كانت اللّقاحاتُ ضدّ الكورونا بمثابةِ الانطلاقةِ الأولى. يبدو أنّ الـ RNA سيُشكِّلُ، وفقًا لجميعِ المُؤشِّرات، قاعدةً لتكنولوجيّاتٍ طِبِّيّةٍ كثيرةٍ جدًّا ومُتنوّعةٍ في المستقبلِ القريب

تتوفّر لدى جميع الكائناتِ الحيّةِ في الكرةِ الأرضيّةِ، من أصغرِ بكتيريا حتّى أكبرِ ذَوَاتُ الأَثْداء بما فيها الإنسان، معلوماتٌ وراثيّةٌ (جينيّة) يتمُّ ترميزُها وتخزينُها في جزيئاتِ الحمضِ النوويّ، الـ DNA في خلاياها. تُكسِبُ هذه المعلوماتُ كُلَّ نوعٍ بيولوجيٍّ وكُلَّ فردٍ الصّفاتِ الّتي تخُصُّه وتُميِّزُه: بكتيريا السِّلّ، شجرةُ أزادراخت، أو امرأةٌ عيونُها بُنّيّة اللون، والإحجامُ عن تناول الكُزبرة.

تجبُ ترجمةُ المعلومةِ الوراثيّةِ إلى جزيئاتٍ قادرةٍ على القيامِ بنشاطٍ كيميائيٍّ من أجل تحويلِها إلى صفةٍ جسمانيّة - الإنزيماتُ مثلًا، الّتي تُسهمُ في تكوينِ هياكلَ مُعيّنةٍ مثلَ الأليافِ العضليّةِ وخيوطِ العنكبوت، أو تلك الّتي تُسهمُ في نقلِ المعلوماتِ بين الخلايا كما تفعلُ المُستقبِلاتُ أو الهرمونات. سادَ الاعتقادُ قبلَ بضعةِ عقودٍ أنّ جميعَ هذه النشاطاتِ محصورةٌ على مملكةِ البروتينات. إلّا أنّه يتّضح شيئًا فشيئًا في السنوات الأخيرةِ، أنّ جزيئاتِ الـ RNA على مختلفِ أنواعِها، الّتي اعتُبِرت وسيطات بين المادّةِ الوراثيّةِ الموجودةِ في الـ DNA وبين البروتين في هيئتِه النهائيّةِ لا غير، قادرةٌ هي الأخرى على القيامِ بمهامّ معقّدةٍ مهمّة. أصبحَت الأبحاثُ والدّراساتُ الّتي تُجرى على الـ RNA، في أعقابِ هذه الاكتشافاتِ الجديدة، من أكثرِ مجالاتِ الأبحاثِ البيولوجيّةِ والطِّبّيّةِ وغيرِها إثارةً للاهتمامِ وحُبِّ الاستطلاع.

מולקולה של RNA (שליח) | איור: MattLphotography, Shutterstock
قادر على القيامِ بمهامّ مُعقّدةٍ ومهمّة. جزيء RNA (رسول) | الرسمُ التوضيحيّ: MattLphotography, Shutterstock

ما هو الـ RNA؟

RNA جزيءٌ يشبهُ في مبناه جزيء الـ DNA. يتكوّنُ الجزيءُ من وحدةٍ سكّريّةٍ مربوطةٍ بواحدةٍ من أربعِ قواعدَ نيتروجينيّة، يمكنُ اعتبارُها أحرفَ الشفرة الجينيّة. يُرمَزُ إلى القواعدِ الأربع في جزيءِ الـ DNA بالأحرف A,G,T و-C, بينما يُبدّلُ الحرفُ U الحرفَ T في جزيء الـ RNA. ويوجدُ اختلافٌ في المبنى الكيميائيّ للهيكلِ السُّكّريِّ المربوطة به القواعد النيتروجينيّة. ينجمُ عن هذه الفروقِ أنَّ جزيءَ الـ RNA أكثرُ فعاليّةً من النّاحيةِ الكيميائيّةِ وأقلُّ استقرارًا من جزيءِ الـ DNA. تَظهرُ جزيئاتُ الـ DNA غالبًا على هيئةِ سلسلتين طويلتين جدًّا مُكَوّنتَيْن من عشراتِ الآلافِ حتّى مئاتِ الملايين من الأحرف، ويُعرفُ هذا المبنى بـ "السلسلةِ المزدوجةِ اللّولبيّة". تظهرُ غالبيّةُ جزيئاتِ الــ RNA على شكلِ سلاسلَ منفردةٍ أقصرَ طولًا إلّا أنّها قادرةٌ على تكوينِ سلاسلَ مزدوجةٍ مع جزيئاتِ RNA أو مع جزيئاتِ DNA أخرى، كما أنّها قادرةٌ على الانطواءِ على نفسِها وتكوينِ هيكلٍ ثلاثيِّ الأبعادِ يحوي جُزْئيًّا سلاسل مزدوجةً. يتمُّ الحصولُ على جزيئاتِ الـ RNA بواسطةِ آليّةِ النّسخِ من على ظهرِ جزيئاتِ الـ DNA. ذلك يعني أنَّ جزيئاتِ RNA هي نسخاتٌ لأجزاء من الــ DNA، وغالبًا ما تمرُّ جزيئات الــ RNA بعدَ نسخِها بعمليّاتِ معالجةٍ إضافيّة كالقطعِ أو الهضمِ الجزئيّ أو التضفير: إزالةُ أجزاءٍ من الـ RNA، وربطِ الأجزاءِ المتبقّية من جديد. 

جزيئات RNA الّتي تُشكِّلُ المادّةَ الوراثيّةَ لفيروساتٍ مُعيّنةٍ كفيروسِ الكورونا والانفلونزا والكَلَبِ جزيئاتٌ شاذّة. المادّةُ الوراثيّةُ في هذه الفيروساتِ ليست منسوخةً عن مقاطعِ DNA وإنّما منسوخة عن مقاطع أخرى من الـRNA.

