أثارت ثلاث حالات وفاة من فيروس ماربورغ في غانا قلق دوائر الصحّة في الدّولة: هل يُخشى من اتّساع تفشّي المرض؟ كيف ينتقل الفيروس؟ لماذا هو فتّاكٌ لهذه الدرجة؟ وهل هناك علاج مناسب؟

تم تشخيص فيروس ماربورغ لأوّل مرّة سنة 1967م، بعد اندلاع مرض نزيفيّ غامض في مدن ماربورغ وفرانكفورت الألمانيتين، وفي مدينة بلغراد في يوغوسلافيا (صربيا اليوم). كان مصدر اندلاع المرض إرساليةً حوت قرود غانون الخضراء (Chlorocebus aethiops)، أُحضرت من أوغندا لأغراض البحث الطبّيّ. انتقل الفيروس من هذه القرود المصابة إلى عدد من عاملي المختبر الذين تعرّضوا إلى سوائل أجسام القرود أثناء تعاملهم معها. لقي سبعة من واحد وثلاثين شخصًا أصيبوا بالفيروس حتفهم.

منذ ذلك الحين، تمّ توثيق بضع حالاتٍ تفشّى فيها الفيروس في أماكن محصورة، خاصةً في زيمبابوي وكينيا وأوغندا، وكان أوسعها نطاقًا تفشّي المرض في أنغولا في السنوات 2004-2005، حيث أودى بحياة 227 شخصًا. تمّ الإبلاغ الآن، ولأوّل مرّة، عن ثلاث حالات وفاة من الفيروس في غانا.

קופי גנון ירוק בקניה | צילום: PHOTOSTOCK-ISRAEL / SCIENCE PHOTO LIBRARY
شُخِّصَ الفيروس لدى قرود أُحضرت إلى أوروبا لأغراض البحث الطبّي. تظهر في الصورة قرود غانون الخضراء في كينيا | تصوير: PHOTOSTOCK-ISRAEL / SCIENCE PHOTO LIBRARY
 

خطر على المستوى القوميّ

ظهرت أوّل حالتين من الحالات الثّلاث المذكورة في إقليم أشانتي في غانا (Ashanti). لقي مزارعان حتفهما، عمر أحدهما 26 عامًا وعمر الاخر 51 عامًا، في مطلع شهر تموز هذا العام بعد وصولهما المستشفى بوقت قصير وبفارق يومين. لم يتمّ تشخيص مصدر العدوى في التحقيق الوبائيّ الذي أُجري على الحالتين، ولم يتّضح وجود علاقة بينهما. على الرغم من أنّ الشخصين هما من نفس الإقليم إلّا أنّهما من مناطق مختلفة فيه. لم يتماسّ هذان الشخصين مع مرضى آخرين أو مع الحيوانات، ولم يشتركا في مناسبات كثيرة المشتركين خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت ظهور المرض عندهما. 

مكث جميع الذين انكشفوا لِلمريضيْن، من أقربائهم والطاقم الطبي المُعالِج، 21 يومًا في الحجر الذاتيّ وكان مجمل عددهم 108 أشخاص. ظهرت أعراض المرض لدى شخصين آخرين هما، على ما يبدو، زوجة المريض الأوّل وابنه البالغ سنة من عمره، وتبيّن أنهما إيجابيّان لِلفيروس بعد مرور حوالي أسبوعين على التشخيص الأوّل. توفّي الطفل من المرض، وكان هو الضحيّة الثالثة في الاندلاع الحالي للمرض. رفضت زوجة المريض في البداية العلاج الطبّيّ ومكثت في معسكر للصلوات، الأمر الذي زاد من خطر تفشّي الفيروس في المعسكر، إلّا أنّها اقتنعت في نهاية الأمر بالمكوث في الحَجْر، و خضعت للرقابة الطبية ولم تتطوّر لديها الأعراض . 

صنّفت منظّمة الصحّة العالميّة الاندلاع الحاليّ للمرض بأنّه خطير على المستوى القوميّ في غانا، ومتوسط الخطورة في الدول المجاورة، وخطر تفشّيه في أنحاء العالم قليل.

נגיפי מרבורג בצילום צבוע במיקרוסקופ אלקטרונים | מקור: JAMES CAVALLINI / SCIENCE PHOTO LIBRARY
تبلغ نسبة الوفاة من المرض تسعين بالمئة. صورة تمّ تلوينها لفيروسات ماربورغ أُخذت بواسطة المجهر الإلكتروني | المصدر: JAMES CAVALLINI / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

لا يوجد أيّ علاج ناجع!

