الوسائل: السمّ، الصعقات الكهربائيّة والمصائد ذات رائحة البشر. المشكلة: نجاعة المصائد لا تزال قيد النقاش والجدال، فهي تقتل الحشرات المفيدة أكثر من قتلها للبعوض اللادغ

يُعدّ البعوض أحد العوامل الرئيسة المسبّبة لانتشار الأمراض في العالم. حيث يقدّر الباحثون أنّ نصف سكّان العالم معرَّضون لأنواع مختلفة من البعوض الناقل للأمراض. بالإضافة إلى ذلك، نتيجةً لأزمة المناخ وارتفاع درجات الحرارة، توسّعت مناطق معيشة البعوض وكثرت خطورته. على سبيل المثال، تشير النماذج المحوسبة إلى أنّ انتشار حُمّى النيل الغربيّة في شمال إيطاليا قد ارتفع بمعدّل ثمانية أضعاف بين سنوات 2013 و 2018 نتيجةً لارتفاع متوسّط درجات الحرارة في أشهر الربيع. تزايُد الخطر يستدعي تطوير وسائل فعّالة بأقصى قدر ممكن لمكافحة البعوض والتخلّص منه، وهذا من خلال استغلال نقاط الضعف في وظائف جسده الحيويّة وسلوكه. توجد الآن العديد من هذه الوسائل بالفعل، لكن هل هي ناجعة؟ بشكل مفاجئ، قليل جدًّا من الدراسات حاولت التحقّق من مدى فاعليّة الوسائل المتاحة حاليًّا لمنع لدغات البعوض. بالإضافة إلى ذلك، فالدراسات ذات الجودة العالية- وهي قلّة قليلة- تثير الشكوك حول فائدة هذه الوسائل.


إنّ الانتشار المتزايد للبعوض يستدعي تطوير حلول ناجعة لمواجهته. مصيدة للبعوض معلّقة في الساحة | TunedIn by Westend61, Shutterstock

إجراءات مكافحة البعوض

الطريقة الرئيسة لتخفيف انتشار البعوض هي من خلال استخدام مبيدات حشريّة كيميائيّة- موادّ سامّة ضدّ الحشرات. في البلدان المتطوّرة الموجودة في مناطق انتشار البعوض مثل إسرائيل، تقوم السلطات المحليّة أو جهات حكوميّة أخرى بتنظيم رشّ المبيدات في المناطق المائيّة بانتظام بهدف القضاء على اليرقات البعوضيّة قبل أن تتطوّر إلى بالغات تمصّ الدمّ والّتي قد تنقل الأمراض إلى البشر. بعض الجهات تقوم  بحملات توعية عامّة،  حول ضرورة تجفيف المناطق المائيّة الراكدة على سبيل المثال، حيث يمكن ليرقات البعوض التطوّر فيها.

حتّى في المنازل، هناك من يستخدم المرشّات المبيدة ضدّ البعوض، ولكن تعتمد الأكثريّة على الفخاخ الثابتة، خاصّة في المؤسّسات التجاريّة الّتي تجذب العديد من الحشرات مثل المطاعم الشعبيّة. هذه المصائد لا تستخدم موادّ سامّة وضارّة للتنفّس، وإنّما تقوم بصعق البعوض عن طريق الكهرباء- وبهذا تسقط فيها- الحشرات الأخرى أيضًا. 

المصائد القديمة، كانت تستخدم عادة مصباحًا فلورسنتيًّا يجذب البعوض إلى مقربة منه إلى أن يحجب الضوء نظره  ويلامس الخيوط المعدنيّة الموصلة والّتي تصعق الحشرات الطائرة عند التلامس. ما زال سبب جذب الضوء لأنواع معيّنة من البعوض مبهمًا، ولكن من المعروف أنّ الحشرات من عائلة الذباب والبعوض تُجذَب إلى الضوء. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يؤثّر لون الضوء، والوقت، ونوع البعوض في معدّل الإمساك به، والّذي على ما يبدو ليس عاليًا للغاية.