איור של נגיף הכלבת וגדיל ה-RNA שלו | איור: Designua, Shutterstock
 RNA هو المادّةُ الوراثيّةُ لدى فيروساتٍ مُعيّنةٍ وليس DNA. يصفُ الرسمُ التّوضيحيّ فيروسَ الكَلَبِ وجديلةَ RNA فيه | الرسم التّوضيحيّ: Designua, Shutterstock

أنواع الـ RNA

توجدُ عشراتُ الأنواعِ من جزيئات الـ RNA .RNA رسول، messenger RNA، وباختصار mRNA هو النّوعُ الأكثرُ شهرةً. تتكوّنُ جزيئاتُ هذا النّوعِ من بضعِ مِئاتٍ حتّى بضعة آلافٍ من الأحرفِ الّتي تحوي شيفرةَ إنتاج البروتين. الـmRNA "نسخةُ عمل" لمورِثةٍ (جينٍ) مُعيّنةٍ من الــ DNA في نواةِ الخليّةِ تُنقَلُ من النّواةِ إلى الريبوزوماتِ الّتي تُنتِجُ البروتين وفقًا لتسلسلِ الأحرفِ في عمليّةٍ تُسمّى الترجمة. 

 rRNA، أو الحمض النوويّ الريبوزوميّ هو نوعٌ آخر من جزيئاتِ الــ RNA، وهو يُشكّلُ، كما يشيرُ اسمُه، جزءًا من هيكلِ الريبوزوم ذاتِه، إلى جانبِ عددٍ كبيرٍ من البروتينات. الريبوزوماتُ هي الماكناتُ الخلويّةُ الّتي تُترجِمُ الــ RNA رسول إلى بروتين. 

الحمض النّوويّ الريبوزيّ الناقل، transfer RNA، أو باختصار tRNA، هو نوعٌ ثالثٌ من جزيئاتِ الـ RNA الّتي تشتركُ في عمليّةِ إنتاجِ البروتينات. يرتبطُ كلُّ جزيءٍ من هذه العائلةِ من جزيئاتِ RNA الصغيرةِ الّتي يتكوّن الواحدُ منها من حوالي 70 حرفًا، مع واحدٍ من عشرين حمضٍ أمينيٍّ تتكوّنُ منها البروتينات. ينقُلُ جزيءُ الـ tRNA حِمضَهُ الأمينيّ إلى سلسلةِ البروتينِ المُتكوّنةِ وفقًا للشفرةِ الجينيّةِ الّتي يحملها الـ RNA رسول. 

إلى جانبِ هذه الأنواعِ الثّلاثةِ، هناك أنواعٌ كثيرةٌ جدًّا من جزيئاتِ الـ RNA، منها:

 SRP RNA – تشتركُ جزيئاتُ هذا النّوعِ في إنتاجِ البروتيناتِ النّشِطةِ في غشاءِ الخليّةِ أو البروتيناتِ الّتي تُفرَزُ خارج الخليّة.

 miRNA (ميكرو RNA)– وهو جزيءٌ صغيرٌ مُكوّنٌ من 22 حرفًا يشتركُ في عمليّاتِ ضبطِ التّرجمةِ وتفكيكِ جزيئاتِ الـ RNA.

snoRNAs و-snRNAs– الّتي تشتركُ في عمليّاتِ تضفيرِ ومُعالجةِ RNA في نواةِ الخليّةِ أو في النُّويّة. TERC- يشترك هذا النّوع من جزيئاتِ الــ RNA في إنتاجِ التيلوميرات (القُسَيمات الطَّرَفيّة)، وهي أطرافُ الكروموسومات.

lncRNA– وهي جزيئاتٌ طويلةٌ من الــ RNA لا تحملُ شيفرةً لإنتاجِ البروتينات (مع أنَّ منها ما قد يُشَفِّرُ إنتاجَ بروتينات صغيرة)، لها وظائفُ كثيرةٌ داخلَ الخليّةِ منها ضبطُ عمليّاتِ النّسخِ والتّضفير وتحرير وتفكيكِ الـ RNA وغيرُها من الوظائف.

 XIST– جزيء RNA طويل ذو أهمّيّةٍ في عمليّةِ الإسكاتِ النّسخيّ لواحدٍ من كروموزومَيْ (صِبغيّات) X عند النّساء.

 siRNA, RNAi– جزيئات RNA تشتركُ في تفكيكِ وضبطِ RNA رسول وغيرها من جزيئاتِ الـ RNA. 

circRNA – جزيئاتُ RNA حَلَقيّةُ الشّكلِ يبدو أنّها تُشاركُ في ضبط ترجمة وتفكيك RNA، وقد تُشَفّرُ البروتينات أيضًا. 

sRNA – جزيئاتُ RNA صغيرةٌ تشتركُ في ضبطِ النّسخِ والتّرجمة، وتُؤثِّرُ في جميعِ النشاطاتِ الكيميائيّةِ في البكتيريا والعتائق (البدنيّات أو البكتيريا القديمة أو الأصليّات). 

توجدُ لهذا التنوّع الهائلِ من الــ RNA وظائفُ متنوّعةٌ في الخلايا على أنواعِها. نحن نعرفُ جزءًا من هذه الوظائفِ جيّدًا بينما معرفتُنا للأنواعِ الأخرى قليلةٌ جدًّا.

