إحدى غايات مساعي مكافحة التغيّرات المناخيّة هي ألّا يتعدى معدّل ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضيّة الدرجتيْن المئويّتيْن (سيلزيوس). لكن، لماذا درجتان بالذات؟ ومن أين أتى هذا الرقم؟ وهل هناك بدائل له؟

وقّع ممثلون عن 195 دولة من جميع أنحاء العالم، سنة 2015، في مؤتمر منظّمة الأمم المتّحدة حول أزمة المناخ العالميّ والتغيّرات الحاصلة عليه، على اتّفاق هامّ اندرج تحت اسم "اتّفاق باريس" - مكان انعقاد المؤتمر. يتوجّب على الدول الموقّعة على الاتّفاقية العمل على تقليص احترار الكرة الأرضيّة، بحيث لا يتعدّى معدّل ارتفاع درجة حرارة الأرض درجتيْن مئويّتيْن، مقارنةً بدرجة الحرارة التي سادت على الأرض قبل بداية الفترة الصناعيّة. لماذا درجتان بالذات؟


الاحتفال باتّفاقية باريس. من اليسار إلى اليمين: لورانس طوڤيانه، ممثّلة فرنسا للمؤتمر، كريستينا فيڠرس رئيسة المؤتمر، بان كي مون السكرتير العام السابق للأمم المتحدة، لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا السابق، فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي الأسبق | المصدر: flickr, Public domain

الطريق نحو الدرجتين مُرصَّعة بالنوايا الحسنة

تناول النقاش حول التغيّرات المناخيّة مسألة الدرجتين في أعقاب مقالين اثنين نشرهما عالم الاقتصاد وليام نوردهاوس (Nordhaus) في سنوات السبعين من القرن الماضي، ادّعى فيهما أنّ ازدياد درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين، لا أكثر، كفيل بإحداث تغيير كبير في المناخ، الذي قد تنجم عنه عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.  

لا تقتصر أهمّيّة حصر الاحترار على درجتين على نوردهاوس، فهي صحيحة من الناحية العلميّة أيضًا. توجد نقاط تحوّل في المنظومة المناخيّة - نقاط يكون فيها التغيّر في المنظومة المناخيّة غير مردود، أو أنْ تستغرق عودة المناخ إلى ما كان عليه قبل نقطة التحوّل مدّة طويلة جدًّا. غالبًا ما تتحدّد نقاط التحوّل من خلال ردود الفعل الإيجابيّة، وهي عمليات تجرّ معها ردّ فعل ثانويًّا، يؤدّي بدوره إلى تفاقم التغيير الأوّليّ. جليد المحيط المتجمّد الشماليّ هو أبسط مثال على ذلك: يتقلّص الغطاء الجليديّ من على سطح المحيط نتيجة الاحترار، وتتعاظم وتيرة الاحترار لأنّ الماء السائل يستوعب الحرارة أفضل من الجليد، وهكذا دواليك. هناك أمثلة كثيرة على نقاط تحوّل المنظومة المناخيّة منها: توقّف تيّار الخليج، انهيار الجرف الجليدي في جرينلاند وفي القارة القطبية الجنوبيّة وغيرها.

لم يتوصّل العلم بعد لطريقة تحديد درجة الحرارة التي تصل فيها الكرة الأرضيّة، بشكل مؤكّد، إلى نقطة تحوّل مناخيّة، ذلك على الرغم من أنّ مسألة نقاط التحوّل تتصدّر الأبحاث العلميّة المنصبّة على الشؤون المناخيّة. أظهرت مجموعة من الباحثين مؤخّرًا أنّ المنظومة المناخيّة قد تواجه نقاط تحوّل في أعقاب ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجة واحدة فقط، ويزداد كثيرًا احتمال حدوث ذلك في حال كان الارتفاع بمقدار درجة ونصف. ادّعى هؤلاء الباحثين أنّ ارتفاعًا يفوق الدرجتين سيؤدّي إلى حصول نقطة تحوّل مناخيّة بشكل مؤكّد. من هُنا، يقلّ احتمال حصول نقطة التحوّل المناخيّة على الكرة الأرضيّة، إذا تمكّنت البشريّة من وقف ارتفاع درجة حرارتها كي لا يتعدّى الدرجتيْن، أو حتّى أقل من ذلك. 

