كشفت دراسة حديثة أنّ الرجال لم يظهروا انجذابًا خاصًّا لرائحة جسم المرأة خلال فترة الإباضة - بخلاف الاعتقاد السائد حتّى الآن
خلال عمليّة التطوّر، طوّرت الحيوانات التي تتكاثر جنسيًّا وسائل متنوّعة لنقل الإشارات الجنسيّة فيما بينها. إحدى الوسائل الشائعة للقيام بذلك هي الإشارات الكيميائيّة التي تُسمّى الفيرومونات (pheromone)، وهي جزيئات يفرزها فرد واحد وتؤثّر على فرد آخر من نفس النوع البيولوجيّ. على سبيل المثال، تفرز أنواع عديدة من الفراشات الفيرمونات على مسافات طويلة كدعوة للتزاوج، بل إنّ بعضها يفرز فيرمونات التي تؤثّر على الذكور والإناث على حد سواء.
تفرز إناث الثدييّات الفيرمونات، خاصّة خلال فترة الإباضة. على سبيل المثال، وجدت دراسة أُجريت في سنوات السبعينيّات أنّ الكلاب تنجذب للأشياء التي تنبعث منها رائحة الإناث أثناء فترة الوحم. كما لوحظت ظاهرة إطلاق الفيرمونات في ثدييّات أخرى، بما في ذلك الجرذان، الهامستر، الأغنام، والقرود من فصيلة القشّة المألوفة (Callithrix jacchus) وغيرها.
في العقود الأخيرة، حاولت العديد من الدراسات فحص فيما إذا يوجد ظاهرة مماثلة لدى البشر أيضًا. كان يُعتقد أنّ الرجال قادرون على تقييم حالة الخصوبة لدى المرأة، وأنّهم ينجذبون إليها أكثر خلال فترة الإباضة. قد تكون هذه الفكرة مستوحاة من عالم الحيوان من حولنا: تزداد الإثارة الجنسيّة لدى العديد من الحيوانات كاستجابة للإباضة لدى الإناث. مع ذلك، أظهرت دراسة جديدة وشاملة أنّه على عكس العديد من الثدييات الأخرى، فإنّ الرجال في الواقع لا يميّزون بين المراحل المختلفة للدورة الشهريّة للمرأة، ولا يستطيعون تحديد فترة الإباضة عن طريق الرائحة.
تنجذب الكلاب للأشياء التي تنبعث منها رائحة الإناث أثناء فترة الوحم.. كلبان يشمّان بعضهما البعض | تصوير: Jerome Quek, Shutterstock
شمّ الاختلاف
أشارت العديد من الدراسات السابقة إلى أنّ وجوه النساء، أصواتهنّ، أو رائحتهنّ تتغيّر بشكل يعكس حالة الخصوبة طوال الدورة الشهريّة. أفادت دراسة بارزة أنّ راقصات التعرّي في النوادي يحصلن على بقشيش أعلى في أيام الإباضة، مقارنةً بأيام الحيض. مع ذلك، تثير الأبحاث الجديدة الشكّ حول بعض هذه الادّعاءات. فقد أفادت دراسة حديثة بأنّ البشر لا يشاركون في "الاحتفال" بالفيرمونات كما تفعل العديد من الثدييات الأخرى، الأمر الذي يثير الشكّ حول الادعاء بأنّ الرجال قادرون على التعرّف على أيّام الإباضة لدى النساء.
تحدث خلال الدّورة الشهريّة تغيّرات هرمونيّة في جسم المرأة، لها تأثيرات فسيولوجيّة كبيرة: يؤثّر تغيير مستوى الهرمونات على العديد من العمليّات البيولوجيّة، بما في ذلك نشاط الغدد الثدييّة وكذلك العرَقيّة. تتواجد هذه الغدد في الإبطيْن، لذلك أُفترض أنّ رائحة الإبط تشير إلى عمليّة الإباضة عند المرأة. في بعض الدراسات، قيَّم الرجال روائح الإبط لدى النساء في أيام الإباضة على أنّها أكثر جاذبية، ولكن ليس إلى درجة تتجاوز بكثير التخمين المطلق. كانت نتائج الدراسات الأخرى غير قاطعة.
في دراسة حديثة هدفت إلى تقييم مرحلة الدورة الشهريّة لدى النّساء، طُلب من 29 امرأة تتراوح أعمارهنّ بين 20 حتّى 30 عامًا تقديم عيّنات من العرق من الإبطيْن، اللّعاب، والبول باستخدام قطع الشّاش. سعى الباحثون للتحقّق ممّا إذا كان هناك أيّ إختلاف برائحة العيّنات خلال المراحل المختلفة للدورة الشهريّة، رغم أنّهم لم يجدوا تغيّرات كبيرة في تركيبها الكيميائيّ. هدف الباحثون لفحص فيما إذا كانت لدى الرّجال القدرة على تمييز التّغيير في رائحة العيّنات بواسطة حاسّة الشّمّ، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو هذا الاختلاف؟ اختار الباحثون النّساء المشاركات في البحث اللواتي لم يدخنّ أو يستخدمن وسائل منع الحمل الهرمونيّة في الأشهر السّتّة السّابقة للبحث، كما طُلب منهنّ عدم تناول اللحوم لمدّة شهر قبل التجربة، حيث يمكن أن تؤثّر على رائحة العيّنات. عرض الباحثون العيّنات على 91 رجلًا يتمتّعون بصحّة جيّدة تتراوح أعمارهم بين 19 و40َ عامًا، وطُلب منهم تقييم مستوى انجذابِهم.
طُلب منهم تقديم عينات العرق من الإبط. امرأة تعرق | تصوير: wing-wing, Shutterstock
رائحته تشبه…فرق غير واضح؟
أظهرت نتائج البحث أنّه لا يوجد دليل قاطع على انجذاب الرجال لرائحة جسد النساء بشكل يتعلّق بخصوبتها. يستند هذا الاستنتاج إلى تحليل مشترك لتصوّرات الرّجال للرّائحة الأنثويّة، بالإضافة إلى التّحليل الكيميائيّ لتركيبها. في بعض الحالات، لوحظت ارتباطات طفيفة بدون دلالة إحصائيّة بين الخصوبة، واعتبار الرائحة على أنهّا جذّابة. بشكل عامّ، كانت الاختلافات ضئيلة، وغالبًا ما كانت مخالفة للتوقّعات.
تعتبر حاسّة الشّمّ محدودة للغاية لدى البشر مقارنةً بالحيوانات الأخرى، كما أنّنا لا نملك نسخة نشطة من عضو جاكبسون (Vomeronasal Organ)، وهو عضو شمّيّ آخر يستخدم بشكل أساسيّ للتّعرّف على الفرمونات. وفقًا لذلك، يبدو أنّ جسد المرأة لا يرسل إشارات كيميائيّة تشير إلى حالة خصوبتها، أو على الأقل ليست تلك التي تمكننا من التعرّف عليها بوضوح. مع ذلك، أوصى الباحثون بدراسة هذا التساؤل في ظروف أكثر طبيعية واستخدام تقنيات بحث متطوّرة أكثر.