ينتمي فيروس ماربورغ لعائلة الفيروسات الـ Filoviridae التي ينتمي إليها فيروس الإيبولا (Ebola) أيضًا. كلاهما سيّء السمعة بكونه فتّاكًا للغاية، إذ تتراوح نسبة الوفاة منهما بين 23 وَ90 بالمئة، ويتعلّق ذلك بِفصيلة الفيروس وتوفير العلاج الطبّيّ. 

خفّاش الفاكهة المصريّ (Rousettus aegyptiacus) هو المضيف الطبيعيّ للفيروس، ومن المحتمل أن يصيب الفيروس أصنافًا أخرى من الخفافيش. لا تتطوّر عادةً لدى الخفافيش الحاملة لِلفيروس أعراض المرض، إلّا أنّ الفيروس موجودٌ في سوائل الجسم التي تفرزها مثل اللعاب والبول. ارتبط قسم من الاندلاعات المُوثّقة للفيروس عند الإنسان الّذي على مقربة من الخفافيش وإفرازاتها، في محيط المناجم والمُغر التي تمكث فيها الخفافيش غالبًا. يمكن أن يصيب الفيروس الإنسان والقرود بالإضافة للخفافيش، ويبدو أنّ ثمّة إمكانية لتناقل الفيروس بين الخفافيش والقرود، ربّما عن طريق ثمار الفاكهة التي يتغذّى عليها هذان الحيوانان. 

غالبًا ما يكون انتقال الفيروس إلى الإنسان حيوانيّ المصدر (zoonotic)، أي من الحيوان إلى الإنسان ويتمّ عن طريق تعرّض الإنسان لإفرازات الخفافيش أو القرود الحاملة لِلفيروس. 

تكون إصابة الإنسان بِالفيروس، حسب ما هو معلوم حتّى الآن، مصحوبةً دائمًا بظهور الأعراض ولا يوجد توثيق لأشخاص لم تتطوّر أعراض لديهم البتّة بعد إصابتهم بالفيروس، كما يحدث كثيرًا في حالة الإصابة بفيروسات أخرى. تتطوّر أعراض المرض الأولى خلال يومين حتّى ثلاثة أسابيع بعد الإصابة بالفيروس، وغالبًا ما تكون هذه الأعراض مشابهة لأعراض الانفلونزا، وتشمل القُشعريرة والحُمّى والصّداع وآلام في الحلق والعضلات والمفاصل والتعب. تظهر أعراض أخرى، أوجاع البطن والغثيان والتقيّؤ والإسهال، بعد يومين إلى خمسة أيام من ظهور الأعراض الأوّليّة. تتفاقم الأعراض في اليوم الخامس حتّى السابع، وقد يظهر طفح جلديّ في الجسم ينتشر إلى الأطراف والتهاب ملتحمة العين والنزيف، وهو العارض الرئيسي الذي يُميّز الأمراض من نوع الحُمّى النزفيّة. يظهر النزيف الدمويّ في الجلد (petechia) وفي الأنسجة المخاطيّة، ويتجلّى على شكل دماء في الغائط والقيء ونزيف دموي من الفم والأنف والعينين والأعضاء التناسليّة. تتفاقم جميع هذه الأعراض مع تقدّم المرض، وتظهر أعراض عصبيّة تشمل الارتباك وتغيرات بالتصرّف والسلوك والتشنّجات والغيبوبة. يصيب الفيروس كلّ أعضاء الجسم تقريبًا، مُسبّبًا الوفاة في أعقاب فقدان السوائل وفشل الأعضاء في أداء وظائفها. وُجدت خلال تشريح جثث المرضى المتوفّين إصابات بالغة في أنسجة القلب والدّماغ والطّحال والكلى والغدد اللمفاويّة والكبد والخصيتيْن والمبيضيْن، بالإضافة لِلنزيف الدّمويّ وتدفّق الدم في الأنسجة المخاطيّة، على امتداد الجهاز الهضمي وأجهزة التنفس والتكاثر والبصر. يصيب الفيروس خلايا جهاز المناعة ويتكاثر فيها، الأمر الذي يؤدّي إلى الإخلال بنشاطه، وإلى اضطرابات في آليّة التخثّر وهدم الغدد اللمفاويّة. قد تنجم أحيانًا عاصفة السيتوكين: ردّ فعل مناعيّ هائج يؤدّي إلى تفاقم الضرر الذي يلحق بأنسجة الجسم. 