מבנה הריבוזום | איור: CHRISTOPH BURGSTEDT / SCIENCE PHOTO LIBRARY
تشتركُ أنواعٌ كثيرةٌ من الــ RNA في عمليّةِ ترجمةِ البروتينات، منها rRNA الّذي يتكوّن منه الريبوزومُ ذاتُه، و- RNA رسول الّذي يُزوِّدُ المعلوماتِ عن تسلسلِ البروتين، و- tRNA. في الصورة: مبنى الريبوزوم | الرسمُ التوضيحيّ: CHRISTOPH BURGSTEDT / SCIENCE PHOTO LIBRARY 

لُقاحاتُ تطعيمٍ وأدوية

انتشرَ مصطلحُ RNA في وسائلِ الإعلامِ الشّعبيّةِ في أعقابِ جائحةِ كورونا، COVID-19، وتطوير لُقاحات الـ mRNA ضدّها. لُقاحاتُ mRNA لِمرضِ الكورونا من إنتاجِ شركاتِ فايزر وموديرنا هي الأولى، من بين لُقاحاتِ لأمراضِ أخرى بُدِىءَ بإجراءِ التجاربِ السّريريّةِ عليها منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، ومرّت بجميعِ مراحلِ الضّبطِ والرّقابةِ وتمَّ توزيعُها على النّاسِ. أتاحَ الاستخدامُ واسعُ النِّطاق لهذه اللّقاحاتِ جمعَ معلوماتٍ كثيرةٍ حولَ كيفيّةِ عملِها ونجاعتِها وآثارِها الجانبيّة. تُسهمُ هذه المعلوماتُ في تطويرِ اللُّقاحاتِ القادمةِ ضدّ الكورونا وضدّ الامراضِ الأخرى. تعملُ شركةُ موديرنا مثلًا على تطويرِ لُقاحات RNA ضدّ فيروساتِ الانفلونزا و- CMV و-HIV والزيكا والنّيباه و RSV وغيرها. وتعملُ مختبراتٌ أخرى على تطويرِ لُقاحاتِ mRNA، وتُجرى الدِّراساتُ على لُقاحاتِ RNA ضدّ السرطان وضدّ أمراضِ المناعة الذّاتيّة

توجدُ أيضًا، بالإضافةِ للُقاحاتِ التَّطعيم، علاجاتٌ بالأدويةِ تعتمدُ على جزيئات RNA. صدّقت مديريّةُ الغذاءِ والأدويةِ الأمريكيّة (FDA) في الخمسةِ والعشرينَ عامًا الماضيةِ على أحدَ عشرَ عقارًا طبيًّا تعتمدُ على RNA، لها آليّاتٌ فعّالة متنوّعة. تعتمدُ غالبيّةُ هذه الأنواعِ على آليّة antisense RNA- الشيفرةُ الجينيّةُ المُكمِّلةُ لــ RNA رسول. يرتبطُ جزيءُ الـ antisense جيّدًا بجزيء RNA رسول المناسبِ، وتتكوّنُ سلسلةٌ مزدوجةٌ، فتتوقّفُ ترجمةُ الــ RNA رسول ويتوقّفُ إنتاج البروتينِ الّذي يُشَفِّرُه. صودِق في سنة 1998م على استخدامِ أوّلِ دواءٍ من هذا النوع، لعلاجِ الإصابة بفيروس CMV. وتمَّ تطويرُ أدويةٍ أخرى من هذا النّوعِ لمرضى الأمراضِ الوراثيّةِ كمرضِ ضمور العضلات باسم دوشين واعتلالِ الأعصابِ النّشوانيّ العائليّ- وهو مرضٌ وراثيٌّ يتميّزُ بالتنكُّسِ التدريجيِّ للجهازِ العصبيّ. 

وتمّ التصديق في سنة 2018م على استخدامِ أوّل دواء من نوع آخر من الأدويةِ لعلاجِ اعتلالِ الأعصابِ النّشوانيّ العائليّ الّذي يعتمدُ على جزيئات siRNA الّتي تُعرقلُ إنتاجَ البروتيناتِ ذاتِ الصِّلةِ بتطوّر المرض. وتمّ التّصديق بعد ذلك على استخدامِ ثلاثةِ أدويةٍ من هذا النّوعِ لأمراضٍ أخرى. تُطوِّرُ شركةُ Eleven Therapeutics الاسرائيليّةُ، لأوّلِ مرّةٍ، دواءً من نوعِ siRNA كعلاجٍ وقائيٍّ ضدّ الكورونا. أفادَ عُلماءُ هذه الشّركةِ من خلالِ دراسةٍ، لم تخضع للنقد بعد، نُشِرت في موقعِ bioRxiv، وهو موقعٌ للإعلام ما قبلَ النّشرِ، أنّهم استعرضوا وفحصوا مكتبةً تحوي 16000 جزيء siRNA ووجدوا عشرةً منها على الأقلّ فعّالةً ضدَّ جميعِ مُتحوِّراتِ كورونا المعروفةِ حتّى الآن. يُقَدّرُ علماءُ الشّركةِ، بالاعتمادِ على تجربةٍ شملت دمجَ إدخالِ طَفراتٍ غير معروفةٍ من بروتين سبايك الشَّوْكيِّ الخاصّ بفيروس كورونا، أنّ هذه الجزيئاتِ ستكونُ ناجعةً أيضًا ضدّ مُتحوّراتٍ كثيرةٍ قد تظهرُ في المستقبلِ. بيّنَ العلماءُ أيضًا أنّ إعطاءَ العلاجِ بالرّشِّ داخل الأنفِ حَمى حيوانَ الهامستر من المرض، وشُقَّت الطريقُ بذلك لإجراءِ التّجاربِ على الإنسانِ في المستقبل. 

aptamer RNA هو النّوعُ الثّالث من أنواعِ أدويةِ الـ RNA. يرتبطُ هذا النّوعُ من الـ RNA ببروتينٍ مُعيّنٍ فيمنعُ نشاطَه. تمّ التصديق حاليًّا على علاجٍ واحدٍ من هذا النّوعِ وهو علاجٌ للتنكُّسِ البُقَعيّ. ما زالت الدّراساتُ والأبحاثُ جاريةً، وقد بلغَت مراحلَ مختلفة ، على أدويةٍ أخرى من ثلاثةِ الأنواعِ المذكورةِ، مثل دواءٍ لعلاجِ الضّمور العضليّ النُّخاعيّ (SMA)، وأدويةٍ تعتمدُ على miRNA تُهَيَّأُ لمنعِ ترجمةِ RNA رسول. 

