للوهلة الأولى يبدو الأمر بسيطًا جدًّا: النّسبة المئويّة هي جزءٌ من شيء كامل. المشكلة الرّئيسيّة هي أنّنا أحيانًا لا نعرف على أيّ شيء كامل نستند.
في تعرّجات المناهج التّعليميّة في المدارس الابتدائيّة، تختبئ بعض العقبات الحسابيّة. يتعامل البعض منّا معها دون أيّ صعوبة تُذكر وذلك بفضل ميلٍ فطريّ نحو الأرقام، لكنّها وبالنّسبة للكثيرين منّا، فإنّها تمثّل عائقًا جدّيًّا، وبدلًا من الانطلاق إلى الأمام على الطّريق السّريع للتّفكير الكمّيّ، فإنّنا نصطدم في طريقنا بجدارٍ عالٍ يصعب تجاوزه. أحد الأمثلة المعروفة على ذلك هو موضوع النّسب المئويّة.
من منّا لم يختلط عليه الأمر يومًا في كيفيّة حساب النّسب المئويّة؟ % 110 أنّ ذلك حدث لكم جميعًا! إشارة نسبة مئويّة متشقّقة ومتفتّتة| Shutterstock AI
النّسب المئويّة، لمَ هي صعبة جدًّا؟
في ظاهر الأمر تبدو النّسب المئويّة مسألةً بسيطة - رقمًا يمثّل جزءًا من شيءٍ كامل. وهنا تكمن المشكلة، فالجزء يُقال دائمًا بشكل واضح، لكنّ الشّيء الكامل عادةً يتمّ تجاهله. غالبًا نشعر بشكل حدسيّ بأنّه يوجد لدينا جزء من هذا الشّيء الكامل الكبير أو ذاك، ولكنّنا أحيانًا لا نكلّف أنفسنا عناء التّوقّف والتّفكير في ماهيّة هذا الشّيء الكامل في الحقيقة. عادةً لا يشكّل هذا الأمر مشكلة، لأنّ الشّيء الكامل هو أمر مفهومٌ ضمنًا، لكن ليس دائمًا.
النّسب المئويّة تعتمد على واحدة من العمليّات الحسابيّة الأربع الأساسيّة، وهي العمليّة الحسابيّة الأكثر تعقيدًا: القسمة، ومن هنا تنبع الصّعوبة. تتكوّن عملية القسمة من جزأين، البسط والمقام، وكلاهما يمكن أن يصبح أمرًا معقّدًا. المقام يعمل بطريقة عكسيّة - كلّما كان أكبر، فإنّ نتيجة القسمة تكون أصغر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التّغيير ليس خطًا مستقيمًا، أي أحيانًا تغييرٌ بسيط في المقام قد يخلق تغييرًا كبيرًا في النّتيجة النّهائيّة وأحيانًا لا. أيّ شيء من هذا القبيل يخلق تعقيدات إضافيّة.
المشكلة الثّالثة هي أنّ النّسب المئويّة غالبًا هدفها مقارنة بين شيئين: جزء وكامل، كما أسلفنا. لا ينتهي الأمر هنا، تضاف إليه صعوبة أخرى، وهي أنّه وفي بعض الأحيان تتمّ مقارنة النّسبة ذاتها مع شيء آخر. أي أنّ المقارنة بين شيئين تقارَن هي ذاتها مع شيء ثالث. ولننثر مزيدًا من الملح فوق الجروح، يكون أحيانًا هذا الشّيء الثّالث في حدّ ذاته نسبةً مئويّةً.
وأخيرًا، تخلق النّسبة المئويّة غالبًا تشويشًا بين عمليّات الضّرب والجمع والطّرح. أبسط مثال على ذلك هو تصغير شيء ما بنسبة عشرة بالمئة. إحدى طرق الحلّ هي حساب عشرة بالمئة من الشّيء الكامل (من العدد الكامل)، ثمّ طرحها من هذا الكامل بعمليّة طرح. ومع ذلك، غالبًا ما يكون من الأسهل والأكثر فائدة للحسابات الّتي تلي ذلك، أن نتعامل مع المسألة كما لو أنّنا أخذنا 90 بالمئة من العدد الكامل. في هذه الحالة، يتعيّن علينا حلّ تمرين هو عبارة عن عمليّة ضرب في أساسه. عندما يتمّ الدّمج بين تمارين الجمع والطّرح بطرق مختلفة ومتنوّعة، فإنّنا نكون على ما يرام مع الأمر عادةً، وكذلك الأمر مع متسلسلات الضّرب والقسمة فهي ليست صعبة بالنّسبة لنا على نحو خاصّ، ولكن عندما يتمّ الخلط بين هذين العالمين (الجمع والطّرح، مع الضّرب والقسمة) حينها تظهر لنا صعوبة من نوعٍ جديدٍ.
