الانتخابُ الطّبيعيّ عبارةٌ عن آليّة طبيعيّة تختَارُ الأفرادَ الأكثر ملاءَمَةً لبيئتها (وليسُوا الأقوى بالضّرورة). الانتِخَابُ الطّبيعيّ هُوَ مُحرِّكٌ يُحرِّكُ عمليّاتٍ تطوّريّة، ويُمكِّنُ من حُصولِ عمليّاتِ تغييرٍ على المجموعاتِ السُّكّانيّة (العشائر). صَحيحٌ أنّ عمليّة الانتخابِ الطّبيعيّ تحدُثُ عِندَ الأفراد، ولكنَّ أبعادَهَا تَمَسُّ العَشيرةَ كلَّها، وتُؤثِّر على عَشائِرَ مُجاوِرَة.

سنتعلَّمُ في التّطبيقِ الّذي أمامنا ما هو الانتخابُ الطّبيعيّ، ومِمَّ يتأثَّر وما هي أبعاده. لمشاهَدَة التّطبيق، اضغطوا على الصُّورة، وافتحوا الملفّ المرتبط (تطبيق جافا).


أُنتجَ هذا التّطبيق الصّغير في إطار مشروع  PhET في جامعة كولورادو
لتنزيل هذا التّطبيق وتشغيله في الحاسوب اضغطوا هنا
إن لم تنجحوا في تحميل التّطبيق، اقتنُوا برنامج Jawaweb. اضغطوا هنا واعملوا بحسب التّعليمات.

هذا التّطبيقُ سَهلُ التّشغيل، لكنّهُ يشمَلُ إمكانيّاتٍ كثيرةً تَزيدُ مِن تعقيداتِه. سنبدأُ باستعراضِ إمكانيّاته ومدلولاتِه.

في بدايةِ المحاكاة، تَظهرُ أرنبٌ على الشَّاشة. لا يمكنُ للأرنبِ وحدَها أن تَتكاثَر، ولهذا ستختفِي بعدَ فترةٍ قصيرة، إذا لم تُضَفْ إليها أَرنبٌ أُخرى.

تُقسَمُ الإمكانيّات الّتي سَتُشَاهِدُونَها إلى قِسمَيْنِ: التّغييراتُ الّتي ستَطرَأُ على الأرنب (مَنَ اليسار)، والتّغييرات الّتي ستطرأُ على البيئة (مِنَ اليمين). تشمَلُ التّغييراتُ الّتي ستطرأُ على الأرنب طَفراتٍ تَتَسَبَّبُ في تطويرِ صِفةٍ مُعيّنة لدى الجيل القادم، والّتي يُمكن أن تساعِدَهُ أو تضرّه، وَفقًا للصِّفةِ ومدى ملاءمتها للبيئة. يُسمَحُ بإجراءِ طفرةٍ واحدة فقط في كلّ جيل، وذلك لأنّ الطّفرات الّتي تؤدِّي إلى تغييرِ صفةٍ، تظهرُ في الواقع في حالاتٍ نادرةٍ جدًّا، فكم بالحَريِّ إذا كانَ الحديثُ عن صفةٍ لها تأثير فوريٌّ على ملاءَمَةِ المخلوق لبيئَتِهِ.

في هذا التَّطبيقِ ثلاثةُ أنواعٍ لصفاتٍ يمكنُ أن تمرّ بطفرة: لون الفروة، وطُول الذَّنَب، وطول الأسنان. لكلّ واحدةٍ من هذه الصّفات انعكاسٌ مختلِفٌ على ملاءمة الأرنب لبيئتها. من أجل التَّحكُّم بالصِّفاتِ جيّدًا، تمَّ تحديدُ مميِّزِ كلِّ صِفةٍ على أنّه سائدٌ (أي ذو تأثيرٍ فوريّ)، أو مُتنحٍّ (أي جينٌ يظهَرُ تأثيرُه في حالةِ غيابِ الجينِ السَّائد فقط)، الأمر الّذي يؤثّر على توزيع الصِّفة في العشيرة. تشمَلُ التَّغييراتُ الّتي تطرأُ على البيئةِ وجودَ غذاء (شجيرات)، أو مُفترِساتٍ (ذئاب)، ويمكنُ أن تكونَ ظروفُ البيئةِ استوائيّةً أو قُطبيّة.