لا دواء علاجيًّا خاصًّا لهذا الفيروس. غالبًا ما يُعطى المريض علاجًا داعمًا يشمل السوائل والدم ومشتقّاته (مثل عوامل التخثر) إلّا أنّه لا يكفي في معظم الحالات، لإنقاذ المريض المعالَج. قد لا يُشخَّص المرض في بدايته، لأنّ أعراضه الأوّليّة هي أعراض عامّةٌ تشبه أعراض الأمراض المُعدية الأخرى، مثل الملاريا وحُمّى الضنك والتيفوئيد والانفلونزا، ويؤدّي عدم التشخيص المُبكّر إلى تأخر العلاج وعزل المريض، الأمر الذي يُشكّل خطرًا على من حوله. 

حتّى المتعافين من المرض الصعب الذي يسبّبه الفيروس، يعانون أحيانًا من مضاعفات مختلفة، منها التهاب المفاصل والتهاب لحمية العين والذّهان.

ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر عبرَ إفرازات الجسم مثل البول واللعاب والقيء والدّم، ومن خلال المُسطحات المصابة به مثل الفراش والملابس. على المريض أن يمكث في حجر تامّ مُحْكَم، لأنّ الفيروس يصيب الأنسجة المخاطيّة، ويَنشر المرضى كمّيّات كبيرة منه في محيطهم. على جميع أفراد الطاقم المُعالِج حماية أنفسهم من العدوى عن طريق اتّخاذ كافّة وسائل الوقاية.

עטלפי פירות מצויים במערה בישראל | צילום: PHOTOSTOCK-ISRAEL / SCIENCE PHOTO LIBRARY

تُنشر الخفافيش الفيروس عن طريق سوائل الجسم وتصيب الناس إلّا أنّها، غالبًا، لا تمرض. تظهر في الصورة خفافيش الفاكهة في إحدى المغارات في البلاد | تصوير: PHOTOSTOCK-ISRAEL / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

السلاح البيولوجيّ

ينتقل الفيروس، كما ذُكرَ آنفًا، عن طريق ملامسة سوائل الجسم. انتقال الفيروس عن طريق الهواء بشكل طبيعيّ نادرٌ جدًّا، إلّا أنّ الفيروس يحافظ على ثباته في الهباء الجوّيّ (الأيروسولات)، وبإمكانه إصابة القرود التي تتعرض لِلإيروسولات الصناعيّة التي تحويه. تثير هذه الحقيقة التخوّفات من إمكانيّة استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي. حاولت بعض الدول والمنظّمات، على مرّ الزمن، تطوير فيروسات ماربورغ مثبتة في الإيروسولات بهدف استخدامها سلاحًا بيولوجيًّا، وحاولت تطوير موادّ تحتوي على مُكوّنات ضدّيّة فعّالة ضدّ الفيروس. تمّ توثيق إحدى حالات ماربورغ خارج قارّة إفريقية في روسيا سنة 1988م، كجزء من إصابة عمل حدثت ضمن دراسة هدفت إلى تطوير سلاح بيولوجيّ في معهد فيكتور (Vector) للأبحاث في سيبيريا. نقلَ العالِم الروسي نيكولاي أوستينوف (Ustinov) الفيروس إلى نفسه عن طريق الخطأ وتوفّي من المرض. وُخِزَ، عن طريق الصدفة، أحد اخصّائيي علم الأمراض الذين اشتركوا في تشريح جثة الميّت بإبرة ملوّثة بالفيروس وتُوفي هو الآخر. 

يجري التعامل والعمل مع الفيروس في مختبرات متطوّرة مُجهّزة بوسائل الوقاية المناسبة، لأنّ الفيروس فتّاك جدًّا. يستدعي فُتْك هذا الفيروس وإمكانيّة استخدامه كسلاح بيولوجيّ ضرورة تطوير علاج أو لقاح فعّال ضدّه. لم يُصادَق حتّى الآن على استخدام أيٍّ من اللقاحات الفعّالة أو الأدوية ضدّ الفيروس، على الرغم من التجارب السريريّة الكثيرة التي أُجريت في هذا المجال. 

في دراسة أُجريت على القردة، تبين أنّ الدمج بين المضادّات المقاومة للفيروس وبين العقار رمد سيفير، الذي يعيق استنساخ فيروسات RNA هو فعّل وناجع. ارتفعت نسبة بقاء القردة على قيد الحياة، وبلغت ثمانين بالمئة عندما بدأ العلاج المُدمج بالمضادّات والمد سيفير، بعد مرور ستّة أيّام على إصابة القرود بالفيروس، بينما لم ينجح العلاج بكلّ واحد من المُركّبين على حِدة في إنقاذ حياة أيٍّ من القردة. لم يُجَرّب هذا الدّمج بين العلاجين على الإنسان بعد. 

