يشعر البشر بتحسّن إذا اعتقدوا أنّهم تلقّوا علاجًا، حتّى لو كان زائفًا. هل هذه الظّاهرة موجودة عند الحيوانات أيضًا؟

تُثير "استجابة الوهم" أو "تأثير الدّواء الوهميّ" (Placebo effect) اهتمام الباحثين والأطبّاء. قد يشعر الشّخص الذي يعتقد أنّه تلقّى علاجًا لمشكلة طبّيّة بتحسّن، حتّى وإن احتوى العلاج فعلًا على مواد خاملة، الّتي ليس لها تأثير متوقّعًا عليه. هناك العديد من الأمثلة حول فاعليّة الدّواء الوهميّ، لكنّ الآليّات البيولوجيّة الكامنة فيه غير واضحة حتّى الآن. يُعرف العلاج الوهميّ بأنّه ينشّط نظام المكافأة في الدّماغ (reward system)، وقد يؤثّر أيضًا على نشاط الجهاز المناعيّ، وبالتّالي قد يؤثّر على صحّة الجسم.

يُعتبر جسم الإنسان معقدًا للغاية - أي لديه القدرة على الشّعور بالتّحسّن، إذا اعتقد أنّه تلقى علاجًا فعّالًا. يكون الدّواء الوهميّ فعّالًا عندما يعلم المريض أنّه تلقّى علاجًا، لذلك من غير المرجّح أن يكون هناك تأثير وهميّ على الحيوانات أيضًا. على سبيل المثال، لا يفهم الكلب سبب زيارة الطّبيب البيطريّ، وعلى الغالب لا يكون قادرًا على توقّع ما إذا كانت الحقنة الّتي تلقّاها ستحسّن حالته الصّحّيّة أم لا. مع ذلك، من المثير للدّهشة، وفقًا لبعض الدّراسات،  إنّ الحيوانات قد تستجيب لتأثير الدّواء الوهميّ. هل يُعتبر هذا الاستنتاج خاطئًا، أم أنّ هناك فعلًا تأثيرًا للدّواء الوهميّ على الحيوانات؟


يكون العلاج الوهمي فعّالًا عندما يعلم المريض أنّه تلقّى العلاج. مناطق نشطة في الدّماغ البشريّ استجابة لتأثير الدواء الوهمي | المصدر:  Mikkel Juul Jensen / Science Photo Library

ماذا كان سيقول بافلوف؟

نشرت بعض الدّراسات أنّ التّفسير المحتمل لنتائج التّجربة، التي أظهرت تحسّنًا في حالة الحيوانات بعد تلقي الدّواء الوهميّ، هو الإشراط (conditioning). قد يبدو مصطلح الإشراط الكلاسيكيّ - الاستجابيّ (Classical conditioning) مألوفًا من تجربة بافلوف، الّتي أجراها العالم إيفان بافلوف (Ivan Pavlov) حول استجابة الكلاب الّتي تتوقّع الطّعام. وصفت هذه التّجربة التّعلم التّرابطيّ، حيث يتعلّم الحيوان الرّبط بين المحفّزات الخارجيّة المحايدة والاستجابة الجسديّة النّاجمة عنها. على سبيل المثال، تتعلّم الكلاب ربط رنين الجرس بظهور الطّعام بعده. وبعد أن تتعلّم الكلاب إجراء هذا الارتباط، يستجيب جسمها لصوت رنين الجرس، ويسيل لعابها حتّى في حالة عدم ظهور أيّ طعام.

لهذا السّبب، عندما يتلقّى الحيوان علاجًا معيّنًا، قد يتعلّم جسمها الرّبط بين تلقّي الأدوية والتّأثير الإيجابيّ للدّواء. نتيجةً لذلك، عندما يتلقّى الحيوان بعد ذلك دواءً وهميًّا الّذي لا تأثيرًا بيولوجيًّا له، قد تتحسّن حالته كما لو أنّه تلقّى الدّواء الحقيقيّ. على سبيل المثال، قامت دراسة معيّنة بفحص التّعلّم التّرابطيّ لدى الجرذان بين الشّعور بالألم والوصول إلى الطّعام. تلقّى بعض الجرذان حقنًا مخدّرة، بينما تلقّى البعض الآخر حقنًا تحوي مادة ليس لها أيّ تأثير جسديّ. 

