ستمنح جائزة نوبل لثلاثة باحثين حققوا تطويرات غير مسبوقة في مجال الليزر وتطبيقاته للمرة الأولى منذ عام 1963 ستحصل امرأة على جائزة نوبل في الفيزياء.
سيتم منح جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام لثلاثة باحثين قاموا بتطوير تطبيقات للأدوات البصرية، والتي ستسخّر من بين الاستخدامات المختلفة لها في المجال البيولوجي. سيكون نصف الجائزة الأول من نصيب آرثر أشكن من الولايات المتحدة الأمريكية لتطويره "الملقط البصري"، وهو عبارةٌ عن جهازِ ليزرٍ قوي باستطاعته تركيز أشعته على نقطة صغيرةٍ جدًا، ويحوي على العديد من التطبيقات في الفيزياء وكذلك في المجالات العلمية الأخرى بما في ذلك الكيمياء والبيولوجيا.
أما النصف الثاني من الجائزة فسيتقاسمه كل من جيرارد مورو من فرنسا ودونا ستريكلاند من كندا، لتطويرهما طريقةً لإنتاج ومضات ضوئيّةً قصيرة وقوية جدًا، والتي توفّر العديد من التطبيقات العملية، بما في ذلك تطبيقاتٍ في المجال الطبي. ستريكلاند هي ثالث امرأة في التاريخ تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، والأولى منذ عام 1963، حيثُ فازت بالجائزة آنذاك ماريا جوبرت ماير. أما الفائزة الأولى بجائزة نوبل في الفيزياء فكانت ماري كوري، حيث حصلت عليها عام 1903.
تطويرات غير مسبوقة بواسطة أشعة الليزر. من اليمين: ستريكلاند ومورو وأشكين المصدر: موقع جائزة نوب
ملقط من الضوء
تخيل ضوءًا يمر من خلال حبة زجاجية صغيرة. عند مرور الضوء عبر الهواء الخارجي إلى المادة الشفافة، وعودته منها مجددًا إلى الخارج، فإنه يغير اتجاهه، يطلق الفيزيائيون على هذه الظاهرة "انكسارالضوء". في وصف آخر، بإمكاننا القول إن الضوء ينقل بعضًا من زخمه إلى المادة الشفافة. ردًا على ذلك، تتحرك المادة الشفافة في الاتجاه المعاكس، وفقًا لقوانين نيوتن. والنتيجة هي أن الضوء يغير من اتجاهه إلى صوبٍ ما، بينما تتقدم المادة الشفافة في الاتجاه المعاكس له. وبعبارة أخرى، بإمكاننا تشغيل قوة على التحفة الزجاجية الخاصة بنا بواسطة تسليط أشعة الضوء عليها فقط.
ولد آرثر أشكين (Ashkin) عام 1922 وأنهى لقب الدكتوراة في جامعة كورنيل في عام 1952. أثناء عمله في الثمانينات في مختبرات الأبحاث في "بيل" أدرك أن تشغيل قوة لا يستهان بها على الكائنات صغيرة الحجم يتطلب استخدام ضوءٍ قوي قابل للتوجيه والتركيز، أي حزمةِ ضوئية تتحرك بشكلٍ موّحد في ذات الاتّجاه، ووضع عدسة تركّز الضوءَ على نقطة صغيرة جدًا.
يمكن أن نفهم بشكل حدسي شرطيّة وجود مصدر قوي وموجّه من الضوء: إذا مرّرنا الكثير من الضوء من خلال مادّة شفافة، فبإمكاننا المصادقة على فكرة أنّ المزيد من الضوء ينقل المزيد من الزخم إلى المادة التي نريد دفعها. ينبع شرط تركيز الضوء من هدف حبس جسيمٍ صغيرٍ في نقطة واحدة في الفضاء. عندما يركز الشعاع على نقطة واحدة، تكون شدة الضوء هي الأقوى وتعمل القوى باتجاه النقطة التي تكون فيها الكثافة القصوى.
