في ذروة الصّيف، وعند التّعرّض لدرجات حرارة شديدة، قد يفقد الجسم القدرة على تبريد نفسه. لماذا يحصل هذا وما الّذي يمكن فعله في حال أُصِبْنا؟
تُعتبر أشهر تموز - آب ذروة فصل الصّيف في إسرائيل، في بعض المناطق في البلاد يمكن أن تصل درجة الحرارة الخارجيّة في الظّل إلى 40 درجة مئويّة أو أكثر. في شهر أيّار فقط عام 2020 وصل لمراكز نجمة داوود الحمراء أكثر من ألفي توجّه متعلّق بدرجات الحرارة الشّديدة. تمّ إجلاء 13 مُصابًا في هذه الفترة يعانون من إصابات صعبة وتُوفي اثنان منهم.
إذا أمضينا وقتًا متواصلًا في الخارج تحت أشعّة الشّمس الحارقة، فقد نبدأ في الشّعور بالعطش، نبدو متورّدين قليلًا وخاصّة في منطقة الخدّ ونفرز العرق. هذه كلّها طرق يحاول الجسم من خلالها التّخفيف من حدّة ارتفاع درجة حرارته. عادة ما تتراوح درجة حرارة الجسم السّليمة ما بين 36.5 حتّى 37 درجة مئويّة، حيث يسعى جسمنا جاهدًا للحفاظ على بيئة داخليّة مستقرّة حتّى عندما تتغيّر درجات الحرارة في البيئة الخارجيّة. تُعتبر منطقة "تحت المهاد" أو الهيبوثلاموس الموجودة في المخّ، المسؤولة عن تنظيم درجات حرارة الجسم: عندما ترتفع درجة الحرارة الخارجيّة، يقوم الهيبوثلاموس بإرسال إشارات للجسم بهدف تبريده.
هناك آليّتان أساسيتان مسؤولتان عن تبريد الجسم. الأولى هي التعرّق: إفراز سائل من الغدد الموجودة في طبقة الجلد؛ بهدف تبريد الجلد. فإنّ تبخّر العرق هو عمليّة مُستهلِكة للطاقة: حيث يتمّ استثمار طاقة حراريّة في داخل قطرات العرق ممّا يتسبّب في تبخّرها وتحويلها إلى غازات. الآليّة الثانية المُستخدَمة لتبريد الجسم هي عمليّة تمديد الأوعية الدمويّة الطرفيّة أو المحيطيّة، على سبيل المثال: الأوعية الموجودة في منطقة الخدّ. بواسطة هذه العمليّة، نقوم بنقل الحرارة من الدّم إلى الجلد ومن ثم نبعثه إلى البيئة الخارجيّة. لهذا السبب نظهر متورّدين.
إذا أمضينا وقتًا متواصلًا في الخارج تحت أشعّة الشمس الحارقة، فقد نبدأ في الشّعور بالعطش، ونبدو متورّدين قليلًا وخاصّة في منطقة الخدّ ونفرز العرق. شخص يحمل زجاجة ماء خلال مُمارسة نشاط رياضيّ | Shutterstock, ElenaYakimova
مثير للاهتمام، معرفة التّالي:
الأدوية الخافضة للحرارة مثل أدفيل (ايبوبروفين) أو أكامول (باراسيتامول) مُفيدة فقط في حالات المعاناة من درجة حرارة مرتفعة تطوّرت كجزء من عمليّة الاستجابة المناعيّة كردّ فعل على دخول جسم غريب لجسمنا، لكنّها لا تساعد في حالة الإصابة بضربة شمس. السبب لذلك؛ هو كون هذه الأدوية تمنع إنتاج جزيء PGE2 - البروستاغلاندين E2، وبالتّالي تُعيد مؤشّر درجة الحرارة الطبيعيّة للهيبوثلاموس إلى مستواه الطبيعيّ، والحرارة تتوقّف عن الارتفاع؛ نظرًا لأنّ هذه الأدوية غير قادرة على تنشيط آليّات التبريد، فإنّه لا جدوى من استعمالها عند مواجهة الجسم لضربة شمس.
ضرر غير قابل للإصلاح
في حالات معيّنة، عند ارتفاع درجات الحرارة الخارجيّة وعندما لا يستطيع الجسم تبريد نفسه بشكلٍ كافٍ، ترتفع درجة حرارة الجسم. هذه الحالة تُسمّى "فرط الحرارة" Hyperthermia - أصل الكلمة يونانيّ وتعني "ما بعد الحرارة". من الناحية الطبيّة، هي تُعتبر حالة ترتفع فيها درجات حرارة جسمنا ما فوق 38 درجة مئويّة.
الخطر الأساسيّ في حالات فرط الحرارة هو الإصابة بضربة شمس، وهي حالة ترتفع فيها درجة حرارة الجسم ما فوق ال40 درجة مئويّة. تحدث الإصابة بضربة الشمس عندما لا ينجح الهيبوثلاموس في إيقاف الارتفاع في درجة الحرارة، وهي تُعتبر حالة خطرة للغاية على صحّتنا وقد تشكّل خطرًا على حياتنا. عندما ترتفع درجات حرارة الجسم أكثر من 41.5 درجة مئويّة، فإنّ البروتينات في خلايا جسمنا تبدأ في التدمّر: يتغيّر المبنى الهيكليّ بشكل لا رجعة فيه وتتضرّر وظيفتها. في هذه المرحلة، يعاني الشخص المُصاب بضربة شمس من أعراض مثل: الصُّداع، الارتفاع في سرعة النبض، الصعوبة في التّنفّس، الشعور بالغثيان والقيء. عند وصول درجة حرارة الجسم إلى ما فوق 42.5 درجة مئويّة، يُسبّب ذلك أضرارًا في المخّ غير قابلة للإصلاح، والتي تظهر على شكل الشعور في الارتباك والهلوسة، نوبات الاختلاج وفقدان للوعي.