لِنَبدَإِ الآنَ باللَّعب! نبدأُ بإضافة أرنبٍ أُخرى دونَ تغييرِ صفاتها أو بيئتها (Add friend). انتبهوا ماذا سيحدُثُ لعشيرة الأرانب بعد أجيالٍ قليلةٍ: اِنفجارٌ سُكانيّ! هذِهِ حالةٌ غيرُ مرغوبٍ فيها إطلاقًا، لأنّه إذا تكاثرتِ الأرانبُ بدونِ تشويشٍ، فَسَيَتِمُّ استبعادُ أنواعٍ أخرى مِنَ الحيوانات والنّباتات، ويمكنُ أن تتسبَّب في انقراضها.

نُضيفُ الآنَ الذِّئابَ (اضغط Wolves) إلى المعادَلة. انتبهوا ماذا سيحدث بعد عدَّة أجيالٍ: انقراضٌ تامٌّ، ولن تتبقَّى أرانبُ إطلاقًا! وهذا بالطَّبع حالةٌ غيرُ مرغوبٍ فيها أيضًا.

إذًا، يتوجَّبُ علينا إيجادُ حالةٍ وَسَطِيّة تَستطيعُ فيها الأرانبُ أن تنمُوَ، لكن تحتَ مراقبةٍ مُعيّنة تمنعُ حدوثَ انفجارٍ سُكانيّ. إذًا، تَعَالَوْا ننقلِ الأرانبَ إلى القُطب الشَّماليّ (اضغط Arctic)، ولن تجدَ الأرانبُ صعوبةً في الاختباءِ هناكَ بسَبَبِ فروتها البيضاء، ونضيفُ الذِّئاب (اضغط Wolves). تمعَّنُوا الآنَ في مُنحنى تكاثر الأرانب. هل تَروْنَ دوريّة؟ ممَّ تنبعُ؟ ما هو التّوجُّه العامّ لتكاثر الأرانب؟

تَعَالوا الآنَ نُكرِّرِ التّجربة، لكنَّنا نَضَعُ غِذَاءً (اضغط Food) بَدَلَ الذِّئابَ. انتبهُوا إلى أنّه مِنَ السَّهل تكاثُرُ الأَرانبِ الآنَ، لكن هنالكَ شيءٌ ما يقتُلُ نِسبةً مُعيَّنةً منها في كلّ جيل. هل تَستَطِيعُونَ تخمينَ هذا الشّيء؟ ماذا يحدُثُ عِندَ الانتقالِ إلى القُطب الشَّماليّ؟ حاوِلُوا تركَ الأرانبِ تتكاثرُ عدَّةَ أجيالٍ، وعندها أَضيفُوا الذّئابَ أوِ الغذاء في منطقة خطِّ الاستواء أو في القُطب الشَّماليّ. هل نجحتُم في الوُصُول إلى حالةِ اتِّزانٍ أو إلى انقراضٍ أو إلى انفجارٍ سُكانيّ؟
يبدُو أنّه لا يكفي تَغييرُ البيئة كي تتلاءَمَ مَعَ الأرانب، إنّما يتوجّبُ علينا ملاءَمةُ الأرنب للبيئة. إذًا، تعالَوْا نتدخَّلْ في جيناتها. نختبرُ أوّلًا صفاتها الثَّلاث، ونرى كيفُ تُؤثِّر على بقاءِ الأرانب.

نبدأُ بالصِّفةِ الأبسط: لونِ الفروة. خُذوا زوجًا مِنَ الأرانب، وأضيفُوا لها طفرة تغييرِ لونِ الفروة (اضغط Brown Fur)، وانتظروا جيلَيْنِ أو ثلاثةَ أجيالٍ كَيْ تتكوَّنَ عشيرةٌ بأعدادٍ كافيةٍ لا تنقرضُ بعد دورةٍ واحدة. أطلِقُوا سَراحَ الذِّئابِ (اضغط Wolves) الآنَ. كرِّرُوا التَّجربة في القطب الشَّماليّ. هل تلاحظُونَ اختلافًا في توزيعِ صفاتِ اللَّون للفروة في عشيرةِ خطّ الاستواء مقارنةً بعشيرة القُطب؟ (انتبهوا إلى المنحنى في الأسفل). ما هو استنتاجُكُم بالنِّسبة للون الفروة: هَل تمنحُ أفضليّة أم سلبيّة، وفي أيّة ظروف؟

