هل من الممكن أن يكون للراحة والاسترخاء دور في عمليّة التعلّم وصنع الذاكرة؟ مقال من AWSc عن اكتشاف حديث لطرق تعلم المخ لمهارات جديدة
تُعدُّ قوتنا المذهلة في التعلم جزءًا لا يتجزأ من كوننا بشرًا نتحلى بمهارات ذهنية عالية مقارنة مع الكائنات الحيّة الأخرى. مع ذلك، ما زلنا لا نفهم تمامًا كيف تَستوعِب أدمغتنا المعلومات والمهارات الجديدة. إن التّدريب المكثّف هو الطريقة المُتعارف عليها من أجل احتراف وإتقان المهارات، مثل العزف على آلة موسيقية أو تعلم رياضة جديدة. لقد كبرنا وعبارات "في الإعادة إفادة" و "التكرار يُعلّم الشُطّار" متأصلة في أذهاننا.
دعونا نكشف لكن/م عن طريقة علميّة حديثة من المؤكد انها ستنال اعجابكن/م بمدى سهولتها.
في دراسة مثيرة للإهتمام نُشِرت مؤخرا في مجلة Cell Reports, يناقض علماء الدماغ نظرية أن التدريب المكثّف هو مفتاح الإتقان، ويُظهرون إمكانية وجود طريقة أسرع للتطور في مهارة ما. يتضح، أن معظم التحسّن أثناء تعلم مهارة جديدة لا يأتي أثناء الممارسة الفعلية، بل أثناء فترات الراحة بين الممارسة والأخرى.
قام فريق البحث بقيادة الطبيب والباحث بروفيسور ليوناردو كوهين (Leonardo G. Cohen) من مؤسسة NIH الأمريكية، بفحص المجالات المغناطيسية المتذبذبة في أدمغة مشاركين طُلِب منهم أداء مهمة متسلسلة بشكل متكرر. لاحظ الباحثون أن في فترات الراحة القصيرة بين جولات التدريب، تم إعادة تلك المهمة في أذهانهم، بل وبشكل أسرع، كما لو أن التعلم كان من تلقاء نفسه. تدعى هذه الظاهرة ب"the spacing effect".
كيف هذا؟
قام الفريق برسم خريطة لنشاطِ دماغِ 33 متطوعًا أثناء تعلمهم كتابة سلسلة من 5 أرقام، حيث تم تسجيل موجات الدماغ باستخدام تقنية مسح حساسة تسمى تخطيط الدماغ المغناطيسي (magnetoencephalography). عُرض على المشاركين هذا التسلسل الرقمي على الشاشة وطُلب منهم كتابته بسرعة وبأكبر عدد ممكن من المرات لمدة 10 ثوانٍ ثم أخذ استراحة لمدة 10 ثوانٍ. كرروا هذه العملية 35 مرة.
بعد ذلك سعى الفريق لتحليل البيانات باستخدام برنامج حاسوب، مما سمح له بفك تشفير نشاط الموجات الدماغية المرتبط بكتابة كل رقم في السلسلة الرقمية. لدهشته، اكتشف الفريق أنّ نشاط الدماغ المبذول في استعراض ومراجعة كتابة التسلسل الرقمي هذا كان 20 مرة أسرع في فترات الراحة القصيرة.
بالإضافة، قام الفريق بفحص المناطق في الدماغ التي كانت فعالة في تكرار التعلّم. كما هو متوقع، غالبًا ما يحدث نشاط تكرار التعلم في المناطق الحسيّة في الدماغ المسؤولة عن الحركة. لقد لوحظ أيضًا نشاطًا في الحُصين (hippocampus) والقشرة الأنفية الداخلية (entorhinal cortex). هذا اكتشاف عظيم إذ لم يكُن معروف سابقًا أن هذه المناطق تلعب دورًا رئيسيًا في الذكريات اللازمة لأداء مهام جديدة.
