رغم الوعود بتطوير فحوصات سريعة بإمكانها تقديم النّتائج خلال ربع ساعة، إلّا أنّها ليست دقيقة بما فيه الكفاية، أو أنّها لم تثبت نجاعتها بعد.

كثُرت في الأيّام الأخيرة الأنباء في وسائل الإعلام عن وجود فحوصات سريعة لتشخيص الكورونا  تقدّم النّتائج خلال دقائق معدودة. في الواقع، تشمل "الفحوصات السّريعة" عدّة أنواع تقنيّات  تختلف عن بعضها البعض بخصائص كثيرة. ما هو الأمر بالضبط، وما هي النّواقص الّتي تثير الشّكوك لدى العديد من الخبراء بشأن الخيارات المطروحة؟ 

تهدف هذه الفحوصات إلى تشخيص حاملي الفيروس لإبطاء وتيرة انتشار الفيروس وقطع سلسلة العدوى. يعتبر عامل السّرعة مهمًّا في تحقيق هذا الهدف، ويوجد غيره العديد من العوامل الّتي تحدّد مدى مساهمة نوع الفحص في تحقيق الهدف، ولا تقلّ أهمّيّة  عن عامل السّرعة، مثل الإنتاجيّة والموثوقيّة. مثلًا، الفحص السّريع الّذي يمكن إجراؤه مرّة واحدة كلّ ثلاثة أيّام، لأسباب لوجستيّة وماديّة، يكون أقلّ نفعًا من فحص يعطي نتائج خلال ساعات، لكن يمكن إجراؤه كلّ يوم. كذلك، الفحص السّريع الّذي يعطي نتائج مغلوطة، قد يلحق الضّرر أكثر ممّا يجدي نفعًا.

תור לבדיקות קורונה ברכב בטקסס, ארה"ב | צילום: michelmond, Shutterstock

تعتبر السّرعة عاملًا واحدًا من بين الكثير لتحديد نجاعة الفحوصات. صفّ الانتظار لفحوصات الكورونا في السّيّارة في تكساس، الولايات المتّحدة | تصوير: michelmond, Shutterstock

فحوصات تكشف عن المستضدّات

ذكرت المواقع الإخباريّة مؤخّرًا مبادرة نقابة الصّناعة في البلاد لإنشاء محطّات فحص الكورونا في المصانع، تُفحص المستضدّات فيها من خلال فحص يُدعى "صوفيا"، الّذي يُقدّم النّتيجة خلال 15 دقيقة. اِقتنت وزارة الصّحّة حوالي 300 جهاز فحص كهذا. يختلف هذا النّوع من الفحوصات عن فحص الـ PCR المعروف (أو بالأحرى qRT-PCR/ qPCR) بأنّه لا يهدف إلى الكشف عن المادّة الوراثيّة للفيروس، وإنّما إلى تمييز البروتينات الّتي تحيط غلافه، وهي المستضدّات (Antigens)،  وهذه ممكن أن تكون بروتينات ال Spike، الّتي تبرز على شكل "نتوءات"  مألوفة لنا من رسم الفيروس التّوضيحيّ.

من جهة، يوفّر فحص المستضدّات إجابة سريعة. من جهة أخرى،  هو أقلّ حساسيّة من فحص ال PCR العاديّ الّذي يمكّن من تشخيص حاملي الفيروس في بداية المرض ونهايته، عندما يحمل المريض كمّيّة أقلّ من الفيروس. لا تميّز فحوصات المستضدّات هؤلاء المرضى.  خلال عمليّة التّحقّق أو التّأكّد (Validation) من الفحص، وُجد أنّ نسبة حساسيّة  الفحوصات هذه، مقارنة بفحوصات ال PCR، تبلغ %84 في المرضى الّذين تظهر عليهم أعراض المرض و %62 في المرضى الّذين لا تظهر عليهم  أعراض. هذا يعني أنّ اثنين من كلّ خمسة حاملين للفيروس الّذين لا تظهر عليهم أعراض المرض سيحصلون على نتيجة سلبيّة، وفي الواقع يحملون الفيروس وقد يصيبون آخرين بالعدوى.

محدوديّة الفحص هذه معروفة، فقد ذكرت إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة (FDA)، في تصريحها لحالات الطّوارئ، أنّ الفحص يستهدف الأشخاص "الّذين شُخّصوا من قبل الطّبيب على أنّهم مصابون بعدوى في جهاز التّنفّس بسبب أعراض تلائم COVID-19، وفقط في الأيّام الخمسة الّتي تلي ظهور الأعراض". أي أنّ الفحص لا يستهدف المرضى الّذين لا تظهر عليهم الأعراض أو الّذين في المراحل المبكّرة أو المتأخّرة من المرض.