تعملُ معظمُ الأدويةِ على البروتيناتِ أو على DNA، إلّا أنّ الباحثين يطوّرون اليومَ أدويةً مُهيّأةً للعمل على جزيئات RNA. تهدفُ هذه الأبحاثُ إلى إيجادِ موادّ ترتبطُ بِجزيء RNA ذي مبنى معيّن، واستخدامها كأدوية. أفادَ باحثون من الولاياتِ المُتّحدةِ الأمريكيّةِ مثلًا، من خلال دراسة نُشرت في سنة 2020، أنّهم وجدوا جزيئًا يرتبطُ بـِ pre-miRNA-21 الّذي تَشتَقُّ منهُ الخليّةُ جزيئًا له أهمّيّةٌ في تطوّر نقائلِ سرطانِ الثَّدي وسرطانِ الرئة، وهو الجزيءmiRNA-21. يُعيقُ الدّواءُ قطعَ الجزيء الأصل فينقطعُ إنتاجُ الـ miRNA-21. تقلّصَ تطوُّرُ النّقائلِ السّرطانيّةِ حتّى النصفِ عندما استُخدِمَ هذا الدّواء على الفئران. أُعلِنَ مُؤخّرًا عن دواء آخر يمنعُ إنتاجَ miR-21 ويُبطِئُ قدرةَ انقسامِ الخلايا السّرطانيّةِ داخلَ مزرعةِ خلايا. يَجري تطويرُ أدويةٍ أخرى تعملُ على RNA وهي مُعدّةٌ لعلاجِ السُّكّري، ومرضِ الضُّمور العضليّ ALS، والتهاب الكبدِ الفيروسيّ C، وضمور العضلات النُّخاعيّ، والعلاج بالمُضادّت الحيويّة وغيرِها.

מפעל לייצור חיסוני mRNA נגד נגיף הקורונה | צילום: wacomka, Shutterstock
شقُّ الطريقِ في مُكافحةِ الوباء. مصنعٌ لإنتاجِ لُقاحاتِ التطعيم من النوع mRNA ضدّ فيروس كورونا | أُخِذت الصورةُ من: wacomka, Shutterstock

كريسپر- العلاجُ الجينيّ وتحسينُ الجينات

لقد كُتِبَ الكثيرُ عن كريسپر (CRISPR)– جهازُ المناعةِ المكتسبة البكتيريّة المُهيّأة لحمايةِ البكتيريا من الفيروساتِ والّذي يعتمدُ على النشاطِ المشتركِ لإنزيم قَطْعِ الــ DNA و جزيء RNA قصير يُشيرُ إلى "عنوان" شحنِ الإنزيمِ إلى موقعِ القَطْعِ المناسب. أتاحَت التطويراتُ الّتي أدخلتْها العديدُ من فرقِ البحثِ على هذا الجهازِ ملاءمتَه لإجراءِ التعديلاتِ الجينيّةِ في أيّ كائنٍ حيّ- في البكتيريا والفطريّاتِ والنباتات والإنسانِ والحيواناتِ الأخرى. جينيفر دودنا (Doudna) وعمانوئيل شرپنتييه (Charpentier) هما من رُوّادِ الدِّراساتِ والأبحاثِ حول هذا الموضوع وقد حصلا على جائزةِ نوپل في الطّبِّ عام 2020، أمّا پانغ جانڠ (Zhang) فقد ربحَ المعركةَ القانونيّةَ على براءةِ الاختراع. 

تتوجّهُ الأنظارُ إلى استخدامِ أنظمةِ Crisper في المستقبلِ القريب للعلاجاتِ الطِّبيّةِ البشريّةِ و لزيادةِ المحاصيلِ الزراعيّةِ وتحسينِ مُقاومةِ النبتةِ للتغيّراتِ في الظروفِ البيئيّةِ و إطالة مُدّةِ صلاحيّةِ المُنتجاتِ الزراعيّة. تستخدمُ شركاتٌ كثيرةٌ الكريسپر في تحسينِ الأصنافِ أو لِإنتاجِ أصنافٍ من الذّرةِ والقمحِ والصويا والبطاطا والموزِ وغيرِها من النباتات المُقاوِمة للتغيّراتِ البيئيّةِ. حجرُ العثرةِ الرئيس في هذا المجال هو مُنظّمةُ "تنظيمُ الكائناتِ المُعَدَّلةِ وراثيًّا"، GMO- تنظيمُ الرّقابةِ والتحكُّمِ الّذي يُلزِمُ تصنيف المنتجاتِ من الأنواع الّتي تمّ تحسينُها بواسطةِ الهندسةِ الوراثيّة- الأمرُ الّذي يُعيقُ قدرةَ تسويقِ هذه المُنتجاتِ في دُولٍ مُعيّنة. لا يوجدُ فرقٌ من وجهةِ النّظرِ البيولوجيّةِ، في كثيرٍ من الحالات، بين الطفراتِ الطبيعيّةِ الّتي يتمُّ انتقاؤها بالتّهجينِ وبين استخدامِ كريسپر. في الواقعِ، قد يؤدّي استخدامُ التهجينِ إلى إقحامِ تغيُّراتٍ جينيّةٍ غير مرغوبةٍ، بينما يُستخدمُ الكريسپر بدقّة (يمكنُ الاستماعُ للفصلِ التاسعِ من التَّدوينِ الصَّوتيّ "الحاكولتا" التابعِ لكلّيّةِ الزِّراعةِ والغذاءِ والبيئةِ في الجامعةِ العبريّة في القدس). لم يبدأ بعدُ تسويقُ المُنتجاتِ المُهندسةِ بالكريسپر في الولاياتِ المتّحدةِ وعددٍ من دولِ جنوبِ أمريكا رغم عدمِ إدراجِ تكنولوجيا كريسپر ضمن ما يتوجّبُ تصنيفه وفقًا للـ GMO في هذه الدُّول. أوّلُ مُنتجٍ زراعيٍّ مُهندسٍ بالكريسپر كانَ قد عُرضَ في الأسواقِ هو البندورةُ المُسوّقةُ في اليابان والّتي قد تَفتحُ السوقَ لِمنتجاتٍ إضافيّة.

