يرتبط قدوم شهر رمضان بمشاعر جميلة وحماسة إزاء الصيام والعبادات لدى الأطفال. شوق لطقوسه المختلفة من زينة وموائد إفطار مميزة، ثم موائد سحور وتجمّعات عائلية وأصوات المساجد التي تصدح وقبل كل شيء طبعًا طقس الصّيام. لكن هل من السليم صيام الأطفال وكيف نضمن أن يكون آمنًا؟

يرتبط قدوم شهر رمضان بمشاعر جميلة وحماسة إزاء الصيام والعبادات لدى الأطفال. شوق لطقوسه المختلفة من زينة وموائد إفطار مميزة، ثم موائد سحور وتجمّعات عائلية وأصوات المساجد التي تصدح وقبل كل شيء طبعًا طقس الصّيام. 

و يبقى السؤال الذي يحيّر الأهل: هل يعتبر الصيام آمنًا للأطفال؟ وكيف من الممكن أن نُشعر الطفل بأنه جزء من هذا الشهر وطقوسه دون أن نؤثر سلبًا على صحته ونموه؟ 

بينت دراسات كثيرة  التأثير الإيجابي للصيام المتقطّع على صحة البالغين. فقد تبين أن الصّيام المتقطّع على اختلاف أساليبه حتى وإن لم يؤثر بشكل كبير على خسارة الوزن فإنه يزيد من قدرة الخلايا على مقاومة الأمراض، ويقلل من عرضة الأشخاص على المدى البعيد للإصابة بأمراض مختلفة كالسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري وغيرها.  

ولكن، هل ينطبق هذا الكلام على الأطفال؟ وهل الصيام آمن للأطفال دون سن البلوغ ،مع العلم أن الدّين لم يفرض عليهم ذلك ؟ 

تمتاز مرحلة الطفولة بالنمو السريع وبالتالي بحاجة جسم الطفل للطاقة بشكل أكبر من جسم البالغين. من ناحية أخرى وجدت الأبحاث أن مستويات السكر تنخفض بشكل أسرع عند الأطفال بعد الصّيام لساعات محدّدة وتتناسب هذه السرعة عكسيًا مع عمر الطفل.
فمثلاً يصل الطفل في عمر 4 سنوات لمستويات سكر منخفضة في الدم بعد  ساعات من الصّيام بشكل أسرع مما قد يستغرقه طفل في عمر 16 سنة للوصول لذات المستويات بعد صيام لنفس العدد من الساعات. ويعود ذلك لعدة عوامل أبرزها: 

  • حجم دماغ الطفل الكبير نسبة لجسمه، الدماغ يعتمد على  السكر كمصدر رئيسي للطاقة
  • حاجة الطفل في هذه المرحل لطاقة أكثر بسبب سرعة النمو 

بالإضافة إلى ذلك فإن احتماليّة وصول الطفل لمرحلة الجفاف أسرع وأشد من البالغين. لأن كمية الماء القليلة تشكل نسبة كبيرة من حجم جسمه الصغير ولا تشكل نسبة كبيرة من حجم جسم البالغ الكبير. لذلك فحرمانه من كمية معينة قد يؤدي لإصابته بالجفاف على الرغم من أن حرمان البالغ من نفس هذه الكمية قد لا يسبب له أي ضرر. وللجفاف مضاعفات خطيرة على جسم الطفل، فهو يؤثر على عمل الأعضاء المهمة كالدماغ والقلب والكلى ويقلل من نسبة وصول الدماء لهذه الأعضاء، وبالتالي يسبّب نقصًا في تزويد الأكسجين لها، وكلما زادت نسبة الجفاف ومدّته زاد الضرر. 
انطلاقًا من هذه المعلومات لا ينصح بالصيام عند الأطفال لساعات طويلة، وتجنبًا لتعريض أجسامهم لشح السعرات الحرارية وهم في حاجة لها مما قد يؤثر على نموهم، وحماية لهم من الجفاف ومضاعفاته.