تشير الأبحاث من العقد المنصرم إلى أنّ البعوض يستخدم مجموعة متنوّعة من الحواسّ للتعرّف على البشر وامتصاص دمهم، فيستجيب للروائح العضويّة مثل الأمونيا واللكتات المنبعثة من الجلد خلال عمليّة التعرّق، بالإضافة إلى استجابته لثاني أكسيد الكربون الّذي نخرجه في عمليّة التنفّس، ولحرارة الجسد ورطوبته. في السنوات الأخيرة وبناء على هذه المعلومات تمّ تطوير مصائد تهدف إلى أن تكون أكثر فعاليّة في جذب البعوض إليها وإلى تقليل تأثيرها في الحشرات الأخرى. 

أظهرت الأبحاث الجديدة أنّ المصائد الّتي تصدر ثاني أكسيد الكربون أكثر فعاليّة من المصائد القديمة في جذب البعوض. إحدى الطرق لإنتاج هذا الغاز هي إضافة الخميرة إلى الماء والسكّر لتحفيز عمليّة التخمير، والّتي ينتج عنها ثاني أكسيد الكربون. وهنالك مصائد أكثر ابتكارًا تضيف إلى الخليط المنبثق مركّبات من اللكتات والأمونيا، لتقليد رائحة عرق الإنسان. تقوم مروحة بنشر الرائحة بالهواء ما يجذب البعوض إلى أن يقترب من المصيدة ويتمّ جذبها إلى داخل كيس مغلق.

 كما أنّ هناك جزيئات تجذب البعوض، هناك أيضًا جزيئات تنفره. ووجود هذه الأنواع من الجزيئات قد يشرح لماذا يتباين الأشخاص في وتيرة تعرّضهم للدغات البعوض

عندما تمّ اكتشاف هذه الموادّ، عمل العلماء على إنشاء أجهزة تنفر البعوض، وهكذا تمّ اختراع مبيدات البعوض والّتي تُباع عادة كرذاذ، سائل أو مرهم يوضع على الجلد. وقد أظهرت الأبحاث أنّ استعمال مبيدات ومنفرات البعوض المعتمدة على الجزيء الشائع  DEET يمكن أن يحدّ من لدغ البعوض بنسبة تتراوح بين 65% و 90% حسب الوقت الّذي مضى منذ الاستخدام.


استعمال مبيدات ومنفرات البعوض المعتمدة على الجزيء الشائع  DEET يمكن أن يحدّ من لدغ البعوض بنسبة تتراوح بين 65% و 90%. فتاة تستعمل مرهم منفر للبعوض| encierro, Shutterstock

نجاعة المصائد

يصعب تحديد مدى فعاليّة هذه المصائد حيث يعتمد نجاحها في اصطياد أنثى البعوض على العديد من العوامل. أحد هذه العوامل هو التباين في الانتشار ما بين أصناف البعوض المختلفة في فصول السنة المختلفة، بالإضافة إلى ذلك، هنالك عوامل كالظروف المناخيّة السائدة في سنة معيّنة، وموقع المصائد وخصائص البيئة المحيطة- فعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن يكون هناك مزيد من البعوض في المناطق الريفيّة مقارنة بالمدن-. 

كما ذكر مُسبقًا، يصعب قياس نجاعة هذه المصائد، فلا يكفي أن نحصي عدد الحشرات الّتي تمّ التقاطها، ولا يكفي حتّى إحصاء البعوض دون غيره من الحشرات، ذلك لأنّ أنثى البعوض هي الوحيدة الّتي تمتصّ الدماء بل وتفعل ذلك فقط عند بلوغها لغرض تغذية بيضها. لذا فإنّ الأبحاث الّتي لا تتحقّق من نسبة اصطياد إناث البعوض البالغة من بين باقي الحشرات لا تقدر فعليًّا على قياس نجاعة المصائد بالشكل اللازم. 

وعلى ما يبدو فإنّ تقييم نجاعة المصائد بات سهلًا، فكلّ ما يجب فعله هو إحصاء نسبة الإناث البالغات الّتي تمّ اصطيادها من العدد الكلّيّ للبعوض في محيط المصيدة. لكنّ المشكلة في هذا أنّ البيئة المحيطة للمصائد هي بيئة ليست مغلقة، ويتحرّك البعوض منها وإليها بحريّة. لذا في الواقع، ليس هناك طريقة لتقدير كم عدد البعوض الّذي تمّ العثور عليه في محيط المصائد، ولا حتّى معرفة نسبتهم من إجمالي الحشرات الطائرة في المنطقة. 

