا يمكن الإقرار مسبقًا أيّ البنايات هي التي ستنهار عند حدوث هزة أرضية شديدة. ينجم الخطر الرئيس عند حدوث الهزات الأرضية عن نوع التربة، وعن بُعد المكان عن مركز الهزة. ليست البناية العالية أشد خطورة، بالضرورة، من البناية المنخفضة، مع أنّ الارتجاجات التي تحدث في المباني عند وقوع الهزات الأرضية تكون في البنايات العالية أشدّ منها في البنايات المنخفضة.
توجد في المباني التي أقيمت في البلاد في ثلاثة العقود الأخيرة، منذ حرب الخليج الأولى، منطقة محميّة سكنيّة (م.م.س = ממ"ד). كان الهدف الرئيسي من بِناء المنطقة المحمية هو توفير الوقاية من إصابات الصواريخ، إلّا أنها تُحسّن أيضًا من صمود البناية في وجه الهزات الأرضية.
إنذار قصير المدى
لا يمكننا، في الوقت الحالي، معرفة أين ومتى بالضبط ستحدث هزة أرضية شديدة ودرجة قوتها. حتى في الأماكن التي توجد فيها منظومات إنذار، لا تتنبّأ المنظومة مسبقًا بحدوث الهزة، وإنما تُشخّص الهزة في مرحلة مُبكّرة وذلك بفضل وجود أجهزة قياس الزلازل في المواقع الحساسة، وتُعطي إنذارًا لبضع ثوانٍ قبل حدوث الهزة. ليس ذلك بالوقت الطويل، إلّا أنه قد يكون كافيًا لخروج الناس إلى الحقول المكشوفة، الخالية من المباني، أو الدخول إلى المنطقة المحميّة السكنيّة. لا تُعطي منظومات الإنذار في البلاد، كما في دولٍ كثيرة أخرى، إنذارًا مسبقًا لحدوث الزلزال وإنما تُنذر بالهزة الأرضية الجاري حدوثها.