كرِّرُوا التّجربةَ نفسَها معَ أسنانٍ (اضغط Long Teeth) وإعطاءِ غذاءٍ، في ظَرفَيِ المناخ. هل تلاحظونَ اختلافًا؟ لماذا يحصل ذلك حسبَ رأيكم؟ وأخيرًا، افحصوا إن كانَت طفرةُ الذَّنَب (اضغط Long Tail) كالمذكور في البُنود السَّابقة، بوجودِ غذاءٍ وذئابٍ في ظَرفَيِ المناخ أيضًا. هل يمنحُ الذَّنَبُ أفضليّةً أم سلبيّة؟ وفي أيّة ظروف؟

الآن، وبعد أن حلَّلتُمُ الصِّفاتِ الثّلاث، ورأيتُم كيفَ تؤثّر على الأرنب، حاوِلُوا تَخطِيطَ أرنبٍ تَتلاءَمُ مع بيئةٍ تختارونها، وافحصوا هل أحسنتُمُ الاختيارَ أم لا. حاوِلُوا بناءَ عشيرةٍ تبقى ثابتةً في ظُروفٍ مُعيّنةٍ، ومعَ صفاتٍ مُعيّنة وتبقى مُدّةً مِنَ الزَّمن دونَ أن تصلَ إلى انفجارٍ سكّانيّ. اِنتبهوا إلى أنّهُ مِنَ المحبَّذِ تمكينُ الأرانبِ مِنَ التّكاثر بدون تشويشٍ خلالَ عدّة أجيالٍ قبلَ تفعيلِ آليّاتِ الانتخابِ الطّبيعيّ.

تمرينٌ إضافيّ يُستَحسَنُ القيامُ بِهِ، هُوَ إعطاءُ الصِّفاتِ الثّلاث معًا، والانتظار عدّةَ أجيالٍ، وعندها يُطلَقُ سراحُ الذّئاب أو يتمُّ تزويدُ الغذاء ومتابعة الصِّفات الّتي قد تبقى وتلك الّتي تختفي. وأخيرًا، حاوِلُوا اللَّعِبَ مَعَ السِّيادَة والتَّنَحِّي للصِّفات المختلفة، وانظُرُوا كيفَ يؤثِّر ذلك على توزيعها في العَشيرة.

رأينا كيفَ يعملُ الانتخابُ الطَّبيعيُّ بمساعدة التّطبيق، ورأينا كيفَ تتأقلَمُ الكائناتُ الحيّة مع البيئة المتغيّرة، وكيف أنّ الأفراد الأكثر تلاؤُمًا هِيَ الّتي تبقى. أظهرت ضُغوطات الانتخابِ الطّبيعيّ أيضًا، أنّه يتمُّ انتقاءُ الأفرادِ الأكثرِ ملاءمةً، لكنّ هنالك احتمالاً في البقاء للأفراد غير المتلائمين، مثلما أنّ هنالك احتمالاً أن يُفترَسَ الأفرادُ المتلائمونَ أيضًا. وعلى الرَّغم من ذلك، إذا نَظَرنا إلى عشيرةٍ كاملةٍ على مدى عدّة أجيال، نرى أنّه هنالك صفاتٍ احتمالُ بقائِها أفضلُ، وأنّ صفاتٍ أُخرى تختفي. فالانتخابُ الطَّبيعيّ، إذًا، هو الآليّة الّتي بواسطتها تختارُ عمليّةُ النُّشوءِ والتَّطوُّر الصّفاتِ الّتي تبقى في العشيرة. 

سؤالٌ للتّداول العلميّ: حاوِلُوا تخيُّلَ صفاتٍ إضافيّةً قد تمنحُ الأرنبَ أفضليّة مقابلَ الذِّئاب، وصفاتٍ أخرى تُسيءُ لها في ظروفٍ مُعيّنة، والّتي قد تنعَكِسُ عندَ توفيرِ ظروفٍ بيئيّة أُخرى.

0 تعليقات