يمكن لضربة الشمس أن تحصل جرّاء نشاط رياضيّ شاقّ في بيئة حارّة. عندما يقوم الشخص بتمرين عضلاته، 80 في المئة من الطاقة الّتي يُنتجها تتحوّل إلى طاقة حراريّة. عندما يتجاوز مستوى التسخين قدرة الهيبوثلاموس على تبريد الجسم، ترتفع درجة حرارة الجسم. المكوث في بيئة شديدة الحرارة قد يؤدّي إلى ذات النتيجة حتّى في حال عدم القيام بنشاط شاقّ. هذا تمامًا ما يحصل عند نسيان الأطفال في سيّارات مُغلقة. وفقًا للمعطيات الصادرة عن منظمة "بطيرم"، فقد تمّ نسيان أكثر من 880 طفلَا داخل المركبات في إسرائيل في العقد الأخير، وتُوفي 32 منهم.
يمكن أن تصل درجة الحرارة داخل سيّارة مغلقة في ذروة الصيف الإسرائيليّ إلى 70 درجة مئويّة. نظرًا إلى صغر حجم أجسام الأطفال وميلهم إلى السخونة بشكل أسرع من أجسام البالغين؛ فإنّ الخطر على صحّتهم أكبر بكثير، وقد يعانون من الإصابة بضربة شمس حتّى لو بقوا لفترة زمنيّة قصيرة في السيّارة. إذا لم يكن هذا كافيًا، فإنّ الرطوبة داخل السيّارة أعلى بكثير منها في الخارج، وفي حال تعرّق الطفل، لا يمكن للعرق مساعدة الطفل في تبريد جسمه. وبالتّالي فإنّ إحدى الآليّتين المسؤوليتين عن تبديد حرارة الجسم غير فعّالة وغير مُفيدة.
الخطر الأساسيّ في حالات فرط الحرارة هو الإصابة بضربة شمس، وهي حالة ترتفع فيها درجة حرارة الجسم ما فوق ال40 درجة مئويّة. ميزان حرارة يُظهِر درجة حرارة 40.3 | Lea Paterson, Science Photo Library
عندما يسخن الجسم طواعيةً
ترتفع درجة حرارة جسمنا عندما نمرض أيضًا. عندما يدخل فيروس أو بكتيريا إلى أجسامنا، تبدأ خلايا جهاز المناعة في العمل بهدف محاربته. تبدأ بعض الخلايا في إنتاج جزيئات تُسمّى سيتوكينات، والّتي تنتقل عبر مجرى الدّم حتّى تصل إلى الهيبوثلاموس وتدفعه إلى إنتاج جزيء باسم PGE2 - البروستاغلاندين E2. يقوم هذا الجزيء بتغيير تعريف درجة حرارة الجسم السليمة. في أعقاب ذلك، يشعر الهيبوثلاموس أنّ درجة حرارة الجسم الطبيعيّة منخفضة للغاية ممّا يدفعه إلى تنشيط الآليّات المسؤولة عن رفع حرارة الجسم. لذلك عندما نمرض وترتفع درجة حرارة جسمنا، نشعر أحيانًا كما لو أنّنا نشعر بالبرد، وربّما بالقشعريرة.
هناك اختلاف جوهريّ بين نوعَي الحرارة. في الوقت الذي يحاول فيه الجسم تبريد نفسه عند الإصابة بضربة شمس ولكنّه يفشل، فإنّ الحرارة لدى المريض تتغيّر عندما يبدأ الجسم في تدفئة نفسه بشكلٍ نشطٍ استجابةً لنشاط جهاز المناعة الذي أدّى إلى نشوء شعور لدى المخّ بأنّ درجة الحرارة العاديّة للجسم في الواقع مُنخفضة للغاية.
كيف نمنع الإصابة بضربة شمس؟
في الأيام الحارّة من المُفضّل التزوّد بزجاجة ماء باردة، وخاصّة عند الخروج لمُمارسة نشاط رياضيّ شاقّ. يوصَى أيضًا القيام بالنشاط الشاقّ في الساعات الأقلّ حرارةً، ومن المهمّ أيضًا ارتداء قبّعة والقيام باستراحات مُخطّطة مُسبقًا. في حال التقيتَ بشخصٍ يشعر أنّه يعاني من ضربة شمس، فإنّ أوّل وأهمّ شيء عليكَ القيام به هو تبريد جسمه في أسرع وقتٍ ممكن. بعض الأساليب الناجعة لتبريد الجسم قد تكون حمّام ثلج أو لفّ الجسم بمناشف مُبَلّلة. بعد ذلك، ينبغي نقله إلى غرفة الطوارئ لاستكمال العلاج. يُعتبر تبريد الجسم خطوة حيويّة وأساسيّة، فإنّ إصابة الجسم بدرجات حرارة شديدة لأكثر من نصف ساعة قد تؤدّي بالمصاب إلى أضرارٍ لا يمكن إصلاحها.