يبدو، بخلاف تقديرات نوردهاوس، أنّ ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار يقلّ عن درجتين، من شأنه هو الآخر أن يؤدّي إلى عواقب غير مرجوّة. معدّل درجة حرارة الكرة الأرضيّة في هذه الفترة الزمنيّة التي نعيشها (سنة 2024 ميلاديةّ) أعلى بحوالي 1.2 درجة (درجة وعُشر الدرجة) من درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعيّة، وها نحن نشاهد فعلًا تأثير التغيّرات المناخيّة من خلال حالات الطقس المتطرّفة التي تشمل الأمطار والجفاف والحرائق، على نطاق لم يتمّ قياسه من قبل.

يمكن القول إنّه فيما لو عرف نوردهاوس ما نعرفه اليوم، لكُنّا نكافح الآن من أجل منع ارتفاع درجة حرارة الأرض مقدار درجة واحدة أو أقلّ. أجاد باحث المناخ مايكل مان (Mann) التعبير عن ذلك إذ قال: "إنّ الارتفاع بمقدار 1.2 درجة في درجة الحرارة، حيث نحن الآن، هو أكثر مما ينبغي".


يجب ألا يتعدّى الارتفاع في درجة حرارة الأرض مقدار الدرجتين. أهو غاية قابلة للاستيعاب من قبل عامّة الناس أم أنّه حقيقة علميّة؟ نرى في الرسم التوضيحيّ الكرة الأرضيّة ومقياس درجة الحرارة  | Ink Drop, Shutterstock

الحدّ الأعلى

لا يقتصر النقاش الذي يُجري حول هذا الموضوع على التطرّق إلى الدرجتين. غالبًا ما يبدأ النقاش بذكر غاية منشودة تقلّ عن درجتين - احترار بمقدار درجة واحدة، أو درجة ونصف - وتحديد الاحترار بمقدار درجتيْن كحدٍّ أعلى. خصّصت الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغير المناخ، وهي الهيئة العلميّة الرئيسة التي تدير كلّ ما عُرف ويُعرف عن تغير المناخ، تقريرًا خاصًّا حول عواقب احترار الأرض  بمقدار درجة ونصف. تناول تقرير الهيئة بإسهاب أفضليّات تقييد الاحترار بمقدار درجة ونصف بدلًا من درجتين. ورد في هذا التقرير أنّ "يقلل تقييد الاحترار على درجة ونصف بدلًا من درجتين من التأثيرات السلبية على المنظومات البيئيّة وعلى جودة الحياة البشريّة". يفيد التقرير أنّ الاحترار بمقدار درجتين يؤدّي إلى ازدياد كبير في احتمال حدوث حالات الطقس المتطرّفة، وتلاشي الجليد المتجمّد الشماليّ، و ابيضاض الشُّعَب المرجانيّة، ذلك بالمقارنة مع الاحترار بمقدار درجة ونصف. 

لكن، هل هناك أفضليّات أخرى في تحديد الدرجتين كغاية قصوى للاحترار؟ تتجسّد الأفضليّة الرئيسة في الصناعة - على الرغم من أنّها غاية طموحة فإنّها قابلة للتطبيق ويسهل تسويقها أو ترويجها (بخلاف غاية تتمثّل في 1.9 أو 2.1 درجة). لقد تعدّى الاحترار فعلًا مقدار درجة واحدة، وما زالت وتيرة انبعاث غازات الدفيئة كما كانت عليه في الماضي، ويبدو، لذلك، أنّ تحديد غاية الاحترار على درجة ونصف الدرجة هو بعيد المنال. أضِف إلى ذلك، قد يكون من الأفضل ترويج الغاية المنشودة بأعداد صحيحة ومركّزة. من الأفضل أن تكون الغاية المنشودة من الاحترار سهلة الاستيعاب، مختصرة ودقيقة. يبدو أنّ الدرجتين أفضل من "درجة ونصف الدرجة"، من هذه الناحية فقط. 

0 تعليقات