 


الأطفال يحبّون المشاركة وعيش الطقوس مع البالغين. صورة لطفلين في شهر رمضان| المصدر: Mama Belle and the kids Shutterstock

 

صوم العصفورة

قد يلحّ الأطفال علينا أن يشاركونا الصيام، فكيف نشركهم ونشعرهم بأنهم جزء من طقوس هذا الشهر دون أن نسبّب لهم الضرر؟ هاكم بضع خطوات مهمّة في اتّخاذ القرار الصائب:

أولاً: من الممكن السماح للطفل الصيام لعدد قليل من الساعات يوميًا، يعتمد عدد الساعات على عمر الطفل فيكون عدد الساعات أقل كلما كان عمر الطفل أصغر، ويفضل ألا تزيد هذه الفترة عن 4-6 ساعات وأن تبدأ بالتدريج فمثلًا يصوم أول أسبوع لساعتين يوميًا، ثاني أسبوع لثلاث ساعات وهكذا. 

ثانيًا: في الأجواء الحارة يفضل السماح للطفل بشرب الماء خلال هذه الساعات حماية له من الجفاف، مع التوضيح للطفل أننا سمحنا له لأنه غير مفروض عليه شرعيًا ولأن احتياجات جسمه كطفل تختلف عن أجسامنا نحن البالغين.

ثالثًا: وجبة الفطور الصباحي وجبة أساسية جداً للأطفال، كونها تشكل بداية اليوم وتمده بطاقة لإتمامه. وكونها تأتي بعد صيام لساعات طويلة تم خلال النوم. لذلك لا ينصح أن يبدأ صيام الأطفال من الصباح وينصح بإعطاء الطفل وجبة فطور غنية متوازنة و البدء بالصيام لساعات قليلة بعدها.

رابعًا: تجنب الأغذية الغنية بالسكر المضاف في ساعات الأكل لأنها لا تمد الطفل بقيمة غذائية كبيرة، وتسبب له رغبة شديدة في تناول المزيد من السكر.

خامسًا: في حالة إصابة الطفل بمرض مزمن (مرض السكري، مرض في القلب، مرض أيضي..) أو غيرها يمنع صيامه قبل معاينة الطبيب المختص وأخذ الموافقة منه.

سادسًا: في حالة إصابة الطفل بمرض حاد كالإسهال، الاستفراغ، الرشح وغيرها يمنع صيامه لحاجته في هذه الفترة للسوائل والغذاء. 

سابعًا: تجنّب الضغط على الطفل لتناول أكثر من حاجته في ساعات الطعام كتعويض عن ساعات الصيام لأن ذلك يسبب نفورًا عند الطفل من الأكل من شأنه أن يؤدي لشعوره بعدم الارتياح والامتلاء المزعج.
 

من النقاط المهمة التي يجب التركيز عليها دائمًا في التعامل مع الأطفال في مختلف القضايا، هي أن يكون هناك حوار مشترك مع الطفل والشرح والتوضيح له كل ما نريد القيام به.  بحيث يبدو الأمر كخطة مشتركة مع الطفل لا فرضًا عليه. وأن نتجنب إجبار الطفل على القيام بأي أمر مهما كان. فالإجبار يولّد النفور ويجعل العلاقة مع الطفل علاقة تحدٍّ وتوتر بدلًا من أن تكون علاقة تفاهم ومصارحة. 
في الختام، فبعيدًا عن العلوم الطبيّة من وراء الموضوع بأنّ الدين الإسلامي لم يفرض الصّيام على من هم دون سن البلوغ فلا داعٍ لأن نفرضه نحن. ولكن في حالة رغبة الطفل بخوض تجربة الصّيام معنا، فهذه المقالة أعدّت لتسهّل التجربة وتجعلها آمنة وسليمة للاطفال قدر المستطاع، مع التنويه بضرورة مراجعة طبيب الأطفال المنكشف على حالة الطفل واستشارته خاصة في حالات الخلفيات الصحيّة الخاصّة.

 

 

0 تعليقات