وجدَ الباحثون في دراسة أخرى أجريت على الفئران أنّ العقار (Favipiravir)، المُصادَق استخدامه في اليابان لعلاج مرض الانفلونزا، نجح في إنقاذ حياة جميع الفئران، التي بدأ علاجها به حتّى يومين من موعد الإصابة بالفيروس، وإنقاذ حياة حوالي نصف الفئران المصابة بالفيروس، التي بدأ علاجها بالعقار بعد مرور أربعة أيام على موعد الإصابة. تمّ الحصول على نتائج مشابهة من تجارب على القرود تعرضت لِفيروس ماربورغ وعولجت بنفس العقار عن طريق تسريبه عبر الوريد، إلّا أنّه لم تتّضح بعد مدى نجاعة العلاج عند الإنسان. أظهرت بعض اللُّقاحات المضادة لفيروس ماربورغ نتائج واعدة في تجارب قبل السريريّة. طوّر طاقم أبحاث أمريكي لقاحًا يعتمد على كشف بروتين غلاف الفيروس (Marburg virus glycoprotein)، والذي يمُكّنه من اختراق خلايا الهدف في جسم الإنسان، محمولًا على الفيروس rVSV

(Vesicular stomatitis virus) والذي لا يُسَبّبُ مرضًا. أعطيت، ضمن تجربة أجريت على القرود، جرعة واحدة من اللقاح قبل 7 حتى 14 يومًا من الإصابة بالفيروس، وكانت كافيةً لحماية القرود من المرض، ومَنحَ اللقاح الذي أعطي للقرود قبل ثلاثة أيام من تعرّضها للفيروس حمايةً لما يقارب 75 بالمئة منها. تبيّن للباحثين أنّ اللقاح نجح في إثارة ردّ الفعل المناعيّ من قبل خلايا B المُفوّضة بإنتاج المضادّات الحيويّة. حصلَ طاقم أبحاث آخر، حاول تطوير علاج مشابه مع أعراض جانبيّة أقلّ، على نتائج مشابهة من حيث النجاعة. 

تشبه تكنولوجيا اللقاح المذكور التكنولوجيا المستخدمة في تطوير اللقاح ضد فيروس إيبولا زائير، فصيلة فيروس إيبولا الأكثر فتكًا بالإنسان، والذي تمّت المصادقة على استخدامه، إلّا أنّه يتوجّب إجراء المزيد من الدّراسات لاختبار أمانة اللّقاح عند الإنسان ونجاعته. 

تُجرى الآن تجارب سريرية باستخدام لقاح آخر، كان قد أظهر نتائج واعدة في التجارب على الحيوانات ويعتمد على تكنولوجيا مشابهة، لكن بواسطة فيروس أدنو (Adenovirus) الذي عُزلَ من قرود الشمبانزي وهو لا يسبب مرضًا عند الإنسان. تتواصل التجارب السريريّة أو قبل السريريّة بغرض تطوير لقاحات تعتمد تكنولوجيا أخرى.

التنبؤ بِأوبئة أخرى

أثار اندلاع الحالات المذكورة قلق الدوائر الصحّيّة، خاصّةً لأنّه لم يتمّ التعرّف على مصدر العدوى. بدأت دوائر الخدمات الصحّيّة في غانا في التحقيقات الوبائيّة، في محاولة منها للتعرّف على مكان العدوى وتقصّي تواصل المرضى مع الآخرين وعزلهم. أمّا منظمة الصحّة العالميّة، فقد دعمت بالمقابل إقامة طاقم تحقيق مشترك بمشاركة أخصائيين من المنظّمة، وساهمت في تزويد معدّات الوقاية وزيادة جاهزيّة عمال جهاز الصحّة في حال حدوث إصابات أخرى. 

قامت دوائر الصحّة المحليّة بالمقابل، بإرشاد السكان على تجنّب ملامسة الحيوانات البريّة والابتعاد، بشكل خاصّ، عن الأماكن التي تمكث فيها الخفافيش كالمُغُر والمناجم. تمّ توجيه السكّان كذلك الانتباه للأعراض الخاصّة بالحمّى النزفيّة، والامتناع عن اللقاءات والتجمّعات في حالات المرض، والتوجّه فورًا لتلقّي العلاج الطبّيّ. 

شكّل اندلاع هذا الوباء والكورونا وجدري القرود والبوليو عبئًا ثقيلًا على دوائر الصحّة في دول كثيرة. على الرغم من أنّه لم يتمّ التعرّف بعد على مصدر اندلاع هذا الوباء، يبدو أنّ العولمة والإضرار بِموائل الحيوانات البريّة والتغيّرات المناخيّة، تعمل مجتمعةً على زيادة احتمال اندلاعات مشابهة في المستقبل. 

 

 

 

0 تعليقات