اتّخذ بابا نويل عهدًا بتوزيع ملايين الألعاب على أطفال العالم كلّ عام. لأول وهلة، قد يُخيّل لنا بأن مهمة بابا نويل أسطورية وشبه مستحيلة ! فكيف تساعده الفيزياء على اجتياز هذا التحدّي؟
يحلّق بابا نويل وحيوانات الرنّة الثمان في السماء لتوزيع ملايين الألعاب على أماكن محددة على امتداد سطح الكرة الأرضية بأكملها في غضون وقت قصير يمتد من عشية عيد الميلاد وحتى صباح يوم العيد. لأول وهلة، قد يُخيّل لنا بأن مهمة بابا نويل أسطورية وشبه مستحيلة!! ولكن أطفال العالم الطيبين، يعلمون جيدًا بأن بابا نويل دائمًا ما يفي بوعوده وينهي مهمته على أكمل وجه، لطالما أثارت هذه المهمة الصعبة فضولنا، ناهيكم عن فضول علماء الفيزياء!! بابا نويل أو -كما يُطلق عليه أيضًا سانتا كلوز-، ليس مجرد شخص عادي، بل ومن المرجّح أن يكون فيزيائيًا لامعًا. حيث حاول العديد من العلماء تفسير مهمته شبه المستحيلة باستعمال العلم والقوانين الفيزيائية دون اللجوء إلى الخيال. فهل يا ترى حقًا ستساعدنا الفيزياء نحن أيضًا على فهم كيفية ذلك؟
فرحة العيد تكمن في الهديّة| صورة: Shattestock, PV production
مهمّة بابا نويل
بحسب معطيات الإسكان لشهر كانون الأول سنة 2021 يبلغ عدد سكان العالم 7.9 مليار نسمة. منهم حوالي 2 مليار طفل (2,000,000,000) ولنفترض أنّ جميع أطفال العالم سيحصلون على الأقل على هدية واحدة من سانتا لأنهم كانوا أطفالًا طيبين ومميزين هذه السنة، فهذا يعني أنّ على سانتا أن يصل إلى حوالي 600 مليون بيت (بمعدل 3.5 طفل لكل بيت)، وعند كل بيت عليه أن يركن مزلجته، ثم أن يدخل البيت متخفيًا، ويضع الهدايا في مكانها المخصص، وبعدها يتوقف ليأكل ما تبقى من كعك العيد، وأخيرًا يهم بالخروج من البيت وركوب مزلجته من جديد متوجهًا الى البيت التالي. وعليه أن يكرّر هذا 600 مليون مرة !
لدى سانتا حوالي 32 ساعة لإتمام المهمة (إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه بدأ التوزيع تمامًا عند خط التاريخ الدولي إلى جهة الغرب وبهذا يكون قد استغل الوقت المكتسب بين المناطق الزمنية للكرة الأرضية) أي بالثانية الواحدة عليه أن يصل إلى حوالي 5000 منزل.
إذا قمنا بالحساب فسوف يحتاج سانتا كلوز لأن يسير بسرعة تفوق 175 مرة سرعة الضوء، والبالغة 300 ألف كيلومتر في الثانية. ومع الأخذ بالحسبان كتلة الهدايا الكبيرة التي عليه أن يحملها (2 مليار هدية على فرض أن كل هدية تزن كتلها 1 كغم) تخيلوا ماذا يعني هذا! معنى ذلك أنّه سيتعين على سانتا وألعابه في كلّ مرّة تحمُّل مصاعب عدّة في الذهاب والإياب من وإلى كل منزل، إذ سيواجه سانتا التسارع والتباطؤ المستمرين، مقاومة هواء هائلة نتيجة وزن الحمولة الهائل، وارتفاع درجة حرارة العربة بشكل هائل بحيث تساوي درجة الحرارة التي تتكوّن عند اختراق مركبة فضاء للغلاف الجوي. وهو أمر لا يمكن لسانتا ورناته تحمله بأي شكل.
جسر سانتا في الزمكان| رسم: Shatterstock, imagephotodesign
استقل ثقبًا دوديًا وامضِ
بما أن سانتا ينجح كل سنة في مهمته ويوزع الهدايا للأطفال إذن فهو يستطيع تخطي كافة المشاكل والعقبات التي ذكرت سابقًا، على الأرجح بواسطة الفيزياء. ذكر روجر هايفيلد (Highfield) في كتابه "فيزيائيات الكريسماس" أنّ سانتا يستقل الثقوب الدودية أو ما يُعرف بجسور أينشتاين- روزن لاجتياز التحديّات والمصاعب والوصول إلينا في الوقت المحدد.
في عام 1935 وبناءً على نظرية النسبية العامة، اقترح الفيزيائيان ألبرت أينشتاين وناثان روزن وجود مثل هذه الثقوب. الثقوب الدودية تربط بين نقطتين مختلفتين في الزمكان (الفضاء بأبعاده الثلاثة: الطول، العرض والارتفاع، مع إضافة البعد الزّمني)، مما يؤدي نظريًا إلى خلق طريق مختصر يُمكن أن يُقلّل من زمن السفر ومن المسافة أيضًا. للتبسيط، تخيل أن على رودولف (رنة سانتا) أن يسير عبر ورقة مسطحة من النقطة أ إلى النقطة ب. وتخيل الآن أننا قمنا بثني الورقة من خلال بعدها الثالث بحيث تتداخل النقاط أ و ب،عندها سيتمكن رودولف من التحرك مباشرة من نقطة إلى أخرى، وبالتالي تجنّب واختصار رحلة طويلة. إذن فمن السهل تخيل أن هذا هو الخيار الذي قد يتخذه سانتا لإتمام مهمته وإيصال الهدايا في الوقت المحدد.
حتّى ولو لم يملك الباحثون حتى هذه اللحظة أي أدلة لرصد هذه الثقوب الدودية، والتي لا يمكن للعقل تمييز تأثيرها عن السحر أو عن أي ضرب من ضروب الخيال، نحن نعلم، أنّ سانتا سيصل إلينا كما في كلّ عام في ليلة الخامس والعشرين من كانون الأول على الرغم من كل الظروف والعقبات. نحن وأطفال العالم بانتظارك سانتا !