يقول بروفيسور كوهين: "تدعم نتائجنا فكرة أن الراحة اليقظة تلعب دورًا لا يقل أهمية عن الممارسة المكثفة في تعلم مهارة جديدة. يبدو أنها الفترة التي تكثّف فيها أدمغتنا ذكريات ما مارسناه للتو وتدمجها سوية. قد يساعد فهم هذه الدورة العصبية تعلمنا لمهارات جديدة، بل ويساعد أيضًا المرضى في إعادة التأهيل (rehabilitation) واستعادة المهارات المفقودة بعد الإصابة العصبية مثل السكتة الدماغية."
ما علاقة هذا الإكتشاف بالشيخوخة؟
في الدراسة المذكورة أعلاه، تعلم المشاركون العزف على سلسلة من الأرقام على لوحة المفاتيح. يتم تصنيف هذه الفعالية كنوع من التعلم المعروف باسم "التعلم الإجرائي" او “procedural learning”, الذي يشمل عمومًا أي نوع من المهارات التي تتطلب الممارسة مرارا وتكرارا لإتقانها.
تعلم اللغات مثلا هي إحدى هذه المهارات، أو تعلم الاتجاهات - مثل كيفية الانتقال من المنزل إلى وظيفة جديدة.
إن تدريب عقولنا من خلال تعلم مهارات جديدة ليس مفيدًا فقط في ترك انطباع جيّد في مقابلات عمل أو محادثات تشبيكية، بل إنه في الواقع أحد المكوّنات الرئيسية لصحة الانسان مع تقدمه في السن. تشير الأبحاث إلى أن التعلّم قد يطيل الحياة – مقابل كل سنة تعليمية نكسب سنة لعمرنا. تعلم مهارة جديدة مثل لغة، تصوير او حتى الخياطة - قد يحسن الذاكرة ويبطئ الشيخوخة.
كيف تحسّن هذه الدراسة حياتنا؟
لقد عرف العلماء منذ فترة طويلة أن الراحة ضرورية للتعلم، حتى وأن معظم تعلمنا يحدث أثناء الراحة. ما لم يعرفوه بالضبط هو ما يحدث في الدماغ أثناء استراحتنا هذه.
يقول بروفيسور كوهين أن فترات "الراحة اليقظة" أكثر قوة في تجميع المعلومات من النوم طوال الليل، والذي غالبًا ما يخطف الأضواء. يضيف إلى أنّ %90 من تعلمنا منذ بدء ممارسة شيء ما حتى صباح اليوم التالي، يحدث في فترات الراحة اليقظة - و %10 فقط أثناء النوم. مع ذلك، لا يزال غير واضح تمامًا كم من الوقت يجب أن تكون فترات الراحة القصيرة، أو كيف ينبغي فصلها عن بعضها البعض لتحقيق التعلم الأمثل.
للختام، هذا هو أوّل إثبات للمسار العصبي اليقظ لمهارةٍ مكتسبة حديثًا شوهدت من خلال دراسات سريرية (صنعت على البشر).
بالرغم من الحداثة التي تحملها هذه النتائج، إلا أن هذه التجارب لم تختبر إلا مهارة واحدة، لذا ينبغي تأكيد هذه النتائج في مهارات جديدة. في حال كان هذا صحيحًا، فإن هذه الطريقة السهلة هي أمر عظيم لمضاعفة درجة تعلمنا مهارات جديدة، كما هي مهمة لمساعدة بعض المرضى في عمليات إعادة التأهيل.
الآن، بعد إكتمال قراءة المقال، كل ما عليكن/م فعله، هو الجلوس والإسترخاء.
في الصورة: نشاط تجدد الذاكرة التي لوحظت في الدراسة | المصدر:NIH
عِلمي عِلمك، سلسلة مقالات بقلم عضوات مجموعة AWSc، من خلالها يناقش كل مقال موضوع الساعة في كل ما يخص العلم، العلوم والهندسة، بهدف نشر معلومات مفيدة من مصادر موثقة، وجلب مواضيع هامة لصدارة معرفة القارئ/ة وليكن ما عُلم لدينا عُلم لديكم/ن.