لكلّ هذه الأسباب فإنّ موضوع النّسب المئويّة صعب بالنّسبة لنا، وعندما يكون الأمر صعبًا، فإنّنا نميل إلى ارتكاب أخطاء تتمثّل بعدم الدّقّة.
فكرة ما تمثّله النّسب المئويّة تخلق صعوبات وتشويشًا لدى الكثيرين. إشارة نسبة مئويّة وهي تتدحرج فوق الدّرج | Pla2na, Shutterstock
خطأ الإضافة المزدوجة:
"يجب زيادة الخصومات في يوم الافتتاح أكثر بـ 25 بالمئة ممّا خُطّط له"
المشكلة هنا هي أنّنا لا نعلم فيما لو كان يجب أن نقوم بعمليّة ضرب أم جمع. لنفترض أنّ الخصم الّذي خُطّط له كان 40 بالمئة، فهل يكون المقصود هنا إضافة نسبة مئويّة إلى النّسبة المئويّة، أي الوصول إلى خصم قدره 65 بالمئة؟ أم أنّه علينا أخذ الخصم القائم وزيادته بمقدار الرّبع من الخصم الأوّليّ؟ أي بما أنّ 25 بالمئة من 40 بالمئة هي 10 بالمئة، فنضيفها إلى الخصم الأصليّ ونحصل على خصم إجماليّ قدره 50 بالمئة فقط. لو أرسلت إدارة المتجر إلى موظّفي المبيعات رسالة مكتوبة بهذه الطّريقة، فإنّ أحدًا منهم لن يعرف ما الّذي تقصده الإدارة بالضّبط.
خطأ المقارنات المتعدّدة:
"اِزدادت الجريمة في إسرائيل بنسبة 40 بالمئة مقارنةً مع الولايات المتّحدة"
أمرٌ مقلقٌ للغاية! ولكن قبل كلّ شيء، ما الّذي يعنيه ذلك؟ كنّا قد ذكرنا أنّ النّسبة المئويّة هي دائمًا جزء من شيء كامل. المشكلة في هذه الصّيغة هي أنّ هناك الكثير من الأشياء الكاملة الممكنة. هل الزّيادة هي بالنّسبة لما كان في الماضي؟ في هذه الحالة، فإنّ الجريمة في إسرائيل قد قفزت بنسبة % 40 خلال عام واحد، بينما في الولايات المتّحدة كانت الزّيادة أقلّ، أم أنّ معدّل الجريمة الحاليّ في إسرائيل يقارن هنا بمعدّل الجريمة الحاليّ في الولايات المتّحدة؟ ربّما قصدوا مقارنة درجة الزّيادة هنا وهناك؟ يوجد الكثير من الخيارات. وعندما لا يكون الشّيء الكامل واضحًا، فإنّ كل ّما يقال عن النّسب المئويّة لا يمكن أن يكون واضحًا.
أنقوم بعمليّة ضرب أم جمع؟ خطأ مزدوج ومضاعف. خصم 25 بالمئة على خصم الـ 50 بالمئة | Andaris Bangsawan, Shutterstock
خطأ التّعامل مع النّسبة المئويّة كعلامة:
"ما مدى قوّة أدائنا اليوم؟ أعتقد أنّنا نلعب بمستوى 70 بالمئة"
من غير الواضح إطلاقًا عمّ نتحدّث هنا ومن أيّ منطلق. المشكلة هنا ليست في كثرة الإمكانيّات، بل تحديدًا في عدمها. أنتحدّث عن قدرة الفريق الآن في التّشكيلة الحاليّة من كلّيّ القدرة المحتملة له؟ هل المقارنة هنا هي مع أفضل فريق حاليّ؟ أم مع أفضل فريق على الإطلاق؟ إن كنتم تودّون إعطاء علامة، أعطوا علامة بشكل فعليّ، قولوا 7 من 10 مثلًا. أو قولوا إنّ العلامة المستحَقّة هي 70. قد يكون المقصود من إضافة النّسبة المئويّة هو إظهار العبارة على أنّها عبارة ذكيّة أكثر، ولكنّها في واقع الأمر تأتي بتأثير معاكس.