عرض أشكين إمكانية جعل خرزات زجاجية صغيرةٍ تطفو بواسطة هذا الليزر، إلّا أن علماء آخرين طوّروا هذه الأداة للاستفادة منها في مجموعة متنوعة من التخصصات العلمية. باستخدام أنظمة الليزر المناسبة، على سبيل المثال، بالإمكان الإمساك بالخلايا الحية ونقلها، وحتى بالفيروسات، تحت عدسة المجهر. في المختبرات الفيزيائية، تسمح الأداة التي طوّرها أشكين بحصر إحدى الذرات بشكل فردي في مكانٍ واحد، وبذلك كانت قد مهّدت الطريق للعديد من الفرص لنيل جوائز نوبل أخرى في المجال، على سبيل المثال ابتكارِحالاتٍ جديدة وغريبة للمادة كما في "تكاثف بوز-أينشتاين" حيث حصد عرض التجربة جائزة نوبل في عام 2001.
استخدام الضوء المركّز يمكّن من تحريك أشياء متعددة، حتى المواد البيولوجية، مثل الخلايا المصدر: موقع جائزة نوبل
ومضات قصيرة وقوية
سيمنح النصف الثاني من جائزة هذا العام لجيرارد مورو ودونا ستريكلاند، اللذين طوّرا تقنية لإنتاج ومضات قوية جدًا وقصيرة جدًا من ضوء الليزر. عندما يريد مصور الحياة البرية التقاط صورة لطائر في الجو، يجب عليه كشف حساس الكاميرا لفترة زمنيّةٍ قصيرة جدًا، وإلا فستظهرالصورة بشكلٍ ممسوح. نظرًا لأن وقت التعريض قصير جدًا، فيتوجب على المصوّراستخدام الوامض"الفلاش" الذي يقوم بإنتاج الكثير من الضوء في فترة زمنية قصيرة. الليزر السريع هو النوع النهائي من "الفلاش" الذي يسمح بقياس الظواهر الفيزيائية السريعة للغاية. ففي حين يتم قياس زمن الفلاش للكاميرا بعشر أو مئات من الثانية، يتم قياس طول ومضات الليزر في الفمتوثانية (أي 0.0000000000001 أجزاء من الثانية، أو واحد من المليون من مليار من الثانية) بشكل أسرع بلا حدود.
استهدفَ الباحثون لسنوات عديدة تطوير ومضات قوية وسريعة من الضوء. أحد مراكز الجذب التجريبية هو دراسة البصريات "غير الخطية". عندما يقول أطباء العيون إن المادة تتصرف بطريقة غير خطية، فهذا يعني، على سبيل المثال، المواد التي تتفاعل مع الضوء الذي يمر عبرها مما يدفعها لتغيير لونها على سبيل المثال. عادة ما تحدث هذه الظواهر عندما تكون شدة الضوء عالية، ولكن من الصعب إنتاج ضوء قوي يحافظ على كثافة الضوء الثابتة. في بعض الأحيان يكون من الأسهل إنتاج ومضات قصيرة لكن قوية، بحيث يكون كل فلاش قادرًا على إثارة الظواهر غير الخطية، ولكن في المعدل لا تكون قوة الليزر كبيرة.
من أجل إنتاج ومضات قوية، يتم استخدام مضخمات الضوء، والتي تشبه إلى حد كبير الليزر في طريقة تشغيلها. لذلك يمكننا التخيل أننا إذا أردنا وميضًا قويًا للغاية، فكل ما نحتاجه هو نصب سلسلة من مضخمات الضوء بقدرٍ كافٍ للحصول على الطاقة المطلوبة. المشكلة هي أنه في مرحلة ما، تكون الطاقة (كثافة الطاقة) كبيرة لدرجة تتسبب بكل بساطة باحتراق المادة التي يتم تصنيع مضخمات الضوء منها. استطاع مورو وستريكلاند التحايل على هذه المشكلة بطريقة ذكية جدًا.
ولدت دونا ستريكلاند عام 1959 في مدينة جلاف، وهي تشغل اليوم منصب أستاذة في جامعة واترلو في كندا. أتمت درجة البكالوريوس في الهندسة الفيزيائية في عام 1981 في جامعة ماكماستر في كندا، وواصلت دراستها للدكتوراة في جامعة روشستر في الولايات المتحدة تحت إشراف مورو، حيث حققت اكتشافها. ولد مورو في ألبيرفيل، فرنسا عام 1944، وأكمل لقب الدكتوراة في جامعة غرونوبل. من هناك شغل عدة مناصب في الولايات المتحدة، وفي عام 1977 حصل على منصب في جامعة روشستر.