إذًا، فحوصات المستضدّات لا تلائم الأشخاص الّذين لا يعانون من أعراض واضحة للمرض، مثل الحرارة المرتفعة، السّعال الجافّ، لذلك ليس من الواضح سبب إعلان نقابة الصّناعة عن القيام بهذه الخطوة التّجريبيّة (Pilot). المكان الوحيد الّذي يمكن أن تساهم فيه مثل هذه الفحوصات هو في استقبال المرضى الّذين تظهر عليهم الأعراض في غرف الطّوارئ، وحتّى هناك، أصدرت وزارة الصّحّة أوامر بدعم النّتائج من خلال فحص PCR.

בדיקה אנטיגנית | צילום: ilze kalve, SHutterstock

اِثنين من كلّ خمسة حاملين للفيروس، الّذين قد يصيبون آخرين بالعدوى، سيحصلون على نتيجة سلبيّة. فحص مستضدّات | تصوير: ilze kalve, SHutterstock

الفحوصات الّتي ما زالت قيد التّطوير

أعلن نائب وزير الصّحّة، يوآف كيش، مؤخّرًا عن تجارب  تعتمد على ثلاث تقنيّات أخرى للتّشخيص  السّريع لمرضى الكورونا، طوّرتها شركات إسرائيليّة ناشئة (startups). الأولى هي من تطوير شركة NewSight، وهو فحص يعتمد على التّحليل الطّيفيّ (تحليل انعكاس الضّوء) لعيّنة من اللّعاب لتحديد ما إذا كانت تحتوي على فيروسات خلال ثوانٍ. التّقنّية الثّانية هي من تطوير شركة Nanoscent للكشف عن الكورونا  بناءً على "النّمط الجزيئيّ" للفيروس في الهواء الّذي يزفره المفحوص. التّقنّية الثّالثة، من تطوير شركة سانولا، تعتمد على تشخيص المرضى باستخدام سمّاعة طبّية (ستاتوسكوب) متطّورة للاستماع.

ما زالت هذه التّقنيّات في المراحل الأولى من إثبات جدواها. حتّى عند التّقدّم في المراحل، ومن غير المفهوم ضمنًا  أن يحدث ذلك، من المحتمل جدًّا أن يكون تنفيذها مكلفًا  واستعمالها غير مناسب على نطاق واسع.

 עמדות בדיקת נוסעים בנמל התעופה של רומא, איטליה | צילום: Alessia Pierdomenico, Shutterstock

من المحتمل ألّا تلائم الفحوصات السّريعة التّنفيذ واسع النّطاق. محطّات فحص للمسافرين في مطار روما، إيطاليا | تصوير: Alessia Pierdomenico, Shutterstock

 

فحوصات PCR سريعة

من بين الحلول الأخرى  فحص PCR متطوّر الّذي يقدّم النّتائج بسرعة. حصلت الشّركات المصنّعة لعدّة ال PCR الّتي تقدّم إجابة خلال حوالي نصف ساعة، على موافقة طارئة من ال FDA، ومنها شركة GeneXpert وشركة Visby،  اللّتين تعملان في البلاد في نطاق محدود. 

أثارت شركة Visby، الّتي أسّسها الشّاب الإسرائيليّ  آدم دي لا زاردا، ضجّة إعلاميّة في إسرائيل، بسبب إعلان وزير الدّفاع بني غانتس، في أوائل شهر تشرين الأوّل، عن اقتناء 300 وحدة من صنع الشّركة. اِدّعى غانز حينها أنّه ستمكّن عدّة الفحص الشّخصيّة هذه والمستعملة لمرّة واحدة فقط من فحص الطّاقم الطّبّيّ ودور المسنّين، وستوفّر حلًّا للخوف  من تفشّي المرض في المدارس، عمّال المصانع الضّروريّة وحالات أخرى بشكل سريع يوميًّا.

إذا تمكّن كلّ شخص من إجراء فحص سريع وموثوق به كلّ يوم، فيمكننا على الأرجح الحدّ من انتشار الوباء خلال وقت قصير. إلّا أنّه حاليًّا هذا السّيناريو غير واقعيّ مع أيّ من تقنيّات الفحوصات السّريعة المتوفّرة، بسبب القدرة المحدودة للشّركات  على الإنتاج وبسبب تكلفتها. يمكن لمثل هذه التّقنيّات أن توفّر بيئة خالية نسبيًّا من الكورونا في مناسبات أو مجمّعات معيّنة، من خلال دفع بضع عشرات من الدّولارات لكلّ وحدة (طقم). لا يمكن إجراء هذا النّوع من الفحوصات على كلّ السّكّان، لأنّ  وتيرة الإنتاج تبلغ حوالي بضع عشرات الآلاف من الوحدات شهريًّا، أو مئات الآلاف في أحسن الأحوال، بالإضافة إلى ثمنها الباهظ.

