تسبح مئات الملايين من خلايا الحيوانات المنويّة نحو بويضة واحدة. مع ذلك، ينجح فقط حيوان منويّ واحد فقط في إخصابها. فكيف تضمن البويضة دخول حيوان منويّ واحد فقط إليها؟

من بين مئات الملايين من خلايا الحيوانات المنويّة الّتي تسبح معًا نحو البويضة، حيوان منويّ واحد فقط ينجح في إخصابها. بمجرّد اختراق خليّة الحيوان المنويّ للبويضة، تغلق البويضة نفسها وتمنع الخلايا الأخرى من الدّخول. فكيف تفعل ذلك؟

تتكوّن خلايا الحيوانات المنويّة من جزأيْن: رأس يحتوي على الشّحنة الوراثيّة، وذيل مسؤول عن السّباحة. تعمل الإنزيمات - البروتينات الموجودة في مقدمة رأس هذه الخلايا على تحفيز العمليّات الكيميائيّة - القادرة على "تكسير" غلاف البويضة. بشكل مشابه، هُناك مخازن من الإنزيمات المماثلة داخل خليّة البويضة، الّتي تنتظر وصول الحيوان المنويّ.

تغلّف شبكة متفرّعة من البروتينات البويضة، وتحميها من التَّلف. ويمكن تشبيه هذه الشّبكة بحشوة من القطن. كما تُعتبر هذه الشّبكة مهمّةً لمساعدة الخلايا المنويّة للاقتراب من البويضة: حيث تدخل في التّشابك اللّزج وتلتصق بها. تقوم الخليّة المنويّة "الفائزة" بإخصاب البويضة، بعد أن تنجح بالمرور عبر التّشابك وغشاء البويضة.

في هذه المرحلة، تقترب خلايا الحيوانات المنويّة جدًّا من البويضة. تحمل الشّبكة اللّزجة الحيوانات المنويّة وتبقيها بالقرب من البويضة، لكنّها تحاول في نفس الوقت أن تمنعها من الوصول إلى غشاء البويضة واختراقه. يقوم الحيوان المنويّ باستخدام إنزيماته لشقّ طريقه من خلال الشّبكة، وفي الوقت ذاته، تطلق البويضة مواد كيميائيّة تعمل على تحليل الشّبكة المحيطة بها. بهذه الطّريقة، يمكن للحيوانات المنوية القريبة من غشاء البويضة الاقتراب أكثر، بينما تلك الّتي لم تُلتَقَط بعد في الشبكة، لن تكون قادرةً على ذلك.

تكمن المشكلة في أنّ الأنزيمات الّتي تحلّل شبكة البروتين تعمل ببطء نسبيًّا، و تستغرق هذه العمليّة بضع ثوانٍ. تزامنًا مع ذلك، تصل خلايا حيوانات منويّة أُخرى إلى جدار البويضة. فكيف تمنع البويضة دخول هذه الحيوانات المنويّة السّريعة؟


في الواقع، فإنّ البويضة أكبر بكثير من خلية الحيوانات المنويّة. رسم تخطيطيّ عام لهيكل خليّتيْن تناسليّتيْن | صورة:  ducu59us, Shutterstock

البُويْضة الكهربائيّة

لدى قنافذ البحر والعديد من الحيوانات البحريّة الأخرى، عند أوّل اتّصال بين الحيوانات المنويّة والبويضة، تُنشَّط عمليّة كهربائيّة سريعة تمنع دخول خلايا الحيوانات المنويّة الأخرى إلى البويضة. تمتدّ العمليّة الكهربائيّة حتّى ينتهي عمل الإنزيمات في العمليّة الكيميائيّة الأبطأ منها في تحليل شبكة البروتين.  

في طبيعة الحال، تكون البويضة مشحونة بشحنة كهربائيّة موجبة، بينما تكون خلايا الحيوانات المنويّة مشحونة بشحنة كهربائيّة سالبة. تنجذب الشّحنات الكهربائيّة المعاكسة لبعضها، ولذلك تَجذِب البويضة خلايا الحيوانات المنويّة إليها. بمجرّد أن ترتبط خليّة الحيوانات المنويّة ببروتينات البويضة، تُنشَّط عمليّة سريعة تمتصّ فيها البويضة أيونات - جزيئات مشحونة - من الصّوديوم، ذات الشّحنة الموجبة. عندما تدخل أيونات الصّوديوم الموجبة إلى البويضة، تصبح بيئتها الخارجيّة سالبة أكثر، ممّا يخلق تنافرًا كهربائيًّا بين البويضة وخلايا الحيوانات المنويّة الأخرى، والّتي لها شحنة سالبة.

يحدث هذا التّغيير في أقلّ من ثلاث ثوانٍ، كما يعود إلى حالته الأصلية بسرعة نوعًا ما - لهذا السّبب تُجري العديد من الكائنات الأخرى العمليّة البطيئة لتحطيم شبكة البروتين المتفرّعة بواسطة الأنزيمات بنفس الوقت، بحيث لا تدخل المزيد من خلايا الحيوانات المنويّة حتّى على المدى الطّويل إلى البُويضة.