أثناء تطبيق محفّز مؤلم عليها، استمرّت الجرذان الّتي تلقّت الحقنة المخدّرة في الوصول إلى الطعام، في حين أنّ المجموعة الثّانية الّتي تلقّت الدّواء الوهميّ، كانت قادرة على الشّعور بالألم، بعكس المجموعة الأولى، ولهذا لم تصل إلى الطّعام بنفس القدر. في المرحلة التّالية، تلقّت جميع الجرذان من المجموعتين حقنة الدّواء الوهميّ فقط، الّتي لا تؤثّر عليها. مع ذلك، استمرّت الجرذان الّتي تلقّت حقنة مخدّرة في المرحلة السّابقة، في الاقتراب من الطّعام أكثر من المجموعة الأخرى، على الرّغم من أنّها كانت قادرة على الشّعور بالألم كما يجب. 

استنتج الباحثون أنّ الجرذان خضعوا لآليّة الإشراط الكلاسيكيّ- الاستجابيّ: تعلّموا ربط الحقنة بالتّأثير المهدئ المصاحب لها، بالتّالي شعروا بالرّاحة بعد تلقّيها، حتّى عندما احتوت دواءً وهميًّا.

مثال آخر، الدّراسة التي فحصت مستويات التوتر لدى الكلاب، عندما تكون بمفردها في بيئة غير مألوفة. أُعطيت المجموعة الأولى من الكلاب مهدئًا أثناء حضور أصحابها، بينما أُعطيت المجموعة الثّانية فيتامينات غير مهدئة. في المرحلة التّالية، تلقّت جميع الكلاب في المجموعتين الفيتامينات الّتي لا تأثير مهدئ لها، ثمّ فُصلت عن أصحابها. أظهرت الكلاب الّتي تلقّت المهدّئ في المرحلة الأولى أعراض توتّر أقلّ من المجموعة الأخرى. تشير هذه النّتيجة إلى أنّ الكلاب الّتي تلقّت مهدّئات، تعلّمت ربط تناول الدّواء بتأثيره المهدّئ على جسمها - حتّى عندما تلقّوا علاجًا وهميًّا.


أظهرت دراسة أنّ الكلاب الّتي تعاني من التوتّر و تلقّت مهدّئًا في المرحلة السّابقة، قد تعلّمت ربط تناول الدّواء الوهميّ بالشّعور بالاسترخاء. رجل يقدّم كبسولة لكلب | megaflopp, Shutterstock

تأثير الدّواء الوهميّ بشكل غير مباشر

هناك تفسير آخر لتأثير الدّواء الوهميّ في التّجارب على الحيوانات: الدّواء الوهميّ لا يؤثّر على الحيوانات ذاتها، بل على أصحابها. في الكثير من الحالات، يعتمد نجاح العلاج على الحيوانات على تصريح أصحاب الحيوانات. يعتبر هذا الأمر غير موضوعيّ، نظرًا لأنّ البشر قد يتخيّلون التّأثيرات بناءً على توقّعاتهم المتفائلة لِلعلاج، الّذي تتلقّاه حيواناتهم المفضّلة. على سبيل المثال، قد يقوم أصحاب الحيوانات بالإبلاغ عن تحسّن، بشكل لا يعكس الحالة الطّبّيّة الفعليّة للحيوان.

أُجريت دراسة لاختبار تأثير دواء التهاب المفاصل، مقارنةً بالعلاج الوهميّ على كلاب عرجاء. بُلِّغَ أصحاب الكلاب بتفاصيل التّجربة، حيث سيتلقّى نصفهم العلاج الفعليّ فقط. في البداية، تمّ اختبار مقدار القوة الّتي تمارسها الكلاب عند المشي على سطح ما بساقها المصابة (Ground reaction forces أو باختصار GRF)، بهدف الاستناد على هذه النّتائج عند فحص درجة تحسّنها بعد تلقي العلاج. لم تظهر الكلاب الّتي تلقّت العلاج الوهميّ، أي تحسن في مقياس الـ - GRF. على الرّغم من ذلك، شهد الأطباء البيطريّون وأصحاب الكلاب الّذين تلقّوا الدّواء الوهميّ، على تحسّن في حوالي 57% من الحالات.


كشفت دراسة فحصت الكلاب العرجاء بسبب التهاب المفاصل أنّه في كثير من الحالات أبلغ أصحابها عن تحسّن، على الرّغم من عدم وجود أي تحسّن  في مقياس الـ - GRF على الإطلاق. كلب يمشي على جهاز المشي | PRESSLAB, Shutterstock

عندما يأخذ الزمن مجراه

تتحسّن الحالة الصّحّيّة للحيوانات أحيانًا استجابةً للعلاجات الوهميّة، ومن الصّعب تقديم تفسير بديل لذلك. أظهرت دراسة استقصائيّة فحصت تحسّن حالة الكلاب المصابة بالصّرع، أنّ 79% من الكلاب الّتي تلقّت العلاج الوهميّ، شهدت انخفاضًا في تكرار النّوبات. قد يعزى نجاح هذه النّتائج لإبلاغ أصحاب الكلاب بشكل غير موضوعيّ، لكن نظرًا لمدى التّأثير، وموضوعيّة ظاهرة التّشنّج، يصعب تجاهل وجود تحسّن جسديّ فعليّ لدى الكلاب. لماذا تحسّنت حالة الكلاب؟ بما أنّهم لا يعرفون نوع العلاج الّذي تلقّوه.  

لا يعود كلّ تحسّن إلى تأثير الدّواء الوهميّ. هناك العديد من العوامل الأخرى الّتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. أوّلًا، تبقى الحالات الّتي تتكرّر وتتغيّر ضمن نطاق متوسّطها. ممّا يعني أنّه إذا كانت إحدى الحالات متطرّفة - أي بعيدة عن متوسّط جميع الحالات - فمن المرجّح أن تكون الحالة الّتي تليها أقرب منها إلى المتوسّط. تسمّى هذه الظّاهرة الانحدار نحو المتوسّط (regression toward the mean)، وتحدث في العديد من مجالات حياتنا.

على سبيل المثال، إذا كان الكلب مصابًا بالصّرع، من المتوقّع أن يتأرجح عدد التّشنّجات بشكل طبيعيّ - أحيانًا يكون عدد التّشنجات كبيرًا وفي أحيان أخرى يكون قليلًا. إذا قمنا بقياس عدد التّشنجات بعد فترة من التّشنجات المتكرّرة، سنشهد تحسّنًا، الأمر الّذي يعكس التأرجح الطّبيعيّ، وذلك بغضّ النّظر عن العلاج الّذي تلقّاه الكلب. 

بالإضافة إلى ذلك، إذا خضع حيوان لتجربة تتضمّن علاجًا جسديًّا، قد يكون لذلك تأثير على استجابتها الجسديّة، حيث قد يكون للمس نفسه تأثير على أعراض المرض وشدّته. تبيّن أنّ مداعبة الكلاب تؤثّر على معدّل نبضات قلوبها، وهناك تأثير مماثل أيضًا على الخيول. مع ذلك، يمكن أن يؤثّر ذلك سلبًا أيضًا: قد تتعرّض الحيوانات للتّوتّر بسبب ملامسة شخص غريب لها، ممّا قد يؤثّر سلبًا على حالتها الطّبّيّة.


لا يعود كلّ تحسّن إلى تأثير الدّواء الوهميّ ويجب أخذ العوامل الأخرى في الاعتبار. حفنة من الأدوية الفعّالة مقابل حفنة من الكبسولات الوهميّة| AllaBond, Shutterstock

هل هذا التّأثير نفسيّ؟

ما هي عواقب تأثير الدّواء الوهميّ على العلاجات الطّبّيّة للإنسان؟ تثير التّقارير المربكة حول ظاهرة العلاج الوهميّ في الحيوانات قضايا يجب النّظر فيها. يتمّ اختبار الأدوية المخصّصة للبشر أوّلًا على الحيوانات، ويتمّ قياس فعاليّتها مقارنةً بفعاليّة العلاج الوهميّ. لذلك، من الضّروريّ فهم تأثير الدّواء الوهميّ الموثّق في الحيوانات، من أجل اتّخاذ القرارات الصّحيحة، فيما يتعلّق بفعاليّة الأدوية الجديدة. بعض الدراسات الّتي تطرّقنا إليها لم تشمل عددًا كبيرًا من الحيوانات، مما يعني أنه قد تكون  الإحصائيات مضللة. قد تتضمّن الدّراسات المستقبليّة عينةً أكبر من الحيوانات، وكذلك تحييد تأثير الدواء الوهميّ الحقيقيّ عن التّأثيرات الأخرى الموصوفة هنا، من خلال إضافة شروط التّحكّم، ومن خلال قياسات موضوعيّة لتأثير العلاج، والّتي ستشمل أيضًا قياس نشاط الدّماغ. بهذه الطّريقة يمكننا أن نفهم بشكل أفضل سبب تفاعل الحيوانات مع العلاج، الّذي لا ينبغي أن يؤثّر عليه.

 

0 تعليقات