أحد العوامل الأخرى الّتي يجب مراعاتها هو تأثير مواقع المصائد في عدد لدغات البعوض. لفحص هذا التأثير، يجب إجراء تجارب خاضعة للرقابة تقيس التغيير في احتماليّة اللدغ بعد وضع المصائد في مكان محدّد. من الواضح أنّه لن تتفاجؤوا في اكتشاف أنّه من الصعب العثور على متطوّعين مستعدّين للمشاركة والتبرّع بأجسامهم ودمهم للعلم في تجربة يكونون فيها عرضة للدغ البعوض. لهذا السبب، نادرًا ما تُجرَى أبحاث تفحص تأثير المصائد في عدد لدغات البعوض في الواقع.

في دراسة أُجريت سنة 2019، درسَت نجاعة المصائد الجديدة، قام الباحثون في تنزانيا- دولة في أفريقيا معرّضة للعديد من أنواع البعوض الناقل للأمراض- بإنشاء محيط مغلق يتكوّن من كوخَين تحيطهما النباتات المحليّة لمحاكاة الظروف الطبيعيّة بأكبر قدر ممكن. في كلّ مساء تمّ إطلاق 400 بعوضة (تمّت تربية جميعها في المعمل) إلى محيط الأكواخ، ومن ثمّ تمّ إحصاء نسبة البعوض الّذي تمّ اصطياده. في كلّ واحد من الأكواخ كان هنالك متطوّع بشريّ محميّ بستارة من النسيج الشبكيّ (منخل) وكذلك في الكوخَين تمّ اختبار مصائد الضوء العاديّة، ومصائد ضوء ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون ومصائد تستخدم رائحة عرق الإنسان.

تشير نتائج هذا البحث  إلى أنّ المصائد الّتي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون اصطادت ضعف كميّة البعوض من المصائد المضيئة العاديّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المصائد في داخل الأكواخ اصطادت سبعة أضعاف كميّة بعوض الأنوفلس (بعوض قادر على نقل مرض الملاريا) مقارنة بالمصائد الّتي كانت خارج الأكواخ، وكذلك ضعفَين ونصف كميّة البعوض البيتيّ، ربّما بسبب وجود الطعم البشريّ داخل الكوخ. أمّا المصائد الّتي تحمل عرق الإنسان فلم تظهر نجاعة تذكر في اصطياد بعوض الأنوفلس. أظهرت مقارنة إضافيّة بين أربعة أنواع مختلفة من المصائد الّتي تمّ وضعها خارج الأكواخ  أنّ المصيدة الّتي تجمع بين الإضاءة وثاني أكسيد الكربون تظهر نجاعة سبعة أضعاف في اصطياد البعوض من الفصيلة Anopheles arabiensis وهذا عند مقارنتها بالمصائد الّتي تقتصر على الإضاءة لا غير. مع ذلك فلم يكن هنالك أيّ اختلاف في نسب اصطياد بعوض البيت بين أنواع المصائد الخارجيّة المذكورة مسبقًا.ا.


مصائد البعوض البيتيّة تقتل حشرات أخرى أكثر من قتلها للبعوض. صورة لحشرات أخرى غير البعوض| معيان كارلينسكي بواسطة ميدجورني. 

ضرر المصائد غير المباشر

أظهرت الأبحاث الّتي درست المصائد المنزليّة الشائعة أنّها تصطاد وتقتل حشرات عديدة غير البعوض بنسبة قد تصل لأكثر من مائة حشرة لكلّ بعوضة. هنالك دراسات أخرى تظهر أنّ 90% من الحشرات الّتي يتمّ اصطيادها ليست من البعوض وأنّ نسبة إناث البعوض البالغات الّتي يتمّ اصطيادها ضئيلة جدًّا. دراسة أخرى من سنة 1996 أظهرت أنّه من بين أكثر من 13 ألف حشرة تمّ قتلها في مصائد الكهرباء المعتمدة على الضوء ما فوق البنفسجيّ، كان هناك فقط 31 بعوضة أنثى لادغة، أي نسبة لا تتعدّى ال 0.22%. على النقيض،  كانت 13.5%  من الحشرات الميتة تنتمي إلى أنواع يمكن أن تكون مفترسة للبعوض، وتقريبًا نصف  هذه الحشرات (48.4%) صُنِّفت كأنواع  مفيدة للزراعة أو النباتات البريّة. أشار الباحثون أنّ تفعيل هذه المصائد في  4 مليون منزل في الولايات المتّحدة لمدّة أربعين ليلة فقط  سيكون كفيلًا بالقضاء على أكثر من 71 مليار حشرة غير البعوض. 