بمجرّد أن ترتبط خليّة منويّة واحدة بالبويضة، لن تنجح خلايا الحيوانات المنويّة الأخرى بالدخول. لحظة الإخصاب| صورة: MARK GARLICK / SCIENCE PHOTO LIBRARY

بويضات الثّدييات

عند البشر أيضًا هُناك عمليّة إضافيّة لتحطيم شبكة البروتين، حيث تمنع دخول خلايا الحيوانات المنويّة الأخرى إلى البويضة. ما زالت هذه العمليّة غير معروفة تمامًا، لكنّها دُرسَت على الفئران.

تُحاط كلّ خليّة في أجسامنا بغشاء دهنيّ يُسمّى الغشاء الخلويّ، وهو الّذي يحدّد الخلايا ويحافظ على محتوياتها. تُمنَع خلايا الحيوانات المنويّة من اختراق البويضة بواسطة هذا الغشاء: لكي تدخل خليّة الحيوان المنويّ إلى البويضة، عليها أن ترتبط ببروتين خاصّ يُدعى المستقبل (Receptor)، الذي يمكنه إدخالها إلى البويضة. على سطح الحيوانات المنويّة بروتينات تعمل كمفتاح خاصّ  يطابق المستقبل -القفل. بمجرّد أن ترتبط خليّة الحيوانات المنويّة الأولى بأحد المستقبلات الموجودة على سطح البويضة، تختفي المستقبلات الأخرى، ولهذا لا يمكن لخلايا الحيوانات المنويّة الأخرى الدّخول إليها. حدَّدت دراسة أُجريت على الفئران البروتينات المشاركة في العمليّة، وأطلق الباحثون على المستقبل اسم جونو (Juno)، وهو اسم إلهة الزواج والأمومة والولادة في الأساطير الرومانيّة.

وجد الباحثون أنّ الجينات المشفّرة لمستقبل البويضة وبروتين الحيوانات المنويّة الّتي ترتبط بها موجودة أيضًا في جميع الجرابيّات والثّدييات، بما في ذلك البشر. بمعنى، يبدو أنّ العمليّة الإضافية الّتي تمنع دخول حيوانات منويّة إضافيّة إلى البويضة تتشابه بين جميع الثدييات، من ضمنها البشر. 

لدى الأرانب، إنّ عمليّة سدّ الغشاء فعّالة للغاية، لدرجة أنّهم لا يحتاجون إلى تحطيم شبكة البروتين المعقَّدة. أمّا لدى الكلاب والأغنام، فالوضع مُغايرٌ: عملية سدّ غشاء البويضة ليست فعّالة بشكل خاصّ، وفقط عند تحطيم شبكة البروتين، تُمنع الحيوانات المنويّة الإضافيّة من الدّخول تقريبًا بالكامل. يبدو أنّ البشر، وكذلك الفئران، الجرذان، القطط، الخنازير والأبقار، يستخدمون العمليّتيْن -  عمليّة سدّ غشاء البويضة وتحطيم شبكة البروتين - للتّأكّد من أنّ حيوانًا منويًّا واحدًا فقط سيقوم بإخصاب البويضة.


لكل مجموعة من الحيوانات طريقة مختلفة قليلًا، لكنّ جميعًا يحاولون تحقيق نفس الهدف: إخصاب بويضة واحدة بواسطة حيوان منويّ واحد. خلايا البويضات والحيوانات المنويّة| صورة: K.K.T Madhusanka, Shutterstock 

الارتباط والاندماج

 عندما تتفوَّق خليّة حيوان منوي واحد على الخلايا الأخرى، فإنّها ترتبط بالبروتينات الموجودة على سطح البويضة، ويندمج غشاؤها مع غشاء البويضة من خلال الرّبط بين الدّهون الّتي في أغشيتها. ثمّ تُسكب محتويات خليّة الحيوان المنويّ داخل البويضة -من ضمنها الحمل الجيني- وعندها يحدث الإخصاب.

تحتوي كلّ خلية، البويضة والحيوانات المنوية، على نسخة واحدة من الـ DNA. ينتج من الإخصاب خليّة موحّدة من نسختيْن، مثل معظم خلايا الجسم. ثمّ تبدأ بالانقسام والتّكاثر، وإنتاج نسخ إضافيّة من المادّة الوراثيّة. 

مع ذلك، في حال حدوث خلل ما، قد تتمكّن فيه خليّتان من الحيوانات المنويّة من الدّخول إلى البويضة، عندها تنشأ مشكلة في مرحلة انقسام الخليّة بسبب التّوزيع غير المتساوي للمادّة الوراثيّة، ولهذا يتوقّف نموّ الجنين. في حالات نادرة، قد تنشأ توائم نصف متطابقة، وهي ظاهرة تمّ الإبلاغ عنها مرتين فقط حتّى الآن، المرّة الأولى في عام 2007، والمرّة الثّانية في عام 2019. في مثل هذه الحالة، يتشارك التّوأم نفس الحمض النّوويّ من الأمّ الّتي قدّمت بويضة واحدة، يتشابهان فقط في جزء من الحمض النّوويّ للأب، الّذي ساهم في خليّتين من الحيوان المنويّ - خليّة لكلّ توأم.

 

0 تعليقات