המבנה המולקולרי של מערכת CRISPR-Cas-9 | איור: BIOLUTION GMBH / SCIENCE PHOTO LIBRARY
من تحسينِ المحاصيلِ الزّراعيّةِ حتّى تصحيحِ العيوبِ الخَلْقيَّةِ في الجَنين. المبنى الجزيئيّ لمنظومةِ CRISPR-Cas-9 | الرسمُ التّوضيحيّ: BIOLUTION GMBH / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

أمّا على المُستوى الطبّيّ فتُجري بعض الشّركاتِ تجاربَ سريريّةً لتطويرِ علاجات كريسپر للأمراضِ الوراثيّة والسرطانِ وللأمراضِ المُعدِية. يتمثّلُ علاجُ الأمراضِ الوراثيّةِ بإصلاحِ المرضِ عن طريقِ غَرسِِ جينٍ (مورِثٍ) سليم بواسطةِ الكريسپر بدلًا من الجينِ المعيوبِ في الأنسجةِ الّتي يظهرُ فيها المرض ككرياتِ الدّمِ الحمراء أو خلايا شبكيّة العين. ترتكز جُلُّ الجهودِ في علاجِ السّرطانِ على العلاجِ المَناعيّ من النوعِ CART-T الّذي تتمُّ فيه هندسةُ خلايا من خلايا جهازِ مناعةِ المريض هندسةً جينيّةً لمساعدتِها وزيادةِ فاعليّةِ مُكافحتِها للخلايا السّرطانيّةِ، ويصبو بعضُ الباحثين إلى ما هو أبعد من ذلك في سبيلِ تحسينِ قدراتِ جهازِ المناعة. توجدُ تكنولوجيا على أساس الكريسپر في مجالِ الأمراضِ المُعديةِ أيضًا، ضدّ التلوُّثِ البكتيريّ في المسالك البوليّة أو في الدّم، أو في علاجِ مرض الإيدز.

الرُّؤيةُ الّتي تكادُ تكونُ في علمِ الخيال هي هندسةُ الجنينِ البَشَريّ هندسةً جينيّةً في المراحلِ الأولى من تطوُّرِه لإصلاحِ مرضٍ وراثيٍّ في بدايةِ الحَمْل أو لإكسابِه مُقاومةً للأمراضِ، كما يجري تحسينُ النباتاتِ لتقاومَ الحشراتِ الضارّة ومُبيدات الأعشاب. استخدمَ باحثٌ صينيٌّ سنة 2018م الكريسپر بغرضِ ولادةِ أطفالٍ يحملون طفرةً فريدةً من شأنِها أن تحميهم من الإصابةِ بفيروس HIV المُسبّب لمرضِ الإيدز، فأدخلَ العالمَ العلميَّ في دوّامة. سُجِنَ هذا الباحثُ بسببِ المُخالفاتِ الأخلاقيّةِ من خلالِ قيامِهِ بالتجاربِ على بني البشرِ وتزييفِ الوثائقِ. هذه هي المرّةُ الوحيدةُ، على قدرِ ما هو معروف، الّتي وُلدت فيها أجنّةٌ كانت قد غُرسَت في الرّحمِ بعد أن مرّت بتعديلٍ جينيٍّ. أشارت الدِّراساتُ بعد ذلك إلى مخاطرَ تكتنفُ إجراءَ التّعديلاتِ الجينيّةِ في الأجِنّةِ، إلّا أنّ التكنولوجيا تتحسَّن يومًا بعدَ يوم، ولا شكَّ أنَّ تجارب كهذه ستُجرَى في الأعوامِ القادمةِ- وقد تُجرَى في دولِ العالمِ الثّالث حيثُ الرّقابة مُتدنِّية. 

لا يقتصرُ التخوُّفُ من هذه التكنولوجيا على احتمالِ حدوثِ طفراتٍ غير مقصودةٍ تنجمُ عن أخطاءٍ في منظومةِ كريسپر، بل يكتنفها أيضًا الخوف من استخدامِها لخَلق أشخاصٍ لأهدافٍ مختلفةٍ، أشخاص حسب الطّلب. لقد وردَ في مُؤلفاتِ وأفلامِ عِلم الخيالِ وصفُ مُستقبل تُستخدمُ فيه "الهندسةُ الجينيّةُ" في خَلق أشخاصٍ سالمين تمامًا و"مثاليّين" ذوي مكانةٍ عاليةٍ، ويبقى الأشخاصُ المولودون ولادةً طبيعيّةً في المكانةِ المتدنّية. لا يتوقّفُ الأمرُ عند هذا الحدّ، فقد أصدرت المُخابراتُ الأمريكيّةُ تقريرًا مفادُهُ أنّ الصّينَ تنوي خَلق "جنود فوقيّين"، كمثل كابتن أمريكا. قد تتحقَّقُ هذه الفكرة في العقودِ القادمةِ سواء كان تقريرُ المخابراتِ الأمريكيّةِ صحيحًا أم لا. أيّة صفاتٍ أخرى، من مخزنِ صفاتِ الأبطالِ الخارقين المحبوبين عليكم، تودّونَ إضافتَها؟- قد يتمكّنُ أبناؤُكم أو أحفادُكم من إضافتِها لأبنائِهم.