بعضها حشرات تلعب دورًا بيئيًّا حيويًّا، مثل تلقيح النباتات وتحليل النفايات العضويّة. لذا فأيّ ضرر يقع عليها سيؤثر بالضرورة في أدوارها البيئيّة وفي توازن سلسلة الغذاء بشكل عامّ. 

الحقيقة أنّ مصائد الضوء تجذب الحشرات التابعة للفصيلة الذبابيّة بشكل رئيس، وقد يشكّل هذا الأمر مشكلة إضافيّة، حيث يحمل بعض الذباب، الذباب المنزليّ، على سبيل المثال، في أجساده موادّ قد تسبّب الأمراض للبشر. تظهر الأبحاث في هذا المجال أنّ هذه الحشرات قد تكون حاملة لأكثر من 130 نوعًا من البكتيريا والفطريّات والطفيليّات والفيروسات، والّتي يُعدّ بعضها خطيرًا للإنسان. 

وتشير الأبحاث أيضًا إلى أنّ المصائد الكهربائيّة تحرق الحشرات وتؤدّي إلى إطلاق رذاذ فيه أشلاء مُسبّبة للمرض،  يصل الرذاذ بدوره في نهاية المطاف لجهاز التنفّس البشريّ ويؤدّي لإصابته بالمرض والعدوى حتّى من مسافة بعيدة عن المصيدة. نظرًا لما ذكر مُسبقًا، من المفضّل تجنّب وضع المصائد الكهربائيّة في المناطق المعرّضة لمخاطر العدوى، مثل مناطق تناول الطعام أو أقسام المرضى ذوي المناعة الضعيفة. يجب أيضًا أن لا توضع في أماكن يتواجد فيها الرُضّع والأطفال، مثل رياض الأطفال وحاضنات الخدّج، وهذا لأنّ أشلاء الحشرات قد تحوي  موادّ مُسبِّبة للحساسيّة قد تؤدّي للرَبو ولردود أفعال حساسيّة أخرى.

أمّا بالنسبة للمصائد الحديثة الّتي تبثّ موادّ تحاكي رائحة البشر، فلا تزال الأبحاث حول نجاعتها قليلة ومحدودة. يبدو أنّها بالفعل ناجعة أكثر من المصائد التقليديّة في اصطياد البعوض، مع ذلك، فما زلنا لا نعرف إن كانت قادرة على اصطياد إناث البعوض البالغة فقط، دون التسبّب بالضرر لباقي الحشرات. كما أنّ تأثيرها في معدّل اللدغات ما زال مُبهمًا.

إذًا، ما هي أفضل طريقة لمواجهة البعوض؟ بشكل ناجع، مزيج ما بين المصائد الحديثة، الموادّ المنفرة للبعوض ومروحة تتسبّب في رياح طفيفة فوق الأرض. لقد أظهر بحث إسرائيليّ أنّ استخدام هذه الطرق مجتمعة، يقلّل  من لدغات البعوض بشكل ناجع. فتشكّل الموادّ المنفرة حماية شخصيّة بدورها وتقوم المصائد بتقليل عدد البعوض في محيطها. كما قد ورد في البحث، أنّه عند استعمال وسيلة وقاية واحدة لا غير، تتميّز الموادّ المنفرة للبعوض عن غيرها في تقليل عدد اللدغات.

تظهر الدراسة ذاتها أنّ هناك مصائد قد تزيد من خطر اللدغ إذا وُضِعت في مكان قريب من البشر، لأنّها تجذب البعوض اللادغ وتُبقي بعضه حيًّا. في دراسة أخرى فرنسيّة بحثت تأثير استخدام المصائد المنشورة بشكل واسع في معدّل اللدغات وُجِد أنّ هذه الإستراتيجيّة قد تؤدّي إلى انخفاض يتراوح بين 50% و 94% في عدد اللدغات حسب نوع البعوض، عندما يكون الشخص على بعد 40 مترًا من المصيدة. لذلك إذا أردتم استعمال مصيدة للبعوض، تذّكروا أنّ عليكم استخدامها بالطريقة الصحيحة والتفكير في تأثيرها البيئيّ كذلك.

 

0 تعليقات