تُشير نتائج دراسة جديدة، و الّتي بحثت الأنشطة التّرفيهيّة الّتي قد تقلّل من خطر الإصابة بالخَرف في سنّ الشّيخوخة، إلى أنّ الأنشطة المُتعلّقة بالكتابة، التّعلم والاستخدام الفعّال للحاسوب كانت الأكثر فعاليّة

الخَرَف (العِتاه) هو مرض دماغي تنكُّسيّ، والّذي يتجلّى في انخفاض المَهارات الإدراكيّة؛ كصعوبات الذّاكرة، صعوبة في معرفة الزّمان والمكان، وضعف الوظائف التّنفيذيّة بما في ذلك القدرة على اتّخاذ القرارات. الّتي قد تتسبّب بحالات مرضيّة كمرض الزّهايمر، تلف الأوعية الدّمويّة في الدّماغ أو نزيف الدّماغ الدّاخليّ بالخَرَف.

وفقًا لبيانات مُنظّمة الصّحّة العالميّة في عام 2023، يعاني أكثر من 55 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الخَرَف. شُخِّصت ما يقارب إصابة عشرة ملايين مريض إضافيّ بالخَرف في كلّ عام، ممّا يُسبّب عبئًا ماليًّا ونفسيًّا ضخمًا على النّظام الصّحّيّ وأفراد الأسرة.


تابع الباحثون ما يزيد عن 10000 شخص صحيح على مدار عقد من الزّمن. أبناء الجيل الثّالث على أنّهم منهمكون بأنشطة ترفيهيّة | oneinchpunch, Shutterstock

تابع باحثون أستراليّون أكثر من 10,000 شخص مُعافىً، تتراوح أعمارهم بين السّبعين وما فوق، لمدّة عقد من الزّمن وقاموا بفحص أنماط أنشطتهم التّرفيهيّة، لدراسة الأنشطة الأكثر فعاليّة في الحدّ من خطر الإصابة بالخَرَف. قسّم الباحثون الأنشطة التّرفيهيّة إلى عدّة مجموعات: الأنشطة الذّهنيّة النّشِطة، والّتي شملت حلّ الكلمات المتقاطعة، لعب الشّطرنج وألعاب الورق؛ الأنشطة الإبداعية، كالحياكة، الرّسم ونحت الخشب والأعمال المعدنيّة؛ الأنشطة المتعلّقة بمحو الأُمّيّة والتّعلُّم، مثل كتابة المذكّرات، الرّسائل، المقالات، استخدام الحاسوب والمشاركة في برامج تعليميّة إثرائيّة. قام الباحثون أيضا بفحص تأثير الأنشطة غير الفعّالة كالقراءة، مُشاهدة التّلفاز والاستماع إلى الراديو.

كما قام الباحثون بتقييم الدّائرة العائليّة والاجتماعيّة للمشاركين، وتيرة لقاءاتهم الاجتماعية، ووتيرة خروجهم من المنزل لممارسة نشاطات ترفيهيّة، كمُشاهدة الأفلام وتناول الطّعام في المطاعم.

قد وجد البحث أنّ الأشخاص الّذين شاركوا في أنشطة محو الأمّيّة والتّعلّم، مثل الكتابة واستخدام تطبيقات الحاسوب، قللّوا من خطر الإصابة بالخرف بنسبة 11%. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأشخاص الّذين شاركوا في الأنشطة الّتي تتطلّب مجهودًا ذهنيًّا، كلعب الشّطرنج أو حلّ الكلمات المُتقاطعة والألغاز، قلّ لديهم خطر الإصابة بالخرف بنسبة تسعة بالمئة. كما أنّ المُشاركة في النّشاط الإبداعيّ واستهلاك المُحتوى الذّهني غير الفعّال، أدّت أيضًا إلى تقليل المَخاطر بشكل طفيف، بدرجة أقلّ من سابقتها.

حتّى عندما أخذ الباحثون في عين الاعتبار عوامل الخطر الإضافيّة، مثل التدخين، عادات شرب الكُحول، مُستوى التّعليم السّابق، الاكتئاب، مؤشّر كتلة الجسم وأكثر، بقيت النّتائج ذات دلالة إحصائيّة مهمّة، ممّا يعني أنّ نوع النّشاط التّرفيهيّ هو الّذي قلّل من خطر الإصابة بالخَرَف. من المهمّ المُلاحظة أنّ المُشاركين أبلغوا ذاتيًّا عن وتيرة مشاركتهم في الأنشطة المُختلفة، ولم يُجرى أيّ اختبار موضوعيّ، لذلك قد تكون الإجابات متحيّزة بعض الشّيء. من ناحية أخرى، فإنّ العدد الكبير من المشاركين يُعزّز من مصداقيّة النّتائج.