كثافة القدرة
"كثافة القدرة" تعني مقدار الطاقة الموزعة في الفضاء، أي مقدار الطاقة التي تمتلكها حزمة الليزر لكل وحدة من الفضاء. عند تركيز شعاع الليزر الذي يمر عبر العدسة، تكون كثافة الطاقة أكبر مما كانت عليه قبل العدسة، أو بعبارة أخرى، تقوم العدسة بتركيز حزمة الضوء. كما ذكر سابقًا، يمكن لحزمة الليزر ذات الكثافة العالية أن تتسبب في تلف مُضخِّم الضوء، مثلما يمكن لضوء الشمس المركّز مع العدسة المكبرة أن يحرق ورقة. للتغلب على مشكلة كثافة الطاقة، ابتكر مورو وستريكلاند طريقة تسمى CPA (Chirped Pulse Amplification). تبدو الفكرة بسيطة: إذا واجهنا وجود شعاعٍ مركّزٍ يسبب ضررًا، فبإمكاننا أن "نفرش" الحزمة على مساحة كبيرة ونمدّها فوقها، ونضخّمها أثناء وجودها ممددة على مدى المساحة الكبيرة، ومن ثم ندمج أجزاءها.
وميض "فلاش"، تمدد، تضخيم، إعادة دمج الأشعة: مخطط أساسي لنظام CPA لإنشاء ومضات قصيرة وقوية| المصدر: موقع جائزة نوبل
ولكن كيف يمكنك تمديد شعاع من الضوء؟ يبدو الأمرُ غريبًا جدًا. بهدف تغيير شكل الحزمة، بالإمكان استخدام مركّبٍ بصري يقوم بنشر الضوء إلى الألوان التي يتكون منها. استخدم كل من ستريكلاند ومورو شبكةً كثيفةً تعمل كالمنشور الضوئي الذي ينشر الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف (قوس قزح). يُنتج الليزر السريع وميضًا قصيرًا يضرب الشبكة ويتبدد. بعد ذلك يصبح الوميض المتناثر أقل تركيزًا ويمكن نقله من خلال مضخمات الضوء دون التسبب في تدميرها. بعد مرور الوميض المتناثر عبر المضخم، فإنه يصطدم بشبكةٍ آخرى، ويتسبب ذلك بجمع مكوناته معًا من جديد، بمبدأ يشبه إعادة جمع ألوان قوس قزح من خلال المنشور لإنشاء ضوء أبيض من جديد. الفلاش المركب قوي للغاية، مع طاقةٍ قصوى تقاس بوحدات التيراوات (ما يوازي ألف محطة طاقة تعمل معاً)، ولكن لفترات قصيرة جداً من الوقت، كما ذكرنا - فقط جزء من الثواني.
تعد الأنظمة المستندة إلى طريقة CPA أدوات فعالة في العديد من المختبرات حول العالم. تسمح الومضات القصيرة، على سبيل المثال، بِحثّ حركة الإلكترونات حول الذرات وديناميات الروابط الكيميائية (على سبيل المثال، بحث نيريت دودوفيتش من معهد وايزمان). في مجال مسرعات الجسيمات، يحاول العلماء استخدام الكثافة العالية لهذه الومضات لبناء جيل جديد من مسرعات الجسيمات التي يمكن أن تحل محل التصميم التقليدي، بطول عشرات الكيلومترات (على سبيل المثال مسرّع سيرن في جنيف) وفي أجهزة أصغر بكثير والتي قد تكون مفيدة في دراسات الفيزياء، وكذلك تطوير أجهزة التصوير الطبي والتصوير. في أيامنا هذه يستخدم الليزر الذي يعمل بطريقة CPA بالفعل في جراحة الليزك (لتصحيح الرؤية في العيون)، والعديد من الناس يدينون بالفضل في تحسن جودة حياتهم إلى تطوير ستريكلاند ومورو.
شاهدوا الإعلان عن الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء (بالإنجليزية والسويدية):
الترجمة للعربية: رقيّة صبّاح أبودعابس