على الرّغم من وجود لقاحات فعّالة، لا يزال السّعال الدّيكيّ يعرّض حياة الأطفال غير المطعّمين للخطر - بما في ذلك ثلاثة قضوا مؤخّرًا بسبب المرض في تفشّي المرض الحاليّ في البلاد

السّعال الدّيكيّ هو أحد الأمراض الّتي لا يوجد سبب لاستمرار انتشارها بيننا. حتّى أنّه لم يكن من المفروض أن يستمرّ المرض حتّى اليوم ويؤدّي إلى إرسال الأطفال إلى المستشفى. وعلى الرّغم من هذا، فإنّ المرض ينتشر مرارًا وتكرارًا. في البلاد، في خضم تفشّي المرض الّذي بدأ قبل أكثر من عام، تمّ تشخيص المرض لدى مرضى في وادي العربة والقدس، ومن هناك انتشر إلى جميع أنحاء البلاد. الغالبيّة العظمى من المصابين المعروفين هم أطفال تقلّ أعمارهم عن 18 عامًا. ويعاني البعض من أعراض خفيفة إلى حدّ ما، ولكن كلّما كان المريض أصغر سنًّا، زاد خطر حدوث مضاعفات تهدّد حياته. ووفقًا لبيانات وزارة الصّحّة، فإنَّه خلال التّفشّي الحاليّ، احتاج 28 طفلًا وشخصًا بالغًا حتّى الآن إلى دخول وحدات العناية المركّزة (العناية المكثّفة) في المستشفى، وتوفّي ثلاثة من الأطفال بسبب المرض. إنّ موت طفل هو دائمًا أمر فظيع، وفي هذه الحالة فظيع بشكل خاصّ، لأنّه كان من الممكن الوقاية من المرض عن طريق اللّقاح.

مسبّب المرض هو بكتيريا تسمّى البورديتيلا الشّاهوقيّة (Bordetella Pertussis). تدخل البكتيريا الجسم عندما نستنشق رذاذ لعاب ملوّثًا الى رئتينا، على سبيل المثال بعد أن يسعل مريض أو يعطس بالقرب منّا، وبدورها تتكاثر في الجهاز التّنفّسيّ. هذا المرض شديد العدوى: لدى النّاس غير المطعّمين، ينقل كلّ مريض العدوى بالمعدّل بين 15 إلى 17 شخصًا. وهذا يوضّح مدى سهولة تطوّر المرض إلى الوباء. يقلّل اللّقاح بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى أو إصابة الآخرين.

كما هو الحال مع الكزاز والدّفتيريا، فإنّ بكتيريا السّعال الدّيكيّ نفسها ليست خطيرة بشكل خاصّ. تكمن المشكلة في الموادّ المسمّة الّتي تفرزها (Toxins)، والّذي يولّد ردّ فعل معقّدًا يظهر على شكل نوبات سعال طويلة وشديدة قد تستمرّ لأكثر من ستّة أسابيع. في نهاية نوبة السّعال النّموذجيّة لدى الأطفال المصابين بالسّعال الدّيكيّ، غالبًا ما تكون هناك صعوبة في استنشاق الهواء، وهو ما أعطى المرض اسمه: السّعال الدّيكيّ ("Whooping cough").


كلّما كان عمر المريض أصغر كلّما زاد خطر حدوث مضاعفات. طفل صغير يسعل Shutterstock, UvGroup

جميعنا نسعل أحيانًا، وهو أمر غير سهل للجسم لكنّه محتمل. نوبات السّعال الدّيكيّ شيء آخر: السّعال المستمرّ الّذي يتفاقم عند البالغين، قد يؤدّي إلى تشقّق الأضلاع بسبب الإجهاد، حتّى الكسور. يمكن أن يختنق الأطفال بسبب هذه السّعال، بل إنّهم معرّضون لخطر حقيقيّ للإصابة بتلف في الدّماغ أو الوفاة بسبب السّعال المفرط. في الدّول المتقدّمة، يتمّ إدخال حوالي ثلث الأطفال المصابين بالسّعال الدّيكيّ إلى المستشفى بسبب شدّة المرض، ويموت واحد من كلّ مائة طفل مريض تحت عمر السّنة بسبب المرض.