 

 הערכה של חברת Visby | צילום מתוך אתר Visby
التّقنيّة ناجعة في مناطق محدّدة وليس  لفحص سكّانيّ شامل. عدّة شركة Visby | صورة من موقع Visby

التّغطية والدّقة كبديل للسّرعة 

إذا لم تتوفّر الفحوصات السّريعة لتغيير قواعد اللّعبة، فهل محكوم علينا أن نستمرّ في استخدام  الطّرق المحدودة نفسها والمتوفّرة لنا الآن؟ ليس بالضّرورة. يدّعي العديد من الخبراء أنّ الحلّ الأفضل  في متناول اليد، وهو ليس فحصًا يقدّم النّتيجة خلال دقائق.

في 7 تشرين الأوّل، نشر مركز المعلومات والمعرفة الوطنيّ لـلكورونا وثيقة توضّح بالتّفصيل كيف يمكن زيادة إنتاجيّة الفحوصات المتوفّرة بشكل كبير، خفض ثمنها والوصول إلى مئات الآلاف من الفحوصات يوميًّا خلال أسابيع قليلة. يمكن مضاعفة الإنتاج  عدّة أضعاف من خلال تعديلات سهلة التّنفيذ، مثل التّخلّص من (شلّ، تعطيل)  الفيروس في العيّنة من خلال استعمال محلول خاصّ لذلك أو بالتّسخين، زيادة عدد أنابيب الاختبار الدّاخلة إلى جهاز الفحص، ودمج عيدان الفحص أو العيّنات - أي دمج فحوصات  لعشرات الأشخاص في عيّنة واحدة.

تعديل محتمل آخر هو أخذ العّينات بشكل ذاتيّ، من خلال البصق في أنبوب الفحص، بدلًا  من أخذ العيّنات بشكل عميق من الفم، الّذي يتطلّب  الكثير من القوى العاملة والمحطّات المخصّصة لذلك. أظهرت بضع دراسات أنّ فحص اللّعاب لا يقلّ حساسيّة عن أخذ العيّنات العميق. حصلت تقنيّة فحص طُوّرت في جامعة ييل على موافقة طارئة من ال FDA في منتصف شهر آب، وتمّت الموافقة على تقنيّات مشابهة في بريطانيا، اليابان ودول أخرى أيضًا.

מערכת PCR אוטומטית | צילום: VOISIN / PHANIE / SCIENCE PHOTO LIBRARY
يمكن للتّعديلات مثل دمج العيّنات وأخذ العيّنات الذّاتيّ أن تنجّع بشكل كبير من طريقة الفحوصات الحاليّة. جهاز PCR أوتوماتيكيّ | تصوير: VOISIN / PHANIE / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

سوف يمكّن إجراء فحص  PCR مع التّعديلات المقترحة في الوثيقة من توسيع نطاق التّشخيص وتحديد جميع حاملي الفيروس، والتّأكّد بدرجة عالية من أنّه ستكون مجموعات سكّانيّة كاملة خالية من الفيروس. نظرًا لعدم الحاجة لوجود آخذي العيّنات، وإنّما فقط محطّات لجمع العيّنات الذّاتيّة، فمن الممكن نشر  عدّة محطّات للتّجميع تدور على المجموعات السّكّانيّة المستهدفة الّتي تُحدّد وفقًا لمراكز تفشّي المرض والقطاعات المفضلة - مثل الطّواقم الطّبّيّة،  طواقم التّمريض وغيرها. يسلّم العامل  في طريقه إلى العمل أنبوب اختبار يحتوي على لعابه ويحصل على النّتيجة حتّى ساعات الظّهر، بدقّة عالية، ليست أقلّ من الفحوصات المتوفّرة اليوم. على الرّغم من أنّ النّتائج ليست فوريّة، إلّا أنّه إذا كانت إيجابيّة، يمكن عزل الأشخاص الّذين  كانوا على اتّصال مع المفحوص وفحصهم على الفور.

من ناحية مادّيّة، ستكون تكلفة تشغيل مثل هذا المخطّط  أقلّ بكثير من تكلفة الفحوصات السّريعة، وذلك لكون المختبرات موجودة ولن تتطلّب سوى تغييرات طفيفة. أمّا ثمن أجهزة  الفحوصات السريعة والقوى العاملة المطلوبة لأخذ العيّنات فأعلى بكثير. البنية التّكنولوجيّة لتطبيق النّظام المقترح من قبل المركز الوطنيّ للمعلومات والمعرفة موجودة، ويجب بناء البنية اللّوجستيّة المناسبة لجمع العيّنات، وطبعًا اتّخاذ قرار بشأن تنفيذ الاستراتيجيّة.

 

شكرا للدّكتور شاي فلايشون على الاستشارة العلميّة للمقال. 

 
 
الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات