أظهر بحث جديد أنّ أشعّة الشّمس تغيّر الخصائص الكيميائيّة للبولي إيثيلين المستخدم في العديد من منتجات البلاستيك

توفِّر لنا الرّحلات فرصًا ثمينة ومشوّقة لاستكشاف معالم وأماكن جديدة، وليس غريبًا أن نصادف خلالها مشاهد مزعجة مثل النّفايات البلاستيكيّة الملقاة على جانب الطّريق، والّتي قضى بعضها وقتًا طويلًا في الهواء الطلق، وتعرّض لظروف بيئيّة مختلفة. بعد مدّة، يبدأ البلاستيك في التّحلّل؛ فمنه ما يتشقّق، ومنه ما يتفكّك، ومنه ما يتبدّل لونه أو حتّى يتحوّل الى صفراء. قد يؤدّي إصفرار بعض المنتجات البلاستيكيّة مثل نوافذ السّيارات، اللّوحات الإعلانيّة وجزء من العبوات الكبيرة إلى فقدان فائدتها، في حين لا تتأثّر منتجات بلاستيكيّة أخرى بشكل فعليّ، مثل الزّجاجات والألعاب، إلّا أنّها قد تبدو لنا أقلّ جاذبيّة في نسختها الصّفراء، ممّا يقلّل من احتمال استمرار استخدامنا لها.  قد يكون فهم العوامل المؤدّية لاصفرار البلاستيك خطوةً مهمّةً، إذا ما سعينا نحو إطالة عمره الافتراضيّ، واستخدامه بشكل بفعاليّة أكبر.

يصف المصطلح "بلاستيك" مجموعة واسعة ومتنوّعة من المواد المكوّنة جميعها من البوليمرات العضويّة. والبوليمر هو جزيء كبير جدًّا مكوّن من سلسلة متكرّرة من الموحودات (monomeres; جزيئات متماثلة) العضويّة. في الواقع، العديد من الجزيئات العضويّة المألوفة لنا؛ مثل البروتينات والـ DNA والسّكّريّات المتعدّدة هي بوليمرات. يعرف أحد البوليمرات الاصطناعيّة الأكثر شيوعًا باسم البولي إيثيلين، وهو المادّة الخامّ لصنع العديد من منتجات البلاستيك مثل أكياس التّسوّق، صناديق البلاستيك، ألعاب البلاستيك وغيرها. وفي البحث عن أسباب إصفرار البلاستيك وتداعياته، أظهرت الفيزيائيّة الأمريكيّة مارغريت إلمر-ديكسون وزملاؤها أنّ ظهور اللّون الأصفر في البلاستيك يرجع إلى تغيّرًا في المبنى الفراغيّ لمادّة البولي إيثيلين، والّذي يجعلها أكثر يدوانيّة (كيراليّة، لا تتطابق على صورتها المنعكسة في المرآة) .

ينبع مفهوم اليدوانيّة من عدم تناظر المرآتيّ لليدين، أي أنّها تكون على صورة انعكاسها في المرآة، لكنّها غير مطابقة لها. إذا تمعّنا في اليد اليسرى واليمنى، سنرى أنّهما متشابهتان تمامًا، فكلتاهما مكوّنتان من أربعة أصابع وإبهام، لكنّهما ليستا متطابقتين لأنّهما معكوستان في الاتّجاه، إذ تمثّلان صورة مرآة لبعضهما البعض، ولا تتطابق إذا ما وضعت الواحدة فوق الأخرى، سواء من حيث الأصابع، أو من حيث جانب الكفّ وظهر اليد. من ناحية أخرى، لا يوجد للكرة يمين ويسار، وصورة المرآة للكرة ستكون مطابقة للكرة نفسها. من هنا يمكننا أن نفهم أنّ الجزيئات اليدوانيّة هي جزيئات ذات خصائص مشابه لليدين،  فيمكنها أن تكون يمينيّة أو يساريّة. وكما وضّحنا بالنّسبة ليدوانيّة الأيدي أعلاه، تتكوّن للجزيئات اليدوانيّة/الكيراليّة من نفس التّركيبة الكيميائيّة، أي نفس أنواع الذّرات، ولكنّها معكوسة - جزيء "يساريّ" والأخرى "يمينيّ" لا يتطابقان، بل ترتيب الذّرات في جزيء منهما هو صورة المرآة للآخر، ولا توجد طريقة لترتيبها بحيث يتطابقان. أما الجزيئات غير اليدوانيّة/الكيراليّة، فهي تلك الّتي تكون متطابقة لصورتها في المرآة، أو تلك الّتي يمكن ترتيبها بحيث تتطابق على أقلّ تقدير.


الجزيئات اليدوانيّة هي جزيئات ذات خصائص مشابهة لليدين حيث تتكوّن من نفس التّركيبة الكيميائيّة ولكنّها معكوسة، إحداها يمينيّة والأخرى يساريّة | المصدر: ويكيبيديا, Perhelion

المزيد من الأصفر، المزيد من الكيراليّة

قامت إلمر-ديكسون وزملاؤها من خلال بحثهم، بتعريض طبقة من البلاستيك المصنوع من البولي إيثيلين للإشعاع فوق البنفسجيّ، لفترات زمنيّة مختلفة، ثم فحصوا كمّيّة الجزيئات الكيراليّة الّتي تشكّلت فيه. وقع اختيار طاقم البحث على استخدام الإشعاع فوق البنفسجيّ، لأنّه يحتوي على كم من الطّاقة الكافي لإحداث تغييرات في البوليمر، كما أنّ طاقتها تضاهي تلك المنبعثة من الشّمس، والّتي يتعرّض لها البلاستيك بشكل طبيعيّ. وأفاد البحث أنّه حتّى بعد يوم واحد من التّعرّض للأشعة  احتوى البلاستيك على كمّيّة كبيرة من الجزيئات الكيراليّة، وكلّما طالت فترة تعرّض البلاستيك للإشعاع فوق البنفسجيّ، كان لونه أكثر اصفرارًا.

من هنا استنتج الباحثون أنّ تعرّض البلاستيك المصنوع من البولي إيثيلين للإشعاع فوق البنفسجيّ، قد يؤدّي إلى تغيير في تركيبة الموادّ، حيث تحتوي على المزيد من الجزيئات اليدوانيّة/الكيراليّة على سطحه، والّتي تزداد كلّما طالت مدّة التّعرّض للإشعاع، إنّ إصفرار البلاستيك إثرذلك ليس إلا نتيجة انعكاس الضّوء وانتشاره، عند اصطدامه وتفاعله مع هذه الجزيئات. تسهم هذه الدّراسة في إدراك جديد لآليّات التّآكل في منتجات البلاستيك، والّتي قد تساعدنا مستقبلًا على تجنّبها أو على الأقلّ تأخيرها.

 

0 تعليقات