خطأ التّعامل مع النّسبة المئويّة على أنّها تنبّؤ:
"هناك احتمال 90 بالمئة أن يفوز مرشّحنا"
الخطأ هنا جسيم جدًّا، لأنّه وبما أنّ الحديث هو عن تنبّؤ فذلك يشير إلى المستقبل. هناك افتراضات صحيحة مشروعة تمامًا بشأن المستقبل يتمّ استخدام النّسب المئوية فيها، على سبيل المثال عندما نقول "فرصة الحصول على رقم زوجيّ في حجر النّرد هي 50 بالمئة". اِستخدام النّسبة المئويّة للتّنبّؤ هو عمليًّا خطأ متنكّر في زيّ هذه الافتراضات الصّحيحة. يمكننا التّحدّث بالنّسب المئويّة عن نتائج رمي النّرد، لأنّنا نعلم بالضّبط ما هي النّتائج المحتملة وما النّسبة بينها. 50 بالمئة من ماذا؟ من الاحتمالات المستقبليّة المُمكنة. لذا، وبما يتعلّق والمرشّح نقول إنّه في 90 بالمئة من الاحتمالات المستقبليّة الممكنة فإنّ مرشّحنا سوف يفوز. إذا كان هذا ما قصدتم قوله، فلكم مطلق الحرّيّة، ولكن من جهتي، سأجد صعوبة في فهم ما يعنيه هذا الأمر، وعلى أيّ أساس يستند هذا التّخمين.
رقم يمثّل جزءًا من شيء كامل، وهنا تكمن المشكلة. رسمة كعكة مقسّمة إلى قطع بنسب مئويّة | pgraphis, Shutterstock
خطأ قلب الجملة عكسيًّا:
"نتيجة الفحص كانت إيجابيّة، لذا فهناك احتمال بنسبة 96 بالمئة أن أكون مريضًا حقًّا"
إنّ هذا الخطأ كبير جدًّا، لأنّه للنّسبة المئوية هنا يوجد معنى - معنى واضح جدًّا - ولكن مختلف عمّا أردنا قوله. إنّ المقصود بهذه الجمل عادةً في الفحوصات الطّبّيّة هو مستوى دقّة الفحص، وذلك يبدو منطقيًّا. إذا كان مكتوبًا أنّ الفحص دقيق بنسبة 96 بالمئة، فهذا يعني بالطّبع أنّ هذه هي نسبة احتمال كوني مريضًا. ولكن في الحقيقة فإنّ الأمر ليس كذلك. السّؤال المهمّ هو: ما الّذي نعرفه وما الّذي لا نعرفه؟ ومجدّدًا نسأل السّؤال الرئيسي وهو "نسبة من ماذا؟". ما هو الشّيء الكامل؟
المعطى عن مستوى دقّة الفحص يعني أنّه في 96 بالمئة من الحالات، فإنّ الفحص يعطينا إجابة صحيحة. أي أنّه إذا كان معروف أنّني مريض، فنسبة تبيان ذلك بواسطة الفحص هي 96 بالمئة. الجملة في العنوان تبدو شبيهة، لكنّها في الحقيقة تقلب عكسيًّا جانبَي الجملة، لأنّنا عندما نقوم بعمل الفحص، فإنّنا لا نعرف إذا كنّا مرضى أو أصحّاء، وإنّما نعرف فقط ما وجده الفحص.
بين "ما احتمال أن أكون مريضًا حقًّا إذا كنت قد حصلت على نتيجة إيجابية بالفحص؟" وبين "ما هي نسبة حصولي على نتيجة إيجابيّة في الفحص إذا كنت مريضًا بالفعل؟" هناك علاقة، ولكن النّسب ليست ذاتها، بل وأحيانًا يمكن أن تكون نسبًا مختلفة جدًّا.
يبدو أنّ النّسب المئويّة تجعلنا جميعًا نرتكب أخطاءً حسابيّة، لكن لا تقلقوا، فمع القليل من التّدريب والتّفكير، يمكننا تجنّب هذه الأخطاء بسهولة، والتّنقّل بثقة بين الأشياء الكاملة والأجزاء. لذا، في المرّة القادمة الّتي تصادفون بها نسبًا مئويّة، تذكّروا ما تعلّمتموه وجِدوا أوّلًا الشّيء الكامل.