 אולי בעתיד יהיה אפשר להוסיף לילדים תכונות של גיבורי על, כמו קפטן אמריקה | איור: Anton_Ivanov, Shutterstock
قد يُتاحُ إدراجُ صفاتِ الأبطالِ الخارقين، مثل كابتن أمريكا، للأبناءِ في المستقبل | الرسم التوضيحيّ: Anton_Ivanov, Shutterstock

تنقُّل RNA بين الخلايا والأنسجة

نشرَ الباحثُ الأمريكيّ جيرالد كولودني (Kolodny) في مطلعِ سنواتِ السّبعين من القرنِ العشرين دراسةً تدلُّ على إمكانيّةِ تنقُّل RNA بين خلايا الحيوانات داخلَ مزرعةٍ من الخلايا. لم تُنشَرْ أيّةُ دراسةٍ أخرى حول هذا الموضوعِ حتّى سنة 2007م. من المعروفِ منذ وقتٍ طويلٍ أنَّ الخلايا تُفرِزُ فقيعاتٍ صغيرةً جدًّا تُسَمّى إكسوسومات إلى سوائلِ الجسمِ كالدّمِ واللُّعابِ والحليب، يُمكنُ أن تستوعبَها خلايا مُجاورةٌ أو خلايا بعيدةٌ بعدَ أن تجولَ في أنحاءِ الجسم. وجدَ البيولوجيُّ السّويديُّ يان لوتڤال (Lötvall) سنة 2007م أنَّ هذه الفُقيعاتِ تحوي أنواعًا مختلفة من الـ RNA. نُشرت بعد ذلك عشراتُ الآلاف من الدّراساتِ الّتي تناولت تشخيصَ مُكوّناتِ الإكسوسوماتِ وغيرِها من الفُقيعاتِ واكتشاف نوعيّة جزيئات RNA فيها ووظائفها. يبدو أنّ غالبيّةَ هذه الوظائفِ تتعلّقُ برقابةِ عمليّاتِ ترجمةِ أو تحلُّلِ RNA رسول في الخلايا المستهدفةِ الّتي تستوعبُ الإكسوسومات، إلّا أنّ وظائفَ بعضِ أنواع الــ RNA، مثل vault RNA، لا تزالُ غامضةً. تُؤثِّرُ جزيئاتُ tRNA النّصفيّة الّتي وُجِدَت في الإكسوسومات في نشاطِ جهاز المناعةِ، وكذلك في صفاتِ النّسلِ من خلالِ التأثيرِ في الخلايا المنويّة عندَ الآباءِ. قد يكونُ للــ RNA الموجودِ في الإكسوسومات دورٌ في تطوُّر بعضِ الأنواعِ من السّرطان أيضًا. يحاولُ الباحثون استخدامَ تشخيصِ "بصمةِ RNA السرطانيّ" للإكسوسومات في الدّمِ كوسيلة للكشف عن السّرطان؛ لأنّ الخلايا السّرطانيّة تُفرِزُ الإكسوسومات هي الأخرى. لكن ما زالَ المجهولُ أكثرَ من المعلومِ على الرغمِ من الأبحاثِ والدّراساتِ واسعةِ النّطاق الجاريةِ حولَ الموضوع.

كشفت دراسةٌ لافتةٌ للانتباهِ وجودَ جزيئاتٍ من RNA رسول قادرة على التنقُّلِ بين الخلايا العصبيّةِ بواسطةِ آليّةٍ شبيهةٍ بالآليّةِ الفيروسيّة. ليس هذا هو الجزيءُ الوحيد من هذه النّوعيّةِ، فقد نشرَ پانݞ جانݞ- أحدُ مُطَوِّري تكنولوجيا كريسپر- دراسةً حول امكانيّة استخدام هذه الآليّةِ لِنقلِ الـ RNA بين الخلايا. اكتشفَ كاتبُ هذه السّطورِ وباحثون آخرون آليّةً أخرى لتناقلِ الـ RNA بين الخلايا: تُنتِجُ خلايا مُعيّنة أنابيبَ نانويّة تُتيحُ انتقالَ RNA رسول فيما بينها. لقد اكتُشِفَ وجودُ انتقال لجزيئات RNA بين الخلايا والأنسجة النّباتيّة سنة 1995، في حين أنّ النتائجَ الّتي تتعلّق بالحيوانات جديدةٌ. يوجد لِتنقُّلِ الـ RNA على أنواعِهِ بين الأنسجةِ النّباتيّةِ دورٌ مهمٌّ في نموّ النّبتةِ وازدهارها وتأقلُمِها مع الظروفِ البيئيّةِ.

אקסוזומים משתחררים מתא בזרם הדם | איור: NICOLLE R. FULLER / SCIENCE PHOTO LIBRARY
يحاولُ العلماءُ معرفةَ أنواعِ الـ RNA الموجودةِ في الإكسوسومات ووظائفها. في الصورة: انطلاقُ الإكسوسومات من الخليّةِ في تيّارِ الدّمِ | الرّسمُ التوضيحيّ: NICOLLE R. FULLER / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 التعلُّمُ والذّاكرة

"تعلّمتُ الكلامَ بالاستعانةِ بتمرينِ RNA قبلَ سنينَ كثيرة. [...] لعلّكَ تُفاجَأُ من سُرعةِ التعلُّمِ معَ حُقنِ RNA الّتي ستُساعدُك في التّعليم". هكذا يصفُ لاري نيڤن أسلوبَ التعليمِ في المستقبلِ في كتابِهِ "عالَمٌ خارج الزمن". توجدُ علاقةٌ وطيدةٌ حقًّا بين الــ RNA وبينَ التعلُّمِ والذّاكرة. تكوينُ الأربطةِ بين الخلايا العصبيّةِ وتقويتُها أو إضعافُها يُعدّ جزءًا من عمليّاتِ التعلُّمِ والتذكُّر. تُشيرُ الدّراساتُ في العقدَيْن الأخيرَيْن إلى وجودِ أهمّيّة كبيرة جدًّا لإرسالِ جزيئات RNA رسول لآلافِ الجيناتِ إلى أطرافِ الامتداداتِ الطويلةِ للخلايا العصبيّة- حيثُ تتمُّ ترجمةُ الـ RNA إلى بروتين. وتتعلّقُ عمليّةُ التّرجمةِ بنقلِ الشّاراتِ الكهربائيّةِ بين الخلايا العصبيّة، وتُشيرُ الدّراساتُ إلى أنّ الــ RNA رسول الموجود بالقربِ من رابطةٍ نشِطةٍ بين الخلايا العصبيّةِ تتمُّ ترجمتُه، بينما لا تتمُّ ترجمةُ جزيئاتِ RNA الموجودة بالقربِ من روابطَ لم يتمَّ تفعيلُها. ينبُعُ جزءٌ من أمراضِ التنكُّسِ العصبيّ، على ما يبدو، من إصابة قدرة نقلِ الـ RNA على طولِ هذه الامتدادات أو من ضررٍ يلحقُ بِعمليّةِ التحكُّمِ بترجمتها. تجري المحاولاتُ من خلالِ الكثيرِ من الدّراساتِ والأبحاثِ لمعرفةِ الطريقةِ الّتي تؤدّي بها هذه العمليّةُ إلى المرض، وفيما إذا كانت هناك علاجاتٌ مُوجّهةٌ لهذه العمليّةِ وقادرةٌ على منعِ تطوّر هذه الأمراض لمساعدةِ المرضى بطرقٍ أخرى. 

