يمكنكم كتابة شِفرة سرية بواسطة شريطٍ من التيفلون - شفرة لا يستطيع فكّها سواكم

شفرة سرية، أو رسالة مشفّرة مثيرة - يمكن كتابتها، إخفاؤها، وفك شفرتها مراراً وتكراراً، وكيف يمكن أن "نرى" اتجاه الجزيئات.

المواد والأدوات

  • شريط تفلون - يُفضَّل أن يكون عريضًا وسميكًا (تجدونه في جميع حوانيت مواد البناء)

  • قلم حبر أو قلم خطاط (ماركر)على أساس كحولي

  • مقص

مجرى التجربة

يمكنكم متابعة مجرى التجربة في الفيديو التالي:

متعدد رباعي فلورو الإيثيلين 

تم اكتشاف التيفلون، أو باسمه العلمي بولي تترافلوروإيثيلين، عن طريق الصدفة سنة 1938 في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك خلال محاولة إنتاج غاز تبريد للبرادات. لم يتم الحصول على غازٍ للتبريد - نتجت مادة لها صفات خاصة: ملساء للغاية ولا تلتصق بها الأشياء. من هنا فإن أحد الاستعمالات الأكثر شيوعًا للتيفلون هو استخدامه كطلاءٍ عديم الالتصاق للقلايات والطناجر. 

يمكن إنتاج أشرطة لينة الملمس من التيفلون ومع ذلك فهي مقاومة لقوة الشد إلى حد كبير أي أنها متينة للغاية - لذلك يمكن لفها بسهولة على الأشياء الأخرى. أكسبت هذه الصفات التيفلون استخداماً خاصاً في السباكة (أنابيب المياه): يلف المواسرجي أشرطة التيفلون على تلولب الأنابيب وأجزاء السباكة عند تركيبها. تمنع متانة التيفلون تمزقه عند ربط الأنابيب ببعضها البعض ويؤدي وجوده بين أجزاء التلولب إلى منع تسرب الماء من خلالها ، كما أنه يُسهّل فتح التوصيلات التي تربط الأنابيب ببعضها ويمنعها لئلا تعلق.

شريط من التيفلون ملفوف حول تلولب الأنابيب قبل توصيلها ببعض لسد الثغرات ومنع تسرب الماء منها.| المصدر: ويكيبيديا، النطاق العام
شريط من التيفلون ملفوف حول تلولب الأنابيب قبل توصيلها ببعض لسد الثغرات ومنع تسرب الماء منها.| المصدر: ويكيبيديا، النطاق العام

لكي نفهم ما يحصل في التجربة الموصوفة في الفيديو نركز اهتمامنا في الجزء الأول من الاسم العلمي الطويل للتيفلون - بولي تترافلوروإيثيلين- أي كلمة بولي. عندما ترِد هذه الكلمة في بداية اسم المادة فإنها تعني أن المادة تنتسب إلى عائلة البوليميرات. 

تتميز مجموعة البوليميرات على المستوى الميكروسكوبي أو الجسيمي بأن جسيمات هذه المواد تتكون من وحدات (مير في اللغة اليونانية) كثيرة (بولي) مربوطة فيما بينها. تنجم عن ذلك مواد مكونة من الكثير من الجزيئات الكبيرة تتخذ عادة شكل السلاسل الطويلة المكونة من وحدات كثيرة مربوطة إلى بعضها البعض. كل 'البلاستيكيات' هي في الواقع أنواع من البوليميرات.

التركيب الكيميائي للتيفلون والبولي إيثيلين
التركيب الكيميائي للتيفلون (على اليسار) والبولي إيثيلين - الذي تصنع منه أكياس البلاستيك (على اليمين). تمثل الخطوط روابط كيميائية. H يرمز إلى ذرة هيدروجين، C - كربون، F - فلور. n - يشير إلى تكرار الوحدة n مرات، n هو عدد كبير . تتكون سلسلة طويلة.

انتظام السلاسل

غالباُ ما تتكوّن البوليمرات من سلاسل طويلة. اكتشف العلماء مع مرور الوقت أن صفات المادة تتأثر من طريقة انتظام السلاسل:

عندما تكون السلاسل التي يتكون منها البوليمر ملخبطة عديمة الانتظام (مثل المعكرونة المتشابكة الطويلة) - غالباً ما تكون المادة البلاستيكية رخوة نسبياً وغير متينة.