يبدأ المرض عادة مثل أيّة نزلة برد. تتطوّر نوبات السّعال الشّديدة تدريجيًّا، وقد تظهر أحيانًا بعد شهر واحد فقط من الإصابة الأوّليّة. للتّأكّد من أنّه السّعال الدّيكيّ بالفعل، يجب أخذ مسحة مخصّصة من الحلق لتشخيص هذا المرض. المشكلة هي أنّه إذا كنت لا تعرف مسبقًا أنّك تبحث عن السّعال الدّيكيّ، فلن تتمكّن من التّعرّف إليه، في حال عدم نموّ البكتيريا  في المزرعة المخبريّة. لهذا السّبب، عندما تتلقّى علاجًا طبّيًّا، من المهمّ إبلاغ الأطبّاء بكلّ شيء، بما في ذلك السّعال الّذي تعاني منه أو الّذي يعاني منه أطفالك أو الأشخاص الّذين يسعلون حولك.

 

العلاج

وبما أنّها بكتيريا، فإنّ الجزء الأساسيّ من علاج السّعالّ الدّيكيّ هو إعطاء المضادّات الحيويّة. الدّواء لا يقلّل من مدّة المرض، لأنّ السّم موجود بالفعل في الجهاز التّنفّسيّ ويسبّب الضّرر. المضادّ الحيويّ يقتل البكتيريا ويمنعها من إفراز المزيد والمزيد من السّموم، ممّا يؤدّي إلى تفاقم المرض. بالإضافة إلى ذلك، إنّ تدمير البكتيريا يمنعها من الاستمرار في إصابة الآخرين، لذلك من المهمّ وقف تفشّي المرض. إذا تدهورت حالة المريض، قد تكون هناك حاجة في بعض الأحيان إلى دخول المستشفى، إعطاء الأكسجين ومسكّنات الألم. لا يوجد علاج ضدّ السّم نفسه، لذلك حتّى في المستشفى يمكنهم فقط تقديم العلاج الدّاعم في هذه المرحلة.

نظرًا لخطورته على السّلامة العامّة، يُعتبر السّعال الدّيكيّ من الأمراض الّتي يجب إبلاغ وزارة الصّحّة عنها. عند تلقّي معلومات عن مريض جديد بالسّعال الدّيكيّ، يتمّ إرسال فريق من مكتب الصّحّة المحلّيّ لتحديد موقع جميع الأشخاص الّذين كانوا على اتّصال بالمريض، وبالتّالي يمكن أن يكونوا مصابين بالمرض: أفراد الأسرة والطّلّاب في منزل المريض، الصّفّ أو رياض الأطفال والمعلّمين، وآخرين كانوا على تواصل معه.

عندما يجد موظّفو المكتب أشخاصًا معرّضين أيضًا لخطر الإصابة بالمرض، فإنّهم ينصحون بتطعيمهم ضدّ السّعال الدّيكيّ دون تأخير. يمنع اللّقاح تطوّر المرض لدى من تعرّضوا للبكتيريا، أو يوقفه قبل ظهور الأعراض الشّديدة، كما أنّه يمنع انتشار المرض بشكل أكبر.


تدخل البكتيريا الجسم عندما نستنشق رذاذ اللّعاب المصاب إلى الرّئتين فتتكاثر في الجهاز التّنفّسيّ. رسم توضيحيّ للبكتيريا في الجهاز التّنفّسيّ | Shutterstock, Kateryna Kon

اللّقاحات

هناك عدّة أنواع من لقاحات ضدّ السّعال الدّيكيّ. في الماضي، تم ّاستخدام "اللّقاح الممات"، الّذي يعتمد على بكتيريا البورديلا الميّتة، والّتي لا يمكن أن تسبّب ضررًا. عندما تُحقن البكتيريا المماتة في الجسم، يتفاعل الجهاز المناعيّ ضدّها وينتج أجسامًا مضادّة يمكنها مهاجمة بكتيريا السّعال الدّيكيّ الحيّة إذا أصيب متلقّي اللّقاح بها في المستقبل. هذا اللّقاح فعّال للغاية، ولكن نظرًا لوجود مخاوف من أن يسبّب آثارًا جانبيّة عابرة لدى الأطفال مثل الأرق والبكاء لفترات طويلة، فقد تمّ تطوير لقاح جديد بآثار جانبيّة أقلّ، على الرّغم من أنّه أقلّ فعاليّة نسبيًّا.