فكرةُ استخدامِ حَقْنِ RNA معيّن داخلَ الخلايا العصبيّةِ "لاختصارِ الطّريق" للتعلُّمِ تثيرُ اهتمامَ الباحثين. حاولَ باحثون من كاليفورنيا، من خلال دراسة أجرَوْها في الآونةِ الأخيرة على الحلزون البحريّ، فِعلَ ذلك بالضبط- حَقْن RNA مأخوذ من داخلِ خلايا عصبيّةٍ لحيواناتٍ تعلّمت فعلَ عمليّةٍ ما، في حيواناتٍ لم تتعلّم أداءَها. يدّعي هؤلاء الباحثون أنّ حَقْنَ الــ RNA أدّى إلى تعلُّمِ العمليّةِ، إلّا أنَّ استنتاجاتهم مثيرةٌ للجدل. 

على الرّغمِ من ذلك، ليس من المُستَبعدِ أن يتمّ في المستقبلِ استخدامُ إحدى الآليّاتِ الموصوفةِ أعلاه أو أكثر، مثلَ الإكسوسوماتِ أو الأنابيبِ النّانويّةِ، لإرسالِ RNA إلى خلايا عصبيّةٍ مُعيّنةٍ في الدِّماغ وذلك لتحفيزِ عمليّةِ التعلُّمِ أو لتكوينِ ذاكرةٍ معيّنة- على غرارِ نبوءةِ نيڤن.

חילזון "ארנבת הים" ששימש במחקר המסקרן | מקור:  ROGER HALL / SCIENCE SOURCE / SCIENCE PHOTO LIBRARY
ما زالَ الاستنتاجُ بأنّه من الممكنِ نقلُ المعرفةِ مثيرًا للجدل. في الصورة: حلزون "أرنب البحر" الّذي استُخدِمَ في الدّراسةِ المثيرةِ للاهتمام | المصدر: ROGER HALL / SCIENCE SOURCE / SCIENCE PHOTO LIBRARY

التطوُّر بقيادةِ الــ RNA

تتركَّزُ غالبيّةُ الدّراساتِ الجاريةِ في مجالِ علمِ التطوّرِ في كيفيّةِ تأثيرِ التغييراتِ الّتي تحدث في تسلسلِ الـ DNA، أو ربطِ موادّ مُعيَّنةٍ به- علمُ التّخلُّق، في مجرى التطوُّر، ذلك لأنّ الـ DNA هو المادّةُ الوراثيّةُ لدى جميعِ الكائناتِ الحيّة. إلّا أنَّ دورَ جزيئاتِ الــ RNA في عمليّةِ التطوُّرِ آخذٌ في الانكشافِ شيئًا فشيئًا في العقدِ الأخير. عوديد يرخاڤي من جامعةِ تل أبيب هو أحدُ رُوّادِ هذا المجال. أظهرت دراساتُهُ حولَ الدّيدانِ المُسَطّحةِ أنَّ جزيئاتِ الــ RNA الصغيرةَ الّتي تتكوّنُ خلالَ حياةِ الأمِّ كردّ فعل على الأمراضِ أو نتيجةَ حالات الضّيقِ تُنقَلُ إلى ذُرِّيتِها وتُؤثِّرُ في سِماتِها الشّخصيّةِ لعِدّةِ أجيالٍ قادمة. وبيّنَ رخاڤي كذلك أنَّ المعلوماتِ الّتي تتعلّمُها ذُرِّيةُ هذه الدّيدانِ ويتمُّ خَزْنُها في الذّاكرةِ في الخلايا العصبيّةِ للأمِّ تُنقَلُ إلى الذُّرِّيةِ بواسطةِ جزيئاتِ الــ RNA. أظهرت الدِّراساتُ على ذوات الأثداء، كما ذُكرَ أعلاه، أنَّ انتقالَ أنصافِ الــ tRNA إلى خلايا الأبِ المنويّةِ كردِّ فعلٍ على ظروفٍ مُختلفةٍ من التغذية يُؤثّر في الصِّفاتِ الأيضيَّةِ لِنسلِه.

تلعبُ جزيئاتُ RNA دورًا مهمًّا في مجالٍ آخرَ هو دراسةُ بدايةِ الحياة. ترى نظريّةُ عالمِ الـ RNA أنَّ جزيئاتِ RNA كانت هي الجزيئاتُ البيولوجيّةُ الأولى. لقيت هذه النظريّةُ في الأعوامِ الأخيرةِ دعمًا من عِدّةِ جِهاتٍ منها دراساتٌ أظهرت أنَّ جزيئاتِ RNA طويلةً يمكنُ أن تتكوّنَ بشكل طبيعيّ وبسيطٍ فوقَ زُجاجةٍ بُركانيّةٍ، وأنَّ جزيئاتِ tRNA قد تكون أنتجت البروتينات الأولى. لا تقتصرُ أهمّيّةُ هذا المجالِ من البحثِ العلميِّ على فهمِ الحياةِ على سطحِ الكرةِ الأرضيّةِ بل يُشكِّلُ جزءًا من مجالِ بحثٍ أوسعَ نطاقًا- البيولوجيا الفلكيّة الّتي تبحثُ، ضمن أمورٍ أخرى، في إمكانيّةِ تطوُّرِ الحياةِ في كواكبَ سيّارةٍ أخرى غير الأرض.