المادة البلاستيكية التي ترتبط فيها سلاسل البوليمر فيما بينها بالقليل من الروابط - تكون مادة مرنة أي أنها 'تعود إلى ما كانت عليه' بعد أن تستطيل بتأثير قوة الشد - مثل المطاط.

المادة البلاستيكية التي ترتبط فيها سلاسل البوليمر فيما بينها بروابط كثيرة - تكون مادة صلدة مقاومة للحرارة.

أما المادة البلاستيكية التي تكون فيها سلاسل البوليمر منتظمة على امتداد اتجاه معين - تكون متينة جداً باتجاه الانتظام (وقليلة المتانة بالاتجاه المعامد لاتجاه الانتظام) - وهذه هي الحالة في مادة التيفلون وأكياس البلاستيك (التي تسمى في البلاد عادة أكياس نايلون، ولكن هذا الاسم خاطئ من الناحية الكيميائية. النايلون هو مادة بلاستيكية أخرى، أما أكياس البلاستيك فتتكون من مادة البولي إيثيلين). 

يعود الفرق بين درجة متانة المادة بالاتجاه الطولي وبينه في الاتجاه العرضي إلى قوى الترابط الكيميائية: القوى العاملة داخل السلاسل على امتداد طولها هي روابط كيميائية داخل جزيئية، روابط تساهمية أو كوفلنتية - قوية، أما القوى التي تعمل على لصق السلاسل ببعضها فهي روابط كيميائية بين جزيئية - ضعيفة نسبياً (خاصةً تأثيرات متبادلة فان در فالس).

كأنَّ ما يتغير في البلاستيك عند تغير انتظام الجزيئات هو نوعٌ من حالة ركامية: يشبه البلاستيك الملخبط الحالة الركامية السائلة (وهو رخو لهذا السبب) ويشبه البلاستيك ذو السلاسل المنتظمة البلورات المنتظمة في الحالة الركامية الصلبة للمواد. 

يستطيع منتجو التيفلون وأكياس البلاستيك كذلك تنظيم جزيئاته بالاتجاه المرغوب وذلك بواسطة شدّ المادة خلال عملية إنتاجها - فيكون المنتج النهائي متيناً وقوياً في الاتجاه المرغوب: شريط التيفلون على طوله أما كيس البلاستيك بالاتجاه المعامد لاتجاه حمله. وعند إنتاج ألياف منسوجات الألبسة (البولي إستر مثلاً) يجب أن يكون الليف متيناً عند شده على طوله ولذلك فإن انتظام السلاسل مهم في هذه الحالة أيضاً. 

تعتمد التجربة المعروضة أعلاه على هذه الحقيقة: يؤدي شد شريط التيفلون إلى الجوانب (باتجاه عرض الشريط) إلى ابتعاد السلاسل عن بعضها بسهولة ويصعب قراءة الكتابة المخطوطة، أما شد الشريط من طرفيه (باتجاه طول الشريط) يؤدي إلى إرجاع الجزيئات التي أبعدت عن بعضها إلى أماكنها الأولية فتنكشف الكتابة.

يؤدي شد شريط التيفلون إلى الجوانب (بالعرض) إلى "محو" الكتابة بسبب انفصال السلاسل عن بعضها | صور شاشة مأخوذة من فيديو العلوم في المنزل
يؤدي شد شريط التيفلون إلى الجوانب (بالعرض) إلى "محو" الكتابة بسبب انفصال السلاسل عن بعضها | صور شاشة مأخوذة من فيديو العلوم في المنزل

تشكّلُ هذه التجارب، باستعمال كيس البلاستيك وشريط التيفلون، وصفًًا نادرًا نسبيًا - نستطيع التعرف على انتظام الجزيئات من خلاله - وينتمي ذلك إلى مستوى 'الميكرو' أي مستوى الجسيمات الصغيرة، ذلك بواسطة عملية نجريها على مستوى الماكرو - مستوى الأشياء الكبيرة التي نعيش بينها.

 

0 تعليقات