اللّقاح الجديد هو لقاح غير خلويّ، لا يحتوي على الخليّة البكتيريّة بأكملها، بل أجزاء مقسّمة منها فقط - تلك الأجزاء الّتي يحتاج الجهاز المناعيّ إلى معرفة كيفيّة التّعرّف إليها حتّى يتمكّن من القضاء على البكتيريا إذا تمّت مواجهتها في المستقبل. فاعليّة كلا اللّقاحين محدودة ويجب تجديدهما مرّة واحدة كلّ عشر سنوات، كما يوصى باستخدامهما أكثر في حالة تفشّي السّعال الدّيكيّ في منطقتك.

عادة ما يبدأ التّطعيم ضدّ السّعال الدّيكيّ في عمر شهرين، حيث لا يوجد لقاح فعّال تقريبًا في سنّ أصغر. ومع ذلك، هناك حاجة إلى عدّة جرعات من اللّقاح لتحقيق أقصى قدر من الحماية ضدّ المرض. ولهذا السّبب، تُنصح اليوم النّساء بتلقّي التّطعيم أثناء الحمل، حتّى تنتقل الأجسام المضادّة الّتي ينتجها جهاز المناعة إلى الجنين عبر المشيمة فتحميه حتّى يتمكّن من تلقّي اللّقاح من تلقاء نفسه. تبقى الأجسام المضادّة للسّعال الدّيكيّ في جسم الطّفل مدّة شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل أن تتحلّل. ولهذا السّبب يحاولون تطعيم الأمّ قبل وقت قصير من الولادة، حتّى يتشكّل ما يكفي من الأجسام المضادّة في جسمها، فتنتقل إلى طفلها لحمايته بعد الولادة.


 اليوم، يُنصح بتطعيم النّساء أثناء الحمل، حتّى تحمي الأجسام المضادّة الّتي سينتجها جهاز المناعة على الجنين حتّى يتمكّن من تلقّي اللّقاح بنفسه. يتمّ تطعيم امرأة حامل | Shutterstock, Marina Demidiuk

تمّ تطوير هذه الطّريقة أوّل مرّة في بريطانيا، بعد تفشّي مرض السّعال الدّيكيّ بشكل حادّ عام 2011، والّذي توفّي خلاله خمسة أطفال. أظهرت الخبرة المكتسبة هناك أنّ التّطعيم ضدّ السّعال الدّيكيّ أثناء الحمل هو إجراء فعّال وآمن للأمّ والطّفل، ويقلّل بشكل كبير من خطر إصابة الأطفال بالسّعال الدّيكيّ في بداية حياتهم. اليوم، أصبحت التّوصية بتطعيم الأمّهات قرب نهاية الحمل مقبولة في معظم دول العالم كوسيلة لحماية الأطفال حديثي الولادة في الأشهر الّتي يكونون فيها أكثر عرضة للإصابة بالمرض.

المشكلة هي أنّه لكي يعمل اللّقاح، يجب أن يتمّ التّطعيم أوّلًا. بسبب نقص المعرفة والوعي للموضوع، وكذلك بسبب مجموعات معارضي اللّقاح، يزداد عدد الأطفال والبالغين غير المطعّمين بين النّاس. وبما أنّ المرض يؤدّي عادة إلى إصابة البالغين بسعال طويل الأمد، ولكن دون أعراض أخرى، فإنّ الكثيرين لا يدركون خطورته، وعندما يتواصلون مع طفل غير مطعّم، قد يصاب بالمرض منهم. وكما ذكرنا، إنّ المرض عند الأطفال صعب بشكل خاصّ.

لحماية الأطفال

لذلك، إذا كان أحد أفراد عائلتك حاملًا، فيرجى التّأكّد من تطعيمك ضدّ السّعال الدّيكيّ، ولا تقترب من الأمّ أو الطّفل حتّى تنتهي من التّطعيمات. إذا كنتِ حاملًا، فسيتم تقديم اللّقاح لك من خلال صندوق التّأمين الصّحّيّ ابتداءً من الأسبوع السّابع والعشرين من الحمل. وإذا مرضت، حتّى لو كان "مجرّد سعال"، فتجنّب الاتّصال مع الأطفال واطلب علاجًا.

0 تعليقات