قالت جوان رايان (Ryan) الّتي قادت الدّراسة في مقابلة: "أعتقد أنّ النّتائج تعلّمنا مُعالجة المعرفة السّابقة، واستخدامها بالنّشاطات المختلفة الّتي قد تكون أكثر أهمّيّة في سياق الخَرَف من الأنشطة الذّهنيّة غير الفعّالة. قد يكون للحفاظ على دماغ فعّال أهمّيّة خاصّة." 


لنّشاط العقليّ النّّشط مثل لعب الشّطرنج يقلّل من خطر الإصابة بالخرف بنسبة تسعة بالمائة. رقعة الشطرنج وأدواتها|Just Life, Shutterstock.

بعض المساعدة من الأصدقاء

من المُثير للدّهشة أنّ البحث لم يجد أنّ للمُتغيّرات المُتعلّقة بالعلاقات الاجتماعيّة، واللّقاءات مع الأصدقاء وأفراد الأسرة دلالة إحصائيّة مهمّة، أي أنّ هذه الدّراسة لم تجد تأثيرًا للعلاقات الاجتماعيّة على خطر الإصابة بالخَرَف. تتناقض هذه النّتيجة مع الدّراسات السّابقة، الّتي أظهرت أنّ الأشخاص الّذين يتمتّعون بروابط اجتماعية واسعة، أقلّ عرضةً للإصابة بالخَرف مقارنة بالأشخاص الوحيدين ذوي شبكة اجتماعيّة ضيّقة. أظهرت المُتابعة طويلة المدى (عشر سنوات أو أكثر) أنّ المشاركة الاجتماعيّة تُساهم، إلى حد ما، في تطوير تأثير "وقائيّ" ضدّ تطوّر الخَرَف.

من الجدير بالذكر أنّ الأشخاص في مجموعة البحث الحاليّة، قد شاركوا في أنشطة ترفيهيّة اجتماعيّة، على سبيل المثال، التّدرّب على تطبيقات الحاسوب في الفصل الدّراسيّ، التّعليم الجماعيّ، القيام بالنّشاطات الإبداعيّة المشتركة داخل الفصل الدراسيّ وما إلى ذلك، لذا لا يمكن عزل تأثير المُكوّن الاجتماعيّ عن تأثير نوع النّشاط التّرفيهيّ. تجب الملاحظة إلى أنّ تطوّر الخَرَف يرتبط بمتغيّرات بيئيّة، اجتماعيّة ووراثيّة كالتّدخين، أنماط النّوم، الشّعور بالوحدة والاكتئاب، وعادةً ما تظهر الأعراض فقط بعد حدوث ضرر كبير فعليّ في الدّماغ.

في العقود الأخيرة، جرت محاولات لتطوير روبوتات تشبه الحيوانات الأليفة، لتوفير الصُّحبَة للأشخاص الذين يعانون من الخَرف. من وجهة نظر العديد من الدراسات حول الموضوع، يبدو أنّ للرّوبوتات تأثير إيجابيّ، إلى حد ما، على الحالة العاطفيّة والسّلوكيّة للمرضى.  من جهة أخرى، لم يُعثَر على أيّ تأثير على قدراتهم الإدراكيّة. بكلمات أخرى، حضور صحبة الرّوبوتات لم يمنع ظهور أعراض الخَرَف.

إلى أن تتقدّم الأبحاث حول هذا الموضوع، يمكننا التّأثير إلى حدّ ما على خطر الإصابة بالخرف في سنّ الشّيخوخة. في الدّراسة الحاليّة، وُجد أنّ الأنشطة المتعلّقة بالقراءة، الكتابة، وبشكل خاصّ بالتّعلُّم، قلّلت من خطر الإصابة بالخَرَف. العلاقات الوثيقة مع أفراد العائلة والأصدقاء قد تساهم أيضًا في  تحسين صحّتنا بعدّة طرق، وكما تعلّمنا خلال وباء الكورونا، فإنّ الوحدة قد تُؤدّي إلى مجموعة متنوعة من الآثار السّلبيّة.

 

0 تعليقات