איור של RNA במרכיב מרכזי ב"מרק הקדום" שבו נוצרו החיים | איור: BILL SANDERSON / SCIENCE PHOTO LIBRARY
رُؤى جديدةٌ للحياةِ على الأرض، ورُبّما في أماكنَ أخرى. رسمٌ توضيحيٌّ للـ- RNA كمُكَوِّنٍ مركزيٍّ في "الحساء البدائيّ" الّذي نشأت فيه الحياة | الرّسمُ التَّوضيحيّ: BILL SANDERSON / SCIENCE PHOTO LIBRARY
 

البيولوجيا الصِّناعيّة: الكاشِفاتُ والمفاتيحُ والماكناتُ الجزيئيّة

عِلمُ الأحياء (البيولوجيا) الصّناعيّ (التّخليقيّ) هو مجالُ بحثٍ جديد نسبيًّا يسعى الباحثون من خلالِه إلى إعادةِ تخطيطِ المنظوماتِ البيولوجيّةِ الجديدة. أحدُ اتّجاهاتِ هذا المجالِ هو تكوينُ كائنات ذات شِفرة جينيّة مُوسَّعة تتيحُ ترجمةَ جزيئاتِ الــ RNA رسول بطرقٍ غير مُتوفِّرةٍ في الطّبيعة، والحصول على بروتيناتٍ لها صفاتٌ جديدةٌ وفريدة. ويصبو اتّجاهٌ آخر إلى استخدامِ مِفتاح RNA، وهو عبارةٌ عن آليّةِ رقابةٍ وتحكُّمٍ تتيحُ لِتسلسلِ مُعيّنٍ من الــ RNA أن يُشَخِّصَ جزيئًا ما، مثل حامضٍ أمينيٍّ أو سُكّرٍ أو حديدٍ أو مضادٍّ حيويّ. يتغيّرُ مبنى المفتاح نتيجةً لارتباط مثل هذه الجزيئِاتِ بِجزيء الــ RNA فتُشغَّلُ أو تُوقَفُ عمليّةٌ ما داخل الخليّة. أنتجَ باحثون، على سبيلِ المثالِ، مفتاحَ RNA يُشَخِّصُ الهِستامين -وهو جزيءٌ يتواسطُ ردّ الفعلِ الحساسيّ- فيُشَغّلُ ترجمةَ البروتينات كردِّ فعل. 

تُشَكّلُ الكثيرُ من جزيئاتِ RNA "سقالات" لإنتاجِ هياكلَ بنيويّةٍ في الخليّة. هيكلُ الريبوزوم هو الأكثرُ شُهرةً، وتتَّكِئُ هياكلُ بُنيويّةٌ كثيرةٌ أخرى في الخليّةِ على جزيئاتٍ طويلةٍ من الـ RNA. تجري مُحاولةٌ لإنتاجِ سقالاتِ RNA صِناعيّةٍ في مختبر روعي عميت في التّخنيون، بحيثُ يُشَكِّلُ الهيكلُ البنيويُّ الّذي يعتمدُ عليها مِنصَّةً لنشاطِ الإنزيماتِ المختلفة. 

استخدامٌ آخر لـِ RNA في البيولوجيا الصِّناعيّةِ هو إنتاجُ كاشفاتٍ بيولوجيّةٍ (biosensors)- وهي عبارةٌ عن منظوماتٍ مُعَدّةٍ لتشخيصِ موادَّ مُعيّنةٍ والتّنبيهِ لوجودِها، عن طريقِ تغيُّر لونِ المحلولِ مثلًا. هناك الكثيرُ من الكاشفاتِ الّتي تعتمدُ على تكنولوجيا كريسپر، والمُهيّأة لتشخيص المادّة الوراثيّة الفيروسيّة والبكتيريّة. يعتمدُ نوعٌ آخر من الكاشفاتِ على جزيئاتِ الــ RNA الّتي ترتبطُ بجزيئاتٍ صغيرةٍ، كما في حالةِ المفاتيح، فيُشَغِّلُ الكاشفُ جزيئًا فلوريسنتيًّا ينبعثُ منه الضّوء، بدلًا من تشغيلِ أو إيقافِ عمليّةٍ كالتّرجمةِ أو النّسخ. 

وأخيرًا، تُجرى دراساتٌ حولَ قدراتِ الرّيبوزومات، وهي جزيئاتُ RNA ذاتُ نشاطٍ إنزيميٍّ كقَطْعِ الـ RNA، وإحداث تغييرات كيميائيّة من على الــRNA، والقدرةِ على التَّكرار (الاستنساخ أو النّسخ المتماثل).
 

 تلخيص

التنوُّعُ الكبيرُ في جزيئاتِ الــ RNA ونشاطها البيولوجيّ جعَلاها منصّةً مُثمرةً للدِّراساتِ الحديثةِ والخارقةِ في جميعِ مجالاتِ علومِ الأحياءِ والطّبِّ والزِّراعةِ والبيئة. أصبحت هذه الجزيئاتُ في الربعِ الأوّلِ من هذا القرن هي الأهمّ في مجالِ الأبحاثِ ،وما زال مستقبلُها ينتظرنا، ذلك بعد أن اعتُبِرت حتّى نهايةِ القرنِ الماضي وسيطًا، ليس إلّا، بين الــ DNA وبين البروتين. 

تعتمدُ هذه المقالةُ، التي تُرجمت بتصرّف على محاضرةِ چال حايموفيتش "المستقبل في مرآة الـ RNA" الّتي أُلقِيت في مؤتمر عوالِم 2021.

 

0 تعليقات