قياسات، ونماذج وقوّة الحساب- أعمدةٌ يستند عليها الأساس العلميّ لتحسين توقّعات حالات الطقس في السنوات الأخيرة

يندمج التنبّؤ بحالة الطقس بشكل وثيق بحياتنا اليوميّة. فكثيرون منّا ينتظرون حتّى نهاية نشرة الأخبار لمتابعتها أو التحقّق منها عبر شبكة الإنترنت قبل أن نغادر المنزل في الصباح، لمعرفة ما سنرتديه، وما إذا كنا سنأخذ المظلّة. وبالرغم من أنّ التوقّعات ليست دقيقة دائمًا، ومن المؤكّد أنّنا جميعًا سوف نصادف أمطارًا غير متوقّعة، لكن مع ذلك، فإنّ هذه التوقّعات الاعتياديّة تُعتبر- بلا شكّ- أحد الإنجازات العلميّة العظيمة للبشريّة. فجوهر المسعى العلميّ هو فهمُ العمليّات الّتي تتمّ في الطبيعة، ووصفها كمّيًّا واستخدام معرفتنا للتنبّؤ بالمستقبل. وفي هذا الصدد، فإنّ التنبّؤ بحالة الطقس هو بمثابة تجسيد للحلم العلميّ.

المكوّنان الرئيسان لأنظمة التنبّؤ بحالة الطقس هما: قياسات حالة الطقس الحاليّة، ونموذج رياضيّ يصف العمليّات الرئيسة الّتي تؤثّر في حالة الطقس. هذا النموذج قادرٌ على توثيق حالة الغلاف الجويّ الحاليّة، مثل ضغط الهواء عند نقاط محدّدة على الكرة الأرضيّة وفي ارتفاعاتٍ مختلفة، واستنباط النتائج منها حول ما سيحدث في فترة زمنيّة مُحدّدة في المستقبل. يمكن إعادة إدخال توقّعات النموذج إليه، وبالتالي تلقّي تنبّؤات لفترات زمنيّة أطول. كلّما كانت التوقّعات الّتي نطلبها أبعد عن موعد قياسات حالة الطقس الحاليّة، تنخفض جودة ودقّة التنبّؤ. لذلك، غالبًا ما تكون توقّعات حالة الطقس ليوم غدٍ أكثر دقّة من توقّعات الأسبوع المقبل.

قد ينبع عدم دقّة التنبّؤات الجويّة من عاملَين رئيسَين؛ الأوّل هو عدم التيقّن المتأصّل بنظام حالة الطقس بسبب طبيعته، حيث أنّ تغييرًا طفيفًا في نظام حالة الطقس قد يُحدث تأثيرًا كبيرًا جدًّا في مستقبل النظام. تُعرَف هذه الظاهرة أيضًا باسم تأثير الفراشة، وهي تشير إلى حقيقة أنّ تغييرًا بسيطًا مثل رفرفة أجنحة الفراشة في مكانٍ ما في آسيا يمكن أن يؤدّي إلى عاصفة استوائيّة في حوض الأمازون. لا يمكننا التخلّص من هذا النوع من عدم اليقين حتّى لو استخدمنا القياسات الأكثر دقّة وأجهزة الحاسوب الأكثر تقدّمًا.

العامل الثاني الّذي يؤدّي إلى حالة عدم اليقين في التنبّؤات هو عدم الدقّة في القياسات نفسها أو في النماذج الرياضيّة. قد ينبع عدم الدقّة من أخطاء في الأجهزة أو نقص في القياسات، في حين أنّ عدم دقّة النموذج الرياضيّ يرجع عادةً إلى عدم القدرة على تمثيل العمليّات الفيزيائيّة في الغلاف الجويّ بشكل كامل.

يرجع التقدّم الكبير في القدرة على التنبّؤ في العقود الأخيرة إلى التحسّن الكبير في كلّ من السياسات والنماذج الرياضيّة. تجمع أفضل النماذج اليوم الكثير من المعلومات الواردة من مجموعة متنوّعة من المصادر مثل الأقمار الصناعيّة والبالونات الهوائيّة ومحطّات حالة الطقس وما شابه ذلك. وتسمح لنا الزيادة في قوّة الحوسبة بوصف العمليّات الّتي تحدث في الغلاف الجويّ بشكل أكثر دقّة.

אחד האמצעים לקבל נתונים רבים ומדויקים, מה שמאפשר לשפר את החיזוי. לוויין מזג אוויר | מקור: Science Photo Library
إحدى وسائل الحصول على الكثير من البيانات الدقيقة، ما يُحسّن التنبّؤ. قمر أرصاد جويّة | المصدر: Science Photo Library

 

تحسّن مستمرّ

تحسّنت القدرة على التنبّؤ بحالة الطقس بشكل مستمرّ في العقود الأخيرة، بشكلٍ عامّ، بمعدّل يوم واحد لكلّ عقد. يعني ذلك أنّ جودة التوقّعات الّتي يمكن أن نقدّمها اليوم لخمسة أيّام أخرى تعادل تلك الّتي كان يمكن أن نقدّمها في سنة 2009م لمدّة أربعة أيّام أخرى فقط.

لتحسين القدرة على التنبّؤ بحالة الطقس قيمة عظيمة للبشريّة. إذ يمكن للتنبّؤ المبكّر بحالة الطقس القاسي أن ينقذ أرواح البشر ويمنع حدوث أضرارٍ اقتصاديّة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يُسهِم في نجاعة القطاعات الاقتصاديّة المهمّة، مثل الزراعة والنقل، حيث يلعب دورًا مهمًا في تنمية الاقتصاد العالميّ.

السؤال الّذي يطرح نفسه هو، ما هو الحدّ الأعلى للتحسين من قدرات هذه التنبّؤات؟ لأنّه في النهاية، كما ذكرنا، هناك عدم يقين داخليّ في سلوك حالة الطقس. على الرغم من صعوبة تقدير الحدّ الأعلى للتنبّؤ بحالة الطقس، فإنّ الأبحاث الجديدة في هذا المجال تؤكّد أنّه حتّى لو تمكّنّا من تحسين القدرة على قياس حالة الطقس الحاليّة، على النحو الأمثل، فلن تتمكّن النماذج الحاليّة من التنبّؤ بحالة الطقس بصورة جيّدة لمدّة تزيد عن أسبوعين.

من المحتمل أنّه على غرار مجالات البحث الأخرى، حتّى في التنبّؤ بحالة الطقس، ما زلنا نتوقّع ظهور اكتشافات واختراقات مهمّة في المستقبل. على سبيل المثال، قد تكون الأنواع الجديدة من الأقمار الصناعيّة قادرة على تزويدنا بصورة أكثر دقّة وأسرع عن حالة الطقس. وقد نحصل على المزيد من التقدّم فيما يخصّ تحسين النماذج الرياضيّة الكامنة وراء التوقّعات، على سبيل المثال عن طريق التعلّم الآليّ. يكتسب هذا المجال زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وقد يكون مفيدًا للغاية بفضل وفرة البيانات المتاحة حول حالة الطقس.

مع ذلك، بينما نحن في تطلّع دائم نحو هذه الاختراقات المستقبليّة، يجدر بنا تقدير عظمة الشوط الّذي قطعناه حتّى الآن​​، حتّى لو وجدنا أنفسنا في بعض الأحيان مبتلّين من المطر دون سابق إنذار.

 

استجابة واحدة

  • November

    جميل جدا ..شكرا على المعلومات

    جميل جدا ..شكرا على المعلومات الرائعه..